من أروقة المؤتمرات


        
         منذ سنوات وقد منّ الله عز وجل عليّ بحضور المؤتمرات والندوات في أوروبا وأمريكا واليابان وماليزيا وغيرها من دول العالم، وإن كان معظم نشاطي في أوروبا وأمريكا. وهذه المؤتمرات تهتم بالإسلام والعالم الإسلامي والمسلمين في شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية. وفي معظم الأوقات أقدم ورقة أو بحثاً حول قضية تهم الملتقى الذي أحضره. وبالإضافة إلى جهدي المتواضع في تقديم بحث أحرص على حضور مختلف الجلسات وييسر الله لي سبحانه وتعالى أن أستمع إلى الباحثين من غربيين وعرب ومسلمين في هذه المنتديات. فيكون بعض ما يقدم في هذه الأوراق فيه أخطاء إما ناتجة عن جهل المتحدث بحقيقة الإسلام أو عن سوء نية وقصد. فأطلب الكلمة لأناقش المتحدث فيما قال وأصحح له أو انتقده وأنتقد المؤتمر لتقصيره في دعوة علماء مسلمين متمكنين من دينهم.
ولكن ماذا في هذه المؤتمرات؟ أولاً يحضر المؤتمرات عدد طيب من أساتذة الجامعات الغربية وغيرها ويحضرها بعض طلاب الدراسات العليا. وتناقش في المؤتمرات قضايا تتصل بالعقيدة والشريعة، وحتى يكون كلامي واضحاً أقدم بعض النماذج من بعض المؤتمرات التي حضرتها مؤتمر الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، صيف عام 2006م وكان أحد الطلاب يتحدث عن الإسلام والسياسة، وزعم أن الإسلام لا يمكن أن نعده حكماً على السياسة فالإسلام ليس واحداً فهناك الإسلام الرسمي والإسلام الشعبي والإسلام السياسي والإسلام المتشدد والإسلام السلفي والإسلام الصوفي. فهل صحيح إسلامنا أصبح كل هذه الإسلامات ولم يقل لنا أحد عنها؟ هل يأتي باحث في جامعة بريطانية ليزعم أن الإسلام لم يعد الدين الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نقياً كالصفحة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك؟ أليس كتاب الله المجيد قد ذكر فرعون في سبع وستين موضعاً في كثير منها في السياسة ليوضح لنا خطورة الدكتاتورية والاستبداد والطغيان؟ أليس القرآن الكريم الذي حدثنا عن داود وسليمان عليهما السلام وإقامتهما للعدل وحدثنا عن أمر الله سبحانه وتعالى لداود للحكم بالعدل؟ وهذه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم القولية والعملية توضح لنا كيف كانت السياسة في الإسلام؟
وفي مؤتمر آخر تناولت باحثة لبنانية قضية حجاب المذيعات فأخذت تزيد وتعيد في طبيعة الحجاب والأقوال التي جاءت من هنا وهناك لتحديد ما يغطي الحجاب وما يكشف. فطلبت الكلمة لأقول لها يا أيتها الباحثة لماذا تزيدين وتعيدين في مسألة الحجاب وتستندين إلى أقوال لا يستند عليها، ثم ليس الحجاب قطعة قماش أو خرقة توضع على الرأس ولكنه إيمان أولاً وسلوك وعفة وحشمة ووقار. إن الحجاب أسمى من كل هذه التفصيلات التي تقولين، ثم أيعجبك كيف تلبس الطالبات في هذه الجامعة وهي الجامعة اللبنانية الأمريكية؟ أليست هذه الملابس بعيدة عن الحشمة والعفة والوقار بل هي تبتذل المرأة وتجعلها مجرد معرض للحوم الحرام لتظهر ليشاهدها الغادي والرائح. وأضفت لها ما قالته امرأة أمريكية كانت تسخر من الحجاب قبل أن تهتدي إلى الإسلام وكانت تصف الحجاب بأنه ملاءة سرير أو شرشف سرير، ثم أراد الله عز وجل لها الهداية فارتدت الحجاب وكتبت عن الحجاب بعنوان عندما غطيت رأسي تفتح عقلي" وقالت إنها قبل الإسلام كان أكثر ما يهمها أن تبدي زينتها للرجال وأن قيمتها كانت فيما تبدي من هذه الزينة وكيف تلفت الانتباه والأنظار إليها، ولما هداها الله إلى الإسلام وتحجبت أدركت أن قيمتها في نفسها وفي فكرها وفي أخلاقها وإيمانها وليس في فتنة الجسد.
ويكون الحديث في المؤتمرات أحيانا عن التشريعات الإسلامية في مجال المرأة والزواج والطلاق ورعاية الأولاد،
 ففي أحد المؤتمرات تحدثت طالبة إندونيسية ممن تأثرت بالتفكير الجاهل المنحرف عن الفهم الصحيح أن الإسلام يضطهد المرأة وأن القرآن الكريم فسّره رجال فجاء التفسير ذكورياً، وانتقدت الزواج مثنى وثلاث ورباع وأنه إهانة للمرأة. فقلت لها أليس إهانة للمرأة أن لا تجد لها الحياة الكريمة في ظل زوج يحمي كرامتها ويهيئ لها العيش الطيب وتصبح أماً فتكتمل أنوثتها؟ أليس ما يحدث في الغرب من تعدد الخليلات إهانة للمرأة وتدنيس لشرفها وعرضها؟ أتقبل الواحدة أن تكون خليلة بدلاً من أن تكون زوجة ثانية وأماً؟ أيعجبك أن يعيش الرجال والنساء حياة زوجية كاملة دون زواج ودون حفظ لحقوق المرأة وكرامتها، وذكرت أرقاماً عن المجتمع البريطاني الذي ارتفعت فيه نسبة المواليد غير الشرعيين أو أبناء الزنى إلى أكثر من أربعين في المائة في بعض المناطق وفي مناطق أخرى أكثر من خمسين في المائة؟
وكان حديث جانبي في أحد المؤتمرات عن الطلاق وتشريعاته في الإسلام فنقلت لهم ما كتبته امرأة أوروبية أن تشريعات الطلاق في الإسلام أرحم بالمرأة والأطفال من التشريعات الغربية. فقالت حدد الإسلام خطوات حل أي مشكلات بين المرأة والرجل في الخطوات الثلاث أو الأربع الوعظ والهجر والضرب غير المبرح، ثم حكم من أهله وحكم من أهلها (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) ثم إن الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وغير ذلك من الوصايا العظيمة حين تصل الحياة الزوجية إلى حد لا يمكن استمرارها (ولا تنسوا الفضل بينكم) أما حضانة الأطفال فهي حق المحضون قبل الحاضن. أما في الغرب فعندما يقع الخصام بين الطرفين يسعى كل منها إلى محام لابتزاز الآخر ويلجؤون إلى مكاتب المراقبة السرية (الجاسوسية) ليثبت أن الآخر خائن أو حتى يمكن أن يوقعه في الخيانة (وفي بريطانيا ظهرت مهنة جديد للنساء للإيقاع بالرجال في الخيانة، وسميت مصائد العسل كأنها مصائد الفئران) ثم يضيع الأولاد بين الأبوين كل يحاول إثبات أن الآخر ليس أهلاً للحضانة.
الخلاصة إن المؤتمرات الدولية في الجامعات والمؤسسات الغربية مجال خصب للدعوة إلى الله والذب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن دينه، ذلك أن من يحضر المؤتمرات يكون من الأساتذة أو من طلاب الدراسات العليا، فالأستاذ إن تصحح فهمه للإسلام أو سمع شيئاً إيجابياً حقيقيا نقله إلى عشرات الطلاب وهؤلاء بالتالي سينقلونه إلى الأجيال التالية حين يتولون عملية التدريس، كما أنه يصحح للطلاب مفاهيمهم قبل أن تترسخ الصور السيئة عن هذا الدين. وفي مؤتمر في أمريكا العام الماضي أتيحت لي الفرصة لأرد على الطالبة الإندونيسية فجاءني طالب أمريكي يثني على مناقشتي لتلك المرأة وهو ليس مسلم وربما لم يسمع عن الإسلام كثيراً فأشار بإصبعه بعلامة التشجيع والدعم والتأييد. كما قالت لي طالبة برازيلية مهتمة بالإسلام وباللغة العربية أنها بدأت تغير نظرتها للملابس وكيف ينبغي للمرأة أن تظهر. وتحدثت مع زوجتي تشجعها على الاستمرار بدعمي ومساندتي في رسالتي التي أقوم بها.
ولكن أقول وكلي أسى أن حضورنا في المؤتمرات الغربية قليل جداً وضعيف في أكثر الأحيان. أو ربما كل الأحيان. وكم أتمنى أن أجد عشرة طلاب دراسات عليا أو أساتذة في مقتبل العمر لتدريبهم على حضور المؤتمرات وكيف يقومون بأداء رسالة الإسلام العظيمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية