لو كنت كاتباً يومياً


صحيفة المدينة المنورة العدد 12350في 23 رمضان 1317ه، (1 فبراير 1997م

     كتب الصديق الاستاذ سراج فتحي مقالة عن الكتابة اليومية وما تستنزفه من طاقة الكاتب ووقته، وشرح بعض الصعوبات التي واجهته حين كلف بالكتابة اليومية مدة شهر، بيد ان الكتابة اليومية لها ميزاتها حيث يستطيع الكاتب ان يتناول الأحداث المهمة التي يمر بها بينما لا يستطيع كاتب المقالة الاسبوعية مواكبة الأحداث تماما. ولما كان لكل كاتب طريقته في الكتابة وله طقوسه الخاصة به في اعداد موضوعاته فقد خصصت دفترا أدون فيه رؤوس الموضوعات التي أود الكتابة فيها، وأحيانا تمر المناسبة أو أجد كاتبا غيري تناول الموضوع وقدم أفكارا جيدة تغني عن تناولي للموضوع. ومع كل هذا فإنني قررت ان أتناول في هذه المقالة بعض الموضوعات التي كنت قد عزمت على الكتابة فيها رغم ان هناك من تناولها غيري، ولكن بقي في النفس منها شيء.

أولا: المقدّس.. وكلمة الأمير تشارلز. حضرت مؤتمرا علميا عالميا في احدى الدول العربية الشمال افريقية وكانت احدى المحاضرات حول المقدس والموقف منه في التاريخ الاسلامي فاجتهد المتحدث في الإشادة والفخر والاعتزاز بكل النماذج التي ظهرت في التاريخ الاسلامي، وتناولت النصوص الاسلامية المقدسة بالنقد وحتى بلغ السفه والكفر ببعضهم ان سخر من كلمات الله عز وجل، وذكر الباحث مثلا من خلفاء بني أمية: وأشار الى صفحات من تاريخ الطبري - وفي حديث جانبي مع هذا الباحث قلت له انكم جعلتم لنصوص البشر وكلامهم في العصر الحاضر من القداسة ما لا تستحق ذلك أنكم آمنتم ان الرزق بيد هؤلاء ونسيتم ان الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت، ولأنكم وجدتم ان التهجم على كتاب الله يصل بكم الى المناصب والشهرة فأسرعتم اليه، وظننتم أنكم بمنجى من الله سبحانه وتعالى.

* وأعود الى كلام الأمير شارلز فقد عنونت جريدة التايمز (اللندنية) مقتطفات من كلام الأمير شارلز بعبارة: ((أمير ويلز يشرح كيف ان نقد المسلمين للمادية ساعده في اعادة اكتشاف المقدس»، وكان مما قاله الأمير: "ان المادية الحديثة غير متوازنة ويزداد تدميرها في نتائجها بعيدة المدى، ومع ذلك فان كل بلاد العالم تمسكت بنظرة متكاملة لقدسية العالم.. ولكن خلال القرون الثلاثة الماضية حدث على الأقل في العالم الغربي انقسام خطير في الطريقة التي ننظر فيها الى العالم حولنا، فالعلم سعى الى

احتكار توجيه - ان لم يكن الارهاب. فهمنا، وقد انفصل الدين عن العلم) وشرح الأمير نظرة الغرب الى العالم والطبيعة ثم عاد الى الحديث عن الإسلام الذي كان على العكس تماما بحيث كان المسلم دائما حريصا على الخضوع لمشيئة الله سبحانه وتعالى.

      فإلى أولئك الذين يلوكون بأفواههم وبأقلامهم كلمة (المقدس) ويريدون ان يتحدوا المقدس أو ينتقدوه حتى ان هاشم صالح في نقده لموقف حسن حنفي في دعوته لدراسة الغرب (مدخل الى علم الاستغراب) يزعم اننا لن نستطيع ان ندرس الغرب حتى نمر بالمراحل التي مر بها الغرب من نقد القدس، فيا عجبا لأولئك الذين يريدون تحطيم المقدس ويأتي رجل غربي يدعو الى العودة الى المقدس والى المصالحة بين الدين والحياة.

ثانيا: وما الكتاب الا سلعة، ولكن ثمينة!

      كتب الاستاذ ثامر الميمان في زاويته (بيني وبينكم) بعنوان ما ((بتخسر)) يقول: (فعلا على امتداد طرقنا من الشرق الى الغرب ومن الشمال الى الجنوب لم اشاهد اعلانا عن مجموعة من الكتب العلمية أو الدينية أو اي كتب لها علاقة بثقافة الانسان، كل اعلانات الطرق عن الأكل والشرب والأدوات الكهربائية بدءا من (المكنسة) وحتى (أمواس الحلاقة) والعديد من الاعلانات عن الغسالات والعطور والثياب وحتى الأحذية، وكان تعجب الميمان في محله فلماذا لا يعلن الناشرون عن الكتاب؟ هل هم في غنى عن الاعلان؟، هل يكفيهم ما يكسبون؟ هل يعود ذلك الى أن لهم شركاء صامتين وهم المؤلفون؟ لقد وصل اليأس بكاتب ومؤلف اكاديمي ان يقدم مؤلفاته لأحد هؤلاء الناشرين مقابل الحصول على بضع نسخ يفرح بها ويهديها لأصدقائه أو يقدمها لترقية علمية.

     نعم لماذا لا يتعلم الناشرون مهنة البيع والتجارة الحديثة؟ لماذا يصرون على الوسائل البدائية في البيع والشراء؟ ان العمل الدعائي الوحيد الذي يمكن ان يقوم به الناشر ان يطبع كل سنة دليلا صغيرا لا يكلفه بضع هللات يوضح فيه أسماء الكتب والمؤلفين فقط فلا يكلف نفسه مثلا ان يقدم نبذة من سطرين أو ثلاثة عن أي كتاب. ولكني أزف البشرى الى المؤلفين بخبر قرأته قبل أيام عن مؤلفة سورية (ويبدو أنها ثرية) ولكنها قامت بما لم يقم به الناشرون في الوطن العربي كله فوضعت عددا من الاعلانات في شوارع دمشق وربما في شوارع مدن سورية أخرى. أما اذا اردنا أن نتعلم من الأمم الأخرى في الدعاية للكتب فإنني اقترح ان يقوم اتحاد الناشرين العرب بابتعاث عدد من موظفيه أو من الناشرين الى الدول الكبرى لتعلم صناعة الكتاب وربما صناعة النشر - وليس هذا تقليلا من شأن الناشرين عندنا. ولكن لأن الناشر في الغرب يعثر على المؤلف الواعد فيتبناه ويقوم بنشر كتابه الأول وربما نشر له عددا من الكتب،

      وقد كتب الدكتور يوسف نور عوض في هذه الصحيفة عن النشر في الغرب والعلاقة بين الناشر وبين المؤلف، وليس هذا انبهارا بالغرب، ولكنها الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، ومن طرائف الدعاية أن زوج مؤلف أمريكي كانت تقف أمام مكتبة في لوس انجلوس ومعها بعض المطويات وتنادي على الكتاب وتقدم الأوراق الدعائية لزبائن المكتبة.

       والموضوع يستحق طرحا أوسع من هذا، ولكني اكتفي بهذا القدر والى موضوعات أخرى.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية