التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مراكز الاستغراب(*)

الافتتاحية

                                                        بقلم الدكتور حسن علي الأهدل
مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق الذي يرأسه الدكتور مازن مطبقاني مركز خاص متخصص في دراسة ما يكتب عن الإسلام ومن قبل المستشرقين الذين نذروا أنفسهم لدراسة الإسلام بكل تفاصيله وأصدروا مجلدات ضخمة في جميع مجالات المعرفة التي تخص العالم الإسلامي في العقيدة والشرعية والقرآن والحديث والفقه والتاريخ والاجتماع والاقتصاد حتى أصبحوا يعرفون عنّا وعن ديننا وعن تراثنا أدق الأمور وأصبحت مراكزهم المتخصصة هدفاً يسعى إليه المختصون والطلاب المسلمون لنيل الشهادات العلمية عن دينهم ولغتهم.
ولا شك أن هذا الجهد من الزميل الدكتور مازن يستحق التقدير والإشادة به فمثل هذه المراكز يجب أن يكون محلها الجامعات ويجب أن تحظى بدعم كبير ويكون لها إصدارات ضخمة ويقصدها المختصون للحصول على أي معلومات عن الاستشراق والمستشرقين ولكنه جهد مبارك لا نشك أن صاحبه يقصد من ورائه الخير للإسلام والمسلمين.
ومع أن الاستشراق طوال تاريخه لم يكن شراً كله، إذ أن من المستشرقين من أنصف الإسلام فكان همه فقط خدمة الحقيقة العلمية في حياد وجلد وسعة أفق ولذلك كان لما كتبه تأثير جيد في الأوساط العلمية في الغرب، وكان مما قدم للفكر الإسلامي والعربي دراسات صادقة وأمينة بعيدة عن التعصب والتحامل الأعمى على الإسلام والقرآن.
ومن الأمانة أن لا ننكر قيمة هذا العمل الذي أثرى كثيراً من الدراسات الإسلامية وفتح آفاقاً لم تكن موجودة من قبل، أما الوجه المشرق من الاستشراق فهو أن من هؤلاء من وجد في الإسلام ضالته وقاده  تعمقه في دراسة هذا الدين إلى اعتناقه مثل ليوبولد فايس الذي تسمى بمحمد أسد، وروبرت دلزلي الذي تسمى بعبد الرشيد الأنصاري ومارقريت ماركوس التي تسمبت بمريم جميلة، هؤلاء وغيرهم قدموا دراسات رائدة في نقل الصورة المضيئة عن الإسلام والتراث الإسلامي إلى الغرب.
أما الموجه السيئ للاستشراق فهو حينما استخدم كثير من هذه المراكز الاستشراقية كوسائل لتمكين الاستعمار الغربي من السيطرة على البلدان الإسلامية ومن التسلل والتجسس على العالم العربي وتزويد مراكز القوى بالدول الغربية بمعلومات عن العالم العربي والإسلامي أهمها كيفية دراسة العقلية العربية والإسلامية من أجل التشكيك في قدرة الإسلام على معالجة المشاكل في مختلف مجالات الحياة لأنه –حسب زعمهم- دين قديم لا يتجدد ودين يدعو للعنف والتخلف لأنه يأمر الناس بالجهاد في سبيل الله كما أنه قاصر على معالجة قضايا المجتمع والأسرة و المرأة. أما اللغة العربية فلم تسلم من التعرض للهجوم من قبل المستشرقين المتعصبين إذ اتهمت أنها قاصرة وعاجزة عن التعبير عن المفردات العلمية الجديدة فما لبثوا أن سعوا إلى الدعوة لتغييرها بالعامية لأنها حسب زعمهم الكاذب أقدر على التعبير.
ولعلنا ونحن نتحدث عن الاستشراق الذي رعته الكنيسة في السابق للتبشير بالدين المسيحي وتبنته الحكومات من خلال المراكز والأقسام المنتشرة في الجامعات في كل الدول الغربية لتنفيذ مخططاتهم المختلفة ولا بد أن ننبه إلى ضرورة وجود أقسام في جامعاتنا تسمى مراكز الاستغراب تقوم بدراسة الغرب وعلومه ولغته ودينه مع التركيز على مواطن الهجوم الذي يتعرض له الإسلام والمسلمون لمواجهته وتفنيد مفترياته فخير وسيلة للدفاع الهجوم
وقد يبدو من غير المفهم –لي على الأقل- أن لا تكون لدينا حتى الآن أقسام أو مراكز تدْرس الغرب وكيفية التعامل معه والتأثير على العقلية الغربية بنفس القدر الذي نراه لديهم وربما هذا السبب الذي جعل الآخرين يهاجموننا في قعر دارنا دون أن يكون لنا التأثير القوي عليهم حتى وهم بين ظهرانينا.





* نشرت هذه المقالة في صحيفة (المدينة المنورة) العدد 14244 يوم الثلاثاء 10 صفر 1423هـ الموافق 23 أبريل 2002م.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...