لماذا لا يدرّس الطب والعلوم باللغة العربية؟



     تساءل الدكتور يوسف محمد نور عوض في مقالته الأسبوعية في صحيفة المدينة المنورة (الجمعة 2 صفر 1416هـ) (متى يُدرس الطب باللغة العربية؟) وكنت أود لو تساءل متى تعود دراسة الطب والعلوم إلى اللغة العربية؟ وقد كان عنوان مقالتي مبتدئاً بـ(لماذا) وذلك لأن بين يدي دراسة قيمة للأستاذ الدكتور زهير أحمد السباعي عنوانها تجربتي في تعليم الطب باللغة العربية قدّم فيها كثير من الحقائق التي أود أن أستعرض بعضها هنا:
     أولاً بدأت دراسة الطب في مصر في العصر الحديث أيام محمد علي (الكبير) عام (1827) باللغة العربية واستمرت اللغة العربية لغة العلم حتى وقعت مصر في قبضة الاحتلال البريطاني سنة 1882 وبعد مضي خمس سنوات من هذا الاحتلال تحول تعليم الطب إلى اللغة الإنجليزية.
ثانياً: بدأ تعليم الطب في الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأمريكية في بيروت فيما بعد) عام 1866م باللغة العربية كما أنشئت كلية الطب اليسوعية عام 1883م وكان التعليم فيها باللغة العربية، ولكن بعد الاحتلال الفرنسي تحولت لغة الدراسة إلى اللغة الإنجليزية في الأولى والفرنسية في الثانية.
ثالثاً: أورد الدكتور السباعي معلومات مهمة من دراسة لمنظمة الصحة العالمية عام 1988م حول 1259 كلية طب في 128 دولة وتشير الدراسة إلى أن الدول المستقلة سياسياً في دول أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا وأستراليا تعلم الطب بلغاتها القومية بينما استمرت الدول التي خضت للاحتلال في آسيا وأفريقيا تعلم الطب والعلوم باللغات الأوروبية.
وقد أورد الدكتور السباعي حقائق أخرى مهمة وهي أن تعليم الطب باللغة العربية في سوريا لم يؤد إلى تخريج أطباء أقل مستوى من غيرهم ودلل على ذلك باختبارات القبول التي تجريها الجامعات الأمريكية للراغبين في إتمام دراساتهم العليا، وقد أثبت هؤلاء أن قدراتهم الطبية لا تقل عن زملائهم الذين درسوا باللغات الأوروبية بل إنهم تفوقوا عليهم في بعض السنوات كما أشار إلى حقيقة مهمة وهي أنه ليس ثمة نقص في المراجع الطبية باللغة العربية وإن كان المطلوب الاستمرار في الترجمة لإثراء المكتبة العربية في هذا المجال.
وأشارت دراسة الدكتور السباعي إلى أن المصطلحات الطبية في الكتب الطبية باللغة الإنجليزية لا تتجاوز 3% من محتوى الكتاب وذلك بإجراء إحصائيات دقيقة لذلك. كما أجرى الدكتور السباعي دراسة حول سرعة القراءة والاستيعاب لدى طلاب كلية الطب لو كانت الكتابة باللغة العربية فوجد أن سرعة القراءة باللغة العربية تزيد بنسبة 43% عن سرعة القراءة باللغة الإنجليزية بينما تزيد نسبة الاستيعاب بنسبة 15%.
ومن الأمور الطريفة التي قدمها الدكتور السباعي في تجربته قبول الأطروحات العلمية للدراسات العليا باللغة العربية وهو الأمر الذي أثار استغراب البعض، كما أشار إلى بعض الندوات الطبية التي كانت لغتها هي الإنجليزية وتم تحويلها إلى اللغة العربية فكان هذا مثاراً للدهشة لدى البعض ولكن مع مرور أيام الندوات وجدوا أن الأمر ممكن جداً.
        هذا بلا شك ليس عرضاً لكتاب الدكتور السباعي، ولكني أردت أن يكون مدخلاً للتساؤل: لماذا لا ندرّس العلوم والطب والهندسة باللغة العربية؟ فهذه اقتراحات وتوصيات من كل حدب وصوب لجعل اللغة العربية لغة الدراسة في هذه المجالات ولكن من يعلّق الجرس؟ إن لغات أقل شأنا من اللغة العربية استطاعت أن تكون لغة لكل علوم العصر ومن أقربها إلينا اللغة العبرية التي كادت أن تكون من اللغات الميتة قبل نشأة دولة إسرائيل.
إنّ الأمر جدّ خطير وإننا إن لم نفعل اليوم شيئاً فإننا نستحق لوم الأجيال التي ستأتي بعدنا وليست المسألة أن اللغة الإنجليزية هي لغة العصر فإنها كما يقول العارفون لغة متفوق لا يلبث أن يتراجع عن تفوقه وسيطرته
وأعجبتني ملاحظة طالبة تركية في جامعة برنستون حول محاضرة لأستاذ في الجامعة حول دور أمريكا الإمبريالي حيث قالت الطالبة: "أنتم تتحدثون عن العالم كأنّه فراغ مهمل، وكأنّ الدول الفقيرة والضعيفة ستظل كذلك إلى الآبد. إنّ هذه الدول قد تصحو فجأة وتصبح لها مكانة عالمية قبل أن تدركوا"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية