أهل المغرب بخير



ولّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعيد بن عامر ولاية حمص فاشتكى أهل حمص واليهم فاستدعاه عمر ليسأله عن شكوى أهل الولاية. وهذه من عظمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الإدارية حيث اهتم بالشكوى ولم يبرئ واليه كما تفعل الإدارة في العصر الحاضر حيث إن الرئيس دائماً على حق وحتى إن تمّ التحقيق مع الرئيس فإن الذي يعاقب هو المشتكي أو الموظف الصغير بينما يظل المشكو منه في مكانه بل ربما يتم ترقيته واستمراره إلى ما يشاء الله. بل ما يحدث أن تقع العقوبة على الشاكي حتى إن الناس في زماننا يرددون " إذا كان خصمك القاضي فمن تقاضي؟" أو كما يقول الشاعر: "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم؟
وجاء سعيد بن عامر رضي الله عنه ماشياً فلمّا رآه عمر رضي الله عنه: قال له "بئس القوم قومك ألم يجدوا لك راحلة تحملك إلى المدينة؟" قال سعيد لا يا عمر لا تقل هذا فهم على خير لقد تركتهم يصلون الفجر في جماعة. فقلت ما أعظمه من معيار، وهكذا كان الأمر في الدار البيضاء وفي أحد أحيائها القليل المساجد لطغيان البنايات المزدحمة بالسكان حتى إن البناية الواحدة المكونة من سبعة طوابق يكون في كل طابق ست إلى سبع شقق. وفي ذلك المسجد الذي لم أحفظ اسمه صليت الفجر عدة أيام فوجدت سبعة إلى ثمانية صفوف. وكنت أرى الناس قادمين من أماكن بعيدة ورأيت بعضهم يسير مسافة طويلة عندما تنتهي الصلاة أكثر مما نمشي نحن في المملكة عدا في مكة والمدينة. بل إننا إن لم نجد مسجداً قريباً بنينا صندقة لتكون مسجداً. كما أن عدداً منهم يأتون إلى المسجد بالسيارات. وكان يعجبني عند أحد المساجد من يأتي لبيع الخبز الساخن مما يذكرني بأيام المسجد النبوي الشريف قبل أكثر من أربعين سنة حيث كان للمسجد باحة من جهة باب السلام وبضع درجات إلى شارع العينية ففي الساحة كان يباع العيش الحار والسُخن كما يقول الشوام والمغاربة وعندما كنت في سن الثانية عشرة كانت لهجتي ما تزال كركية فتعجبت كيف يباع العيش(الخبز) الحار فأخبرني أبي أنهم يقصدون السُخْن.
أما الإمام فقد كان صوته جميلاً وقراءته رائعة متميزة خاشعة، يختار آيات من سور عديدة من سورة مريم أو المائدة أو آل عمران، فلا بد أنه يحفظ القرآن كاملاً، وكان لا يخطئ ولا يتردد وكان يقرأ برواية ورش وأحب سماع تلك الرواية لاختلافها عما تعودناه وهي قراءة حفص عن عاصم. وبالمناسبة يقال: إن القرآن نزل في الحجاز فقرأه المصريون وحفظه المغاربة وخطّه الأتراك.
وقفنا صفاً منتظماً مرتباً وقد لاحظت أن المصلين لا يتحركون في أثناء الصلاة وكأنهم مثل من يبتع المذهب الحنفي كما أخبرني أبي أن ثلاث حركات تبطل الصلاة والثلاث حركات مثل رفع اليد وحك جزء من الجسم وإعادتها، ولو طبقت هذه القاعدة عندنا في المملكة لكان من تصح صلاته قليلاً. وربما كان الأحوط هو المذهب الحنبلي أن الحركات إذا زادت عن الحد المعقول تبطل الصلاة. أو كما قال أحد العلماء "لو خشع قلبه لخشع بدنه"
أخبار مفرحة في المغرب:
        تلقيت اتصالاً هاتفياً ورسالة إلكترونية من دار العبيكان بالرياض تخبرني بانتهاء إعداد كتابي (رحلاتي إلى مشرق الشمس) وكتابي (رحلاتي إلى بلاد الإنجليز) كما أرسلت نسختين من الكتاب للمراجعة النهائية، وقد حاولت أن أراجع بقدر استطاعتي فالكاتب هو أسوأ مراجع لعمله، كما تم اختيار الغلافين المناسبين للكتابين.
أما الخبر الثاني بالإضافة إلى اتصال هاتفي من رابطة علماء المسلمين ودعوتهم لي للمشاركة في مؤتمر يعقد في أنقرة عن دور العلماء في نهضة الأمة. وقبلت الدعوة شاكراً لهم أن عدوني من العلماء، ولكن ما ساءني أن المؤتمر يعقد بعد أقل من شهر ثم يطلب مني خلال أسبوعين أو أقل أن أنجز بحثاً عن نقاط التوافق والاختلاف بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية أقدمه في عشرين دقيقة، فهذه كما نقول في الحجاز عزومة مراكبية، فلم أكاف نفسي أن أرد عليهم وكان المؤتمر قد عقد بالفعل في الفترة من 26-28 ربيع الأول 1432هـ (1-3 مارس 2011) وهو المؤتمر الأول للرابطة. فهل عقد المؤتمر على عجل وهل الحديث عن دور العلماء يمكن أن يتم في مؤتمر دون أن يكون للعلماء وجود حقيقي في أرض الواقع؟
مصلّو الفجر هؤلاء هم النخبة وهم الصفوة وهم الزبدة واللب لأي مجتمع مسلم، وليس الذي درس في السوربون أو باريس الأولى أو حتى العاشرة أو درس في كمبريدج أو أكسفورد أو غيرها. وليس الذي يرأس البنك الفلاني أو الفلاني أو رئيس دائرة كذا أو وزير أو وكيل وزارة كذا.  ولقد ابتلانا الغرب بتقسيم مجتمعاتنا المسلمة إلى النخبة وغير النخبة ثم قسّم تلك النخبة إلى نخبة سياسية ونخبة فكرية ونخبة اجتماعية وهؤلاء ليسوا نخبة بمعاييرنا الإسلامية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية