صحيفة المسلمون لقاء أجراه يوسف ساجد العدد (3499 في 4 ربيع الآخر 1412 هـ (11 أكتوبر 1991)



تقديم: مازن مطبقاني المحاضر بقسم الاستشراق بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة من القلائل الذين اقتحموا عالم الاستشراق المعاصر بينما راوح الكثيرون عند الدراسات الاستشراقية التاريخية. قام من أجل ذلك بالعديد من الرحلات العالمية للالتقاء بالمستشرقين في مواطنهم ومعرفتهم وجهاً لوجه، زار في رحلاته كلاً من جامعة لندن "مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية" وجامعة برمنجهام "معهد العلاقات الإسلامية النصرانية" وجامعة برنستون ومعهد أننبرج للدراسات اليهودية ودراسات الشرق الأدنى
        أثرى المطبقاني مكتبتنا العربية بعدد طيب من الدراسات منها "من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر" والغرب في مواجهة الإسلام، وأصول التنصير في الخليج العربي: دراسة ميدانية وثائقية "ترجمة عن اللغة الإنجليزية ونبش الهذيان من تاريخ جرجي زيدان.
وفيما يأتي الحوار:
التقيت خلال رحلتك إلى أمريكا وبريطانيا ببعض المستشرقين فكيف كان هذا اللقاء وما الدروس التي يمكن أن تستفاد من مثل هذه الرحلات؟
        إنّ من يريد دراسة الاستشراق دراسة فعّالة لا بد أن يتعرف إلى مراكز الاستشراق ويعيش بين ظهرانيهم ويستمع إليهم في محاضراتهم وندواتهم ودروسهم ومؤتمراتهم، بالإضافة إلى الاطلاع على إنتاجهم المنشور في الكتب والدوريات.
        لقد عشت في أمريكا قبل هذه الرحلة خمس سنوات (1388-1393هـ) (1968-1973م) فتعرفت على المجتمع الأمريكي معرفة جيدة، أما رحلتي هذه فقد زرت معقلين من معاقل الاستشراق في كل من برنستون ولندن، وقد رأيت القوم يأخذون تخصصهم مأخذ الجد، لا يدعون دقيقة تمر دون إنجاز ففي خلال أربعة أسابيع عقدت أربع ندوات أسبوعية للأساتذة وطلاب الدراسات العليا قدّمت فيها أربع محاضرات قصيرة تبعها نقاش كانت الأولوية في الأسئلة لهؤلاء الطلاب.
        كما استضاف القسم أربعة محاضرين من أوروبا وأمريكا منهم راينهارد شولتز وجيفري لويس وغيرهما، أما جمعية الشرق الأوسط فقد دعت هي بدورها بعض المحاضرين من أمثال إدوارد سعيد ووليام كوانت المعروف باهتمامه باتفاقية كامب ديفيد.
        ودعت الجمعية مصوّراً فوتوغرافياً لعرض بعض الصور عن الانتفاضة الفلسطينية وشرح هذه الصور مشيراً إلى التعتيم الإعلامي في أمريكا على أخبار الانتفاضة ووحشية إسرائيل في قمعها. كما التقيت بمعظم أساتذة قسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون
        ولمّا كانت طبيعة زيارتي جمع المعلومات فقد ابتعدت ما أمكن عن أية نقاشات حول الاستشراق وأهدافه، ولكن تأكد لي أن استشراق القرن التاسع عشر هو استشراق القرن العشرين وأن القوم يدرسوننا دون الاهتمام بوجهة نظرنا إلّا بقدر ما تدعم آراءهم ولا أكون مبالغاً إن قلت إنهم يدرسوننا كأننا مخلوقات معملية (حيوانات المعمل أو الفئران)
من المعروف أن المستشرقين عقدوا مؤتمرهم الدولي للاستشراق في باريس عام 1973 وكان من نتائج هذا المؤتمر اتفاقهم على إلغاء مسمى الاستشراق، فهل يعني هذا أن الاستشراق في صورته التقليدية قد اختفى وبدأ استشراق جديد؟
        لمّا كان عهد الاحتلال قد ولى وانتهت سيطرة المستشرقين المباشرة على مناهج التعليم في البلاد الإسلامية وانكشف أمرهم إلى حد بعيد كان لا بد للاستشراق أن يغيّر جلده ويأتي بمسميات جديدة لا تثير الحساسيات القديمة.
        وفي الحقيقة فالاستشراق باق ومستمر مادام للغرب أطماع في بلاد المسلمين وهذه الأطماع مصداقاً لقوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) وقوله تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) فإذا كان المستشرقون القدامى أو التقليديون قد درسوا العلوم الإسلامية من قرآن وسنة وتاريخ ولغة ليبثوا سمومهم من خلال هذه الدراسات، فالمستشرقون المحدثون يدرسون هذه العلوم بالإضافة إلى دراسة علم الاجتماع والاقتصاد والسياسة الخاصة بالعالم الإسلامي كما يهتمون بصفة خاصة بدراسة الحركات الإسلامية أو ما يطلقون هم عليه "الحركات الأصولية" أو "المتطرفة"
        كان المستشرقون في الماضي يرتبطون بدوائر المخابرات ووزارات الخارجية في بلادهم ويستخفون إلى حد ما، أما الآن فإن حكومات هذه الدول تستفيد من كل البحوث الأكاديمية التي تجريها الجامعات ومراكز البحوث بل إنها تمول في كثير من الأحيان الندوات والمؤتمرات التي تعقد حول قضايا العالم الإسلامي ، وقد كشف النقاب قبل عدة سنوات عن مؤتمر حول  الحركات الإسلامية في العالم العربي في جامعة هارفارد قامت بتمويله الاستخبارات المركزية الأمريكية ، ولعله كُشف النقاب عن هذا المؤتمر ليعقد غيره عشرات المؤتمرات بعيداً عن الشكوك.
ينظر بعض المؤلفين إلى كتبهم وكأنها أبناؤهم وقد يحبون أحدها أكثر من غيره، فكيف تنظر إلى مؤلفاتك وأيها أقرب إلى قلبك؟
        يحمل هذا الوصف كثيراً من الحقيقة ذلك أن كل كتاب له صفات خاصة وجاء في ظروف معينة، وبالنسبة للكتاب الذي أحب فهو الكتاب الذي يرضى الله عز وجل أولاً ثم يجد القَبول من القراء ، ولكني أحببت كتاب المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق لأنه جاء في وقت صعب بالنسبة لمسيرتي العلمية حيث واجهتني عقبات في سبيل تسجيل رسالة الدكتوراه في الاستشراق الفرنسي فعمدت إلى ما تجمع من مادة علمية فأعددت منها هذه البحوث كما أنني تلقيت رسائل من بعض أساتذتي يثنون على هذا الجهد وكذلك لأن البحوث تستحق أن تكون موضوعات لأطروحات جامعية فأحمد الله على توفيقه
كتابك "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية" أتاح لك معرفة وثيقة لأثر العلماء في الحياة السياسية في الجزائر فكيف ترى أهمية مشاركة العلماء في القضايا العامة؟
        يمكن الإجابة عن هذا السؤال من شقين: أولاً من ناحية الوضع في الجزائر وثانياً بصفة عامة في التاريخ الإسلامي. أولاً لم يكن احتلال فرنسا للجزائر مجرد احتلال أرض شعب آخر واستغلالها ونهب ثرواتها بل كانت حملة صليبية ماكرة تم التخطيط لها قبل مدة طويلة من الغزو ومن الطريف أنه خطط لها في عهد الملكية ونفذ الاحتلال في عهد الجمهورية، وما أن وطأت أقدام الفرنسيين الجزائر حتى استولوا على الأوقاف الإسلامية وعلى المساجد فحرموا الجزائريين من مصدر تمويل التعليم ومن المكان المعد لذلك. ثم واصل الفرنسيون حملتهم ضد الجهاد أولاً ثم تفسير الكتاب كله، وفي الوقت نفسه شجع الاحتلال أرباب الطرق الصوفية من أصحاب العقائد المحرّفة ومكّنوا لهم في البلاد ولم يكتفوا بذلك بل استخلصوا بعضاً من أبناء الجزائر وعلّموهم في مدارسهم ليكونوا عيوناً لهم على إخوانهم وليقودوهم في حملة التغريب والفرنسة
        وشاء الله للجزائر أن تستيقظ على دعوة الإمام عبد الحميد بن باديس يرحمه الله بالدعوة إلى العقيدة الصحيحة وتعلم الإسلام واللغة العربية التي كادت تندثر. وقد بدأ ابن باديس دروسه بكتاب (الشفاء في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.) ثم أخذ يفسر كتاب الله عز وجل ويستغل كل مناسبة لدعوة الجزائريين للعودة الصحيحة إلى عزة الإسلام التي لا تقبل الذل والاحتلال. وشارك العلماء في النشاطات السياسية رغم أن الجمعية محظور عليها العمل في المجال السياسي بحكم النظام الفرنسي للجمعيات الدينية. ولا ينكر أثر العلماء في الحياة السياسية في الجزائر إلّا جاحد.
أما الشق الثاني من الإجابة فالإسلام لا يعرف الفصل بين الدين وبين السياسة لأن تلك من آثار الصراع بين الكنيسة والدولة في الغرب. ولو رجعت إلى التاريخ الإسلامي لحدّثك عن العلماء القادة والعلماء الزعماء منذ أول يوم جاء فيه الإسلام حتى نهاية الخلافة العثمانية فقد كان السلطان عبد الحميد يرحمه الله عالماً، ولو أحصينا الخلفاء العلماء لما وسعنا المجال فالراشدون رضوان الله عليهم أجمعين كانوا علماء وكذلك كان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وكان كذلك عبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية