استجابة عاجلة ومشكورة من إذاعة لندن


          
  
       تلقيت رسالة كريمة من الأستاذ عارف الحجاوي رئيس قسم البرامج المنوعة والموسيقى بالقسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية بلندن مؤرخة في 27/11/1415 تجاوباً مع مقالتي التي نشرت يوم 24 /11/ 1415هـ بعنوان (آه منك يا إذاعة لندن!)
   تعجبت كثيراً لهذه الاستجابة السريعة فهذه ليست مقالتي الأولى التي أتناول فيها بعض برامج هذه الإذاعة، فقد سبق لي أن كتبت العديد من المقالات منها:"أهذه هي الموضوعية يا إذاعة لندن" و"إذاعة لندن واضطهاد المرأة" و "ثمار مشؤومة" بالإضافة الى عدد من المقالات حول بعض برامج القسم الانجليزي.
     أما رسالة الأستاذ الحجاوي فقد جاء فيها:" قرأت مقالتكم في صحيفة المدينة (24/4/1995) الذي عنوانه (آه منك يا إذاعة لندن!) أشكركم على التناول السهل والعميق للموضوع، وعلى حفاظكم على روح الموضوعية فيما كتبتم ." وذكر الأستاذ عارف أنه قام بمراجعة المادة وهي عرض كتاب باللغة الانجليزية لكاتب انجليزي حول طائفة الإسماعيلية ،وبدا له أن بعض العبارات الواردة في العرض كان من الممكن تغييرها حتى لا تزعج المستمع العربي المسلم.ومن هذه العبارات قوله:" كنت أحب أن أتجنب وصف المعتقدات الإسماعيلية بأنها "قائمة على المذهب العقلاني." وهنا أيضاً وقع الزميل المترجم في فخ عدم التفريق بين المعنى الأكاديمي والمعنى الذي ينصرف إليه الذهن أول ما ينصرف، وتعلمون أن الكلمة المذاعة يجب أن تكون سهلة لا تحتمل التأويل إذ لايتاح للمستمع ما يتاح لقارىء الصحيفة من الرجوع الى السطر وإعادة قراءة ما غاب عنه وجهه."
     وأنتم تعلمون أن المؤلف الغربي قد يعجبه أن يمدح العقل والعقل وحده ، ولكن جمهور المسلمين  - ومنهم معظم مستمعينا - يعتبرون أن هناك علاقة عضوية بين المعقول والمنقول .والمسلمون لا يرون في المذهب العقلاني الذي يهمل الركائز الأخرى للعقيدة مذهباً دينياً صالحاً."
   وأضاف الحجاوي:" أعتقد أن النص لم يتجه وجهة تحليلية في عرض الكتاب .وكنت أحب لو كانت هذه هي وجهة النص بسبب طبيعة الكتاب .اما عن صلاحية الكتاب لأن يعرض في البرنامج فأرى أنه كغيره من الكتب التي تقول ما يريد لها كاتبوها أن تقول. ولا أؤيدكم في أنه كان يحسنُ بنا أن نترك عرض هذا الكتاب لأحد العلماء المسلمين ، فالعالم المسلم لا يكون محايداً إذا تعلق الأمر بمذهب غير مذهبه."أ.هـ
      إن رجوع الأستاذ الحجاوي للبرنامج وتقديم نقد ذاتي للبرنامج أمر جميل ، لكن هذه المراجعة تفتح الباب من جديد للنقاش حول قناعات الأستاذ الحجاوي أو إذاعة لندن نفسها. فمن قال أن عقائد الاسماعيلية تعتمد على العقل والعقل وحده. وهل صحيح أنه ثمة فرق بين المعنى الأكاديمي والمعنى الذي ينصرف اليه الذهن أول ماينصرف عند ذكر المثالية . لاشك أن المثالية فكرة فلسفية كان ينبغي تقديم إيضاح لها كما أرادها المؤلف.
     وأما النقطة التي أزعجتني حقاً في رد الأستاذ الحجاوي فهو زعمه ان العلماء المسلمين لا يكونون محايدين عندما يتعلق الأمر بمذهب سوى مذهبهم .فهل لديه الدليل على ذلك؟ إن من أساسيات العقيدة الاسلامية الحث على التمسك بمبدأ العدل والصدق والأمانة .والآيات التي تأمر بذلك كثيرة جداً .ألم يقدم القرآن الكريم نقداً لعقائد الأمم السابقة ؟ وقد استخدم القرآن الكريم أعلى مستويات الجدال المنطقي ؟ وقد تعلم العلماء المسلمون هذا المنهج من القرآن الكريم . فاتهام العلماء المسلمين بعدم النزاهة والتحيز في عرض المذاهب المخالفة لعقيدتهم يدحضه هذا الكم الهائل من الإنتاج العلمي لعلماء هذه الأمة .ومن الأمثلة على ذلك : الفِصل في الملل والنحل لابن حزم ، والفِرق للبغدادي ، وكتابات الشيخ الغزالي في الرد على الفلاسفة، وكتابات ابن تيمية في الرد على اليهود والنصارى وغيرهم.
     ومع شكري لتجاوب الأستاذ عارف الحجاوي السريع فإنني متمسك بأن على إذاعة لندن أن تنوِّع أكثر في الكتب التي تعرضها، فهناك الكثير من الكتب التي لا تنال اهتمام الإذاعة، وعليها أن تجرب استقطاب علماء مسلمين لعرض مثل هذا الكتاب،، وسوف يكون لهذا الأمر مردود إيجابي على المستمعين .والله الموفق.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية