انزقان بجوار أغادير (من رحلاتي إلى المغرب العربي)


خرجت صبيحة يوم الأحد على الساعة الثامنة صباحاً أبحث عن فنجان قهوة فوجدت أن معظم المقاهي مغلقة عدا واحداً فدلفت إليه، ولما سألت عن القهوة الكحلا قال لدينا القهوة السريعة التي تسمى نسكافيه، وعلى الرغم من أن طعمها يختلف عن القهوة المضغوطة أو الإسبرسو لكنها يمكن أن تعدل المزاج وقد تفسده. وعلى أي حال قمت بكتابة عدة صفحات عن مشاهداتي في إنزقان المدينة التي لا تكاد توجد على الخارطة، ولكنها موجودة على خريطة المغرب الاقتصادية والثقافية والفكرية. ولو كان لدينا رؤوس أموال ذكية وحكومات تهتم بالشعوب بالإضافة إلى الاهتمام ببقائها لكانت حالنا غير حالنا.
وقد رزقني الله عز وجل بأحد أبناء إنزقان لاطلاعي على بعض جوانب المدينة ففي أثناء مسيرنا في أحد الشوارع حيث يوجد ما يشبه سوق الحراج وإذ بمئات البائعين المتجولين إما يفترشون الأرض أو لديهم عرباتهم فسألت ما السبب في كثرة الباعة المتجولين، فردّ عليّ على الفور "لقد سكتوا عنهم بعد حادثة بو عزيز الذي حرق نفسه في تونس" وهذا الشاب تعرض للإهانة على يد امرأة تعمل شرطية في حكومة بن علي، فلما أراد الشاب أن يشكو أمره إلى الوالي لم يجد آذاناً صاغية بل وجد أبواباً موصدة. فحرق نفسه فتفجرت الثورة في تونس، فتحررت تونس وتبعتها مصر. وفيما أنا أمشي في شوارع أنزقان وجدت البلدية قد كتبت لوحة على جدران أحد المنازل تضع تنظيماً للباعة المتجولين أو على الأصح تخويفاً وإنذاراً لهم إن خالفوا؛ فبعض الحكومات العربية أو معظمها تبدأ بالتحذير والإنذار والتخويف قبل أن تقدم الحلول والأنظمة التي تجعل حياة الشعوب سهلة ميسورة والذي هو واجبها، فالحاكم أثقل الشعب حملاً إن هو حمل الأمانة بصدق.
رأيت في أنزقان فتيات دون العاشرة من العمر يغطين رؤوسهن وفتيات غير محجبات أما الرجال الملتحون فقلة وكذلك هم قلة من لا يزالون يحتفظون بشواربهم أو شنباتهم وإلاّ فالغالبية يحلقون الشنبات واللحى، وهذا هو السبب أن شركات أمواس الحلاقة تضع إعلانات صفحات كاملة في عدد من الصحف، كما وجدت حول العالم أن شركات الأمواس ترعى كثيراً من المناسبات الرياضية.

وفي أغادير وأنزقان عدد كبير من سيارات الأجرة المرسيدس التي تعود موديلاتها إلى الثمانينيات من القرن الماضي وألوان هذه السيارات الأزرق بينما الجزء العلوي منها لونه أبيض. ويرى السائقون أن هذه السيارات أقوى وأفضل من السيارات الحديثة، وقد بذل لمغاربة جهوداً غير عادية لإبقاء هذه السيارات تعمل ولا أعرف التفاصيل الميكانيكية ولكن ركوب تلك السيارات على الرغم من أنه آمن وأنها تسير بطريقة جيدة لكن رائحة التاريخ تفوح منها. والسيارات القديمة شيء عادي فأهل المغرب لا يعدون السيارة قديمة إن كان عمرها أقل من عشر سنوات وربما احتفظ المغربي بسيارته حتى تتجاوز الخمسة عشر سنة، وربما زيادة. بينما في السعودية تعد السيارة قديمة إن تجاوزت الخمس سنوات وليس هذا لتوفر المال – وهو إن كان متوفراً لدى البعض- ولكن الشكوى من الصيانة تجعل الشخص يضطر إلى تغيير سيارته على الرغم من أنه يمكنه الاحتفاظ به سنوات أخرى.
يتميز المجتمع المغربي بلطف في مخاطبة بعضهم بعضاً فقد شاهدت أحدهم يقف أمام الصراف الآلي لأحد البنوك فتأخر قليلاً فكان موظف أمن يقف قريباً فقال له " يا الشريف" ومعناه لقد أطلت الوقوف فغيرك يحتاج إلى استخدام الصرّاف. أما مخاطبة المرأة ب "الشريفة" أو "لا لا" أي السيدة. وهو لطف ذكره شاعر شعبي في تفضيل المرأة المغربية على غيرها ولكني لن أخوض في مثل هذا الموضوع. لكن هذه اللطف والتواصل الاجتماعي لمسته في تعاملي مع أهل زوجتي ومع أقاربهم فقد وجدت حميمية في التعامل يثير الإعجاب.
ومما شاهدته في أنزقان في أثناء تناول فنجان القهوة في صبيحة يوم الاثنين حركة الناس وهم يتجهون إلى أعمالهم فبعض الناس يسير بخطوات واسعة  وبعضهم الآخر يركض فقد رأيت أكثر من شخص يهرول ليلحق بحافلة العمل (توفر العديد من المؤسسات نقلاً لموظفيها وكانت الشركات والمؤسسات في المملكة قبل أعوام عديدة  توفر النقل لموظفيها ثم قررت أن تصرف لهم بدل نقل مما شجع الموظفين على امتلاك وسائل مواصلاتهم الخاصة. وكم تمنيت أن لا يكون بدل النقل بديلاً للمواصلات العامة لأن شوارعنا أصبحت مزدحمة حقاً. بل إن السيارات غدت رخيصة لدرجة أن الشخص يستطيع أن يمتلك سيارة بأقل من خمسة آلاف ريال تلوث البيئة وتسبب الازدحام والحوادث لأن كثيراً من السائقين يتعلمون القيادة في شوارعنا حتى دون معلم أو إشارة لسيارة فيها متدرب.
ولاحظت في المغرب وربما يحدث الأمر في دول عربية كثيرة أن يعمل الناس في غير تخصصاتهم فهناك من يحمل شهادة في الجيولوجيا أو الاقتصاد ويقوم بالتدريس في المدارس الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية وحتى وهو لا يملك أي مؤهل تربوي. ورحم الله الشيخ الغزالي حين كتب (الطاقات المعطلة) فهل كان يقصد أيضاً الطاقات المهدرة أو الطاقات التي تعمل في غير مجال تخصصها. ومن الطاقات المعطلة البطالة المستشرية في ديارنا وأتعجب لماذا لا نعمل؟ لماذا ليس لدينا عمل وأموالنا توفر مئات الألوف من الوظائف للناس في البلاد التي نستثمر فيها أموالنا أو البلاد التي أودع الأثرياء والكبراء أموالهم فيها وحرموا أهليهم منها، أو المؤسسات التي يتستر بعضنا عليها فلا يعمل فيها إلاّ من كان يرطن بلغة غير عربية أو بلسان ذي عوج.
صلاة الفجر في قسم النساء.
دلفت إلى المسجد فرأيت عدداً من كبار السن أو العجائز (الشيبان أو الشياب) يصلون أو ينتظرون الإقامة وكان أمامي درج فقلت لا بد أن الناس يصلون الفجر في هذا الطابق الأسفل خشية على كبار السن من الصعود. وأديت ركعتي الفجر وانتظرت وفجأة سمعت إقامة الصلاة ولم أر إماماً فاصطففت مع المصلين وصليت الفجر مع إمام أيضاً كبير في السن عرفت ذلك من خلال قراءته، وكان الشخص الذي بجواري يعرف أين سيقف الإمام ومتى سيركع ومتى سيسجد فقد يكون هذا الإمام يحتكر الإمامة خمسين سنة أو أكثر ولا يترك الفرصة لشاب يحفظ أكثر منه أو صوته أجمل من صوته. وهنا أتمنى ممن يتصدى للإمامة أن يستمع لنفسه أو يسأل صديقاً صدوقاً هل يصلح للإمامة فإن الإمام إن صلى والمصلون كارهون لإمامته لا ترتفع صلاته فوق رأسه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية