انهيار الإمبراطورية الأمريكية كيركباترك سيل Kirkpatrick Sale

انهيار الإمبراطورية الأمريكية

كيركباترك سيل Kirkpatrick Sale [1]

تقديم المترجم:

        عشت في الولايات المتحدة الأمريكية خمس سنوات من 1968حتى 1973 قرأت بعض الكتابات عن أمريكا وشاهدت تلفازها وقرأت صحفها وعاشرت أهلها وعندما عدت كتبت مقالات بعنوان (مشاهدات عائد من أمريكا) في مجلة المجتمع الكويتية صوّرت الحضارة الغربية الأمريكية كالشجرة الباسقة التي بدأت الديدان تنخرها من داخلها فما هو إلّا عنصر الزمن حتى تتهاوى، وكانت المقالة الرابعة التي لم أنشرها في حينها (1975) بعنوان "أمريكا تحتضر" وذكرت أن فترة الاحتضار قد تطول وقد تقصر ولا يعلم الآجال إلّا الله لأن لكل أمة أجل وذكرت بعضاً من عوامل الانهيار وبخاصة فقدان الأمن النفسي والاستقرار وغلبة النزعة المادية الحسية في أمريكا، وها أنا اليوم بعد أكثر من أربعين سنة منذ عودتي أقوم بترجمة مقالة بعنوان "انهيار الإمبراطورية الأمريكية" فإليكموه

   المقالة:

   يا لها سخرية أنه منذ عقد واحد تقريباً أن أصبح مقبولاً من اليمين واليسار على السواء أن يُطلق على الولايات المتحدة إمبراطورية وأصبح بإمكان الناس أن يتحدثوا بصراحة عن الإمبراطورية الأمريكية وأنها تظهر علامات على عدم قدرتها على الاستمرار. وأصبح حقاً توقع انهيارها. والسلطة هذه الأيام بيد المحافظين الجدد الذين يبتهجون بالحديث عن أمريكا بصفتها الإمبراطورية الوحيدة في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه ويرفضون بالتأكيد أن يعتقدوا بأي انهيار كهذا. ولكن حري بنا أن نفحص بجد الطرق التي يدفع نفسه بجد لما سوف يسببه هذا الانهيار حول العالم ليس فقط انهيار الإمبراطورية حول العالم ولكن سيحدث تغييرات واسعة على النطاق المحلي كذلك. فكل إمبراطورية تنهار في النهاية: السومريون والفرس واليونان والرمان والهابسبرق والبريطانيين والسوفيات، فقط هات الاسم فكلها سقطت وكلها خلال عدة مئات من السنين. والأسباب ليست معقدة حقاً. فالإمبراطورية هي نوع من نظام الحكم يرتكب الأخطاء نفسها وببساطة بسبب طبيعة تركيبة وبالتالي لا بد أن تسقط بسبب حجمها وتعقيداتها واتساعها الجغرافي، والطبقية وعدم المساواة. ومن خلال قراءة تاريخ الإمبراطوريات أرى أن هناك أربع أسباب تشرح سبب انهيارهم:

1- الانحلال البيئي للإمبراطوريات ينتهي بتدمير الأراضي والمياه التي يعتمدوا عليها للبقاء وذلك لحد كبير لأنهم يبنون ويزرعون دون حدود. وإمبراطورتينا ليست استثناء إذا كان لا بد أن نمر بأسوأ النتائج لاعتدائنا على الطبيعة. ويؤكد العلم أن كل المؤشرات البيئة تدل على الانهيار وقد كان الأمر كذلك منذ عقود. وكما يقال عالم الأحياء من هارفارد إي. أو ويلسون بعد فحص طويل لتأثير البشر على الأرض: "إن آثارنا قد أصبحت كبيرة جداً لدرجة لا تتحملها الأرض وتزداد حجماً" وتوقعت دراسة لوزارة الدفاع أن سيكون هناك "تغير مناخي حاد متوقع خلال عقد من الزمان يقود إلى كارثة ونقص في الما والطاقة ووباء "انهيار وصراع" وإن الحرب الذي "سوف تحدد الحياة البشرية" و"انهيار كبير" في قدرة الكوكب للمحافظة على السكان الحاليين. ونهاية الإمبراطورية يمكن أن يكون نهاية الحضارة.

2- إن انهيار الإمبراطوريات الاقتصادي بسبب الاستغلال المبالغ فيه للمصادر التي عادة تسرق من المستعمرات البعيدة جداً عن المركز والتي عادت تسقط عندما تستنفذ تلك المصادر أو تصبح مرتفعة الثمن للجميع عدا النخبة. وهذا هو الطريق الذي نسلكه الآن. فاقتصادنا مبني على هذا النظام الهش الذي ينتج فيه العالم ونحن إلى حد كبير نستهلك. وفي هذا الوقت نواصل الإبقاء على عجز مالي يصل إلى 630 بليون دولار مع بقية العالم. وقد قفز بمبلغ 500 بليون دولار منذ عام 1993 و180 بليون منذ تسلم بوش الرئاسة عام 2001. ومن أجل مواجهة ذلك يجب أن يكون لدينا سيولة نقدية من بقية دول العالم بمقدار بليون دولار كل يوم. وهذا النوع من التجاوز لا يمكن المحافظة عليه وبخاصة عندما ندرك أن إمبراطورية العالم الأخرى هي التي تدعمه بإقراضها الولايات المتحدة (للخزينة الحكومية) ب 83 بليون دولار. وأضف إلى ذلك أن اقتصاداً يستند إلى 500 بليون دولار عجز الميزانية الفيدرالية مضيفاً إلى العجز القومي الكلي الذي يساوي 7,4 تريليون دولار من خريف عام 2004. ولا أحد يعتقد أن ذلك يمكن المحافظة عليه وهذا هو سبب فقدان الدولار لقيمته بسرعة وأن العالم بدأ يفقد ثقته بالاستثمار هنا. وخلال سنوات قليلة سيكون الدولار مضروباً حتى إن الدول المنتجة للنفط لن تعود تعمل بتلك العملة وتتحول إلى اليورو وستقوم الصين بتعويم عملتها اليوان مقابل الدولار مما يؤدي إلى إفلاس الأمة وتصبح لا حيلة لها غير قادرة على السيطرة على الحياة الاقتصادية ضمن حدودها بله خارجها.

3- الإمبراطوريات المتوسعة عسكريا تتوسع أكثر فأكثر وتكبر بغير رغبة مستمراتها أكثر فأكثر حتى تنضب خزنتها وتصبح القوات لا يعتمد عليها ولا يمكنها السيطرة على محيطها. والإمبراطورية الأمريكية التي بدأت توسعها العالمي قبل بوش الثاني بمدة دولة لديها الآن 446000جندي في 735 قاعدة معترف بها (وهناك قواعد سرية) في 38 دولة على الأقل بالإضافة إلى وجود عسكري رسمي فيما لا يقل عن 153دولة وليس أقل من اثني عشر حاملة أسطول من حاملات الطائرات في المحيطات. والآن وقد أعلن بوش الحرب على الإرهاب بدلاً من الحرب التي يمكن الانتصار فيها على القاعدة وستكون جيوشنا ووكلاؤنا موزعين على ساحات المعارك في العالم كله. ولذلك فحتى الآن لم تنهار شبكاتنا العسكرية ولكن كما تشير العراق فإن قوته قد تم اختبارها وغير مؤهلة لتكون دولة عميلة للقيام بتعهداتنا وحماية مصادرنا التي نريد. وما دامت روح معاداة أمريكا يتواصل انتشارها ومزيد من الدول ترفض "تعديلاتنا البنائية" فإن صندوق التمويل الدولي الذي يقود العولمة يتطلب أن محيد إمبراطوريتنا يبدأ في مقاومتنا وعند الضرورة عسكريا. وبعيدا عن تملك القدرة للدخول في حربين في وقت واحج كما تأمل البنتاجون ذات مرة نحن نثبت أننا لا نكاد نستطيع الدخول في حرب واحدة.

4- الثورات الداخلية التقليدية فالإمبراطوريات تنهار من الداخل كما أنها تهاجم من الخارج. وحتى الآن لم يصل التمرد داخل الولايات المتحدة إلى نقطة العصيان أو الانفصال-والسبب يعود إلى زيادة القمع لأي تمرد أو ارتفاع الخوف باسم "الأمن الداخلي" ونجاح طريقتنا القائمة على الخبز والسيرك: مزيج فريد من الترفيه والاستهلاك والمخدرات والدين الذي يستطيع إماتة الجماهير وتحويلها إلى حالة الذهول. ومن الصعب أن نؤمن أن الجماهير العريضة من الشعب الأمريكي تتوحش في ذاتها لتتحدى الإمبراطورية داخليا ما لم تسوء الأمور أكثر وأكثر. إنه الجمهور الذي أظهر الاستطلاع أن 61% منه يعتقدون أن "الدين يستطيع أن يجيب على كل أو معظم المشكلات اليومية" ووفقاً لاستطلاع قامت به التايم/سي إن إن فإن 59% يعتقدون بالنهاية الحتمية للعالم في كتاب الوحي إنجيل يوحنا ويرون أن كل تهديد أو كارثة إنما هي دليل على إرادة الله. ومع ذلك فمن الصعب أن نعتقد أن أمة فاسدة بعمق كما هي هذه الأمة تعتمد على قاعدة اجتماعية واقتصادية لا تطاق من عدم المساواة في الدخل والملكية وأنها ستكون قادرة على المحافظة على بقائها لمدة طويلة. ويشير الارتفاع الكبير في الحديث عن الانفصال بعد الانتخابات والتي بعضها جدّي حقاً إلى أنه على الأقل هناك أقلية لديها الرغبة للتفكير في خطوات متطرفة لتعديل أو إلغاء إمبراطورية تجد نفسها مختلفة معها.

يبدو أن هذه العمليات الأربع التي بها تنهار الإمبراطوريات لا يمكن الفرار منها بدرجات مختلفة في هذه الإمبراطورية الأخيرة. وأعتقد أن مزيجاً منها سيحدث الانهيار خلال الخمس عشرة سنة القادمة أو حول ذلك. ويفصل كتاب جارد دايموند Jared Diamondالأخير الطرق التي بها تتدهور المجتمعات ويقترح أن المجتمع الأمريكي أو الحضارة الصناعية ككل يمكنها أن تتعلم من إخفاقات الماضي وتتجنب هكذا مصير. ولكن هذا لن يحدث أبداً لسبب يشرحه دايموند نفسه حيث يقول في تحليله لمجتمع النورس المحكوم في جرينلاند والذي انهار في بدايات القرن الخامس عشر: إن القيم التي يتمسك بها الناس بعناد أكبر في الظروف غير المناسبة هي نفسها التي كانت مصدر انتصاراتهم العظيمة في زمن المحنة. "وإذا كان الأمر كذلك والأمثلة التي قدمها تؤيد ذلك بالتأكيد فعندئذ نستطيع أن نحصر القيم التي كانت مسؤولة عن أعظم انتصارات المجمع الأمريكي ونعرف أننا سنتمسك بها مهما حدث. وهذه القيم في خليط غير منظم: الرأسمالية والفردية والقومية والولع بالتكنولوجيا والنزعة الإنسانية (حيث تسلط البشر على الطبيعة. ومهما كان التهديد واضحاً وخطيراً فلا فرصة أننا كمجتمع سنتنازل عنها. وهكذا فلا فرصة للهروب من انهيار الإمبراطورية.

 

 

 

[1] http://www.vermontindependent.org/wp-content/uploads/2005/04/The-Collapse-of-the-American-Empire-by-Kirkpatrick-Sale.pdf

لقد زرت هذه الصفحة في 16/02/18.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية