التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مستشرقة كندية منصفة >


  انتشرت في السنتين الأخيرتين التحذيرات من العولمة القادمة في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، ولكن بعض الكتّاب والأدباء والصحفيين من بني جنسنا انبرى للدفاع عن العولمة وأنه لا خوف منها، وما علينا إلاّ أن نفتح الأبواب والنوافذ وننخرط في هذه العولمة التي ستأتي لنا بكل خير. ويؤيدون هذا الزعم بان العالم أصبح قرية صغيرة ولا يمكن لنا أن ننعزل عن العالم.

 ولكن للقضية جانب آخر وهو أننا نملك من المقومات العقدية، والفكرية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية ما يجعلنا نستطيع الوقوف في وجه هذه العولمة، بل يمكننا أن نجعل هذه العولمة تخدم نشر الإسلام في العالم. والأدلة على ذلك كثيرة ففي المؤتمر العالمي الخامس والثلاثين الذي عقد في العاصمة المجرية بودابست في ربيع الأول عام 1418هـ، تحدثت باحثة كندية اسمها مايا شاتزميللر Maya Shatzmiller  عن المرأة في الإسلام وبخاصة في الجوانب الاقتصادية ومن خلال بعض المصادر الفقهية الأندلسية كالفتاوى للعالم الأندلسي الونشريسي. ففي محاضرتها القيمة أوضحت كيف أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها المالية الكاملة، وأنها مارست كل العمليات التجارية من بيع وشراء ورهن ودين وتأجير وقرض وغير ذلك، وإنه بالرغم من أن الإسلام لم يبح للمرأة أن تسافر بغير محرم وأن لا تختلط بالرجال وان تحافظ على عفتها بغض البصر وعدم الخضوع في القول كما أمر الرجال بذلك أيضاً، فإن ذلك لم يكن عائقاً لها من ممارسة الأعمال التجارية المختلفة.

    وذكرت الباحثة العديد من الفتاوى حول حق الملكية للمرأة، وأنها قد تكون صاحبة منـزل فتسمح لزوجها أن يسكن في هذا المنـزل فهل عليه أن يدفع لها إيجار عن ذلك، وماذا لو تأخر في دفع الإيجار وغير ذلك من المسائل الشرعية. وأضافت الباحثة الكندية أن المرأة المسلمة سبقت المرأة الأوروبية بقرون عديدة في الحصول على هذه الحقوق.
   ولـمّا كان معظم الحضور للمحاضرة من الأوروبيين فقد أزعجهم أن يسمعوا هذا الكلام الجميل عن الإسلام والمرأة المسلمة، فانبرى بعضهم ليبحث في معوقات عمل المرأة في التجارة وأنها لا بد أن توكل عنها من يقوم بأعمالها التجارية مقابل أجر معين وأن بعض الوكلاء قد لا يكونون أمناء. فردت عليهم بأن هذه العراقيل التي يتصورونها لم تكن تمنع المرأة من مزاولة الأعمال التجارية، وإلاّ لما وجدت كل هذه الفتاوى في قضايا تملك المرأة ومعاملاتها المالية.
    وبالمصادفة وجدت أن صحيفة الشرق الأوسط قد أوردت في الرابع من شوال تقريراً حول عنف الرجال ضد النساء في إسبانيا، وذكرت من خلال التقرير أن المرأة الإسبانية لم يكن في استطاعتها منذ حكم فرانكو عام 1939م وحتى عام 1979م أن تسافر بدون رفقة زوجها، أو حتى فتح حساب مصرفي بدون موافقته أو موافقة والدها، ويضيف التقرير أن القانون الإسباني لم يعط أي حماية للمرأة من معاملة زوجها السيئة لها حتى أواخر الستينات. وليست الحال في دول أوروبا الأخرى أحسن حالاً من اسبانيا حيث ظلت التشريعات تمنع المرأة من ممارسة حقوقها المالية منفصلة عن الرجل فلم يكن لها ذمة مالية مستقلة. فأين هم من قوله تعالى {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن}(النساء 32)

    فمرحباً بالعولمة لنقدم لهم التشريعات الإسلامية التي أكرمت المرأة أماً وأختاً وزوجاً وابنه وجدة وخالة وعمة. لقد أكرمت الشريعة الإسلامية المرأة عموماً. وبالإضافة إلى التشريعات التي أكرمت المرأة هناك من الوصايا العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم للرفق بالمرأة والعناية بها. ألا يكفي أن يتصف الإنسان الذي يهين المرأة باللؤم وأنه لا يكرمها إلاّ كريم. ألا يكفي أنه كان من آخر وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم الرفق بالنساء؟

    وما زال كثير ممن يتحدث عن المرأة في الإسلام متأثراً ببعض الشبهات والافتراءات التي روج لها أعداء هذا الدين، فكم جميل أن تأتي الشهادة لهذا الدين من باحثة كندية تمرست في دراسة الفقه الإسلامي وبخاصة الأندلسي منه وخرجت بهذه الحقائق العظيمة التي يحاول أعداء هذا الدين طمسها وتشويهها. فشكراً للمستشرقة الكندية ومرحباً بالعولمة التي تمكننا من نشر الإسلام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...