رسالة من صديق لمركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق


بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة العالم الجليل، الأستاذ الدكتور/ مازن صلاح مطبقاني
  {حفظه الله تعالى ووفقه إلى خدمة العلم، وإعلاء راية الفكر الإسلامي الأصيل}  

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد،،،،

بداية فإني أعرف سيادتكم منذ فترة طويلة، وذلك عن طريق مؤلفاتكم الجادة الأصيلة في مجال الإستشراق والفكر الإسلامي، وقد كان من دواعي سعادتي أن أتعرف على موقع مركز المدينة المنورة لبحوث ودراسات الاستشراق، والذي تشرفون على إعداده وتحريره العلمي.
إن هذا الموقع يعد إضافة جديدة إلي مجال مهم نحن في حاجة إليه، في زمن يحلوا للبعض أن يطلق عليه زمن صراع الحضارات، دون أن يحاولوا فهم الحضارات نفسها، وأن لبها هو الأخذ والعطاء، والتكامل والتعاون.
فلكم الشكر والتقدير على هذا الجهد العلمي الرائع، ومعكم الله، وإلى الأمام دائماً، كما أتقدم لسيادتكم بجزيل الشكر لتفضلكم بإرسال نشرات مركزكم الموقر عبر بريدي الإلكتروني، راجياً أن يستمر هذا التواصل بيننا دائماً، راجياً أن تقبلوني أخاً وصديقاً لكم عبر جسر الفكر الأصيل.    
العالم الفاضل / اسمحوا لي بهذه الكلمة المتواضعة: -
 من الأهمية بمكان أن نعرف ماذا يقول الآخر عنا ، وماذا يكتب عنا ، وكيف يفكر  فينا ، وفي اعتقادي أن المواجهة لفكر الآخر لن تكون إلا بدراسة واعية شاملة لهذا  الفكر ، ومنطلقاته ، وتوجهاته ، وبعد ذلك فلنتحاور معهم ، واضعين في الاعتبار أن الله تعالى خلقنا على المعمورة الأرضية شعوباً وقبائل لنتعارف ، لنتبادل الآراء والأفكار والخبرات  ، و المنافع  ، من أجل واقع أفضل لنا ولذوينا ، مؤكدين على أن الإسلام هو دين احترام الآخر ، وقبوله ، والاعتراف به في حوار بالتي هي أحسن ، حوار أساسه الحكمة والموعظة الحسنة ، وبهذا تتحقق الخيرية التي نأملها في عالمنا  في عالمنا .
إن المستشرقين رغم كل السلبيات التي توجه إليهم ومحاولاتهم المستمرة وضع السم في العسل ، ورغم سقطاتهم وعثراتهم فليس من الإنصاف أن نجحد فضلهم فيما استنقذوا من تراثنا المضيع ، وما نشروه من ذخائر المخطوطات الشرقية ، أيام كنا في غفلة عنهم ، ولعلهم الذين لفتونا إلي قيمة هذا التراث ، فبدأنا مع اليقظة الفكرية والصحوة الإسلامية نشعر بواجبنا نحو هذا التراث ، ثم  قويت الدعوة إلى الاضطلاع بأمانته والوفاء بحقه ، عن طريق حماية ما بقي لدينا منه ، وتحقيقه بأسلوب علمي سليم ، وتصوير ما في مكتبات العالم من هذا التراث ، وتنسيق الجهود لخدمته ونشره .
ولقد اتجه نشاط أهل الإستشراق إلى تحقيق ما جمعوا من مخطوطات تراثنا، ونشر نصوص مختارة منه نشراً علمياً، وترجمته، والتعريف به، ودراسة ونشر بحوث مستخلصة منه.
        ومن أعمالهم المشهورة تأليف (دائرة المعارف الإسلامية)، وقد بدؤوا في نشرها سنة 1908 م ، ورغم ما نعلمه جيداً عن سلبيات هذه الدائرة ، وعدم حيادها العلمي ، وتعصبها ضد الإسلام في كثير من موادها ، فهي مثال جيد للعمل بروح الفريق ، أضف إلى ذلك أن كل باحث كتب في المادة التي تخصص فيها ، وأتقن دراستها ، وذيلها بأهم المصادر والمراجع .
ولا يغيب عنا أن مصر والبلاد العربية الآخري استعانت بالمستشرقين في الجامعات عند إنشائها، ولا يزالون يأتون إلى بلادنا العربية والإسلامية للتدريس أو المحاضرة أو المشاركة في المنتديات العلمية، كل واحد منهم فيما تخصص فيه، فكان لهم أثر كبير في توجيه الدراسات الجامعية نحو الاستقرار العلمي، ودقة التناول وسعة الأفق، وعلى أيديهم تتلمذت طائفة كبيرة من أساتذة الجامعات وغيرهم من المشتغلين بالدراسات الأدبية والعلمية المختلفة.
نعم، لقد بدأ حركة تجميع ذخائر المخطوطات الشرقية تحت إشراف الكنيسة ووزارات الاستعمار، ولكن تولتها بعد ذلك مراكز الاستشراق، وأكثر هذه الذخائر – كما نعلم – عبرت إلى الغرب عن طريق تركيا والأندلس وصقلية، ولا يمكن لنا أن نحصي ملايين الذخائر التي تمتلئ بها خزائن المحفوظات في مكتبات الغرب.
ونذكر هنا جمعيات ومعاهد الاستشراق، والتي كان من أشهرها الجمعية الملكية الآسيوية، التي تأسست في لندن سنة 1723م، والجمعية الآسيوية في باريس والتي تأسست سنة 1820م، ومعاهد الاستشراق ومراكزه في روما وصقلية ، وليدن بهولندا ، وموسكو، وليننجراد ، وطشقند في الإتحاد السوفيتي سابقاً ، وكل هذه المراكز والجمعيات عنيت بنشر بحوث المستشرقين ، وطبع ما يحققون من ذخائر التراث الشرقية .
        ولا يغيب عن ذاكرة الباحث مؤتمرات المستشرقين الدولية والتي كانت تعقد بصفة دورية، ويلتقي فيها علماؤهم من شتى أنحاء الدنيا ليتابعوا الجديد في ميدان الدراسات الشرقية، ويدعى إليه المشتغلون والمهتمون بهذه الدراسات من علماء الشرق، ويجدر بالذكر هنا أن أول دورة لهذه المؤتمرات عقدت في باريس سنة 1873م، ثم تتابعت دوراته في العديد من المدن الأوروبية، وبعض الدول العربية والإسلامية. ومازالت أبحاث ودراسات هذه المؤتمرات خير ذاد علمي يمكن أن يعود إليه الباحث في الكثير من الدراسات العربية والإسلامية.
وخلاصة كلامنا: أن للاستشراق سلبياته، ولكن في نفس الوقت له إيجابياته، والتي لا تغيب عن ذهن أهل البحث العلمي من المنصفين.
والله ولى التوفيق،
أخوكم يسري عبد الغني عبد الله
باحث ومحاضر في الدراسات العربية والإسلامية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية