مراكش الحمراء الزاهية الحمرة




March 9, 2011 at 5:58pm

مراكش-ساحة الفنا: ثعابين وسحر وشعوذة

زرت مراكش من قبل وأعجبني اللون الأحمر وأعجبني إلى حد ما يوجد في ساحة الفنا من ترفيه بعضه برئ وبعضه إضاعة للوقت وشعوذة وغير ذلك. ولكن تلك الزيارة في الليل الذي يصبح حيوياً ويكثر الزوار والسائحون من كافة الجنسيات.  وعندما جئت إلى مراكش هذه المرة أتيحت الفرصة لي للإقامة في فندق له اسم غريب فهو السراب الملكي، ولم أعرف أن السراب يصلح أن يكون جزءاً من اسم، فالسراب ورد ذكره في القرآن الكريم بأنه خادع (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (سورة النور آية 49) فلماذا يختارون مثل هذه المسميات؟
أما داخل الفندق فيتميز بكثرة الزخارف والنقوش حتى إنني قدرت لو أن تكاليف هذه الزخارف والنقوش أنفقت على فقراء مراكش لكفتهم عاماً أو يزيد أو إنها لو أنفقت على عشرة آلاف فقير لكفتهم عامين وزيادة. وهنا تذكرت تلاوة الشيخ إبراهيم الأخضر يحفظه الله في صلاة الفجر- أعاده الله إلى ذلك المحراب- من سورة الزخرف فحين يقرأ قوله تعالى (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ (34) وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)(الزخرف آيات 33-35) وما أجمل صوت الشيخ وأروعه وما أبدع قراءته فحين يقف على كلمة (وزخرفا) يهزك هزاً لتفكر في الزخارف ولم تنته بعد من التفكير في السقف من فضة والمعارج والأبواب والسرر.
وفي صبيحة يوم الأربعاء السادس من ربيع الأول 1432هـ (9فبراير 2011م) خرجت أبحث عن مقهى لتناول قهوة الصباح فدلفت إلى مطعم الفندق فوجدت أمريكية مخففة جداً مما لا يجعلها تستحق اسم قهوة، وإنما ماء مغلي أو حتى ساخن ولون أسود وقليل من المرارة، وقهوتي الكحلا لا بد أن تكون مرة مرارة شديدة لتعادل كما أقول بطرافة لتعادل حلاوة الحياة.
وسرت خطوات خارج الفندق تقارب النصف كيلو متر لأشرب فنجاناً من القهوة يعدل الرأس كما يقال ولكن بسعر أربع أو خمس فناجين في المقاهي العادية في الدار البيضاء أو فاس. ولكن لمراكش أسعار خاصة سأتحدث عنها في حينه.
وسألت عن جامع الفنا فأخبرنا بالشارع الذي نسير فيه وقد رأينا مئذنة الجامع أو صومعته كما يقول المغاربة فكانت تبدو قريبة ولكن ما أن بدأنا السير على الأقدام حتى اكتشفنا أن المكان بعيد ويزيد على اثنين من الكيلومترات ونظراً لأن معنا هاشم ابن الست سنوات وفاطمة ابنة الثلاث سنوات ونصف فقد اضطررنا للتوقف عدة مرات والجلوس على المقاعد المتوفرة في الطريق.
وهناك معلومات غزيرة في شبكة الإنترنت حول هذه الساحة ومتى أنشئت وما الهدف الأساسي من إنشائها وكيف تحولت إلى ساحة للهو والمرح والبيع حتى يصدق فيها المثل الأردني "كل في سوقه يبيع خروقه). هذه الساحة تأسست في عهد المرابطين في القرن الخامس الهجري وكانت ساحة للتسوق ثم تطورت الساحة ببناء مسجد الكتبية بعد قرابة قرن. وكانت الساحة لاستعراض الجيوش، ثم أصبحت تجمعاً لمربي الأفاعي والقرود والطيور وكل أنواع الحركات البهلوانية التي يتجمهر السياح لمشاهدتها ويصفقون ويضحكون، ويدفع بعضهم بقشيشاً لمقدمي الاستعراض.
وما أن وصلنا ساحة الجامع حتى شعرنا بالجوع الشديد ودلفنا إلى أحد المطاعم السياحية وكانت مقاعده وطاولاته مصنوعة من الحديد الذي يستخدم في البناء فكان منظره قبيحاً جداً ولكنه بلا شك متين جداً فيمكن استخدامه مدة خمسين سنة أو أكثر. وكأن صاحب المطعم ذهب إلى متجر للخردة فاشترى أسياخ الحديد وذهب إلى مصنع للحديد فكلفه أن يصنع الكراسي والطاولات ووضع عليها وسادة رفيعة مغطاة ببلاستيك خفيف. ورأينا قائمة الطعام وهالتنا الأسعار المبالغ فيها فهي والله أغلى من أفخم مطعم في لندن أو باريس أو نيويورك. وطلبنا الطعام وكان مستواه سيئاً سيئاً جداً، فدفعنا حوالي ثلاثمائة درهم أي حوالي مائة وخمسين ريالاً سعودياً.  فأحد الصحون يتكون من قليل من اللحم المفروم يقال إنه مشوي لا يسوي خمسة ريالات فإذ بثمنه يزيد على ثلاثين ريالاً أما المكرونة فكانت بضع أعواد مسلوقة ومطحون عليها النعنع والريحان، وقطعة دجاج قيل إنها مشوية ومعها بعض الطماطم أو المطيشة وقليل من الخس (ينطقه المغالبة بالضم فيقولون خُس) وتجاوز ثمنها السبعين درهماً. وأما الشاي فثمن البراد ثمانية عشر درهماً وحتى إن البراد لم يكن يصب بطريقة جيدة ففتحت الغطاء لأَصُب الشاي ولكن لعل جزءاً من ثمن الشاي هو للموقع ولارتفاع أجور المحلات التجارية.
وكان من نشاطاتنا في ساحة الفنا أن أكلنا ما يسمّى الببوش، وهي قواقع برية فيها حيوان يشبه الحلزون ويتم طهيه بأنواع معينة من الأعشاب وله طعم حار فبالإضافة إلى أكل لحم الحلزون يتم شرب السائل الذي طُبِخ فيه وقد يطلب الشخص -وهم كثر-زلافة أخرى أي زبدية أخرى. كما تناولنا إحدى وجبات الشواء في الهواء الطلق ومن ذلك الكباب والمرقاز أو الصجك وشربنا الحريرة مع الشباكية أو التمر المستورد في الغالب من تونس الذي يشبه التمر من نوع دقلة نور ذات الطعم المميز. كما شربنا عصير البرتقال الذي تتوفر محلات كثيرة لبيعه مع أنواع أخرى من العصير سوى الجزر.
وفي ساحة الفنا يكثر الشحاذون أو المتسولون واللصوص والمحتالون والنصابين، وكأن النصب والاحتيال مرتبط بالسياحة فإن المواقع السياحية التي تتحدث عن إحدى كبريات المدن السياحية في أوروبا مثل برشلونة فتحذر من النصابين والمحتالين واللصوص.

وفي الجهة المقابلة حديقة المنارة وبركتها الضخمة التي قيل إن الذي بناها هو السلطان الموحدي الأول عندما أمر بحفر بركتين إحداهما لسقي الدواب من أبقار وغيرها والثانية في بستانه الخاص وهو بستان ضخم سبحان مع جعله متنزهاً عاماً بعد أن كان خاصاً به.  والبستان يحتوي الأشجار المثمرة وفيه ما لا يقل عن بضعة آلاف من شهر الزيتون. وكتب أحد سكان مراكش واصفاً هذه الحديقة بأنها " الفضاء الوحيد الذي تستغله الأسر المراكشية لقضاء أوقات سعيدة... نأتي إلى هنا كل يوم أحد، نتناول وجبة الغداء تحت الأشجار، ويقضي الأطفال وقتا ممتعا في لعب الكرة وركوب الجمال"، ويقال إن اسم المنارة ظهر في عهد المرينيين ثم عاد إلى الظهور في عهد السلطان العلوي نحمد ابن المولى عبد الرحمن وهو الذي قام بترميم الجدار الضخم المكون للسياج الذي يحمي 96 هكتارا من البساتين، وحسن تموينه المائي، وقام ببناء جناح ملكي ومركز حراسة، ومكان للخيول على أطراف بركة المياه الكبيرة الوسطى، والتي يبلغ طولها 200 متر وعرضها 150 مترا. ويتبدى الجناح الملكي على شكل بناية قليلة الزخرفة، أبعادها متواضعة، وجدرانها المبنية من الحجارة سميكة، وزواياها من الآجر، وسقفها الهرمي المربع ملبس بقرميد أخضر. وقد بني هذا الجناح على مستويين، طابق أرضي، عبارة عن قاعة مستطيلة مفتوحة على بركة المياه، وممددة إلى الخلف عبر غرفة انتظار، وطابق علوي (المنزه)، توجد به قاعة مربعة منعزلة تحوي شرفة كبيرة تطل على بركة المياه، وتتمدد أيضاً إلى الخلف عن طريق غرفة انتظار تتوفر على ثلاث نوافذ تنفتح على الجبل.
 أما داخل القبة فهو يزدان بزخرفة هندسية بسيطة وملونة تنضح بهجة وعذوبة، وتقتصر على خيوط رفيعة من الصباغة، ألوانها زاهية على زوايا القبة الخارجية البارزة وحول النافذة. ويمتد الدرج الصغير، الواصل إلى الطابق، حتى مصطبة صغيرة، تستند على غرفة انتظار المنزه، وتقدم منظرا بديعا يطل على البستان الملكي الكبير، وعلى المناطق الداخلية، وعلى جبال الأطلس.
وملاحظة أخيرة إن الملوك يعرفون كيف يستأنسوا، وقد حكى القرآن عن فرعون (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الزخرف 43) وعجيب أنها في السورة نفسها التي اقتبست بعض آياتها في سطوري السابقة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية