خطاب وداعي لرئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود




سعادة رئيس قسم الثقافة الإسلامية
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
يسرني أن أكتب لكم وأنا أودع قسم الثقافة الإسلامية وجامعة الملك سعود لأقدم لكم جزيل شكري وتقديري على ما أوليتموني من رعاية واهتمام ودعم في مسيرتي العلمية والعملية أنتم وسلفيكم كل من الدكتور محمد الوهيبي والدكتور سليمان العيد.
وأحب وأنا بصدد الوداع أن أقدم لكم النصيحة الأخوية الصادقة النابعة من حبي للعلوم الشرعية ودراستها وتدريسها وإن لم يكن لي شرف التخصص فيها. وهذه النصيحة أن يعيد القسم النظر في سياسة القبول وشروطه وذلك لأن المتخصص في العلوم الشرعية يحمل أمانة ثقيلة لا يحملها من ينتسب إلى غيره من التخصصات. ذلك أن المتخصص في العلوم الشرعية يستحق لقب (الموقعين عن رب العالمين) وكما قال أحد العلماء في تفسير هذه العبارة أن أصحاب المناصب العليا يختارون نوابهم ووكلاءهم ممن يمتلكون الموهبة والقدرة، فكيف بمن يكون مكلفاً بالتوقيع عن رب العالمين (ولله المثل الأعلى)
لقد نظرت في السنوات الماضية التي قمت بالتدريس لطلاب التخصص فوجدت عجباً، ونحن نردد فيما بيننا دائماً "ليس عندنا سوى النطيحة والمتردية و..." ونمضي في التدريس وإعطاء درجات النجاح حتى إذا غامر أستاذ وزادت نسبة الرسوب عنده قلتم له: لماذا يرسب الطلاب؟ ويمكنه أن يرد عليكم بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال: ولماذا ينجحون؟ والله ووالله لولا الخوف من المساءلة والإزعاجات لرسب أكثر الطلاب عند أكثر الأساتذة، ولكننا نطلب السلامة.
واليوم وأنا أغادر القسم –ما لم يتراجع القسم عن قراره- أود أن أنقل لكم صورة من أوراق امتحانات الطلاب في مادة مجتمع الأمة الإسلامية (سلم 454) فقد كتبت فيها مذكرة موجزة وقدمت مادتها مفصلة مشروحة في محاضراتي واستنتجت من هذه النتيجة في هذا الفصل وفي غيره من الفصول ما يأتي:
أولاً: القدرات العقلية لدى الغالبية العظمى من الطلاب محدودة جداً وحتى ضعيفة والنتيجة أنهم لا يستوعبون ما يقرأون ولا يستوعبون ما يسمعون. فإن حدثتهم في محاضرة كاملة عن مجتمع الأمة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية من الناحية الاجتماعية وكيف أن ذلك المجتمع مبني على أسس اجتماعية متينة في السلوك الفردي والسلوك الاجتماعي قائم على التكافل والتعاطف والتراحم. وقدمت لهم بعض الأحاديث والقصص من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، أجدهم في الاختبار لا يحسنون أن يكتبوا بضعة جمل تؤدي المعنى.
ثانياً: على الرغم من تواضع أو الحقيقة تدني مستوياتهم العلمية لكن بعضهم يزعم أن درجاته في بقية المواد ممتاز وجيد جداً، فلماذا تعطيني جيد أو مقبول. فيا سبحان الله ومن قال لك إني مجبر أن أعطيك الدرجة التي تشتهي أو نلتها عند غيري إن كنت لا تستحق؟
ثالثاً: يتصف العديد من طلاب التخصص بضعف عزة النفس أو انتفائها كلياً فتراه يستجدي ويستجدي ويستجدي وكأن تحصيل درجة عالية معي ستصلح ما أفسده في السنوات الماضية كلها.
ولقد عانيت من إحدى دفعات طلاب الدكتوراه الذين لم تعجبهم الدرجات التي حصلوا عليها مع أنهم لم يكونوا يستحقون غيرها، فسلقوني بألسنة حداد في كل مكان حتى إنهم امتنعوا عن كتابة التقويم في موقع المادة بينما قامت الطالبات بكتابة التقويم وكان في اعتقادي منصفاً. فهل يليق بطالب الدكتوراه أن يغضب من أستاذه إن أعطاه أ ولم يعطه أ+؟ لقد قلت لهم إن التميز الحقيقي هو ما يفعله الواحد منكم بعد حصوله على الدرجة أو حتى في أثنائها بما يقدمه من إنجاز علمي، ولكن قاتل الله الطمع والهوى.
أما الأخطاء التي وجدتها في أوراق هذا الفصل فأرفق لكم بياناً بها.
وختاماً فأقول إننا والله مسؤولون عن تخريج طلاب متخصصين في العلوم الشرعية يخرجون إلى المجتمع ليفتوا في دين الله فيضِلّوا ويُضِلُّوا وهو ما حذر منه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، من العيب أن يتخرج طالب في قسم الثقافة الإسلامية وهو لا يحسن كتابة جملة واحدة صحيحة باللغة العربية ولا يحفظ آية حفظاً صحيحاً، ولا يتقن حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك لئن يغلق القسم أو لا يدرس فيه سوى عدد يقل عن أصابع اليد الواحدة لهو أفضل من استمراره بهذه الصورة. وأود أن أضيف هل ترى يمكن لكلية الطب أو الحاسب الآلي أو اللغة الإنجليزية أن يتنازلوا عن شروط الامتياز والتميز في طلابهم؟ وهل تراهم يقبلون بطالب كسول أن يستمر في تلك التخصصات؟ فلماذا يسمح لتلك الكليات أن تضع شروطها ونحن لا شروط لنا مع أن العلم الذي ندرّّسه هو أشرف العلوم وأرقاها لأنه مرتبط بدين الله عز وجل.
وتقبلوا أصدق تحياتي وتقديري

                                                محبكم
                                        مازن بن صلاح مطبقاني


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية