صدام الحضارات وحوارها


                                 

            كتبت قبل مدة مقالتين بعنوان (لو كنت كاتباً يومياً) وأشرت إلى أن الموضوعات تكثر في جعبـة الكاتب الأسبوعي ولا يستطيع تناولها جميعاً فيلجأ إلى تأجيل بعضها أو عدم الكتابة عنها تماماً. وكنت قد لجأت إلى طريقة الكتابة الموجزة تحت العنوان السابق. وهاهي الموضوعات تكثر أمام شاشة الحاسوب ولا بد من الكتابة. والعلاقة بين الكاتب وموضوعاته ليست علاقة مهنية ولكنها علاقة تكتسب بعداً عاطفياً حيث تصبح جزءاً من الكاتب فلا بد له من تناولها. وفي هذه المقالة وتاليتها سأتناول بعض الموضوعات التي أصبحت كظباء خراش.
المقالة الغامضة: نشرت جريدة المدينة المنورة يوم 25 محرم 1418 مقالة طويلة بعنوان (المؤرخ العالمي يكشف جهل "صموئيل هنتنجتون" وفيها حديث طويل يدافع عن هذا المستشرق الخطير ويضفي عليه هالة من الإنصاف والاعتدال بالرغم من أنه أمضى أكثر من نصف قرن يهاجم الإسلام بضراوة وبعنف ويدافع عن إسرائيل والصهيونية. وله من المؤلفات ما يربو على الثلاثين كتاباً ومئات المقالات والبحوث والمحاضرات والندوات. وإنني إذ أكتب عن هذا المستشرق فلأن رسالتي للدكتوراه كانت حول كتاباته، وقد لقيته مرتين الأولى في أثناء إعداد بحث الدكتوراه، والثانية بعد إنجاز البحث واطلاعه على بعض العروض للرسالة.
       أما في المرة الأولى فكان معارضاً جداً أن يسمح لي بمقابلته لأنني أنتمي إلى جامعة إسلامية وهو يخشى أن أكـون متعصباً ومتحاملاً وأن أكون بعيداً عن الموضوعية والنزاهة في كتابتي حوله. ولكني غامرت فرحلت إلى برنستون حيث كان يعمل وأقنعت زملاءه بأنه من الضروري أن يقابلني وأن أتحدث إليه.
      أما المقابلة الأخرى فكنت ضيفاً على برنامج الزائر الدولي وكان ذلك بعد سبع سنوات من اللقاء الأول، وتقابلنا في جامعة برنستون في اللقاء الأسبوعي لقسم دراسات الشرق الأدنى ولما قمت إليه مسلماً وعرّفته بنفسي أشاح بوجهه بطريقة بعيدة جداً عن الأدب والذوق واللياقة مما دفع مرافقي الأمريكي إلى لومي على الاهتمام بشخص يفتقد الذوق واللياقة مع (خصومه).
       أما قصة هنتنجتون وبرنارد لويس فالأول تلميذ الثاني فقد كتب لويس كتابه العرب في التاريخ عام 1957، وتحدث في أحد فصوله عن الإسلام والغرب. وذكر فكرة الصراع بين الحضارات في فصل بعنوان (تأثير الغرب) وهذا ما قاله في الصفحة 177:"إن الإسلام اليوم يقف وجهاً لوجه مع حضارة غريبة تتحدى كثيراً من قيمه الجوهرية وتستميل بإغراء كبير كثيراً من أتباعه…. والتحدي الذي تقدمه الحضارة الغربية أنها الحضارة الغالبة وليست الحضارة المغلوبة التي واجهها المسلمون في بداية ظهور الإسلام." وقد قال بهذا الـرأي بصراحة في كتابة الإسلام والغرب (النسخة الإنجليزية) (1963) في الصفحة 135:"سيكون فهـمنا أفضل للوضع (بين الإسلام والغرب) إذا نظرنا إلى حالات عدم الرضى في الشرق الأوسط بأنها ليست صراعاً بين دول أو قوميات ولكن على أنها صراع بين حضارات."
     وقد أجاد أخي الكاتب المتميز الدكتور عبد الرحمن العرابي في تفنيد هذا المقال مجهول الهوية وأود أن أضيف معلومات حصلت عليها (غير منشورة) بأن لويس يمضي شهرين كل عام في شقته في تل أبيب ولذلـك فإن تلاميذه اليهود يرونه كل عام. وقد أوصى بأن تعطى مكتبته الخاصة (وهي مكتبة كبيرة) إلى مركـز موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد احتفل هذا المركز قبل أشهر ببلوغ لويـس الثمانين من عمره في ندوة دامت يومين، (ودعيت لها من قبل تلميذه مارتن كريمر ولست من المطبّعين) وقد أعد المركز كتيباً بهذه المناسبة ظهر فيها لويس مع عدد من الشخصيات الإسرائيلية من بينها شمعون بيزيس. فهل يستحق منّا لويس كل هذا الاحتفال؟


البرامج الثقافية واللون الواحد:
   نشرت عدة صحف خبراً مفاده أن جامعة أمريكية طلبت من إحدى القنوات الفضائية العربية حلقات برنامج ثقافي. لم يكن الأمر غريباً بالنسبة لي فمن خلال متابعتي لنشاطات أقسام الدراسات العربية والإسلامية في كثير من الجامعات الغربية وجدت أنهم يهتمون بصنف خاص من الكتاب العرب والمسلمين وهم الذين تأثروا بالفكر الغربي، ويتناولون في كتاباتهم القضايا العربية الإسلامية من منظور غربي. ومن الأدلة على ذلك أن ترجمات قصص نجيب محفوظ وأدونيس ونوال السعداوي وعبد الرحمن المنيف ومحمد شكري وغيرهم وعدد لا حصر له من هؤلاء بينما لا تكاد تهتم أقسام دراسات الأدب العربي بما كتبه نجيب الكيلاني أو أحمد علي باكثير.
     والبرنامج الثقافي الذي اهتمت به الجامعة الأمريكية لا يخرج عن عرض هذا اللون الواحد، فلو كان برنامجاً متزناً يهتم بالاتجاهات المختلفة في دراسة الأدب العربي لما اهتمت به هذه الجامعة أو سواها. وإذا قيل لنا بأنه لا يوجد غزو فكري فإن الرد جاهز فمثل هذا البرنامج-ذي اللون الواحد-من أخطر أنواع الغزو الفكري. وليقرأ من شاء عن مصطلح "إفساد الذائقة الأدبية" فيما كتبه محمود شاكر في كتابه رسالة في الطريق إلى ثقافتنا.
مصر: كولاج "…القبلات.
   هذا عنوان خبر قصير نشر في جريدة الحياة من محمد دياب بالقاهرة (21محرم 1418) وأعتذر للقارئ العزيز أنني لن أعيد تفاصيل الخبر حتى لا أكون ممن يشيعون الفاحشة. فالخبر حول فيلم تسجيلي أنتجه (صندوق التنمية الثقافية) حول أشهر القبلات في السينما المصرية. وما هي إلاّ قبلات حرام في حرام. ألم يجد الصندوق مشروعاً آخر يقوم بتمويله؟
وفي الحديث عن القبلات -ولا حياء في الدين- فقد أمر القرآن الكريم الرجل أن يقدم لنفسه إذا أراد وصال أهله. وفُسّر التقديم بأنه القبلة. وقد ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بقبل أهله وهو صائم وهو أملك لإربه، وهذه قبلة في نهار رمضان أو في أثناء عبادة روحية ليست ناتجة عن غريزة وإنما عن حب واحترام وتقدير ومودة. وشتان بينها وبين القبلات التي ظهرت في الفيلم المذكور أو القبلات التي يسترقها الرجال في الغرب من النساء في الشوارع وفي القطارات وفي السيارات قبلات محمومة تحكمها الغريزة وليس الحب، فالحب الحقيقي لا بد أن يكون نظيفاً عفيفاً شريفاً. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية