عن الحداثة والعامية



نشرت صحيفة السياسة الكويتية في عددها ليوم الخميس- الجمعة 25-26 ربيع الآخر 1415هـ مقالة بقلم عادل جريد يبدي بعض الآراء حول الحداثة والحداثيين وكان مما قاله إن السكوت عن الحداثة والحداثيين جعل داءهم يستشري واستشهد بقول الشاعر
     تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحوا  فإن تولوا فبالأشرار تنقاد
وأقول لقد انقادت أو كادت حيث تولّى بعض الحداثيين منابر التدريس الجامعي وسوّدوا صفحات بعض الصحف ومنابر المحاضرات وألفّوا الكتب ونشراً كثيراً مما يسمونه شعراً أو القصيدة الحديثة.
وتناول الأستاذ عادل جريد مسألة الغموض أو على الأصح الكلام غير المفهوم والذي يشبه الكلمات المتقاطعة وأن قصيدة (؟) واحدة تحتاج صفحات من التفسير والشرح، وأكّد هذا بانصراف الجمهور عن قراءاتهم الشعرية لأن الناس الأسوياء يبحثون عمّا يفهمون ويستثير مشاعرهم. وهذا الموقف يذكّر بقصة طريفة مفادها أن رجلاً صعد إلى مئذنة وأخذ يرمي الناس بالحجارة وعجزوا عن إقناعه بالتوقف أو النزول من المئذنة فجاء رجل ومعه منشار وصاح فيه: لأنشرنّ بك المئذنة إن لم تنزل. فهرول نازلاً مما جعل الناس يقولون (لا يفهم لغة المجانين إلّا مجنون مثلهم)
أما زعم الحداثيين أنهم مجددون وأن التجديد ضروري فهم الروّاد، وقد ذكّرهم الأستاذ عادل بأن ما يفعلونه ليس تجديدً ولكنه هدم وتحطيم وانفلات من ثوابت الأمة. وقد أحسن العلّامة البشير الإبراهيمي في الرد على زعمهم التجديد حيث دعي لحضور ندوة أدبية وصعد أحد الحداثيين المنصة ليلقي قصيدة "حديثة" واستمع الشيخ ولكنه بعد قليل ضاق ذرعاً من الهذر الذي يسمع فطلب الكلمة فقال: إن اللغة العربية على سعتها وكثرة مفرداتها ناقصة! لأننا لا نجد فيها الكلمة أو الصفة التي يمكن أن نصف بها هؤلاء الشعراء المجددين، إلّا أنّ لي من عروبتي وغيْرتي على لغتي ما يشفع لي بالاشتقاق فيها فأقول: إن العرب قد أعطوا للنساء جمعاً ينتهي بألف وتاء فقالوا "مجددات" وسمّوه الجمع المؤنث السالم، وأعطوا الرجال جمعاً ينتهي بواو ونون فقالوا "مجددون" وأسموه الجمع المذكر السالم، ولكن هؤلاء المجددين لا هم بالنساء فيؤنثون ولا هم بالرجال فيذّكرون إنهم بين ذلك ولا نجد حرجاً في أن نتبع أئمتنا الأجلاء وفقهاءنا الأدلاء ونعطي أمثال هؤلاء المجددين ما أعطوه للخنثى أي نصيباً كأنثى وهو ألف وتاء ونصيباً كذكر وهو واو ونون فنقول "مجددونات"
وقريباً من آفة الحداثة ما فعله بعض من يطلق عليهم أدباء ومنهم يوسف القعيد فقد كتب عبد الكريم المقداد في صحيفة السياسة في العدد الصادر يوم الخميس- الجمعة 29-30 سبتمبر 1994م معلقاً على رواية القعيد (لبن العصفور) بالعامية وقد تعجب من ربط استخدام العامية والإغراق في ذلك بتنبؤات الصحافة الغربية عقب انعقاد مؤتمر مدريد. فقد كتب عبد الكريم المقداد "تنبأت الصحافة الغربية في أعقاب مؤتمر مدريد بزوال اللغة العربية في العاجل من السنوات المقبلة، وأكّدت أن اليوم الذي سيكتب فيه العرب لغتهم بالحرف اللاتيني لن يطول انتظاره وزادت على ذلك أنه بدل اللغة الواحدة الجامعة ستصير كل لهجة عربية محلية لغة مستقلة بذاتها لو تذكر أن كل قطر عربي يشتمل على الكثير من اللهجات المحلية لوقر في أذهاننا أننا الأمة الوحيدة التي لن يجوز عليها غير الرحمة"
ثم تناول الكاتب دعوة يوسف القعيد إلى العامية.
نعم هذه أحلام ومخططات أعداء هذه الأمة وهم يفعلون الكثير لتحقيق الأحلام ولكن هذه الأمة لن تفرط بلغتها الفصحى التي تربطها بكتاب ربّها وبحديث رسولها عليه الصلاة والسلام وتراثها الضخم. ونقول لهؤلاء إنما أنتم وأشباهكم كما قال الشاعر
كناطح صخرة يوماً ليوهنها       وأعيا رأسه الصخر
ستبقى اللغة العربية الفصحى رغماً عنكم وعندها نقول لكم (موتوا بغيظكم)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية