حقائق عن الاستشراق تقديم الدكتور مناظر أحسن

 

 

 

أعد الترجمة كل من مازن مطبقاني وعدنان الأماسي (كتبها مازن مطبقاني

25/2/1408هـ)

منذ سنوات عديدة بدأ الاستشراق يتطور ويتقدم حتى أصبحت كل الجامعات الكبرى في الغرب تضم قسماً للاستشراق أو للدراسات الإسلامية. وقد عرفت هذه الجامعات بإثارة موضوعات لا تهمنا، بل إنها موضوعات تافهة. ونحن نرسل أنباءنا إلى هذه الجامعات فيقعوا هناك فريسة للعبودية الفكرية أو الرق العقلي، ولكنهم عندما يعودون إلينا يتسنمون مناصب هامة. إنها أيها الإخوة مؤامرة على الإسلام.

ولسيت الدراسات الأكاديمية هي كل شيء هناك، فقد ظهرت دراسات شبه أكاديمية فالصحفيون، مثلا، يكتبون عن الإسلام ولاسيما بعد قيام الثورة في إيران باسم الثورة الاسلامية. هذه الثورة جذيت الأنظار إلى الإسلام فأراد الغرب أن يتعرف للإسلام. وكانت الفرصة من أراد أن بكتب، فامتلأت أرفف المكتبات بكتب من الإسلام: علمية وغير علمية، منها القصص والروايات وكتب عن البترول وعن إيران. هذه الكتب تعرض الآن في كل مكان؛ في أماكن التسوق (المراكز التجارية) وفى المطارات وغيرها

       أما القضية الكبرى لمعظم هذه الكتابات فهي النهضة الإسلامية أو الصحوة

لمّا كانت إيران تمثل أهم أحداث العالم الإسلامي فإن الغرب لم يفرق بين الإسلام

الذى تعتنقه الأمة الإسلامية وما يعتنقه الشيعة في إيران، والمصيبة أنهم جعلوا إسلام إيران نموذجاً للإسلام، وزعموا أنه لو لم تكن ثورة إيان لما ظهرت أية بوادر للدعوة الإسلامية، ويستنتجون بالتالي أن الصحوة الإسلامية لست حقيقية، أو أنها رد فعل الحكومات في العالم الإسلامي لما حدث في ايران.ومن هنا أخذت الحكومات تعطى الجماهير حقناً مهدئة.

       إن الكتب التي لظهرت حديثاً تصور الإسلام بالعسكرية، وتضع صور الخميني أو صوراً تمثل العنف والقتل على أغلفتها، بل ان عناوين الكتب توضح ذلك مثل كتاب الإسلام العسكراني لمؤلفه جبJonssen-Militant Islam أو كتاب Digging in Islam

      وتبدو هذه الكتابات مضحكة لأنها تكرو الرأي نفسه، ولا تتحدث عن الإسلام لأن كتابها لا يعرفونه، فالصحوة الإسلامية حقيقية ولم تحدث فجأ٥، بل هي أمر طبيعي: لو فهموا الإسلام الفهم الصحيح. يرى هؤلاء الكتاب أن سبب الصحوة هو النفط وكره الغرب وليس بسبب ما يصيب الناس من ابتعاد عن الإسلام الصحيح وما يعترى الأمم أحيانا من تحلل Decadence وتحلف. وكل هؤلاء الكتاب يعتقدون أم الإسلام لو أعطي الفرصة لقيادة البشرية فإنه سيكون اسلاماً دموياً، ويستشهد ون على ذلك بما يحدث في إيران ولبنان ويؤكدون أن المرأة ستسجن في البيت بالإضافة إلى غير ذلك من الشبهات.

      من الملاحظ أيها الأخوة في العصر الراهن أن المخابرات المركزية الأمريكيةCIA تبدل المال والطاقة لدراسة العالم الإسلامي، ولديهم مكتبة ضخمة عن الإسلام، ولديهم عدد من الباحثين المتفرغين لهذا العمل. ومن الأبرز الذين جندتهم المخابرات المركزية لهذه المهمة البروفيسور ميتشال Mitchal الذى كتب دراسة عن الاخوان المسلمين، وجاء بعده دانيال بايبس Danial pipes، وهؤلاء يقومون بتعريف حكومتهم بالإسلام والاستراتيجية التي ينبغي اتباعها لمواجهته والقضاء عليه: وهم حريصون على تأليب المحكومات على رجال الصحوة الإسلامية كما حدث في تؤنس مؤخراً.

       ومن أعمال المخابرات المركزية إعداد ملفات لكل الأحداث: والشخصيات الإسلامية، ويتابعونها بدقة وعناية فائقتين وذلك بحسب الدول والأشخاص.

وللمخابرات الروسية KGB نشاط مشابه للمخابرات الأمريكية غير أنه على نطاق أضيق.

      ويقوم المستشرقون في الغرب بعقد المؤتمرات الدولية لدراسة النهضة الإسلامية وفقاً لموقعها الجغرافي، كما يدرسون الأفراد الذين يقودون هذه النهضة ويصدرون النشرات حولها ومن ذلك النشرة المسماة (النبض الاسلاميIslamic Impulse. وهي نشرة ضخمة وفيها تكرار لمحاولاتهم تشويه صورة الإسلام وتحويف الناس منه، وعند دراسة هذه النشرة نجد أنها مفتعلة وأنهم يصرون على الاستمرار في هذه الدراسات وهذا الاتجاه.

      إن هذا يقودنا إلى الحديث عن حدث تاريخي وقع قبل خمس وثمانين عاماً في باريس عام ١٩٠١م حين نظمت صحيفة فرنسية مؤتمرا دوليا لمناقشة كيف سيكون مستقبل الإسلام في القرن العشرين وكان هذا المؤتمر برئاسة. المستشرق كارى دي فوكس Carre de fux الذي ألقى الخطاب الرئيس في المؤتمر متحدثاً عن النهضة الإسلامية وذكر أنه من أجل السيطرة عليها لابد من اتخاذ التدابير التالية:

١- زيادة الشعور بالقومية التي تؤدى إلى انقسام الأمة الإسلامية وعدم اتحادها، وهذا يؤدى إلى انفصال العرب عن غير العرب وبالتالي يتوجه اهتمام المسلمين من القضية الحقيقية إلى قضايا جانبية تافهة. وسيكون أبطال الدعوة إلى القومية هم العلمانيون. والقارئ للتاريخ يجد أن ذلك قد حدث فعلاً

٢- التركيز عن دراسة الصوفية ذلك أن الصوفية إذا ما سيطرت على المسلمين ألهتهم عن الإسلام الحقيقي، وبهذه الطريقة أو بتلك سوف يسيطرون على العالم الإسلامي بواسطة مشايخ الطرق الصوفية وهؤلاء غير مجاهدين.

والدليل على نجاح تنفيذ هذا الاقتراح أن المكتبات في الدول الغربية تخصص جزءاً

كبيراً من أرففها للصوفية بينما الكتب التي تتحدث عن الإسلام لا تحتل سوى مكاناً محدوداً. ويوضح هذا اهتمام المستشرق الفرنسي لويس ما سنيون: Massignon الذى كتب بحثاً حول الحلاج في ثلاث مجلدات يحتوى كل واحد منها ما لا يقل عن خمس مائة صفحة. وقد ترجم الكتاب مؤخراً إلى الانجليزية. وهناك زعم بأن كتاب ماسنيون هو من أهم ما كتب حول الإسلام. ومن هذا جذب الانتباه الى مشايخ الطرق الصوفية وأنهم الرواد الحقيقيون للإسلام.

لقد طبق هذا الاقتراح وحقق نجاحاً كبيراً فهناك من البريطانيين وغيرهم من الأوروبيين من يدخل الإسلام الآن عن طريق الصوفية.

٣- إحياء اللهجات العامية. فالقرآن الكريم يوحد المسلمين ذلك أن القرآن

يقرأ في البلاد العربية وغير العربية؟ ولذلك فإن إحياء اللهجات المحلية يوجد فرقة بين المسلمين ويبعدهم عن لغة القرآن الكريم

ولما بدأ المسلمون يفضحون المستشرقين تنبه هؤلاء لهذا، فعندما عقد مؤتمر المستشرقين في باريس عام ١٦٧٣ برئاسة برنارد لويسBernard Lewis اقترح تغيير الاسم إلى مختصين في الإسلاميات أو في المناطق الإسلامية المختلفة والأسماء بالإنجليزي Arabist. Historian, Islamologist, Egyptologist Specialist in the History of the Middle East

    وهناك ظاهرة في الاستشراق يجب التنبه إليها وهي إنه بعد عقد مؤتمر مكة حول الاقتصاد الإسلامي وبدأت عدة جامعات إسلامية بتدريس الاقتصاد الإسلامي، أسرعت الجامعات الغربية ومنها الجامعات البريطانية بتخصيص

كرسي لتدريس هذه المادة. وقد تولى تدريسها في جامعة درم ثلاثة أو أربعة مستشرقين ومن أبرزهم رودي ويلوسون Rudy Wilson حيث يدرس معظم الطلبة المسلمين معه. والملاحظة أنه ما إن يبدأ المسلمون الاهتمام بشيء حتى يتولاه المستشرقون بالبحث والدراسة. وجديد بالذكر أن المؤسسة الإسلامية في ليستر لديها مكتبة جيدة حول الاقتصاد الإسلامي.

أما المراكز الاستشراقية في بريطانيا فتأسيس مركز اكسفورد الإسلامي حقيق بالذكر حيث ان خلف تأسيه أحد الأساتذة المسيحيين المعروف بأنه غير متعصب وهو البروفيسور براوننق Browning. وقد نشأت الفكرة عندما رأى المسؤولون في اكسفورد وجود مراكز للدراسات الإسلامية في كامبردج وغيرها من الجامعات البريطانية فأرادوا أن يكون لهم مركزهم الإسلامي ووجدوا أن إنشاء مثل هذا المركز يحتاج إلى تكاليف مادية فتوجهوا إلى دول الشروق الأوسط

وغيرها من الدول الاسلامية يطلبون التبرعات، ومن دهاء براوننق أنه لم يعين مديراً

للمركز، بل اختار أحد ابناء المسلمين لهذا المركز ليسهل جمع التبرعات

      وبراوننق هذا Browning رجل نشيط توجه الى(مناظر) يسألني عمن يدعو إلى المساهمة في إنشاء المركز فلم ألتفت إليه، ولكنه بذكائه اهتدى إلى دعوة الشيخ أبو الحسن الندوي، من الهند والشيخ عبد العزيز المطوع من الكويت وغيرهما، وعند تشكيل مجبس أمناء المركز اختير له البروفيسور خليق نطامي-خريج أكسفورد والمتخصص في التصوف-وأبو الحسن الندوي واستغلت أسماء هؤلاء في جمع التبرعات. وعين مدير المركز ابن الدكتور خليق نطامي فرحان نظامي وهو خريج أكسفورد أيضاً.

   وان اختياره لأنه لا علاقة له بالدفاع عن قضايا الإسلام والمسلمين. ولكن اكسفورد أرادت أن تجذب إليها أبناء المسلمين لدراسة الدكتوراه التي تحتاج إلى تكاليف مادية عالية وهؤلاء الطلاب سيوفرون جزءا منها بالإضافة الى التبرعات

     أما في أمريكا فالقدرة المالية متوفرة فهناك برامح وتخطيط على نطاق واسع، ولكنه ليس في خدمة الإسلام. إنهم حين يصرفون مبالغ كبيرة وينشئون أقساما جديدة ومؤسسات فهي ضد الإسلام. أما في بريطانيا فإنه وإن انخفض العمل وقلّ الإنتاج لقلة الموارد، ولكنه سوف يستمر، فالاستشراق لن يموت كما يزعم البعض. ففي أمريكا تقوم الجامعات والمؤسسات بعقد المؤتمرات وإصدار الصحف والدوريات، ويتجه كثير من الطلاب لدراسة القضايا الخاصة بالعالم الإسلامي- وقد تغير الأمر في لوقت الحاضر فلم تعد الدراسات الاستشراقية تركز على العقيدة والتاريخ فقط، بل اتجهت إلى الأوضاع الحاضرة والنهضة أو الصحوة الإسلامية.

    وللاطلاع على انتاج المستشرقين فهناك عدد من المجلات والدوريات التي تصدر حالياً في الدول الأوروبية وتوضح ما يصدر من أعمال فكرية عن المسلمين. ففي سويسرا يصدر الآن دورية ببليوجرافية تسجل كل ما يصدر عن العالم الإسلامي فتعرض الكتاب مثلاً موضحة أين صدر ومتى تم ذلك وكم مرة كتب عنه من نقد وتحليل وعرض.. كما أصدرت المؤسسة الإسلامية في ليستر كتاباً ببليوجرافيا! Index Islamic literature ويوجد فيه أسماء الكتب والدوريات التي تهتم بالإسلام. وهناك دورية تصدر من جامعة كمبردج بعنوان Index Islamicus ولكنها تختلف عما أصدرته المؤسسة الإسلامية.

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية