التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقدمة كتاب (المدخل إلى الاستشراق)

مقدمة

عَرَّف علماؤنا كتابة مقدمات العلوم والمداخل لها، وقال أحدهم أبياتاً يوضح ما يجب أن يتضمنه مدخل أي علم أو مبادؤه
مبــادئ كـل علم عشـرة ... الحـد والموضوع ثم الثمرة
ونسبـة وفضلـه والـواضع ... اسم والاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى ... ومن درى الجميع حاز الشرفا
ولما كان الاستشراق قد كتب فيه الكثير منذ عقود من الزمن، ولكن معظم هذه الكتابات لا تواكب التطورات في مجال الاستشراق كما أن من كتبها عرف بعض الاستشراق وغابت عنه تفاصيل كثيرة. بالإضافة إلى بعض من كتب عن الاستشراق لم يخبر الاستشراق عن قرب بل قرأ بعض المصنفات المترجمة عن الاستشراق والمستشرقين وكان الآخر ناقلاً عن السابق فتكررت الكتابات. ومن عيوب بعض هذه الكتابات أن التخصص في دراسة الاستشراق مازال حديثاً حيث أنشئ قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة منذ حوالي ثلاثين عاما (1403هـ)، وهو القسم الوحيد في العالم العربي الإسلامي حتى الآن وقد عطلت الدراسة فيه منذ سنوات بعيدة، كما أن معايير القبول فيه لم تلتزم بالشروط التي وضعت في الأساس من إتقان لغة أجنبية (الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرهما)، ولذلك فإن الذين تخرجوا فيه لم يخدموا التخصص كما ينبغي أو لم يخدموا التخصص البتة، وها هو يوشك أن يفتح من جديد فكلي أمل أن يلتزم القسم بالشروط الأصلية وأن يزيدوا عليها أن يكون الطالب في هذا التخصص صاحب مقدرة علمية وعقلية وأن تكون لديه الإمكانات على السفر والانتقال والشعور بالتحدي للخوض في هذا العلم بقوة واقتدار.
وقد لاحظت أهمية التخصص في الاستشراق من خلال الاطلاع على عدد من الكتب التي تناولت الاستشراق بعامة من حيث النشأة والأهداف والتطور وكذلك في أثناء حضوري بعض المؤتمرات الدولية سواء في البلاد العربية الإسلامية أو في الغرب حيث يكون المتحدثون في الاستشراق قد تخصصوا في أحد فروع المعرفة الإسلامية وعرفوا كتابات المستشرقين في ذلك المجال فتأتي كتاباتهم وآراؤهم متأثرة بالجزء اليسير الذي عرفوه من علم الاستشراق وميادينه الواسعة.
أما هذا الكتاب الذي بين يديك فهو محاضرات كنت ألقيتها على طلابي في كلية الدعوة بالمدينة المنورة، ولا شك أن دراسة الاستشراق أمر يتطور لأن مراكز البحوث والأقسام العلمية والمعاهد ما تزال تعمل في مجال دراسة العالم العربي والإسلامي وتعقد المؤتمرات والندوات وتصدر الكتب والدوريات وغيرها.
ورب سائل يتساءل وما الفائدة من دراسة الاستشراق، هل ينبغي علينا أن نعرف ما يقولونه عنّا؟ والجواب دائماً هو أننا نعيش في عالم تقاربت فيه الثقافات بسبب وسائل الاتصال الحديثة التي جعلت العالم أشبه بقرية كونية كبرى، ولكن في هذه القرية أصبحت السيادة والسيطرة والانتشار للفكر الغربي. فهل نقبل أن يعرف العالم كله الإسلام من خلال ما كتبه الغربيون عنّا. ذلك أن ما كتبه الغربيون من أوروبيين وأمريكيين عن الإسلام والمسلمين قد كتب في غالبه بوجهة نظر إن لم تكن معادية فإنها لن تكون كمن كتب عن الإسلام من أبنائه والمؤمنين به. وقد قدم أحد الباحثين الكوريين دراسة عن صورة الإسلام والمسلمين في كوريا الجنوبية وأكد فيها أن هذه الصورة إنما هي ناتجة عمّا تبثه وسائل الإعلام الغربية في المقام الأول وما كتبه ويكتبه المستشرقون في المقام الثاني، وأضيف حتى وسائل الإعلام الغربية تعتمد أساساً على كتابات المستشرقين.
وحاجتنا لمعرفة ما يقوله الغرب عنّا نابعة من أن هذا الدين الذي ارتضاه الله عز وجل للبشرية أجمع وجعل أمة الإسلام الأمة الشهيدة والأمة الوسط فمن واجبها أن تعرف مكانتها لدى الآخرين حتى تستطيع أن تخاطبهم بما يفهمون. وعلينا أن نكون على علم عميق بالغرب من الداخل لأن الإسلام وهو الدين الذي بعث به الله عز وجل الرسل أجمعين يجب علينا أن نبذل كل ما نستطيع لنقله إلى العالم كله. فكيف نعرف مخاطبتهم إن لم نكن على معرفة بهم وبما يقولونه عن هذا الدين؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...