قراءة في الصحافة المغربية المقال الرابع



March 17, 2011 at 12:17pm
        أكاد أقول إني أدمنت قراءة صحيفة المساء ليس من أجل الكاتب الأستاذ رشيد نيني الذي يعجبني في تناوله لكثير من القضايا ويزعجني أحياناً في الدفاع عن الحكومة والملكية ولكن هذه الدفاع كأنه ليس دفاعاً عندما يتحدث عن أصناف الفساد والمفسدين في المغرب، فكيف يستطيع أن يواجه كل الهامانات (جمع هامان) فهو إن انتقد هؤلاء كلهم فكأنه ينتقد الملك نفسه لأنه هو الذي جاء بهم واختارهم. ومع ذلك فأعرف أن عند رشيد خطوطاً حمراء لا يتجاوزها. وأحياناً أشعر كأنه له صلة بالعرش أو بمسؤولين يزودونه بمعلومات دقيقة يصعب على الصحفي العادي أن يصل إليها.
  وفيما يأتي بعض قراءاتي للصحف المغربية وأول هذه المقالات مقالة بعنوان "من خوف المجتمع من الدولة إلى خوفها منه" للكاتب علي محمد فخرو (من البحرين) في صحيفة المساء العدد (1360) يومي السبت/الأحد 5-6 فبراير 2011م. وهذه المقالة منقولة (دون إشارة) من صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3077 - الثلاثاء 08 فبراير 2011م الموافق 05 ربيع الأول 1432هـ  وفي هذا المقال يقول الكاتب: "لقد كان هناك فيض لا ينقطع تنشره آلة إعلامية مخابراتية غربية وصهيونية وعربية رجعية متناغمة فيض من دعاوى وفبركات وأكاذيب، التخويف من الإسلام السياسي لأنه سيبني دولة دينية كهنوتية من غير ديمقراطيةـ والخوف من اليساريين لأنهم يريدون إيقاف الانفتاح الاقتصادي وبالتالي عرقلة الاستثمارات الآتية من الخارج من القوميين لأنهم سيحاولون العودة إلى الوراء وإحياء الناصرية ... وكل هذا بالإضافة إلى توليد ونشر ثقافة التخويف تلك على المستوى الجمعي حتى تشل كل أصوات الانتقاد أو المعارضة توجه النظام إلى الفرد نفسه ليبني في عقله ووجدانه مشاعر الرعب والخوف ثم ذلك من خلال ماكينة هائلة من الجواسيس والمخبرين والبلطجية يقال إن عدد أفرادها وصل إلى المليونين، والتي كانت تراقب كل كلمة أو حركة يقولها أو يأتي بها أي فرد لينتهي به المطاف إلى فقدان الوظيفة والخدمات العامة أو الاختطاف أو إلى دخول السجن أو إلى الاغتصاب أو إلى التشهير به من قبل بعض وسائل الإعلام المحلية الفاسدة"
     وأدى هذا الجو من الخوف الذي أكاد أقول إنه خوف مرضي حتى تعطلت المساءلة والمحاسبة وانتشرت اللصوصية وضاعت القيم وانهارت الأخلاق، وأشار الكاتب إلى مؤسستين خطيرتين كرستا الخوف والتضليل وهما وزارات الداخلية ووزارات الإعلام وقال عن الداخلية:
    "فوزارة الداخلية التي وُجدت في الأصل لحماية أرواح وممتلكات المواطنين وبناء السكينة في نفوسهم قلبها الطغيان إلى أداة تجسس للابتزاز والقهر والاعتداء على الحقوق والكرامة، ووزارة الإعلام التي أريد لها في الأصل أن تكون أداة تثقيف وتنوير ومعرفة انقلبت إلى أداة كذب وتلفيق وتلاعب العواطف والعقول وتبرير وتزيين لكل الممارسات الخاطئة التي ترتكبها السلطة. وكانت النتيجة أن انقلبتا إلى أداتي تخويف وخوف لشل إرادة وحرية المجتمع والفرد"
     وأبدأ في التعليق على الموضوع بأن أذكر أننا تعلمنا في مادة التوحيد أن "الخوف" نوع من أنواع العبادة لا يجوز صرفه إلاّ لله سبحانه وتعالى فمن خاف أحداً مع الله عز وجل فقد أشرك. صحيح أن الأستاذة لم يوضحوا لنا طبيعة الخوف من الله عز وجل والخوف من شرور الأشرار من الرؤساء والحكومات وكيف يصبح نوعاً من العبادة. والعجيب مع كل التأكيد على العقيدة في دراساتنا لكننا لم نعط مسألة الخوف من الله حقها من العناية، فإن تحدث أحد بانتقاد مسؤول أو مؤسسة أو حكومة قالوا له " ألا تخاف من إذا قال فعل" وظهرت أمثال في ثقافتنا الشعبية تكرس الخوف حتى أصبحت الأمهات يرضعنه للأبناء ويحقن الآباء أبناءهم بالخوف.
  وفي هذا المجال عقدت جامعة فيلادلفيا قبل أعوام مؤتمراً بعنوان (ثقافة الخوف) وتناول جوانب كثيرة من الخوف ولكنه لم يقدم الحلول للتغلب على الخوف المزمن في الشعوب العربية حتى استطاعت مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا (إن شاء الله لا يتوقفون) أن تكسر حاجز الخوف عملياً، وبالتالي فتحت الطريق لغيرها من الدول العربية والإسلامية أنه لا شيء مستحيل أمام إرادة الشعوب. وفي مسألة الخوف كان ينبغي للعلماء أن يكونوا هم الذين يقودون الجماهير ورحم الله العز بن عبد السلام الذي قيل له ألا تخاف السلطان، فقال: "أتذكر عظمة الله فيظهروا أمامي كالقطط". ولله در الصحابي الجليل الذي دخل على ملك الفرس فمضى ليجلس معه على عرشه، فلما أرادت الحاشية أن تبعده قال لهم: "كانت تبلغنا عنكم الأحلام أنكم تتساوون فيما بينكم فإذ بكم يستعبد بعضكم بعضاً، إن قوماً هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال، أما نحن العرب فقد كنا في جاهلية نغزو بعضنا ويستعبد بعضنا بعضاً حتى جاء الإسلام فساوى بيننا" وقد أدرك هذا جبلة بن الأيهم الملك الغساني الذي أسلم ولطم أعرابياً فأراد عمر رضي الله عنه أن يقتص الأعرابي من ذلك الملك، فطلب من عمر أن يمهله قليلاً وهرب لا يلوي على شيء لأنه أدرك أنه لا فرق بين ملك وسوقة. ورحم الله عمر في قولته المدوية: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"
   -"أولاد الأبالسة" للكاتب رشيد نيني، "صحيفة المساء" العدد 1358في 3فبراير 2011م
  تحدث الكاتب في هذه المقالة عن اليهود الذين يكرهون أن يحكم الإسلام، ومنذ بدأت أدرس الاستشراق عرفت موقف كثير من الغربيين يكرهون أن يصل الإسلام إلى الحكم بل مازالوا يدرسون تلاميذهم أو ما يمكن أن نطلق عليه صغار المستشرقين أو مستشرقي المستقبل حتى من أبناء العرب والمسلمين إما المقيمين هناك في أوروبا وأمريكا أو طلابنا المبتعثين أن لا يؤمنوا أن الإسلام يمكنه أن ينظم شؤون السياسة بل زعم أحد تلامذتهم أن القرآن الكريم لم يذكر كلمة دولة إلا في سياق توزيع الفيء (كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) فقلت له والله إنك كمن يغطي الشمس بغربال. أما رشيد نيني فيقول في مقالته: "إنه لمن المثير للدهشة أن نسمع "نتنياهو" يتحدث في التلفزيون الإسرائيلي محذراً العالم الحر من الديمقراطية المصرية التي ستأتي بالإسلاميين المتطرفين إلى السلطة هو الذي سمحت الديمقراطية الإسرائيلية عنده أن تأتي إلى الحكومة بأكبر متطرف عرفه التاريخ اسمه "ليبرمان" وزيره للخارجية الذي ينادي صراحة بإبادة الفلسطينيين عن بكرة أبيهم، اللهم إذا كان نتنياهو يعتبر أن فكرة الإبادة تنتمي إلى الفكر الديمقراطي."

     ويتحدث نيني عن موقف إسرائيل ومن لفّ لفها من الثورة المصرية في بداياتها حيث يقول "في الأيام الأولى للثورة المصرية أصيبت إسرائيل بنوع من الخرس الذي برره بعدم التسرع في إصدار مواقف واليوم بعد تصريحات نتنياهو يتضح فعلاً أن إسرائيل ترجف خوفاً وهي ترى مئات الآلاف من المتظاهرين يوقفون شعاراتهم بمجرد سماعهم لصوت الأذان لكي يسجدوا ويركعوا في صلواتهم أمام الدبابات، إن هذه الصورة التي يظهر فيها أفراد من الجيش المصري رافعين أكفهم بالدعاء بعد الصلاة ع المتظاهرين في ما يؤرق محللي الأخبار والصور في قنوات "فوكس نيوز" و"السي إن إن" فه يرون فيها عين الخطر يهدد أمن واستقرار إسرائيل.
ويشير رشيد إلى أنه مقبول عند اليهود أن يصل اليهود المتطرفون إلى الكنيست الإسرائيلي ويسيطرون على مفاتيح الحكم في الجيش الصهيوني "وأن يصدروا فتاواهم الدينية التي تحلل قتل الأطفال والنساء والحوامل أمر مسموح به في الديمقراطية الإسرائيلية، ولكن أن يصل الإسلاميون في الديمقراطية إلى الحكم في مصر أمر ممنوع"
 وهذا الخوف عرفته أيضاً من وثائق الحكومة الفرنسية –حين كان مسموحاً بالاطلاع عليها- أن الحركة الإسلامية هي أكثر ما يخيفهم في الجزائر وقد حاربوهم حرباً لا هوادة فيها، ولما قاتلهم المجاهدون لم يقبلوا أن يخرجوا إلاّ بعد أن أحلوا مكانهم من يحمل رسالتهم في محاربة الإسلام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية