التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نحاورهم إذا احترموا الحوار

بسم الله الرحمن الرحيم

     ينادي بعض العقلاء من أمتنا الإسلامية بضرورة الحوار مع الغرب لأننا نعاني ضعفاً مزمناً، فكيف يستطيع الضعيف مواجهة القوي؟ لا شك أن لهذه الدعوة ما يبررها ..إنها من باب التخذيل كما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم لنعيم ابن مسعود رضي الله عن (خذّل عنّا)
        والسؤال الذي يقدم نفسه كيف نحاورهم وهم لا يعترفون بوجودنا ولا يعترفون بأننا أهل للحوار، بل إنهم لا يفتأون يسيئون إلينا في أعز ما نملك:عقيدتنا وشريعتنا. ومع كل هذا سنواصل المحاول معهم استجابة لقوله تعالى{ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} وكذلك قوله تعالى {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نشرك بالله شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله}
        ولعل بداية الحوار تنطلق من أن عليهم أن يتخذوا موقفاً حازماً من سفهائهم وسفهائنا الذين عندهم فيضربون على أيديهم وأسنتهم أن لا تمتد بالسوء إلى عقيدتنا ونبينا صلى الله عليه وسلم. فلا يزعمون أن السباب والشتيمة إنما هي من دفاعهم عن حرية التعبير، فما كان السباب والشتم من شروط حرية التعبير.
        وسأعرض هنا لموفقين عجيبين من عجائب "حرية" التعبير المزعومة كما وردا في نشرة تصدرها جماعة إسلامية في الولايات المتحدة. فقد ذكرت النشرة أن مجلة التايم الأمريكية نشرت في عددها الصادر في 27 سبتمبر 1993م ما زعمت أنه صورة للنبي صلى الله عليه وسلم، فما كان من أحد العاملين في هذه النشرة إلا أن كتب معترضاً ومحتجاً على هذه الإساءة فما ينبغي لمجلة يفترض أن تحترم عقيدة ملايين المسلمين ان تسيء إليهم بهذا الشكل، فجاء رد المجلة:" إن محرري مجلتنا يشعرون أن نشر الصورة (للنبي صلى الله عليه وسلم) قدم توضيحاً مهماً للقارئ..ومع ذلك فإننا ناسف لإحساسك بأن نشرة الصورة لم يكن مناسباً إلاّ أننا نقدر لك جهدك في الكتابة إلينا لإبداء وجهة نظرك."
        وذكرت النشرة أن مجلة التايم أصدرت عدداً خاصاً بعد أسبوع أدانت فيه الإسلام والمسلمين في حادثة مركز التجارة العالمي وجاء في مقالة دعائية رديئة من الدرجة الثالثة بعنوان:" الجانب المظلم من الإسلام" بالإضافة إلى إيراد عبارات سامّة عدائية تهادم الإسلام وقد استخدمت المجلة صورة موجهة لهذا الغرض وهي صورة مجموعة من المسلمين يصلون بينما وضعت أسلحتهم بجوارهم، ولزيادة التأثير الدرامي صبغ المسلمون باللون الأسود الداكن حتى لا يفوت على أحد من القراء المغزى السيئ للعنوان.
        وعندما انهالت الرسائل على المجلة تحتج على هذا المقال جاء رد المجلة:" ومع أسفنا أن المقال كان دون توقعاتكم، فإننا نقدر ملاحظاتكم المخلصة...وبالرغم من هذا فإن محرري المجلة يشعرون بالثقة بأنهم يقدمون تغطية تتميز بالدقة والتوازن لكل الموضوعات التي يتناولونها...ومع ذلك فإن شعرتم بأن تغطيتنا ظلمتكم أو ظلمت الإسلام أو معظم المسلمين فإننا آسفون لذلك" وتعلق النشرة على ذلك بالقول إن هذا لا يعني سوى قولهم:"نحن آسفون أنكم لم تحبوا ما قدمنا، ولكننا لسنا مخطئين فنحن نفعل هذا دائماً وسنواصل عمله."
        أما الموقف الثاني فهو لمجلة ريدرز دايجستReader's Digest هذا المجلة الشعبية الواسعة الانتشار والتي تترجم إلى عشرات للغات حول العالم باسم "المختار" تهتم أساساً بالثقافة العامة، وتبتعد عن القضايا العقدية والسياسية حتى لا تجرح شعور أي شعب، سقطت أخيراً في حمأة المحاربين للإسلام بمقالة ظهرت في عدد ديسمبر 1993م بعنوان"الإرهابيون بيننا" فمما جاء في المقالة:"إن كل منظمة إرهابية كبيرة في الشرق الأوسط قد أسست لنفسها شبكة عبر الولايات المتحدة وأصبحت الولايات المتحدة بالتالي معبراً فعلياً للإرهابيين."
        نعم لا بد من الحوار ولا بد من تأجيل المواجهة بكل الوسائل الممكنة حتى تنهض الأمة وتقوى شوكتها وتمتلك الإمكانات التي يمكن بها أن تصمد في المواجهة. ولا شك أن أول أسلحة المواجهة العودة إلى الإيمان بالله عز وجل الذي وعد جنده بالنصر(وإن جندنا لهم الغالبون) وقوله تعالى (إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدينا ويوم يقوم الأشهاد) ولا يضرنا أبداً أنهم يتربصون بنا ويراقبوننا ويطلعون على كثير من أسرارنا فهذا دأب العدو فهل من عودة إلى الإيمان بصدق وإخلاص.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...