تحية وشكر لمركز المدينة المنورة لبحوث ودراسات الاستشراق بقلم الدكتور محمد خضر



   لا يسعني إلا أن أقف محييا هذا الجهد العلمي الدعوي الكبير، ولا يسعني إلا أن أضرب له (تعظيم سلام) إكباراً وتقديراً وتشجيعاً له، هذا الجهد يتمثل في هذا الموقع الذي أقيم على الإنترنت تحت اسم:(مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق) وهو موقع يعتبر الأول من نوعه، وقد  أنشأه الدكتور مازن صلاح مطبقاني أستاذ الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة، والكاتب بهذه الجريدة، والدكتور مازن يعتبر من الطلائع التي درست الاستشراق، وتخصصت فيه، وألفت فيه عددا من الكتب المهمة التي تعتبر اللبنات الأولى لهذا العلم عندنا وفي جامعاتنا المتعددة.
وقد فاجأني هذا الموقع الجديد والمهم جدا في هذا المجال، وسبب المفاجأة أنه في اتصال هاتفي منذ فترة ليست ببعيدة مع الدكتور مازن قلت له: لماذا لم تشترك في الإنترنت وترسل مقالاتك عبره، فقال لي: لا لم أصل بعد إلى مرحلة الإنترنت،  أنا أرسل عبر الفاكس فقط، وبعد فترة وجيزة فوجئت برسالة عبر بريدي الإلكتروني منه وبها خبر إنشاء موقع خاص للدراسات والبحوث الاستشراقية، فضحكت للموقف إذ كيف يقول ليس هناك اشتراك له في الإنترنت، ثم يكون له موقع خاص به وأيما موقع؛ لم يسبقه فيه أحد بالنسبة للدراسات الاستشراقية، ولو وقفنا  بعض الشيء أمام هذا الموقع لوجدناه مهما من  عدة نواحي: أولاها وأهمها أنه يتيح الفرصة لمن لا يعرف ما هو الاستشراق وماهيته والكتابات التي كتبت حوله وأغراضها وأهدافها وما ترمي إليه، ويذللها كلها بين يديك في سهولة ويسر في إطار هذه الثورة المعلوماتية الهائلة التي عمت الدنيا الآن وجعلتها شبكة الإنترنت متوفرة بين يدي الجميع.
ثانيا: وهو الأهم أن مجال الاستشراق مجال واسع جدا، وللأسف هناك كثير من المستشرقين دسوا السم في العسل، وخلطوا كثيرا من الأوراق واستباحوا كثيرا من الثوابت والقيم الإسلامية تحت بند حرية الرأي وحرية البحث، وأن البحث العلمي لا يخضع لثوابت ولو كانت دينية مقدسة إلا ضوابطه هو- أي البحث العلمي فقط-.. وللأسف الشديد كثيراً من المفكرين المسلمين من تلاميذ المستشرقين لفوا لفهم وداروا على دورانهم ودخلوا حجر الضب الذي دخلوه بالتمام والكمال، في تقليد أعمى أعرج يمحي أول ما يمحي هذه القاعدة، وهي قاعدة حرية البحث، لأنه يلغي الحرية الشخصية المتمثلة في احترامي لقيمي وتقاليدي، ويجعلني أنصاع وراء هذه الضوابط البحثية الاستشراقية التي تلغي عقلي ومعتقدي وتجعلني إمعة إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت.. وهذا يخالف منهج الإسلامي الذي يدعونا بعكس ذلك فيقول لنا رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم:(ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)
وأذكر أيام انشغالي في رسالة الماجستير كان أحد الأساتذة المشاهير جدا في علوم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، -للأسف الشديد يقف بعقلية المستشرقين- لينكر شيئاً معلوماً وبدهياً في قضية الإسراء والمعراج والخاصة بفتح الملائكة لأبواب السماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولجبريل، فيقول: كيف تسأل الملائكة جبريل ولا تفتح له مباشرة، وجبريل ينزل ويطلع من وإلى السماء منذ القدم، فهذا شيء مستنكر، ولو أنا فلان- ويذكر اسمه الدكتور فلان- لو منعني الحارس على باب الكلية من الدخول أو سألني لشطته برجلي هكذا كما تشاط الكره.. ويقف أيضا ليعترض على مراجعة سيدنا موسى لسيدنا محمد صلى الله عليهما وسلم، في مسألة الصلاة التي كانت خمسين، وما زال سيدنا موسى يطلب من سيدنا محمد الرجوع إلى ربه للتخفيف، حتى وصلت إلى خمس صلوات، وهذا بالطبع وراد في صحيح البخاري وفي غيره من كتب الصحاح، إلا أن الدكتور الذي درس في جامعة كمبردج البريطانية وحصل علي الدكتوراه منها في عام 1952ميلادي، يرفض كل هذا، ولمّا نراجعه بأن هذا الشيء ليس من عندنا بل هو وارد في أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى ونعني به كتاب البخاري، فيرفض ذلك ويقول ولو، فالبخاري بشر يخطي ويصيب، ويرفض أن نناقشه في هذه المسألة بحجة أن العقل يرفض ذلك، وما رفضه العقل لا يمكن الاعتراف به، وبالطبع مثل هذا ينسى أن الغيبيات كلها خارجة عن تصور العقل ومن هنا كان الإيمان بالله -وهو غيب-، والإيمان بالجنة والنار، والصراط، والقبر والحساب والنشور والبعث وكلها غيب في غيب، وأن الله تعالى يمدح المؤمنين الصادقين بأنهم ) الذين يؤمنون بالغيب}
  وهكذا رأينا بأم عيوننا من تربوا على موائد المستشرقين ورضعوا من لبانهم من يمثلونهم خير-أو قل شر- تمثيل، وهم يروجون لفكرهم ويؤيدون مذاهبهم حتى وإن أنكرت أشياء معلومة من الدين بالضرورة كما حدث في مسالة الإسراء والمعراج. لا تسألوني لماذا لم تشتكوه إلى عميد الكلية فقد فعلنا ولكن عميد الكلية أحد تلاميذه وكذلك رئيس الجامعة، فالموقف فيه حرج بالنسبة إليهم.. وهكذا سارت الأمور..   ومثل هذا له خطورته الكبرى لأن الكثير ممن لم يتربوا على معرفة صحيح البخاري، ولم يدرسوا الحوادث الإسلامية المعينة مثل الإسراء والهجرة لم يستغربوا، أخذوا الأمر مسلما به سيما وأنه صادر من هذا الأستاذ الجهبذ والمؤرخ المحقق، أما نحن الذين تربينا على معرفة الصحيح والخطأ، وأن مسلمات الدين لا يمكن أن نتعدى عليها، فقد كنا نشاغب كثيرا معه ومع غيره ممن لهم فكر يخالف الفكر الإسلامي السديد، ولا مانع أن نتصدى ببيان الخطأ، حتى وإن فقدنا كثير الدرجات أو لم تحز أبحاثنا العلمية على القبول والتسليم لحاجة في (نفس يعقوب).. عفوا في نفس هذا الدكتور..
       أعود للحبيب الدكتور مازن مطبقاني وموقعه المهم، فهو أولا وقبل كل شيء موقع دعوي علمي ينطلق- كما أوضح هو- بهدف إطلاع العرب والمسلمين على الدراسات العربية والإسلامية في الغرب، والدعوة إلى هذا الدين عملاً بقوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن) وقوله صلى الله عليه وسلم )نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى من لم يسمعها فرب مبلّغ أوعى من سامع أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه(...كما يسعى المركز ليكون منبراً للحوار مع الغرب عموماً من خلال التجاوب مع الكتابات التي تظهر عن الإسلام والمسلمين في الغرب. وكما أن الغرب يبذل الجهد في معرفة العالم الإسلامي معرفة دقيقة من النواحي العقدية والتشريعيــة والتاريخية واللغوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الخ. ليبني عليها خططه لتحقيق مصالحه في عالمنا العربي والإسلامي، فإننا في الوقت نفسه مدعوون لدراسة الغرب للتعرف على الدراسات الاستشراقية أو الدراسات العربية والإسلامية في الغرب ودراسة المناطق للإفادة من إيجابياتها وتفنيد السلبيات والرد عليها وليس أدل على أهمية هذا الموقع من أن القليل منا يعرف أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أدركت أهمية أمر الاستشراق فأنشأت وحدة الاستشراق والتنصير بعمادة البحث العلمي بالمركز الرئيس للجامعة في الرياض وبعد سنوات وفي عام 1403هـ- 1983م، أنشأت قسم الاستشراق بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة (كلية الدعوة حالياً)، وبدأ القسم في تقديم برنامج الماجستير..لكن الكثير الآن يمكنه أن يعرف الكثير عن هذه الوحدة وعن هذا العلم الكبير علم الاستشراق عن طريق هذا الموقع الإنترنتي الذي يمثل أهمية كبرى في العصر الحاضر، ويمكن الإفادة من هذه الشبكة في التعريف بالإسلام وقيمه ومبادئه وبخاصة أن العالم بحاجة إلى هذه المبادئ والقيم.
      وهناك العديد من الكتب والمراجع التي يحظى بها هذا الموقع وأكثرها لصاحب الموقع الدكتور مازن مطبقاني، والعديد من الأبحاث والدراسات الاستشراقية عن المرأة والطفل، والعالم العربي والإسلامي، والتاريخ والاستشراق الأمريكي المعاصر، والغرب والإسلام، وأشياء متعددة ومهمة في هذا المجال، ويحظى هذا الموقع بسرد المؤتمرات التي خصصت لموضوعات الاستشراق في العالم العربي والإسلامي.
    كما يصدر المركز نشرة شهرية مجانية يضمنها على الموقع وعلى البريد الإلكتروني لمن يريد وهي ممتعة وجميلة وبها معلومات ضافية ومهمة عن الجديد في هذا العلم المهم.
       كما أن المتصفح هذا الموقع يمكنه زيارة غرفة المحادثة للمخاطبة مع الدكتور مباشرة كل يوم جمعة من الساعة 6 مساء وحتى الساعة 8 مساء بتوقيت المملكة، وهو شيء جميل وممتع أن تتحاور وجها لوجه في موضوعات استشراقية وفكرية مهمة جد تنطلق من فكرة الدعوة إلى الله تعالى على بصير وهدى وعلم.
      نعم أعترف أنني كنت أول من أطلعني الدكتور مازن على هذا الموقع وللأسف لم أستطع الدخول عليه طيلة هذه المدة السابقة، ولم أعرف السبب، حتى جاءتني رسالة الدكتور مازن الأخيرة عن الوعود والعتاب فسهل الله الدخول والتصفح ورأيت عجبا وجهداً كبيراً.
ولا أملك إلا الدعاء له، ولكل العاملين في هذا الموقع بالتوفيق والفلاح، وأدعو الباحثين والدعاة وطلبة العلم لزيارة الموقع والإفادة منه والعمل على مناصرته ومساعدته فهو لا يمثل موقع شخص اسمه د. مازن مطبقاني، ولا وحدة استشراق تتبع جامعة الإمام محمد بن سعود، بل يمثل شيئاً ضخماً جداً اسمه الاستشراق يخدم الإسلام وتاريخ الإسلام أكبر الخدمات.

                                                                            


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية