التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التيارات الفكرية في المملكة العربية السعودية والصراع بين الليبراليين والإسلام

الثاني من أبريل عام 2010 الساعة 10,40صباحاً
سألت ميرنان:
 تشهد الساحة الفكرية خلافات حادة بين التيارين الإسلامي والليبرالي 
ويحاول المحايدون من التيار الوسطي إيجاد صيغه توافقيه بين الطرفين عن طريق الحوار إلّا أن الفشل الذريع هو سيد الموقف في كل مرة ما السبب برأيك؟
الجواب: هذه الخلافات ليست وليدة اليوم فمنذ اليوم الذي وطئت فيه أقدام المحتل الأوروبي ثم الأمريكي أرضنا الإسلامية حرص على أن يكسب طائفة من أبناء هذه الأمة لفكره ومبادئه ومعتقداته. فالفكر الليبرالي العلماني المتغرب إنما هو هجين وليس أصيلاً. ومن درس الاستعمار أو الاحتلال الأجنبي لعرف كيف أن المحتل حرص دائماً على أن يربي هذه الفئة على عينه فمعظمهم نشأوا في المدارس الغربية التي زرعت في بلادنا وعلى أرضنا. يقول الشيخ محمد السعيد الزاهري (عالم جزائري) في كتابه (الإسلام في حاجة لدعاية وتبشير) عن طلاب المدارس العربية (هي فرنسية قلباً وقالباً ولكنه أسماها عربية): " هؤلاء الطلاب لا يتحدثون العربية فيما بينهم، وهم لا يصلون ولا يصومون، بل يكادون لا يؤمنون بالله" ومن المعروف أن الاستعمار مكّن لهم لقيادة الأمة حين رحيله. وحتى البلاد التي لم تطأها أقدام المستعمر فتح أبواب مدارسه الموجودة في الدول القريبة لأبناء الجزيرة العربية أو المملكة على وجه الخصوص فدخلوا كلية فيكتوريا في مصر والكلية الأمريكية في بيروت ودخلوا الجامعة الأمريكية في القاهرة وفي بيروت ووصل كثير من هؤلاء إلى مناصب مهمة بل تكاد تكون كثير من المناصب محتكرة عليهم ولو رجعنا لسجل وزرائنا لوجدنا كثيراً منهم درسوا في تلك المدارس

والتيار الليبرالي وقد سيطر على منابر الرأي والتوجيه في بلادنا مارس أقسى أنواع الإقصاء والحرب المعلنة وغير المعلنة للاتجاه الإسلامي. وحتى عندما يفتح المجال قليلاً للتيار الإسلامي إنما هو "ذر للرماد في العيون" ولإسكات معارضيهم بأنهم متفتحون. لقد فتحت الشرق الأوسط صفحة (دين ودنيا) واستقطبت الدكتور محمد الهاشمي الحامدي وكانت صفحة قوية ولكن في بحر من التيار العلماني المتشدد فكم شهدت تلك الصحيفة صولات وجولات أقطاب الفكر العلماني.
ولا أبرئ التيار الإسلامي من شيء من الإقصاء ولكن لأن معظم منابر الإعلام إنما هي في أيدي من يسمون بالليبراليين فأعتقد أنهم لم يختبروا حقيقة. وإن كنّا ننظر لتجربة قناة (دليل) بأنها فتحت المجال لمحاورة الليبراليين وفسحت لهم المجال فهل تفسح صحف الآخرين ومنابرهم الإعلامية المجال للاتجاه الإسلامي المعتدل وهو الغالب والحمد لله.
س2: هل تؤمن بوجود تيار ليبرالي حر داخل المملكة يريد نشر العدل والحرية والمساواة؟ 
يوجد أشخاص يرون أنفسهم في هذا التيار، وأما وصف التيار الليبرالي بالحر فنحتاج إلى تعريف الحرية. فالحرية التي عرفها بلال بن رباح رضي الله عنه، والحرية التي قال عنها ربعي بن عامر رضي الله عنه (إنّ الله جاء بنا وابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الواحد الأحد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة" تلك حرية حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش...) الحرية في الإسلام أن يتحرر الإنسان من كل سلطان عليه إلاّ سلطان الواحد الأحد، سلطان الدين والشرع والقيم والأخلاق. أما الليبرالية الغربية فمن أي شيء يريدون الحرية؟ هل يريدون الحرية من الاستبداد السياسي، فأسألهم ما الكتاب المنزّل أو غير المنزّل الذي ذمّ الاستبداد والدكتاتورية أكثر من القرآن الكريم. يكفي أن نعرف كم مرّة ذُكر فرعون في القرآن الكريم في سياقات سياسية:
• (
ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد)
• (
إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)
• (
فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين)
ولو سلّمنا أنهم يريدون نشر العدل والحرية والمساواة فعلى أي أساس وما التشريع الذي يستخدمونه لتحقيق هذه الأمور؟ إن البشر جميعاً ليبراليين وغير ليبراليين يريدون العدل والحرية والمساواة. ولن أبالغ حتى الحيوانات تريد حرية وعدلاً ومساواة بطريقتها. ولكن من المؤتمن أن يحقق العدل والمساواة؟ هل نستطيع أن نجد خليفة كأبي بكر الصديق رضي اليه عنه حين يقول – ويعني وينفذ ما يقول-" القوي فيكم ضعيف عندكم حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني" كيف نستطيع نحن في العصر الحاضر أن نجعل لهذه القواعد آليات للتطبيق. تلك مسؤوليتنا جميعاً سواءً من زعم أنه ليبرالي أو غير ليبرالي.

شامخ بطبعي سأل:
س: أفضل كتاب المقالات في الصحف السعودية من وجهة نظرك و الذين يحظون بمتابعتك؟!
الجواب: منذ أن انقطعت عن الكتابة المنتظمة في الصحف لم أعد أتابعها متابعة قريبة، ولكني لا بد أن أشيد بالكاتب الدكتور محمد صلاح الدين من صحيفة المدينة المنورة الذي يكتب عموداً يومياً، ولو كان عندنا شركات أو مؤسسات ترعى الكتاب ولا أعرف الترجمة وهي Syndicate حيث تتعاقد مع الكاتب وتقوم هي بدورها نيابة عنه بنشر مقالته في عدد من الصحف لقاء أجرة معينة وليس كما تفعل الصحف حيث يعطون الكاتب مكافأة –وليس أجراً- ويقولون له في كل مرة –رمزية- أما راتب رئيس التحرير وطاقمه وأرباح مجلس الإدارة والمساهمين فلا تسأل تلك أسرار. أقول لو كان عندنا مثل هذه الشركات كانت مقالاته تستحق أن تنشر من المغرب إلى البحرين أو قطر، ولو أمكن ترجمتها لاستحقت أن تنشر في الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية. وأقر أ لعبد العزيز السويد وأقرأ للدكتور عاصم حمدان من صحيفة المدينة. والكتاب الذين يكتبون بإخلاص وأمانة قليل ولكنهم موجودون والحمد لله.

س:المدرسة الدينية المحافظة لدينا دائماً ما تهاجم الصحف المحلية و كتابها , إلى متى تستمر هذا الحالة و متى نجد بدلاً من ذلك مشاركة و مزاحمة لما يروه و يقولوا عنه سيئ ؟!
الجواب: أنت محق إلى حد ما فالصراخ والشتم ليس من أخلاق المسلم فتصف السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم يكن لعّانا ولا طعّانا ولا الفاحش البذيء ، وأنا أربأ بالمتدنين أن يكونوا كذلك، ولكنهم بشر يصيبون ويخطئون. ولا مبرر للصراخ ضد الكتاب من التيارات الأخرى. أما مسألة الكتابة ومزاحمتهم فالأمر صعب ولو خبرت أحوال الصحف من الداخل لعذرت المشايخ والمتدينين ابتعادهم القسري. ومع ذلك فلا بد أن يتحملوا المسؤولية في أنهم تركوا الإعلام لغيرهم ولما قويت شوكة الآخرين جاءوا ليقولوا أعطونا فرصة. عندما كان الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ينثر إبداعاته في التلفاز وفي الكتابة وعندما كان لعلماء الأمة في الأقطار العربية والإسلامية صحفهم لم يكن المشايخ عندنا يلتفتون لهذا الأمر – لا تلتفت لشيخ يرسل المقالة النفاقية إلى كل الصحف ليرى صورته وما هو بكاتب بل حتى كويتب كثيرة عليه- لم يتعلم أصحاب الاتجاه الإسلامي فن كتابة المقالة الرشيقة الشيقة السهل الممتنع، يقرأ الناس أنيس منصور وكانوا يقرأون أحمد بهاء الدين وربما يقرأون كثيراً من الكتاب الذين لا أحب أن أصنفهم بل هم غير إسلاميين فأين من تقرأ له بروح إسلامية وأسلوب ممتع؟ ولماذا لم تنشأ صحف إسلامية في بلادنا ولماذا لم نتعرف كيف نلتف على القوانين الجائرة في مسألة إنشاء الصحف؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...