إنزقان (بالقاف الخففة) أو القاف الحجازية



March 12, 2011 at 5:58pm
     ما زلت أذكر أن الزلزال في مدينة أغادير كان مدمراً، وكانت التحليلات التي قرأتها أن الفساد قد استشرى فيها أو إنه كان فيها نواد للعراة. ولكن هل يعقل أن الستينات كانت سيئة إلى هذه الدرجة أو إن ذلك كان من بقايا الوجود الفرنسي. أما أحد أبناء إنزقان وهي القريبة من أغادير (أقل من عشرة كيلومترات بل تكاد المدينتان تكونان مدينة واحدة) يرى أن الفساد حدث في الثمانينات والتسعينيات وليس في الستينيات.
من أبرز المعالم التي يتحدث عنها سكان أغادير وأنزقان قصر الملك الحسن وقصر ولي العهد السعودي التي تمتد على مساحة واسعة بالقرب من الشاطئ. كما يذكرون أن الملك أعطى سكان أغادير جزءاً من قصره ليكون شارعاً يوصل بين أجزاء مختلفة من المدينة.(كما يقولون إخواننا السوريون شو طيب ها الملك)

أما أغادير فلها شاطئ واسع حيث لم يسمح بالعمران لمسافة طويلة بل أبعدت المقاهي والمطاعم عن الشاطئ وهو عكس ما حصل في مدن شاطئية أخرى مثل جدة على سبيل المثال. أما الرمال في شاطئ أغادير فنظيف والألعاب المتوفرة للأطفال جيدة. ومع ذلك فبعض السكان غاضبون لسماح المسؤولين في البلدية لبعض الشركات الاستثمارية ببناء مجمعات سكنية سياحية تتوفر فيها كبريات الماركات العالمية.
كانت ضيافتنا في بيت عمة زوجي خديجة وهي أخت أبيها من أمه، وقد أعجبني في المغرب أنهم لا يفرقون بين العم والعمة والخال والخالة من أب أو أب بل إن التعامل مع الجميع كأنهم أشقاء.

وتشتهر مدينة إنزقان بأنها مدينة تجارية بامتياز حيث فيها عدة أسواق كبرى منها سوق الثلاثاء الذي كان يعقد كل ثلاثاء فأصبح مفتوحاً كل الأسبوع. وهذا السوق يباع فيه مختلف أنواع البضائع من الملبوسات والأحذية والحقائب والأدوات المنزلية. ويأتيه المتسوقون والبائعون من سوس جنوباً إلى الدار البيضاء شمالاً.
كما أتيحت لي الفرصة أن أزور سوق الخضار حيث ينقسم إلى قسمين أحدهما للجملة والثاني للمفرق. وأما سوق الجملة فيفتح قبل صلاة الفجر حيث تفد الشاحنات من النواحي القريبة من أنزقان أو من الجنوب كله وكأن أنزقان نقطة تجميع لإنتاج هذه المناطق ومنه تنطلق إلى مدن المغرب كافة. وقد تخيلت أن ما رأيته في أنزقان يكاد يكفي مدينة بحجم نيويورك. وقد رأيت كميات ضخمة من الخضار والفواكه المحلية في غالبيتها العظمى وإن كان هناك بعض الفواكه المستوردة مثل الباباي والأناناس والمانجو وغيرها. ومن الفواكه التفاح بلونيه الأحمر والأخضر وربما الأصفر كذلك، وهو على درجات في الجودة. وهناك فواكه وخضار كثيرة. وأتعجب لماذا ذهب بعض أثرياء المملكة إلى دول أمريكا الجنوبية لشراء مزارع ليأتوا لنا بالفواكه المختلفة فليتهم استثمروا في بلاد إسلامية مثل المغرب والسودان وسوريا وغيرها سائلاً الله عز وجل أن يمنّ على البلاد الإسلامية بأنظمة مستقرة حقيقة لا يخاف أحد على ثروته فيها.
وفي إنزقان سوق كبير للفضة والمجوهرات وإن كانت شهرتها في الفضة أكثر ولكن هذا السوق يغلق يوم الأحد أو هو يفتح أحداً ويغلق الأحد الآخر.
جلست في أحد المقاهي وطلبت الشاي بالنعناع، وقد تعلمت الطريقة المغربية فأقول للنادل (براد داتاي بالنعناع والسكر قليل شوية) ولا بد أن لهجتي لن تكون مغربية مائة بالمائة ولكنهم يفهمون ما أقصد. وثمة تشابه بين المغاربة وأهل المدينة في كثرة أنواع النعانيع التي يستخدمونها فبالإضافة إلى النعناع العادي الذي نسميه في المدينة المنورة النعناع المغربي فلديهم أشياء أخرى مثل الشيبة، وثمة مشروبات في الشتاء وأخرى للصيف تماماً كما هو الأمر في المدينة المنورة.

ومنطقة إنزقان من مناطق الشلوح أو الأمازيغ واللغة التي يتحدثون بها هي الأمازيغية أو الشلحة وتكاد تكون اللغة الأولى في هذه المناطق وحتى من كانت أصوله عربية فإنه يتعلم اللغة الأمازيغية، وأحياناً يتحدثون بالأمازيغية قبل العربية، ولم ألاحظ فروقاً جوهرية تبين لي من يتحدث الشلحة ومن يتحدث العربية ولكن أهل المنطقة يعرفون ذلك بل إن بعضهم يرى تركز أبناء الأمازيغ في تجارة معينة أو قطاعات تجارية معينة. وحتى وإن تكتل أبناء كل طائفة فلا يشعر أحد أنه ثمة تفرقة عنصرية لولا ما يمكن أن يكون من تأثيرات خارجية معروفة.
أما أزياء النساء فإن لم تكن تبرجاً وسفوراً وملابس أوروبية فإن النساء عموماً يرتدون الملحاف أو اللحاف وهو الرداء الذي يشبه اللحاف لأنه قطعة ضخمة من القماش تتلفع أو تتلحف بها المرأة لستر جسمها وتكاد تكون ثوب قماش كامل أو طاقة كما نقول في المدينة المنورة. وهو لباس ساتر حقاً يستخدمونه في بلاد الشلوح وفي بلاد الشنقيط وله ألوان غريبة فكأنه قماش مصبوغ يدوياً وبطريقة غير محترفة فالألوان تكون أحياناً متداخلة.
عندما بدأت الحديث عن أغادير أردت أن أقول إني لم أحب هذه المدينة لارتباطها بوجود القصور وزيارات الأثرياء والسياحة وما شابه ذلك وبخاصة أن الفساد يبدأ في الأثرياء كما قال الحق سبحانه وتعالى ((وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً))16 الإسراء، ومع ذلك فالمنطقة جميلة من ناحية الطبيعة وما فيها من خضرة وسواحل نظيفة ووفرة الغذاء الصحي والجو الصحي. وقد رأيت الفراولة على سبيل المثال فتعجبت أن يصل إلينا فراولة مصرية صغيرة جداً وحامضة فتعد درجة عاشرة بالنسبة لما في أغادير وأنزقان،  كما نستورد فراولة أمريكي وتكون أحياناً أرخص من الفراولة المغربية (من المسؤول عن هذه الأسعار؟) بالإضافة إلى أن أسعارها معقولة جداً. فأين الجامعة العربية التي ولدت ميتة أن تفعل شيئاً لتقوية التجارة البينية بين البلاد العربية.
ومن طرائف هذه المدينة أنزقان؟ أنه يقع فيها مستشفى للأمراض العصبية أو النفسية وقد جلست في أحد المقاهي لتناول فنجان قهوة فمر بنا في خلال نصف ساعة ما لا يقل عن ستة أو سبعة من المرضى النفسيين أو المجانين أو أشباه المجانين، ولكنه الجنون المسالم. فهل تسمح إدارة المستشفى بخروج هؤلاء أو إنها لا مكان لديها لهؤلاء وبخاصة أنهم لا يؤذون الناس، فأحدهم مثلاً يطلب درهماً واحداً فقط وبعضهم يطلب الصدقة. وقد رأيت شابين مفتولي العضلات في الدار البيضاء يتسولان فكدت أقول لهما ولماذا لا تعملان فتذكرت كلام الرجل في سيدي بوزيد قرب الجديدة أن بعض هؤلاء لا يريدون العمل حتى لو كان مائة درهم في اليوم. وخلصت بعد النظر إلى أحوال هؤلاء أن تذكرت قول الله عز وجل (وأمّا السائل فلا تنهر) وهو أمر محدد يجب إطاعته مهما ظننا في السائل، ولعل الإنسان يقول هنا (الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاه به أو بتلاهم به)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية