الرحلة السويدية -الحلقة الأولى التعرف إلى عثمان طوالبه

 
 
 
       جاءتني الدعوة لزيارة السويد بينما كنت في زيارة اليابان في شهر نوفمبر 2006م (شوال 1427هـ) من الأخ عثمان طوالبه الذي يعمل في مؤسسة ابن رشد للتعليم للمشاركة بعدد من المحاضرات في برنامج (السلام في الإسلام) وتم ترتيب البرنامج أن أعود من اليابان وبعد أسبوع في الرياض أتوجه من جديد إلى السويد. ولكن ما الذي جعل عثمان طوالبه يوجه لي الدعوة بالنيابة عن مؤسسة ابن رشد فتلك قصة تستحق أن أقدمها بين يدي زيارتي للسويد.
فقبل خمس سنوات أو ست وصلتني رسالة من الأستاذ عثمان يتحدث عن مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق ويقدم بعض الاقتراحات وها هو نص الرسالة:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله ومن واله، ومن تبعه هديه وذب عن دينه ونشر سنته إلى يوم الدين.أما بعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور الفاضل مازن المطبقاني وفقه الله لما يحبه ويرضاه.
بارك الله في هذا الجهد الضخم الذي تقوم به ونفع الله بك الأمة ونفعك الله بما عملت صدقة جارية، تجدها عند الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأنا مداخلتي طويلة قليلاً ولكني أرجو منها الفائدة بإذن الله تعالى:
أولاً : مجرد وجهة نظر
حقيقة لقد وجدت ضالتي في موقعكم المبارك الذي يعد جهدا لا يستهان به لأجل المشاركة في رفعة الأمة الإسلامية ونهوضها من جديد، فنحن المسلمين طالت كبوتنا وآن الأوان لموجهي الأمة وقادتها وعلمائها أن يشاركوا في إعادتها لأصالتها، وإعطاءها دورها الريادي بين الأمم كافة بإعادتها لشروط تحقيق الخيرية بين الناس ،ولا يكون ذلك إلا بإتباع منهج علمي رصين مبني على فهم الواقع المعاش، بحيث يستفيدون من الماضي ويحللون الحاضر ويستشرفون معالم المستقبل القادم.
لا غرو أن تكون انطلاقة هذا المركز المبارك من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم والتي يأرز الإيمان إليها كما تأرز الحية إلى جحرها كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم، ويقف هذا المركز شامخا بجهود العلماء وطلبة العلم المشاركين فيه ليسد ثغرة عظيمة افتقرت طويلا إلى من يذب عنها بشكل منظم ومدروس. وهذا الجهد يمثل خطوة إيجابية نحو الجماعية والتنظيم في مواجهة آثار الغزو الاستعماري للعالم العربي والإسلامي بمختلف مجالاته ونواحيه، وليس غريبا على أمة النبي صلى الله عليه وسلم والتي تحمل من خصائص ومقومات النهضة والتطور ما تحمل، أن تنفض الغبار عنها وتقوم من جديد بجهود المخلصين من أبناءها لتحمل راية البشرية نحو التقدم والسعادة لخيري الدنيا والآخرة.
لا أحبذ الاكتفاء بالجانب الوصفي ومجرد الثناء على هذا الجهد الطيب الذي يستحق كل الثناء فجزاكم الله خيراً، ولكنني سأحاول إضافة لمسات أراها تساهم في تطوير هذا العمل نحو الإمام.
إذا أردنا دراسة الغرب دراسة موضوعية فعلينا أن نبدأ بخطة مدروسة واضحة المعالم موزعة الأدوار على القادرين والمتخصصين في مختلف المجالات، وبتوجيه من منابع الفكر ومصادر التوجيه المتمثلة في جهابذة الدعاة والمصلحين بارك الله فيهم وفي جهودهم، التي تكون بمثابة مشعل يضئ الطريق لكل عامل في هذا المجال، ويُعبِّد الضوابط والمنطلقات التي تحافظ على مسيرة العمل دون إفراط أو تفريط.
الخطوة الأولى: تكون بوضع دراسة شاملة من خلال ورشات عمل ولجان متخصصة لأجل وضع الأهداف العريضة والوسائل العامة لهذا المشروع التاريخي الضخم.
الخطوة الثانية: التوجه إلى الخارطة السياسية للغرب (أوروبا وأمريكا)، بحيث نعمد إلى تقسيمها جغرافيا إلى عدة مناطق مثلاً (أوروبا الغربية، الشرقية، الشمالية…الخ)، بحيث يشمل هذا التقسيم كامل الرقعة الجغرافية الغربية، لأجل تسهيل دراستها فيما بعد.
الخطوة الثالثة: نعمد إلى توجيه نداء لكل الباحثين والمهتمين بدراسات الاستشراق من خلال صفحات مركز المدينة لدراسات الاستشراق على الإنترنت، لأجل المساهمة الفاعلة في دعم ونصرة المشروع، وأنا على ثقة من تجاوب الغيورين من أبناء هذه الأمة لهذا النداء !
  • أن تشمل الدراسة في مرحلتها الأولية الأوضاع الحالية للدراسات العربية والإسلامية في الغرب، وهذا يعني :
  • دراسة أوضاع الجامعات الغربية ومراكز البحوث الإسلامية فيها ومتابعة نشراتها ومؤتمراتها وبحوثها.
  • عمل مسح شامل وسريع لأسماء هذه المراكز والمعاهد والجامعات وإعطاء عناوينها الإلكترونية على الإنترنت، حتى نسهل عملية الرجوع لها.(عمل خريطة لمراكز الاستشراق في العالم الغربي - صفحة متخصصة على الإنترنت).
  • دراسة أوضاع الكليات والمعاهد المتخصصة في الاستشراق، والتي يتبع قسم منها للدارسات الأكاديمية الجامعية في حين نلحظ أن القسم الآخر هي مراكز استشراقية مستقلة عن الغطاء الجامعي.
  • دراسة وتحليل المناهج المعتمدة لتدريس الإسلام في هذه المناطق ومن ثم دراستها بشكل موضوعي متكامل، وهذا يحتاج إلى كادر متخصص لأجل ترجمة أهم الإعمال في هذا المجال.
  • بعد اكتمال الأسماء التي تتطوع للعمل يعلن عن جميع الأسماء ومناطق انتشارهم في الغرب، بما يشمل العناوين والتلفونات ومواقعهم على الإنترنت (إن وجدت) بحيث نعمد إلى العمل المنظم على شكل مجموعات تتقارب أو تتباعد تبعاً للمناطق الجغرافية.
  • اعتماد عقد مؤتمرات تتعلق بهذا الشأن بين المتطوعين لأجل الاتفاق على آلية عمل مشتركة فيما بينهم.
  • تقوم صفحة مركز المدينة على الإنترنت بتغطية وبث أخبار لجان العمل هذه، ويا حبذا لو استطعنا جمع جميع العاملين في هذا المجال سنوياً أو حسب المستطاع.
  • ضرورة التنسيق في هذا المجال مع الجمعيات والمؤسسات العاملة في أوروبا لأجل مساعدة الجالية العربية والإسلامية الأوروبية، للاستفادة من طويل خبرتهم في هذا المجال.
وبعدُ: فهذه نظرة أولية لتنظيم العمل من داخل أوروبا لأجل الإطلاع بعمق على واقع المراكز الاستشراقية من خلال، دراسات مبينة على الواقع والإحصاءات، وهو جهد متواضع أقدمه لأخواني العاملين في هذا الحقل والمجال سائلاً المولى عز وجل أن يغفر لكاتبه زلة القلم وعثرة اللسان.
أتوجه إلى جميع الأخوة المهتمين بهذا الشأن أن يشاركوا في تقويم هذا "الاقتراح" سلباً أو إيجاباً، لتتسع دائرة الحوار فتتعمق الفكرة وتنضج.
الداعي لكم بالخير:عثمان الطوالبة
ماجستير في الحديث النبوي الشريف وعلومه - كلية الدراسات الفقهية والقانونية - قسم أصول الدين / جامعة آل البيت – المفرق - الأردن. المقيم حالياً : السويد – مدينة هلسنبوري. الاثنين، 20 ربيع الأول، 1422 الموافق: 11/06/2001
هذا هو الجزء الأول من الرسالة وفي الحلقة الثانية إن شاء الله أقدم لكم بقية رسالة عثمان ثم كيف توصلنا إلى زيارة السويد وما تم فيها فإلى اللقاء......

الرحلة السويدية
 الجزء الثاني من رسالة عثمان الطوالبه
        كنت أود أن أتفاعل مع رسالة الأخ عثمان منذ زمن ولكن كنت في مرحلة صعبة في قسم يوشك أن يغلق أو هو قد أغلق، وكانت الجامعة تريد منّّى الانتقال إلى الرياض لإنشاء مركز للدراسات الاستشراقية(وعدوا ولم يوفوا) فلم أتمكن من تحقيق مقترحات الأخ عثمان، وأسأل الله أن ييسر لي التلاميذ والمساعدين لتحقيق هذه الاقتراحات العظيمة. والآن إلى الجزء الثاني من رسالة عثمان.
ثانيا : وقفة مع الأخ الكريم (يحيى أبو زكريا)
لقد اطلعت في العدد الأخير (من النشرة التي كان يصدرها المركز) على ما كتبه الأخ الباحث الجزائري (يحيى أبوزكريا)- رئيس النادي العربي الثقافي في السويد، وبالرغم من احترامي وتقديري لما كتب إلا أنني لا أتفق معه فيما ذهب إليه. فمصطلح حوار الحضارات والثقافات ليس مجرد نغمة وحسب، بل لحن أصيل ومنهج إسلامي ثابت، دعت إليه نصوص الكتاب والسنة النبوية الشريفة، ومارسه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون من بعده، فهو وسيلة فعالة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى، ودعوات الحوار في عالمنا العربي والإسلامي تعبر عن عمق وأصالة الحرية الفكرية وعدم الخوف من الآخر، وليست قرينة وامتدادا لا ينفك عن "مؤامرة" نردد صداها صباح مساء.وإن كنت لا أنكر محاولة الكثيرين التلبيس على الأمة وسلب هويتها وإمرار مخططات استعمارية جديدة تحت دعاوى الحوار والثقافة، ولكن هذا لا يسلبنا النَّصَفَة في نظرتنا وتقويمنا للأمور. وهو بنفس الوقت فالحوار الثقافي يعني الكثير للجالية العربية والإسلامية في الغرب، فمن خلاله تستطيع الجالية المغتربة أن تحقق ذاتها وتعبر عن وجودها وتدافع عن حضارتها وتشارك في بناء "أوروبا عام 2001 " المتعددة الثقافات والتي أصبحت تعي أن مستقبلها دون "حوار أو تفاهم" هو مستقبل غامض تشوبه الكثير من المخاوف على طبيعة العلاقة القادمة بين الثقافات المختلفة المتعايشة في أوروبا؛ التي جربت سياسة تذويب هوية الوافدين إليها وأثبتت التجارب فشل هذه السياسة وخلقها لكثير من المشاكل التي تتعلق بالتعايش والاندماج والسويد خير مثال يضرب في هذا المضمار، ولذا بدأت أوروبا تعي خطورة الوضع القادم وتداعياته على مختلف الأصعدة، وبالرغم من عدم اقتناع الأوربيين جميعاً بخطورة الموقف إلا أن هذا هو الذي يدور في أروقة المجالس ودهاليز السياسة الأوروبية اليوم، ولكن هذا يصطدم دوما بعقلية الرجل الأبيض التي ورثت العداء الأعمى والخوف غير المبرر من الإسلام والمسلمين.
إنني أقرأ النظرة التشاؤمية من بين السطور في كلام الأخ لكل حوار أو تقارب بين الحضارات والثقافات، فنحن إما أمام مجموعة "هواة" يمارسون علينا هواياتهم وحسب، وإما أمام سياسة "تذويب" تخدعنا ببريقها اللامع لأجل طمس هويتنا والقضاء على شخصيتنا وذاتيتنا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأجيال الجديدة الناشئة في أوروبا !! وهذا ما لا أراه ولا أقول به، فبالرغم من الصورة المرعبة لنا كمسلمين في الغرب إلا أنه ومن خلال الحوار والتلاقي بين الحضارات، نستطيع أن نأخذ غطاء واسعاً للدعوة إلى هذا الدين الحنيف الذي هو بحاجة إلى حسن العرض وتخير الأولويات الدعوية، بحيث نعرض من إسلامنا مثلاً ما يساعد في حل المشكلات الداخلية للمجتمعات الأوروبية كمشاكل المخدرات، الكحول، وتربية الأطفال التي سببتها خروج المرأة للمجتمع بأنانية وعدم مراعاة تكامل الحقوق والواجبات مما أفقد الأسرة والعائلة بل والطفل المعاني السامية والنبيلة، وغير ذلك من النواحي التي تعد ثغرات وما أكثرها في واقع الحياة الأوروبية ـ مما حدا بالكثير من الباحثين الأوروبيين إلى التنبؤ بسرعة سقوط صرح الحضارة الغربية ـ وهذا أنتج نزيفا ومعاناة شديدة للمجتمع الأوروبي بالرغم من العيش الرغيد والرفاهية العالية. فنحن نحاول على الأقل الحفاظ على أبناء جاليتنا العربية والإسلامية مما يقلل من معاناة المجتمع الأوروبي بشكل عام ناهيك عن ضرورة مساهمتنا الفاعلة في المجالات الأخرى الخاصة بالحياة الأوروبية المعاصرة، وهذا كله لا يتأتى إلا بإبراز "الأنا" مقابل الآخر عن طريق الحوار والتفاهم.
        وبدلاً من النظرة التشاؤمية و "النظارة السوداء" للتقارب والحوار مع الغرب وهي تعود في جذورها إلى النظرة الكلاسيكية التقليدية التي لدينا عن كل محاولة للالتقاء والتفاهم والحوار، علينا أن نستغل "الممكن" لتحقيق ما نراه اليوم "مستحيلاً" لمستقبل الإسلام والمسلمين في أوروبا. وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأقليات المسلمة التي تعيش بين الأكثرية النصرانية في الغرب، فدعوى التقوقع وعدم الانفتاح والحوار تؤدي إلى تراجع أبناء الجالية "ودفنهم" في الصفوف الخلفية في المجتمعات الأوروبية التي ستعاني في المستقبل القريب إلى اختلال التوازن السكاني حيث تظهر الإحصائيات نقصا حادا لسكان أوروبا الأصليين لحساب "سكان أوروبا الجدد" مما يعني نقصا حادا في الكوادر التي تنتمي إلى الناشئة في أعمارهم الأولى، فماذا أعددنا نحن "مسلمي أوروبا" لأجل التعامل مع هذا الفراغ القادم ؟ وأين موقع أبناءنا وبناتنا على الخارطة الأوروبية المستقبلية ؟ وماذا قدمنا لأجل المشاركة في البناء والتقدم من خلال هويتنا الثقافية والعقدية ؟ وهل نجحنا في إظهار المسلم المنتج والمبدع بدلاً من المسلم المستهلك و"البليد" ؟ هل نحنُ "ونحن نعيش في الغرب" قادرون على انتشال الحضارة الغربية عند سقوطها وإبدالها بحضارتنا وتعاليم ديننا الحنيف بحيث نكون "سفينة نوح" التي تعصمُ من أمر الله ؟! هذه التساؤلات المشروعة بل والواجبة هي التي تشكل وتصيغ مستقبلنا في القارة الأوروبية.
        لا أريد أن أحمل كلام الأخ الفاضل ما لا يحتمل "فلازم المذهب ليس بلازم"، ولكننا للأسف لا زلنا غير قادرين على مجرد تحليل "الواقع الغربي" والتعرف إليه من الداخل و تحديد علاقتنا معه، وهذا أدى إلى ضياع الأولويات ونشوء أجيال مهزومة داخلياً ومبهورة خارجيا بما عند الغرب وبالتالي تخلخل ميزان الثابت والمتغير، واختلط "التكتيك" بـ "الإستراتيجية" ، والأصول بالفروع، والحلال بالحرام. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله !!.
 ثالثاً: مجرد تساؤلات
  • أستغرب تماما خلو هذا الموقع المبارك من دراسات تتعلق بالإنتاج العلمي الذي قدمه المفكر الإسلامي مالك بن نبي رحمه الله تعالى، فله سبق وفضل في مواضيع النهضة وشروطها لا بد أن يشار إليها لما فيها من تكميل لكل ما يثار في الموقع من مواضيع.
  • أيضاً لم تدرس تجارب كل من: جمال الدين الأفغاني، تجربة إدوارد سعيد وغيرها من التجارب التي تستحق الدراسة والعناية، ويا حبذا لو أفرد بند خاص في "مجلة المركز" تحت عنوان (تجارب رائدة في الاستشراق أو الاستغراب).
  • لم تعط دعوة حسن حنفي "مقدمة في علم الاستغراب" حقها من التحليل والتعليق في الموقع، وبغض النظر عن الحكم على الكاتب سلباً أو إيجاباً إلا أن المادة العلمية أو المشروع الذي قدمه، لهو مشروع يستحق البحث والدراسة التحليل.
  • لماذا لا يكون للزائر الحق في دراسة رسائل الدكتوراه أو الماجستير كاملة، وكذا الحال بالنسبة لمجموعة كتب الدكتور مازن المطبقاني، بدلاً من الاكتفاء بالعرض الموجز والسريع ؟!
  • لماذا يخلو الموقع من روابط بغيره من المواقع المتعلقة بالاستشراق، وإن كانت بغير اللغة العربية حتى ولو من باب (أعرف عدوك) على الأقل !!
وأخيراً فإنني أجد نفسي أمام هذا الجهد الكبير مديناً بالدعاء لصاحبه الدكتور مازن المطبقاني غفر الله له ولوالديه، بالتوفيق والسداد، راجياً أن يجد فيما كتبت نصائح قد تفيد في دفع عجلة العمل إلى الإمام.
        اللهم لا تعذب لساناً ينطق بك، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا يداً تكتب حديث رسولك، فبعزتك لا تدخلني النار، فقد علم أهلها أني كنت أذبُ عن دينك)

الرحلة إلى السويد
يقولون لي ما أنت في كل بلدة......
 
واستمرت الصلة بيني وبين الأستاذ عثمان طوالبه عن طريق الرسائل الإلكترونية ، وعن طريق المرسال حتى كان اتصالاً هاتفياً معي وأنا في طوكيو فاتفقنا على أن تبدأ زيارتي إلى السويد وبعدها أكمل طريقي إلى ليدن حيث أقضي جزءاً من التفرغ العلمي.  فكان الترتيب أنني حين أحضر إلى هولندا يمكن أن أزور السويد لأن المسافة قصيرة. ولم أكن أعلم أن زيارتي للسويد يجب أن تكون في موعد محدد لأن معهد ابن رشد لديه برنامج محدد.
وحصلت على تذكرة للسفر إلى هولندا عن طريق السويد، فوصلت ستكهولم يوم السبت التاسع من ديسمبر 2006م فاستقبلني الأخ عثمان ومعه الأخ ياسين المقيم في السويد ومن أصل أرتيري (هناك جالية أرتيرية كبيرة في السويد). وبعد إجراءات قليلة في المطار انتقلنا إلى قرية نائية بالقرب من مدينة ستكهولم، وقد لاحظت أن الغربيين يحبون أن يعقدوا ندوات ومؤتمرات ودورات علمية في مناطق نائية حتى لا ينشغل المشاركون بالأسواق والنزهات بل يكن كل اهتمامهم موجه للمهمة التي جاءوا من أجلها، وتكون المواصلات أحياناً صعبة للانتقال إلى المدينة القريبة. وهذا ما يصلح لبعض المشاركين العرب والمسلمين الذين لاحظت أنهم يحضرون جلسة الافتتاح ثم لا تراهم إلاً في الجلسة الختامية حين توزع شهادات الحضور(بعض المؤتمرات تعطي هذه الشهادات السخيفة) ويقضون بقية أيام المؤتمر في النزهة والاستجمام. (هذا اتهام وجهه الدكتور محمد ربيع في كتابه عن البحث العلمي من منشورات عمادة البحث العلمي حين كان وكيلاً للجامعة للبحث العلمي).
وما أن وصلنا تلك المنطقة النائية وكان الوقت عصراً ارتحت قليلاً من عناء السفر وكان علي تقديم محاضرتين في تلك الليلة: الأولى كانت بعنوان (الإسلام في نظر الغربيين) والثانية (الإسلام دين السلام) وقد حاولت أن أعد لهذه المحاضرات في الفترة التي بدأت الاتصالات بيني وبين عثمان كما أن خبرتي في معرفة نظرة الغرب إلى الإسلام ساعدت في إعداد 

الرحلة السويدية (4)
محاضرة في مسجد مالمو
هي ثالث أكبر مدينة في السويد،وتقع في الجنوب على الحدود مع الدنمرك،  يبلغ سكانها 270ألف نسمة وقد تنازعها السويديون والدنمرك فكانت تابعة للدنمرك ثم أصبحت تابعة للسويد عدة مرات. وهي مدينة قديمة يظهر ذلك من مبانيها، وفيها جامعة من أكبر جامعات السويد على الرغم من حداثة عهدها(تأسست عام 1998م) ويقول موقع كريستيان ساينس مونيتور إن عدد المسلمين في مالمو يفوق أي مدينة أخرى في غرب أوروبا ويوضح هذا التحديات التي تواجه المواطنين الأصليين أما ازدياد عدد المسلمين غير الراضين عن أوضاعهم.
 http://www.csmonitor.com/2005/1206/p07s02-woeu.html
وكما ذكر الموقع فإن نسبة المسلمين الألبان كبيرة في المدينة وذكر خلافات بين المسلمين، وقد تعرض مسجد المدينة لإشعال النيران فيه، وما تزال آثار الحريق موجودة. ومع ذلك فمع ازدياد عدد المسلمين فقد تمت توسعة المسجد عدة مرات. وقد لاحظت وفوداً من السويديين يزورون المسجد وتعد الملابس الساترة في مدخل المسجد لترتديها النساء عند دخولهن المسجد. وقد أعجبني الاهتمام بالإسلام في السويد.
بعد رحلة فيها شيء من المشقة (نسيت تفاصيلها) كان من المفروض أن نصل المسجد على الساعة السادسة والنصف ولكننا تأخرنا حتى التاسعة تقريباً لذلك لم يبق في المسجد إلاّ عدد قليل كانوا ينتظرون خطيباً أو واعظاً. وتحدثت إليهم عن اهتمام الأوروبيين والأمريكيين بالوجود الإسلامي في أوروبا، بل إن هذا الاهتمام يصل حد الخوف أو حتى الرعب. ولذلك فعلى المسلمين في أوروبا واجب كبير أن يعوا مكانهم، وأنهم إذا تحرروا من الظلم والاستبداد في بعض الأقطار التي هاجروا منها فعليهم أن يحمدوا الله عز وجل على نعمة الحرية ويسعوا إلى التمسك بالإسلام ونشره والدعوة إليه. كما على المسلمين أن يكونوا عناصر فعّالة في المجتمعات المضيفة بأن يدرسوا هذه المجتمعات ويفهموها فهماً جيداً ويتفاعلوا مع القضايا العامة ويقدموا ما يرونه مناسباً لحل هذه المشكلات.
ولما كان الجمهور أقرب إلى العوام فقد كان من الصعب عليّ أن أقدم محاضرة بالمعنى الصحيح ولذلك حاولت أن أكون بسيطاً في تناولي للأمور. وكان أحد الأخوة قد ترك سؤالاً لأنه لم يستطع البقاء حتى حضورنا (الأخ عثمان وأنا) فقرأت السؤال وقلت :نعم ثم بدأت الحديث عن مكانة العلماء في حياة الأمة وأنهم القادة الحقيقيون وهم منارات السبيل والهداة وذكرت حديث (اثنان إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدوا فسد الناس، العلماء والأمراء" وهنا تدخل عثمان وقال اقرأ السؤال: قلت له بدأت بالإجابة حرصاً على التشويق، ونص السؤال هو :"حين يتحول العلماء الممثلون للعقيدة لتبرير ممارسات الموجهين للسياسة، فإن الخلل والفساد ينتشران في المجتمع حتى ينتهيا به إلى الانهيار والسقوط، فهل هذا يحصل في عالمنا العربي اليوم؟
قلت نعم وألف ولكنه حدث قديماً كما يحدث اليوم أيضاً، ثم ذكرت قصة سفيان الثوري مع أبي جعفر المنصور (فحل بني العباس ومؤسس دولتهم) حين جاء أبو جعفر إلى الحج فسأل عن سفيان ولما قابله، قال له: "يا سفيان لمَ لا تأتنا فنستشيرك فما أمرتنا بشيء فعلناه، وما نهيتنا عن شيء تركناه" فقال سفيان: يا أبا جعفر كم بلغت نفقتك في الحج وهذه الأعداد الغفيرة تحج معك، فقال أبو جعفر إن لدي أعواناً يقومون بذلك، فقال سفيان: ولكني أتذكر أن عمر بن الخطاب حين كان في الحج سأل غلامه كم بلغت نفقتنا في الحج، فقال: ثمانية عشر ديناراً، فقال عمر: ويحك لقد أجحفنا بيت مال المسلمين. ففي القصة دلالة على أن من واجبات العلماء محاسبة الحكام، وأن العالم الذي يخشى السلطان ويسير في ركابه مخالفاً بذلك الحق فقد خان الأمانة.
وفي اليوم التالي خرجت من فندقي الصغير في مدينة هلسنبورج أو هلسنبوري  كما ينطقها السويديون –ويتكون الفندق من طابقين وعدد غرفه عشرون غرفة، وكان رقم حجرتي هو (1)،واسم الفندق هو ماريا وفي شارع فرعي في وسط المدينة. ومصعده طريف فإذا دخلت المصعد وأردت أن تصعد إلى الطابق الثاني فعليك أن تمسك بالزر حتى يصل المصعد ثم يفتح الباب آليا. والفندق يتوقف عمل الاستقبال فيه على الساعة العاشرة مساءً وعندها يعطى كل زبون مفتاحاً ليدخل الفندق. والفندق من صنف الثلاث نجوم –مع بعض المبالغة- ولكنه لا ينقص عن الفنادق الراقية سوى في اتساع الغرفة ووجود ثلاجة، أما النظافة ووجود جهاز تلفزيون وتنقصه خدمات الغرف غير أن فيه جهاز لصنع الشاي والقهوة. كما يتوفر بالفندق اتصال مجاني بالإنترنت.
وبدأ نشاطي في مالمو (مشوار في السيارة حوالي نصف ساعة) حيث قابلنا البروفيسورة آنا صوفي رولد Anne Sofie Roald  وهي مسلمة وكانت متزوجة من الدكتور عدلي حجر، وكانت محجبة ولكنها واجهت ضغوطاً اضطرتها لخلع الحجاب لكنها لم تتخل عن إسلامها، وقد ظهرت في قناة إقرأ –لم أشاهدها- ولها علاقات جيدة مع الحكومة السويدية وكانت في جامعة لند ولم تحصل على ترقية تستحقها هناك –كما سمعت- فانتقلت إلى جامعة مالمو. ومن موضوعات اهتمامها في الوقت الحاضر قضايا المرأة المسلمة في السويد وفي غيرها من الدول. وهي تتحدث العربية والإنجليزية والسويديه وربما لغات أخرى. ودار حديث معها حول الاستشراق وكانت مهتمة أن تعرف وجهة نظري في هذه الدراسات. وحرصت على تعريفي بعدد من الأساتذة والمسؤولين في الكلية، وقد سألت عن الدراسات الأوروبية والأمريكية، فقدمت لي المسؤولة عن هذه البرامج معلومات قيمة عن هذه الدراسات لم تصبح بعد متوفرة للجمهور.
ولما كان العالم صغيراً كما يقولون فقد لقيت أحد الباحثين السويديين المهتمين بالإسلام وبالسعودية بصفة خاصة وهو يوناس أوتربك وقد لقيته أكثر من مرة في بيروت في المؤتمرات السنوية لمعهد بيروت لفنون الاتصال بالجامعة اللبنانية الأمريكية. ومن اهتماماته أيضاً الحركات الإسلامية. وحضر معنا والدكتور عدلي وعثمان طعام الغداء في مدينة مالمو.
وكان لي لقاء في مؤسسة سنسص Sensus وهي مؤسسة تعنى بتعليم الكبار، وهذه طريقة سويدية خالصة لنشر الثقافة والوعي وإعطاء الفرصة لمن يريد أن يتعلم بطريقة غير رسمية لا يكون فيها شهادات ولا درجات، ولكن ما يدفع الناس للانخراط في برامجها هو الحرص على المعرفة والعلم. وهذه المؤسسة عقدت اتفاقاً مع مؤسسة ابن رشد لعدة أعوام تقوم سنسص بتقديم الرعاية والدعم الفني والمالي لتقوم مؤسسة ابن رشد ببرامجها ومنها هذا البرنامج الذي حضرت للمشاركة فيه.
وأختم هذه الحلقة بالحديث عن شخصية مهمة جداً وهو الأخ عبد المعين عيسي (أبو حسّان) الذي كان متطوعاً طوال الرحلة لنقلنا في سيارته بين هلسنبوري ومالمو ولند وبالعكس والتجوال في هلسنبوري. وأبو حسان عمل في السعودية مدة طويلة، ولكنه قرر في النهاية الهجرة إلى السويد، وله خبرة في الكهرباء والمعدات الكهربائية. وفي البداية ظننت أنه يعمل مع مؤسسة ابن رشد مقابل أجرة معينة فإذ به يعمل متطوعاً ووجدت رابطة من الحب والتقدير والاحترام تجمعه بالأخ عثمان طوالبه. وشعرت أن الخير كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الخير فيّ وفي أمتي إلى أن تقوم الساعة) فجميل أن تجد شخصاً يتطوع بهذه الطريقة، وعلمت أيضاً أن له ابنة تعمل  متطوعة في مكتب رعاية الرعايا الأجانب أو المقيمين في هلسنبوري.

الرحلة السويدية (5)
محاضرة في جامعة لند
 ولقاء مسؤولي رعاية الأجانب في بلدية هلسنبوري
 
كنت قد ختمت الحلقة الماضية بالحديث عن أبي حسان، وقد كتبت بضعة أسطر في مذكراتي عنه ولكني نسيت أن أنقل ما كتبت، ولأن ما كتبت في حينها أحسن تعبيراً عن شهامة هذا الرجل ونبله وأخلاقه فأحب أن أنقله إليكم فيما يأتي:
أبو حسان ليس لديه عمل، وهو فيما يبدو تجاوز الستين، يتطوع مع الأستاذ عثمان طوالبه لخدمة الضيوف من المشايخ وغيرهم، وقد قابلنا في مطار هلسنبوري وكان  معنا طيلة أيام الرحلة، لا يتقاضي شيئاً، يقود بنا سيارته إلى مالمو والعودة إلى هلسنبوري أربع مرات في يوم واحد، وكنت أظنه يؤجر سيارته لهذه الجمعية ويتقاضى أجراً فهو يخدمنا ويحمل العفش، ووالله ما أشرف هذا العمل أن يضع الإنسان نفسه في خدمة العلماء والمشايخ. وإنه والله لتواضع عجيب.
كم أنت كبير يا أبا حسان، كم أنت راق ومحترم وشريف، بارك الله فيك وفي مالك وعمرك وأولاك وبناتك.
ولند Lund مدينة أسسها الدنمركيون عام 1000م وهي ثاني أكبر مدن السويد، وفيها معالم أثرية. لم أتمكن من التجوال السياحي في السويد لأن الارتباطات العلمية والأكاديمية كانت كثيرة وكانت مدة الزيارة تسعة أيام أنفق منها ثلاثة أيام في السفر بين مختلف المدن السويدية والباقي في الارتباطات العلمية, وفي لندن جامعة من أعرق الجامعات السويدية أو الأوروبية فقد تأسست عام 1666م، وهي الآن من أكبر الجامعات وبخاصة في مجال البحث العلمي. وكانت الزيارة للجامعة للقاء أعضاء قسم دراسات الأديان وبخاصة الدين الإسلامي والتعرف إليهم. ولكنهم عندما عرفوا اهتمامي بالاستشراق رغبوا في أن أحدثهم عن الاهتمام بالاستشراق في السعودية ورأيي الشخصي في هذا المجال المعرفي.
وبالفعل وصلنا متأخرين ربع ساعة بسبب السفر من هلسنبوري إلى لند وكذلك البحث عن مكان قسم الأديان. ولكن الحمد لله كان التأخر ليس مزعجاً، غير أن الإزعاج بعد أن سرنا بسرعة من مكان وقوف السيارة حتى  مكان اللقاء ثم كان علي أن أقف أمام أعضاء القسم أساتذة وطلاباً لألقي محاضرة. فوصلت وأنفاسي تكاد تنقطع. فوقفت أمامهم وبدأت بشكرهم على دعوتي وعلى رغبتهم أن أتحدث إليهم وإن كنت أحرص على أن أسمع منهم وأتعلم عن برامجهم في تعليم الإسلام وتعلمه. وتحدثت عن كيف نشأت فكرة الاهتمام بالاستشراق في السعودية وقسم الاستشراق ومن تخرج فيه وما أنتج القسم وما أنتج في السعودية حول الاستشراق. والقصور الذي حدث في دراسة هذا الفرع المعرفي. والدعوة التي أطلقها الدكتور السيد محمد الشاهد لإنشاء الدراسات الأوروبية والأمريكية ولكنه كان في جامعة الإمام عام 1410 وأنّي لهم أن يفهموها،وكررت الدعوة مرة أخرى وبطريقة عملية حيث أعددت كتاب (الغرب من الداخل دراسة للظواهر الاجتماعية) وكتبت مقالة متى ينشأ علم الاستغراب ، ثم تحدثت في أكثر من قناة تلفزيونية عن أهمية التعرف إلى الشعوب والأمم الأخرى.
وبعد المحاضرة وقليل من الأسئلة التقينا لتناول فنجان من القهوة والتعرف إليهم ونشاطاتهم وبحوثهم ورسائلهم. وأعطيت نسخة من رسالة دكتوراه حول سلمان رشدي، ولم أتمالك نفسي أن أنتقدهم بشدة أن يتعب طالب نفسه وأستاذ لإعداد رسالة دكتوراه عن مثل هذا الشخص المنحرف الضال، البذيء. ونسيت الدبلوماسية وأنني في جامعة أوروبية وأنهم ينظرون إلى المسألة بغير المنظار الذي أنظر به. ومن العجيب أن بريطانيا قررت أن تمنّ على سلمان رشدي بلقب تشريفي وهو (سير) أو فارس. ولم يعجب بعض الكتاب البريطانيين أن يقبل رشدي هذا اللقب من بلد لا يكن لها الاحترام بل إنه ينتقد بريطانيا ووصف الملكة بألفاظ بذيئة في بعض كتاباته، وقد رحل عن بريطانيا إلى أمريكا حيث يحقق مكاسب مادية أكبر.
ولكن رشدي نال تلك الشهرة بفتوى الخميني بإهدار دمه، وكنت أعتقد أن الخميني أسهم في شهرة سلمان، ولو كان صادقاً في غضبه من سلمان لما احتاج إلى فتوى مدوية فالشيعة لديهم طائفة الحشاشين وعمليات الاغتيال السرية، فلماذا لجأ إلى العلن، وهاهم الآن يثورون ضد الإنجليز لمنحهم سلمان هذا اللقب. والعجيب أن رئيس الوزراء يشارك في مؤتمر يهتم بالإسلام ودراسة الإسلام وأن المسلمين عنصر مهم في بريطانيا، وأنهم مواطنون يسعون إلى خدمة بلادهم، فلماذا لا تمض أيام على هذا المؤتمر حتى يعلن عن تكريم سلمان رشدي. أين عقل الغرب إن كان للغرب عقل؟ (أظنها تصلح شطراً من بيت شعر)
وأطلعني الباحثون على بعض نشاطاتهم ومواقع في الإنترنت تحمل أفكارهم، وهم مهتمون بالصحوة الإسلامية في السعودية وقد أرسلت لأحدهم بحثاً بعنوان (محاربة الإسلام تحت شعار محاربة الإرهاب) وقد ردّ علي بتعليق طريف يرى أن هذا النقاش جيد لأنه يدل على وجود حرية التعبير في السعودية. ونسي أن المسألة ليست مسألة حرية تعبير فالهجوم على الدين وعلى ثوابت الأمة لم تكن مجالاً ولا ينبغي أن تكون مجالاً لما يسمى حرية تعبير. وعرفت من خلال تعليقه أنه يعرف موقع الكاشف وغيرها من المواقع السعودية. وأتمنى أن تتاح لي الفرصة للقائهم وغيرهم من الباحثين الغربيين لأكشف لهم الأمور التي يرحبون بها وهي تجديف وانحراف وليست حرية. فإذا كان الغرب يهاجم الدين لأن بولس قد أوجد لهم ديناً آخر غير ما جاء به المسيح عليه السلام، فالأمر في الإسلام يختلف.  والحقيقة أنني لم أتمكن من مواصلة التعرف إلى ما يدور في السويد أنني بعد عودتي من هولندا بأيام انطلقت لحضور مؤتمر في الكويت حول ظاهرة التطاول على الإسلام وقدمت فيها بحثاً عن الاستشراق المعاصر وظاهر التطاول على الإسلام، ثم بدأت الترتيب لحضور مؤتمرين في الولايات المتحدة. فالانشغالات جعلتني أترك مثل هذه الأمور كما أن أوراقي التي حصلت عليها من السويد تركتها في الرياض. فأرجو أن تتاح لي الفرصة للعودة إلى هذه القضايا في القريب العاجل.
لقاء مكتب رعاية الجاليات في بلدية هلسنبوري:
قام الأخ عثمان بترتيب موعد لي للقاء المسؤولين في هذا المكتب، وكانوا أكثر من عشرة أشخاص معظمهم من المتطوعين، ويبدو أنهم يحملون حلماً أو فكرة كيف يمكن إدماج المسلمين، ودار الحديث عن مسؤولية الجالية المسلمة في المجتمع السويدي وأن على هذه الجالية واجبات أن تختلط ، وأن تسهم في تعريف الناس بدينهم وثقافتهم ولغتهم وتراثهم. وأن يتفاعلوا مع القضايا التي تخص المجتمع السويدي. كما أن على السويديين أن يعاملوا هؤلاء بعيداً عن العنصرية والعصبية. وحذرت من عبارة الإدماج التي أطلقها الفرنسيون حينما كانوا يحتلون الجزائر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية. وهم في الواقع يختارون مجموعة من الشعب ويفرنسونهم ويقدمون لهم المزايا والمناصب وغير ذلك. فالمسلم لا ينبغي أن يندمج ويفقد هويته  وذاتيه، وإنه أفضل للسويد وللمسلمين إن حافظ المسلمون على هويتهم وشخصيتهم، ويجب على الطرفين العمل على البحث عن الأمور المشتركة والقيم، فلدى المسلمون قيماً عظيماً تتفق مع السويديين مثل الإخلاص في العمل والصدق والأمانة وغير ذلك من الأخلاق التي يقدرها الغربيون عموماً. وعلى المسلمين أيضاً أن يدرسوا المجتمعات التي يعيشون فيها ليستطيعوا فهمها والتفاعل معها تفاعلاً حقيقياً.
وفي الحلقة القادمة إن شاء الله أتحدث عن المحاضرة العامة التي لم تعجبني عن الإسلام والسلام. وإلى الملتقى.

الرحلة إلى السويد (6)
محاضرة في المسجد عن الحب في الإسلام
           نسيت أن أذكر أن فتى من غانا يعمل مع رعاية الجاليات ومكتب الإدماج في مدينة هيلسنبوري تحدث عن موقف المسلمين من الشاذين جنسياً وأنهم يعادون هؤلاء أو يقفون منهم موقفاً معادياً، فلماذا؟ قلت له عجيب أمرك، إن هذا العمل تسبب في غضب الله عز وجل ودمر بلدة كاملة وجعل عاليها سافلها، المسلمون لن يحبوا هذا العمل ولكنهم سيعاملونهم كما يعاملون أي شخص آخر غير أنهم لن يحبوهم.  ثم إني عرفت أن بعض الأمهات لا يريدون لأبنائهم أو بناتهن الاختلاط بالشاذين، وقد ترجمت العام الماضي مقالة من جريدة الطلاب في جامعة إكستر تتحدث عن الاعتراف بزواج الشاذين أو المثليين بأنه كارثة على الحضارة الإنسانية، وأن الشذوذ وبائي ، وأن هؤلاء يحبون أن تنتقل العدوى إلى غيرهم.
        والجالية العربية المسلمة تعاني من أمراض كثيرة، فمنهم من اختطفته الحياة الغربية فتنازل عن شخصيته وهويته وذاتيته، وغرق في المتع والملاهي، وعبد الشهوات والمال. ومنهم من انخرط في النشاط الإسلامي وتعصب  لمذهب أو فئة وعادى إخوانه المسلمين. وجاء دعاة من العالم الإسلامي فزادوهم رهقاً، وكانوا ضعثاً على إبالة زادوا النار اشتعالاً، وزادوا الطينة بِلّة، فظهر التمزق والتشرذم  بين المسلمين. بل إنه في وقت من الأوقات كانت الحكومة السويدية ستقدم للمسلمين تمويلاً كبيراً لبناء مشروع معين فتنافس المسلمون فيما بينهم حتى أفسدوا ذلك المشروع. فاللهم هيء للمسلمين قيادة في ديارهم تجمعهم على حبك وحب نبيك وعلى التعلق بالإسلام الصحيح.
        وفي المساء انتقلنا إلى مسجد الرابطة لتقديم محاضرة حول الإسلام والسلام والمحبة. وقدمني شيخ من فلسطين وقال كلاماً طريفاً في التقديم. قال فيه: عرفت الدكتور مازن من خلال موقعه في الإنترنت والذي وضعته في المفضلة، ولكن العجيب أن يهتم مازن بالاستشراق وهو الذي لم يعش في بلد تعرض للاحتلال الأجنبي ولا للغزو الأوروبي ومع ذلك اهتم بالاستشراق. وبدأت المحاضرة أتحدث فيها عن الحب في الإسلام وكان مما قلته في تلك المحاضرة ما يأتي:
        أعلى الإسلام شأن الحب، وأعلى حب هو الذي بين الله وبين عباده، وقد وردت كلمة المحبة في القرآن الكريم عشرات المرات، (يحبهم ويحبونه) (قل إن كنتم تحبون الله ورسوله فاتبعوني يحببكم الله) (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بينان مرصوص) وقوله تعالى ( قل إن كان آباؤكم أو أبناؤكم .... أحبَّ إليكم ) ومن العجيب أن المستشرقين الذين يزعمون أنهم يعرفون الإسلام يقولون كلاماً بعيداً عن الحقيقة؛ فهذا المستشرق تشيتيك Chittik الذي قضى من عمره أكثر من ثلاثين سنة يدرس الإسلام والتصوف يزعم في كتاب له عن التصوف أن علاقة المسلمين بربهم مبنية على النظرة الصوفية والحب في الصوفية الذين يرون أن الرب قريب من عباده  أما علماء العقيدة فنظرتهم إلى العلاقة بين العبد وخالقه أن الله بعيد عن خلقه متعال وهو المنتقم الجبار، وهذا ما يقول به علماء الكلام. ويستشهد بكلام للبابا يوحنا الثاني (الهالك). فقلت سبحان الله إن ما درسنا في المدارس هو كلام علماء الكلام وهم الذين تعلمنا منهم مسألة الحب لله ولرسوله، فهذا أحد أحاديث الأربعين النووية التي درسناها وحفظناها في السعودية في المرحلة الابتدائية يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه (حديث قدسي) ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إليّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي حتى أحبه فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش به ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه)
        وأذكر أستاذاً من الجامعة الإسلامية (السلفية) في المدينة المنورة وهو الدكتور عبد العزيز قارئ كان يخطب في مسجد قباء تحدث في أكثر من خطبه عن الحب بين الله وبين عباده، وعن حب الرسول صلى الله عليه وسلم، فأبدع أيما إبداع، وخرجت وأنا أقول لوالدي رحمه الله كأنه من الصوفية عجيب هذا الكلام.(وكأن في كلام المستشرق بعض الصحة حيث لم نتعود على الحديث عن الحب بقدر الحديث عن الواجبات والعقوبات)، وذكر أن قمة الحب هو حب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان حبه لله عز وجل قمة الحب وهذا الذي جعله عندما وصل إلى السموات العلى يقف ثابتاً راسخاً كما وصفه الله سبحانه وتعالى (مازاغ الفؤاد وما طغى)، وقارنه بموقف موسى عليه السلام حينما طلب من الله سبحانه وتعالى أن ينظر إليه فكانت قول الله تبارك وتعالى (إنك لن تراني، ولكن .....) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً). ولما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليه قال (عائشة) فقيل من الرجل فقال (أبوها). وتعلمت في تلك الخطبة من الشيخ الدكتور عبد العزيز أن الحالات التي ينبغي فيها أن يصلى الإنسان على الرسول صلى الله عليه وسلم ليست فقط عندما يسمع ذكره بل إن الدعاء يكون أدعى للإجابة إذا كان بين صلاتين أي بعد أن يحمد الإنسان ربه سبحانه وتعالى ويصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يدعو، ويختم دعاءه بالصلاة والسلام عليه، ويصلى الإنسان على سيد الخلق عندما يرى مسجداً، وذكر أموراً كثيرة. ولنتذكر قوله عليه الصلاة والسلام ( أقربكم مني منزلة يوم القيامة أكثركم صلاة علي) وما أعظم الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام فالله عز وجل وملائكته يصلون عليه، فيا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً) وفي الحديث (من صلى عليّ مرة صلى الله عليه بها عشرا)
        والحب الحقيقي القوي هو الذي جعل الصديق رضي الله عنه عندما مات الرسول صلى الله عليه وسلم يتقبل الموقف بجنان ثابت وقلب شجاع فخرج على الناس وهم في حالة صعبة (وحق لهم) فحمد الله وأثني عليه ثم قال من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وتلا قوله تعالى( وما محمد إلاّ رسول قد خلقت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً). وانظر إلى الموقف الذي لم يتطلع الصحابة رضوان الله عليهم للإمارة إلاّ فيه حينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر(سأعطى الراية غداً لرجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله) .
         وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم مليئة بالحديث عن الحب ومنها قوله عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( والله إنك يا رسول الله لأحب إلي من مالي وولدي إلاً من نفسي) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يا عمر) ثم قال عمر (إنك لأحب إلي من نفسي) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (الآن يا عمر) وانظر إلى عمر بن الخطاب ذلك الرجل العظيم يروي عن نفسه كيف عاد إلى الحق وأدرك أن حب الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون فوق حبه لنفسه) فما أعظم الرجال حين يروون عن أنفسهم كيف يرجعون إلى الحق ويسعون إلى القمة. ثم يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يشيع الحب بين المسلمين بقوله ( ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم) ويقول صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لنفسه ما يحبه لأخيه) 

الرحلة السويدية 7
محاضرة في المكتبة العامة عن السلام في الإسلام
كان من بين النشاطات التي دعيت إليها إلقاء محاضرة في المكتبة العامة في مدينة هيلسنبوري برعاية مؤسسة ابن رشد وسنسس ومؤسسة نصرانية فماذا سأقول؟ هل أتحدث عن النصوص في الإسلام وفي النصرانية أو أتحدث عن العلاقات التاريخية؟ هل أذكر الصليبيين، وهل أذكر الاحتلال الأجنبي الذي سمي خطأ (الاستعمار)؟ هل جئنا لمحاكمة النصوص أو لنشر دعوة السلام والمحبة بين الناس؟
فإذا كنّا نتحدث عن النصوص فإن كل متحدث سيجد في دينه من النصوص ما يدعم مقولته، وقد يجد في التاريخ والواقع كذلك ولكن ما حقيقة السلام في الإسلام؟ صحيح أن الدول الأوروبية فتحت أبوابها أولاً لمصلحتها بقبول الألوف من العرب والمسلمين للعيش في ديارهم بعد أن تسلطت حكومات وزعماء في بعض البلاد العربية فجعلت العيش فيها جحيماً أهون منه مادية أوروبا وعريها وانحلالها.
وبدأت بالحديث عن أن الإسلام هو الدين الذي أتى بالسلام الحقيقي في تاريخ البشرية كلها، وإن أول وثيقة سمحت بالتعايش بين الأديان، والتسامح والمحافظة على حقوق الإنسان هي صحيفة المدينة التي أعطى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم  ليهود الحق في المحافظة على حياتهم ودينهم وشعائرهم وممتلكاتهم. وخرج المسلمون للفتوحات فأبدعوا في التسامح الذي لم يعرف التاريخ مثيلاً له، ولولا هذا التسامح لما بقي نصراني ولا يهودي في بلاد الشام ولا في غيرها من العالم. إن اسبانيا التي عمّرها المسلمون وعاشوا فيها ثمانية قرون وعاش إلى جوارهم النصارى ما أن قويت شوكتهم حتى أبادوا المسلمين إبادات جماعية لا يعرف التاريخ لها مثيلاً، ومع كل هذا فإسبانيا اليوم تستفيد من الحضارة التي تركها المسلمون حيث يأتيها ما لا يقل عن ستين مليون سائح سنوياً.
 والقضية ليست قضية نصوص فحسب ولكنها واقع وتاريخ، فهذه جيوش الغزاة في عالمنا العربي الإسلامي، وهذه الشركات المتعددة الجنسيات تنهب خيرات بلادنا، وهؤلاء أبناؤنا نرسلهم ليدرسوا عنكم فكيف يرجعون إلينا؟ ونحن كأننا لا نفيد من دروس الماضي.
ولكني سأعرض لبعض النصوص التي تدل على روعة التسامح والسلام في الإسلام: كم يعجبني أن أردد قول الله عز وجل (يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) وكيف أن عيسى عليه السلام حين تحدث في المهد، فنحن المسلمون ننظر إلى عيسى عليه السلام وإلى أمه نظرة احترام وتقديم وبالتالي ننتظر منكم أن يكون لرسولنا صلى الله عليه وسلم نظرة احترام وتقدير عندكم.
وكان النقاش الذي أعقب المحاضرة جيداً لولا أن القسيس الذي رعى المحاضرة مع مؤسسة ابن رشد أكثر الكلام عن النصرانية وجهود جمعيته في قضايا السلام، ولكنه أثنى على الأستاذ عثمان طوالبه والتعاون بين المؤسستين في القضايا المشتركة.
ومع ذلك فالمحاضرة لم تكن كما كنت أتطلع بل كانت في نظري لا تستحق أكثر من أربعة من عشرة. وقد دخل شخص إلى القاعة وأخذ يصرح باللغتين العربية والسويدية يشتم السعودية والوهابية وبدأ كأنه مجنون بل لعله مجنون بالفعل. لم أرد عليه لأن مثل هؤلاء الذين ينفجرون يظنون أنهم يحققون شيئاً لا يستحقون الرد.
وبعد انتهاء المحاضرة كانت هناك بعض الأحاديث الجانبية مع بعض الحضور عن جوانب مهمة في الإسلام لا يعرفها السويديون وينبغوا أن يحاولوا فهم هذا الدين العظيم ليس من واقع بعض المسلمين في السويد أو واقع الأمة الإسلامية وتخلفها.
لمحات متفرقة:
-                          كنت أزعم أن البرد لن يهزمني، ولكن أعتقد أن الأيام التي كنت فيها على هزيمة البرد قد ولت. ولا يفيد أن أردد مع الشاعر: عمري إلى الستين (قال هو خمسين) يجري مسرعاً  والقلب يحتاج إلى الفيتامينِ
-                          عجوز تقف في وسط الشارع (خاص للمشاه) تحمل لوحة فيها اسم مشروع خيري (يطلق عليه كذلك) تدعو الناس إلى التبرع، ووقفت مدة طويلة، وتساءلت هل هي متبرعة أو إنها تعمل لدى هذه الجهة؟ وهناك عدد من هؤلاء في شوارع مدينة هلسنبوري.
-                          عندما كنت في الرحلة المتوجهة إلى السويد قرأت مقالة مشعل السديري في "الشرق الأوسط" يسخر مما كتبه بعض المجاهدين في الشيشان عن التأييد الرباني لهم، كما سخر من المجاهدين في أفغانستان وحديثهم عن الشهيد الذي تفوح منه رائحة المسك ، إن الشهيد الذي عدّه الله سبحانه وتعالى حيّاً لهو أكبر من مسألة العطر، ولكن ما الفائدة من مثل هذه السخرية؟ وتساءلت أليس للسديري أي علاقة بالموت؟ أن الموتى من الناس العاديين الذين يموتون موتاً طبيعياً يتفاوتون في هيئاتهم حين الموت وكما قيل للموت أسرار فلماذا يستكثر على من يموت في مواجهة أعداء الأمة أن يجعل الله لهم بعض الخصائص. وتساءلت أيضاً لماذا يستمر السديري في تهويماته وغيه؟ يمكنه أن لا يؤمن ولكن عليه أن يحتفظ بما يعتقده لنفسه ولكن أن يسخرهكذا من معتقدات المسلمين فغير مقبول. وأضيف لقد تجاوز السديري الخمسين فمتى يفيق ومتى يعود إلى ربّه؟
-                          طعم الماء في السويد جيد ويمكنك أن تشرب من الحنفية أو الصنبور أو الكبّاس كما نقول في الحجاز، وفي نظري أن البلاد التي تستطيع أن تشرب فيها الماء هكذا لهي بلاد راقية. مع بعض التحفظ
-                          مالمو كما قلت كانت مدينة دنمركية ولكن أخذها السويديون وفي ساحة من ساحاتها وفي اتجاه الدنمرك كان هناك تمثال يحمل سيفاً موجهاً نصله إلى الدنمرك، فغضب الدنمركيون وطالبوا بأن ينزل النصل، واستجاب السويديون.
-                          فيما كنت في المطار وجدت سائق تكسي من أصل عربي فتحدث عن المسلمين في السويد وكيف أنهم يعانون فهم هربوا من بلادهم ليعانوا مع الأولاد والبنات وقال موجها كلامه للزعماء العرب والمسلمين :" ليفرح الزعماء حين تصبح البلاد خالية لهم، وقال إن بعض النساء المحجبات يسئن للحجاب حيث يذهبن إلى المراقص ويشربن الخمر، فإن كنت تريدين أن ترقصي وتشربي ولا تخافي من الله فلا داعي لوضع الحجاب على رأسك. ولا أدري مدى صحة كلامه الأخير عن النساء المحجبات. أما المعاناة مع الأولاد والبنات فأمر لا ينكره أحد وكم من هؤلاء من يتطلع إلى أي فرصة ليعود إلى أي بلد إسلامي شريطة أن يجد عملاً محترماً شريفاً.
-                          السويديون يقاطعون ماكدونالد لأنها تقدم للأطفال ألعاباً صنعها أطفال صينيون في أوضاع كاريثة قاهرة يموتون فيها، ولذلك يقاطعونها، كما يقاطع السويديون شركة نستلة (كانت سويسرية ثم أصبحت متعددة الجنسيات) لأنها تقوم بإطالة أجل الحليب ويمارسون العنصرية في الإعلانات حيث يركزون في إعلاناتهم على الطفل الأبيض الأشقر دوي العيون الزرقاء. فيا من تشترون حليب النيدو كم عدد الأطفال الملونين الذين يظهرون في الإعلان. وهذا يجعلني أتساءل كذلك عن شامبو جونسون وجونسون فما شكل الطفل الذي يظهر في إعلاناتهم؟

الرحلة السويدية(8)
الرابطة الإسلامية في ستوكهولم والمسجد الإريتري
وصلت ستوكهولم وسرت في الشوارع المحيطة بالفندق فهي مليئة بالأسواق ولاحظ عدداً ضخماً من الأسواق تحت الأرض، فلماذا تحت الأرض؟ هل يهربون من زمهرير الشتاء وظلامه الطويل بالأنواع الصناعية؟ ولكن لديهم أيضاً أسواق مفتوحة في ساحة كبيرة يستأجرها الباعة فيقيمون أكشاكاً من العاشرة صباحاً حتى السادسة ليلاً، يبيعون فيها الزهور والخضروات والفواكه والأطعمة المختلفة، كما يبيعون الملبوسات. وتتعجب أن يكون في هذه الأكشاك البضائع الرخيصة جداً والبضائع الرخيصة.
        وحرص الأخ ياسين على أخذي لدار سينما تعرض أفلاماً بالأبعاد الثلاثية ولكنها أفلام ليست كالأفلام العادية فاحدها عن رحلة استكشاف منابع النيل وقد استغرقت أكثر من مائة يوم وكان فيها مخاطر ومغامرات واشترك فيها عدد كبير من الأشخاص أغلبهم من الأوروبيين غير أنهم أشركوا بعض المصريين. وهذا السينما تعرض عليك المناظر كأنك حاضر معهم، فيتحرك القارب المطاطي في مجرى النيل وبسرعة كبيرة حتى تكاد تلمس الأشجار والأحجار والجبال والأعشاب. إنها حقاً رحلة مع عظمة الخالق في خلقه لهذا النهر العظيم المبارك. ولسرعة الكاميرا تأثير عجيب في نقلك إلى قلب الموقع بل تخيفك أحياناً كأنك معهم تسقط من الشلال أو يتعرج بك النيل أو تجد نفسك فجأة أمام صخور ضخمة فتوشك أن تتشهد من هول ما ترى.
        حضرت صلاة الجمعة في مسجد الرابطة وهو مسجد كبير ولكن عدد المسلمين يتطلب منهم التفكير في بناء مسجد أكبر. كانت الخطبة جيدة ولكن كان الخطيب سيئاً من الناحية اللغوية فارتكب العديد من الأخطاء النحوية، وقلب الثاء سيناً والذال زاياً، وخفت أن يخطئ في القرآن الكريم ولكن الله سلّم.
        اجتمعت برئيس الرابطة واسمه محمود خلفي وهو من تونس أمضى في السويد مدة طويلة، وكان من لطفه أنه رآني أمشي بلا حذاء فحمل حذاءً بنفسه إلي وقال الجو بارد هنا. فكان تواضعاً من عالم فاضل.
        وأرى من المناسب أن أكتب كلمة عن الرابطة التي تأسست عام 1980م ومن أهدافها ما يأتي:
-        خدمة الثقافة الإسلامية بالوسائل القانونية
-        مساعدة المسلمين على أداء الشعائر التعبدية وذلك عبر تأسيس الجمعيات الإسلامية والمراكز الثقافية وبناء المساجد والمؤسسات الدعوية.
-        الدفاع عن حقوق المسلمين في الدول الإسكندنافية
-        الدفاع  عن حقوق الإنسان عامة ومقاومة العنصرية
-        تعميق العلاقات بين مختلف الجمعيات التابعة للرابطة والتنسيق بينها.
-        تقوية العلاقات بين المنظمات والجمعيات الإسلامية في أوربا
-        توسيع دائرة الحوار مع الثقافات الأخرى لخدمة الإنسانية.
وللرابطة أقسام عديدة ومهمات كثيرة كما أشارت الأهداف.
وقد اجتمعت بالأستاذ عثمان كواري مسؤول المؤتمر السنوي الثامن والعشرين الذي كان سيعقد في الرابع والعشرين من ديسمبر (بعد مغادرتي السويد بأسبوع تقريباً) وموضوع مؤتمر هذا العام هو التجديد من سنن الحياة، وكان المؤمل أن أحضر وأقدم ورقة عن الشيخ عبد الحميد ابن باديس بصفته أحد المجددين في العصر الحديث. ولكن لم يشأ الله عز وجل أن أتمكن من الحضور ولذلك أرجو أن ييسر الله عز وجل لي الحضور في السنة القادمة إن شاء الله.
بعض القضايا السويدية المهمة:
حاولت الحصول على صحف سويدية باللغة الإنجليزية فلم أجد، ولذلك لجأت إلى الإنترنت ووجدت موقعاً مهماً فنقلت عنه القضايا الآتية:
-        ارتفاع أعداد الموتى في السويد في وقت أعياد الميلاد وبخاصة بعد أسبوعين من الأعياد، ويقول الخبر الذي نشر في 6 ديسمبر في الموقع التالي أن الأسباب تعود إلى انتشار الالتهابات  نقلاً عن:
-        بنات المدارس السويديات يضربن بسبب استهزاء وسخرية الأولاد بهن. نشر موقع الأخبار المحلية السويدي أن الطالبات في المستوى الثامن (الثانية المتوسطة) في إحدى المدارس أضربن عن دخول الفصل بسبب السخرية والاستهزاء، وتقول الطالبات أن الطلاب يستخدمون لغة بذيئة كما يلصقون مواد لاصقة بشعور الطالبات، وأنهم يبصقون على الطالبات. وقد وعدت إدارة المدرسة بأن تخصص لهن فصول خاصة، وأعلنت وزارة التربية والتعليم عن اجتماع عاجل بين المدرسة والآباء.
-        السويد أكثر دولة ديمقراطية في العالم (22 نوفمبر 2006م) في الموقع نفسه: يقول الخبر ان السويد هي أكثر دولة ديمقراطية في العالم، ويقول الخبراء إن هذه الديمقراطية لها مشكلاتها الحقيقية. ومنها على سبيل المثال عدم المشاركة الكبيرة في الانتخابات، والتعيينات في مناصب مهمة لأشخاص تقدموا في السن وتعيينهم في وظائف سفراء أو حكام مقاطعات وغير ذلك.
وأختم حديثي عن الرحلة السويدية بالتعريف بمؤسسة سنسس:
واسم هذه المؤسسة هو رابطة دراسات سنسس Sensus Study Association
تأسست هذه الرابطة عام 1920م لتقدم خدمات مختلفة من تعليم المجموعات ودراسات لتقديم شهادات في مجالات مختلفة وكذلك رعاية النشاطات الثقافية والتدريب للجمعيات والمؤسسات والشركات. ونشاطات هذه الرابطة مفتوحة للجميع من الشباب دون العشرين حتى كبار السن. والمشاركة في نشاطات الرابطة قائمة على التبرع. وتعرف السويد بتاريخها الطويل في تعليم الكبار فالسويديون يتحدثون دائماً عن التعليم مدى الحياة (اطلب العلم من المهد إلى اللحد) فالمؤسسات التعليمية والمعاهد لديها طموح اجتماعي قوي ورغبة لبناء اجتماعي متميز. والتدريب الذي تقوم به الرابطة متنوع بحيث يشمل الإدارة لمهن مختلفة إلى مجموعات نقاش مختلفة المجالات إلى الموسيقى والموسيقى الدينية والدراما. وهناك أكثر من ثلاثمائة ألف حدث اجتماعي تسهم فيها الرابطة ويعمل لديها حوالي احد عشر ألف معلم.
        وتشترك الرابطة مع ثلاثين مؤسسة أخرى هم أعضاء الرابطة على المستوى القومي، وهناك مؤسسات محلية، وكثير من هذه الجمعيات تسعى لتدريب موظفيها لدى الرابطة ومن هذه المؤسسات على سبيل المثال الكنيسة السويدية التي ترغب في تدريب ممثليها وكذلك الاتحادات السويدية المختلفة.
        هذه جولة في رحلتي إلى السويد البلد الذي بلغ درجة عالية من التحضر والرقي الصناعي فعلى الرغم من أنهم تسعة ملايين فقط فإنهم يصنعون الآلات والمعدات الثقيلة، وتسعى السويد إلى أن تكون على خريطة صناعة السلام في العالم. وقد شعرت أن المسلمين ينالون حظاً كبيراً من الرعاية. كما أن عملية قبول اللاجئين ينطلق من بواعث إنسانية بحتة كما تقدم لهؤلاء رعاية افتقدوها في بلادهم. وقد وجدت جالية ارترية مهمة في السويد ودعيت لإلقاء محاضرة في مسجد خاص بهم (يحضر غيرهم فيه) لكن انقسامات المسلمين هنا مزعجة.
        كما علمت أن السويد يعاني من تفسخ أخلاقي فنسبة الحمل بين الفتيات دون سن السادسة عشرة كبيرة جداً. ومن الطرائف أن الأوروبيين ينظرون إلى النساء السويديات أنهن فاسدات، وهناك امرأة سويدية متزوجة من ألماني فإذا ذهبت إلى ألمانيا لم تصرح أنها من السويد، حيث يقول له أهله  لقد تزوجت مومساً.
        وإلى اللقاء في الحديث عن هولندا إن شاء الله.  أرجو أن يكون فيما قدمت بعض الفائدة والمتعة.
 
 
 
 
 
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية