قواعد عملية لتأسيس علم الاستغراب عمّان – المعهد العالمي للفكر الإسلامي 30أكتوبر 2014م



       بعد أن أمضيت زمناً طويلاً في دراسة الاستشراق وزيارة معاقله وحضور الكثير من المؤتمرات ولقاء عدد من المسؤولين في هذه الدراسات توصلت إلى أننا يجب أن نتخذ خطوات عملية لإنشاء دراسة الاستغراب وفيما يأتي هذه القواعد:
القاعدة الأولى: القرار السياسي
لقد نجح الفكر الاستشراقي في تفحّص العقلية العربية من خلال التعاون الكبير بين المستشرق والسياسي، فدراسات الاستشراق لم تنشأ إلا بدعم حكومي سياسي.
فقبل أن نفكر بإنشاء علم الاستغراب لا بد أن نعرف أن الغرب حين بدأ بدراسة العالم الإسلامي الذي طغى عليه اسم الشرق الأوسط قد احتاج قروناً لتطور هذه الدراسات التي نشأت في بريطانيا منذ منتصف القرن السابع عشر بإنشاء كرسيي اللغة العربية في جامعتي كمبريدج وأكسفورد عامي 1632و1636م، فقد شهد القرن العشرين استمرار هذا الاهتمام  حينما أقر البرلمان ضرورة وجود مركز كبير لدراسة الشعوب والأمم الأخرى في لندن وفي جامعة لندن بخاصة فكان إنشاء مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية School of Oriental and African Studies لتصبح من أكبر مراكز دراسات الشرق الأوسط في العالم.
وحتى بعد انحسار الإمبراطورية البريطانية، استمر الاهتمام البريطاني بمعرفة الشعوب الأخرى مما دعا الحكومة البريطانية إلى تكوين لجنة لدراسة احتياجات البلاد من المتخصصين في الدراسات الشرقية والأفريقية والأوروبية الشرقية والسلافية عام 1947م برئاسة الإيرل سكاربورو. Earl of Scarborough
ووجدت الحكومة البريطانية أن الأوضاع العالمية قد تغيرت ويجب أن تعيد النظر في احتياجاتها لهذه الدراسات فكوّنت لجنة حكومية أخرى عام 1961م برئاسة السير وليام هايتر لدراسة وضع الدراسات الشرقية والأوروبية الشرقية والسلافية والشمال أفريقية، فزارت اللجنة الجامعات البريطانية التي تحتضن هذه الدراسات، كما دعيت بمنحة من مؤسسة روكفللر لزيارة عدد من الجامعات الأمريكية وجامعة ماقيل بكنداMcGill.  وكان مما أوصت به اللجنة الإفادة من التجربة الأمريكية في مجال دراسة المناطق أو دراسات الأقاليم حيث يقول التقرير ما نصّه: "تقدم الدراسات الإقليمية أو دراسات المناطق نوعاً جديداً من التنظيم الذي تدعمه المؤسسات والحكومة والتي يعود لها الفضل في إنشاء هذا الفرع المعرفي"([1]) كما أشار التقرير في موضع آخر إلى أن هذه المراكز أو الأقسام لديها تمويل كبير للقيام بالبحوث والرحلات العلمية ونشر الكتب وتستطيع بما لديها من نفوذ أن تجذب الشخصيات القادرة على البحث العطاء. واستمرت الحكومة البريطانية تهتم بدراسات المناطق حيث كونت لجنة برئاسة سير بيتر باركر Sir Peter Parker قدمت تقريرها في فبراير 1986م والذي جاء فيه أنه بالرغم من تراجع النفوذ السياسي البريطاني فإن الحكومات البريطانية المتعاقبة رأت أهمية المحافظة على سياسة خارجية عالمية، والأمر الثاني أن بريطانيا أصحبت أكثر اعتماداً من أي وقت مضى على التجارة العالمية فإن بريطانيا تصدر (حين صدور التقرير) 33% من نتاجها المحلي بينما كانت الصادرات لا تزيد على عشرين بالمائة قبل عشرين سنة. والمحافظة على مكانة بريطانيا التجارية يتطلب الاستمرار بالاهتمام بدراسة اللغات وكذلك دراسة المناطق. ([2])
    وقد ذكر البروفيسور جرجن نيلسون مدير مركز العلاقات النصرانية الإسلامية بجامعة بيرمنجهام أنه يعمل حالياً ضمن لجنة لدراسة وضع الدراسات الشرقية والشمال أفريقية في الجامعات البريطانية. وكأن بريطانيا تراجع وضع هذه الدراسات كل عشرين سنة. ([3])
     أما في أمريكا فبدأ الاهتمام الأمريكي بدراسة العالم الإسلامي وتوجيه البعثات التنصيرية إليه منذ أكثر من مائة عام حيث أنشئت الجمعية الاستشراقية الأمريكية عام 1842م، بينما بدأت بعثاتهم التنصيرية تصل إلى العالم العربي قبل ذلك بعشرين سنة على الأقل.
        أما الاهتمام الأمريكي المعاصر بالشعوب والأمم الأخرى وبخاصة منطقة الشرق الأوسط فقد انطلق من قرار حكومي عام 1958م لدعم عدد كبير من مراكز دراسات الشرق الأوسط والأقسام العلمية المتخصصة في دراسة الشعوب والأمم الأخرى، وقد انضمت جامعات كبيرة ومشهورة لهذا البرنامج منها جامعة برنستون وجامعة نيويورك (بينهما تعاون خاص)، وجامعة شيكاغو وجامعة إنديانا، وجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس. ([4])
        ويستمر هذا الاهتمام والدعم، ففي ديسمبر من عام 1991م وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) على مرسوم تعليمي يرصد بموجبه ميزانية خاصة للقيام بالمهمات الآتية:
أ‌-     فهم الثقافات الأجنبية
ب‌-      تقوية القدرة التنافسية الاقتصادية للولايات المتحدة ودعم التعاون والأمن الدوليين. ([5])
    ويتم ترشيح المؤسسات للحصول على الدعم في شهر فبراير من كل عام حيث يتقدم العديد من المؤسسات الجامعية للحصول على هذا الدعم وفق معايير تضعها الإدارة الأمريكية وأبرزها قدرة هذه المؤسسات على تثقيف المواطنين الأمريكيين وتعليمهم اللغات الحساسة والثقافات، والمناطق والمجالات الدولية وبالتالي تقوية قدرات الأمة في العمل بفعالية في المجال الدولي. ([6])
       ومن الأمثلة التي حصلت على دعم الحكومة الأمريكية  عام 1991م جامعة سان دياغو الحكومة  SAN DIEGO STATE UNIVERSITY مركز مصادر اكتساب اللغات، Language Acquisition Resource Center ويرأس البرنامج الدكتور ماري آن لايمان-هاجر  Mary Ann Layman-Hagerوالمبلغ المخصص للبرنامج هو 323357دولار وعنوان المشروع هو إنشاء مركز القدرات اللغوية المتميزة، وهدف المركز هو أن الأمن القومي يحتاج إلى خبراء متخصصين في اللغات وليس الذين يفهمون المعاني العامة للغة الأجنبية ولكن أولئك الذين يكونون قريبين من أهل تلك اللغات في فهمهم واستيعابهم ويستطيعون التواصل بين الثقافات ويظهرون فهماً اجتماعياً عميقا في التعليم الدولي والحكومي. ولتطوير مثل هذه القدرات فإن جامعة سان دياغو تقترح إنشاء مركز لتحقيق ذلك ولم يسبق لأي جامعة أن قدمت مثل هذا البرنامج. ([7])
    وقبل أحداث سبتمبر 2001م وجدت أمريكا نفسها بحاجة إلى متخصصين وخبراء في عدد كبير من لغات العالم، فقدمت دراسات توضح هذه الحاجة وفقاً للبيان المنشور في موقع الحكومة الأمريكية على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت). ويضم أكثر من أربعين لغة، وأكثر من ثمانين دولة من جميع أنحاء العالم ([8]) كما أشار التقرير إلى حاجتهم لتخصصات مختلفة بالإضافة إلى اللغات مثل التخصصات الآتية:
1-             الزراعة وعلوم الغذاء
2-             العلوم التطبيقية والهندسة: الأحياء والكيمياء وعلوم البيئة والرياضيات الفيزياء
3-             إدارة الأعمال والاقتصاد
4-             علوم الحاسب وعلوم المعلومات
5-             الصحة وعلوم الأحياء الطبية
6-             التاريخ
7-             العلاقات الدولية.
8-             القانون
9-             العلوم الاجتماعية الأخرى مثل علم الإنسان وعلم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية ودراسات السياسات. ([9])

القاعدة الثانية:
البحث عن ذوي العقليات المبدعة والمبتكرة وأصحاب الرسالة.
        ليس من السهل دراسة مجتمعات أخرى وبخاصة الغرب دون أن يكون الشخص المعد لهذه الدراسة يملك القدرات العقلية والذكاء والطموح والنفس الوثابة والجرأة وقبول التحدي، وقد قرأت في موسوعة العقيقي (المستشرقون) فوجدت عجباً من متخصصين في الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء وشتى العلوم ثم يختارون دراسة الإسلام والشعوب الإسلامية، كما اطلعت على سير عدد منهم فوجدت عجباً من المثابرة والإصرار والصبر والاجتهاد وحتى التضحية. فليس كل المستشرقين يعملون ويدرسون في بحبوبة ورعاية من الحكومات فبعضهم أنفق حياته في دراسة قضية ما حول الإسلام والمسلمين.
        وقد سألت البروفيسور يامائوتشي من جامعة طوكيو في كلية الدراسات الإقليمية عن معايير قبول الطلاب لدراسة الأمم والشعوب الأخرى فأجابني أنه لا بد أن يكون الطالب متميزاً في مستواه العلمي ولديه الميول لتعلم اللغات والسفر والعيش في دول أخرى وعلمت أن الحكومة اليابانية توفر وظائف في سفاراتها لطلاب الدراسات الإقليمية
        فنحن إن أردنا أن نختار للدراسات الغربية فلا بد أن تكون الشروط قاسية فلا يقبل إلّا من كان يمكن قبوله في الطب والهندسة والعلوم كما ينبغي أن يكون لديه القابلية والميل لتعلم لغات أجنبية وليس لغة واحدة فقط وينبغي أن يخضع لاختبارات قاسية في هذا المجال. وأود أن أضيف أن دارس الاستغراب يجب أن يكون على معرفة قوية بالإسلام قرآناً وسنة وتفسيراً وتاريخ الإسلام والمسلمين. وحبذا أن يبدأ هذه الدراسات وهو صاحب رسالة لنقل الإسلام للأمم والشعوب الأوروبية.
         وأقدم فيما يأتي أسطراً عن المستشرقة آنا ماري شميل التي بدأت هذه المستشرقة بدراسة اللغة العربية في سن الخامسة عشرة، وقد استطاعت أن تتقن العديد من لغات المسلمين وهي التركية والفارسية والأوردو.
        تولت المستشرقة أنا ماري شميل العديد من مناصب التدريس في العديد من الجامعات في   ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، حيث عملت أستاذة للعلوم الإسلامية واللغة العربية في جامعة بون، وأستاذة للحضارة الإسلامية في الهند وأستاذة زائرة في جامعات هارفارد ونيويورك وأيوا وجامعة لندن في بريطانيا. وحصلت على العضوية الفخرية من أكاديميات أمريكية وهولندية وألمانية، بالإضافة إلى ميدالية العلوم والآداب بمصر (عكاظ 2/4/1417). اهتمت بدراسة الإسلام وحاولت تقديم هذه المعرفة بأسلوب علمي موضوعي لبني قومها حتى نالت أسمى جائزة ينالها كاتب في ألمانيا تسمى جائزة السلام.
وقد أدرك مكانة هذه المستشرقة العلاّمة والداعية المسلم في أوروبا الدكتور زكي علي منذ أكثر من أربعين سنة حين كتب يقول:" وعلى رأس المحررين (لمجلة فكر وفن) الأستاذة الألمعية الدكتورة آن ماري شميل المتخصصة في دراسة محمد إقبال حكيم وشاعر باكستان.. وترجمت إلى الألمانية له ديوان (جاويد نامة) وكتاب (رسالة المشرق عن الفارسية) وهي أستاذة بجامعة بون وغيرها ومن أكابر علماء ألمانيا.. وتنصف الإسلام والمسلمين كثيراً جزاها الله خيراً." وقال عنها أيضاً أنها أصدرت العديد من الكتب منها كتاب (محمد رسول الله) بسطت فيه مظاهر تعظيم وإجلال المسلمين لرسول الله e.
القاعدة الثالثة:
 توفر مكتبة تضم الكثير ما كُتب عن الغرب
        زرت مكتبة جامعة طوكيو كلية الدراسات الأمريكية فوجدت مكتبة ضخمة تضم التراث الغربي من أقدم العصور المرحلة اليونانية والرومانية وعصورهم الوسطى والعصر الحديث وتضم كتباً في عدة لغات، فإن أردنا حقاً أن نعرف الغرب فعلينا توفير ما كتب في الغرب قديماً وحديثاً وأن نحرص على الكتابات الناقدة للحضارة الغربية بالإضافة إلى الكتب التي نتعلم منها عن الغرب في شتى المجالات.
القاعدة الرابعة:
  الدراسة الميدانية؛
لا يكفي أن تدرس الغرب وأنت بعيد عنه ولا بد للباحث من اقتحام ميدان الدراسة والدخول في حياة أصحابه، فليس من رأي كمن سمع. وليتنا نتعلم من اليابان بأن نوفر منحاً دراسية للدراسة في الجامعات الغربية بالإضافة إلى توفير وظائف في سفاراتنا في الدول التي يدرس فيها هؤلاء الطلاب أو بعد تخرجهم ليزدادوا علماً بالدولة التي يدرسونها. والدراسات الميدانية يجب أن تشمل جميع المجالات من سياسة واقتصاد واجتماع وأدب ولغة وإعلام وغيره. ويمكننا أن نستعين ببعض أبناء المسلمين المولودين في تلك الديار لأنهم أعرف ببلادهم ويخلصون لرسالة الإسلام.
القاعدة الخامسة: الاستعانة بالكفاءات الإسلامية التي تعيش في الغرب.
        يعمل في الجامعات الغربية عدد كبير من الباحثين المسلمين الذين استقدموا للتدريس والبحث في تلك الجامعات أو من أبناء البلاد الأصليين وهؤلاء يمكن أن يكونوا رافداً قوياً لدراسات الغرب ولأن بعضهم لن يجد عراقيل أو مضايقات حين يدرس بعض القضايا. وأقترح أن تتم دراسة بعض الأمور من مسلمين يُخفون إسلامهم حتى نصل إلى أعماق المجتمعات الغربية في جميع المجالات.
سابعاً: الاستعانة بالمفكرين الغربيين الذين كانت لهم رؤى متميزة في نقد الحضارة الغربية،
ثامناً: معرفة الإسلام معرفةً تأصيلية واعية؛ إذ الوعي بتراث الذات يمكن الباحث من التمايز عن الآخر، وتجنب حالة الاستلاب له، والتماهي معه. ومن المعروف أنه في جميع الحضارات يظهر في مراحلها المختلفة مفكرون مبدعون يحاولون أن يدرسوا عيوب مجتمعاتهم وإيجابياتها وسلبياتها كما حدث من القديم من أيام اليونان والرومان وقد ظهر مفكرون مبدعون مخلصون في الحضارة الغربية المعاصرة يمكننا أن ندرس ما كتبوا بحيث تزداد معرفتنا بالغرب
ثامناً: التعرف على برامج ومناهج الدراسات الأوروبية والأمريكية
لا تكاد تخلو دولة في العالم من وجود دراسات أمريكية حتى كندا الجارة لأمريكا هناك أربعة عشر معهداً أو كلية تقدم الدراسات الأمريكية كما تأسست في كندا عام 1964 رابطة الدراسات الكندية ([10])كما تأسست دراسات أمريكية في بريطانيا فقد طلعت على إعلان لمعهد الدراسات الأمريكية التابع لجامعة لندن أسرعت بإرسال رسالة هاتفية (فاكس) إلى مدير المعهد البرفسور جاري ماكداول أطلب منه بعض المعلومات عن برنامج الدراسة في معهدهم. وقد تفضل بإرسال الكتيب الخاص ببرنامج الماجستير لعام 1996/1997م.
     يقدم معهد دراسات الولايات المتحدة الأمريكية برنامج الماجستير الذي يمكن أن ينظر إليه على أنه إعداد لمزيد من الدراسات للحصول على الدكتوراه أو البحث في هذا المجال، وقد تخرج العديد من الطلبة في هذا البرنامج وهم يعملون الآن في العديد من المجالات ومنها التعليم أو السياسة أو الأعمال والتجارة. ومدة الدراسة سنة واحدة إذا كان الباحث متفرغاً كلياً للدراسة أو سنتان للتفرغ الجزئي ويشير كتيب المعهد إلى أن معظم مواد البرنامج تدرّس بعد الساعة الخامسة مساءً.
       أما المواد التي يدرسها الطلاب في هذا البرنامج فهي: الجغرافيا الاقتصادية والتاريخ الاقتصادي والتاريخ والعلاقات الدولية والآداب والموسيقى. وقد تضمن الكتيب تفصيلاً لدراسة هذه المواد فدراسة التاريخ تتضمن مثلاً المواد الآتية: الهجرة والعرقية في الولايات المتحدة منذ عام 1820-1880م. ومنها أيضاً مادة التاريخ الدستوري حتى منتصف القرن التاسع عشر، ومن هذه المواد أيضاً هوليوود وتاريخ الفيلم الأمريكي الشعبي. وتهتم دراسة الولايات المتحدة بموضوع العلاقات الدولية فمن المواد التي تدرس تحت هذا التصنيف: الولايـات المتحدة بصفتها قوة عظمى في سياسات العالم في القرن العشرين، وكذلك الولايات المتحدة والعالم: السياسة الأمريكية الخارجية بعد نهاية الحرب الباردة.
ومن شرق العالم نأخذ اليابان تعد اليابان من أوائل الدول في العالم التي اهتمت بالدراسات الأوروبية والأمريكية في مشروع ضخم أطلق عليه "الاستغراب ، Occidentalism حيث اجتمع جمع من المفكرين والفلاسفة اليابانيين بعد الهجوم على خليج بيرل هاربـر عام 1942م، وكانت نتيجة هذا الاجتماع "الغارق في القومية" كما ذكر المجتمعون إيجاد طريقة للتغلب على الحضارة المعاصرة أي الحضارة الغربية."([11])، ثم بدأت مراكز دراسات المناطق تنشأ في مختلف أنحاء اليابان، وقد بدأت حلقات البحث التي أطلق عليها كيوتو للدراسات الأمريكية الصيفية عام 1951-1987م والتي انطلق منها مركز الدراسات الأمريكية الذي أسس عام 1958م بجامعة دوشيشا Doshisha،  ومنذ ذلك الحين أصبح هذا المركز من أهم مراكز البحوث في اليابان لدراسة الولايات المتحدة. وقد ركز المركز جهوده على اقتناء الكتب ومواد البحث التي تفيد طلاب الدراسات العليا في الدراسات الأمريكية، ولعقد حلقات بحث ونشر إنتاج المركز من خلال نشر المطبوعات وعقد المحاضرات. ولم يقتصر دور المركز على اليابان فقد سعى إلى تقديم خبراته من خلال شبكة عالمية تضم خبراء الدراسات الأمريكية الذين يقدمون خبراتهم من خلال المحاضرات وحلقات البحث. ويمكن لأي باحث أو عالم أن يفيد من المصادر المتوفرة في المركز. ([12])
          وفي العام 1994م تأسست كلية الدراسات العليا للدراسات الأمريكية لتدخل هذه الدراسات في مرحلة في عملية التبادل الدولي، وفي العشر السنوات الماضية أصبحت كلية الدراسات العليا للدراسات الأمريكية بهذه الجامعة أهم مركز لدراسات الولايات المتحدة في اليابان. وقد بلغ عدد أعضاء هيئة التدريس الدائمين في الكلية ثمانية أساتذة بالإضافة إلى عدد من الأساتذة الزائرين والباحثين والمحاضرين. وللكلية تعاون مع دور نشر جامعية كبرى في الولايات المتحدة مثل ستانفورد وكورنيل وجامعة كارولاينا الشمالية وغيرها. ([13])

تاسعاً: الاهتمام بالترجمة؛ لما تمثله من قنطرة مهمة في نقل تراث الآخر.
    وقبل الحديث عن الترجمة لا بد أن أؤكد على أهمية إتقان اللغة للبلد موضع الدراسة فإن كان المقصود دراسة ألمانيا تاريخياً وجغرافياً وسياسيا واقتصاديا واجتماعياً وعقديا فلا بد من إتقان اللغة الألمانية كأهلها (وقد علمت أن بعض البرامج التي نالت الدعم من الحكومة الأمريكية إتقان اللغات كأهلها (جانب منه تجسسي)
    ومما ينبغي التخطيط لترجمته والإسراع في ذلك هو ما كتبه الحكماء الذين ظهروا في حضارة الغرب سواء في بداية تلك الحضارة أو في الوقت الحاضر كما هو في حال الغرب الآن (بيوكانن: موت الغرب) (مثلاً) أو إيريك فروم (عالم اجتماع وعالم نفس أمريكي من أصل ألماني) وفوكوياما في عدة كتب.
     وتتلخص هذه الخطة في تحديد عدد من العلماء يتم اختيار عدد من كتبهم لترجمتها والتعليق عليها ودراستها ولا يقصد من الترجمة مجرد النقل وإن كان النقل في حد ذاته خطوة كبرى يجب الاهتمام بها والإسراع في تنفيذها وهؤلاء العلماء في مختلف التخصصات وفقاً للخطة الموضوعة وأن تكون في المجالات الآتية
·       علم التاريخ حيث يتم اختيار عدد من كتب التاريخ سواء القديم أو الحديث لتتم ترجمتها والتعليق عليها وربما اختصارها أو وضع ملخصات
لها.
·       علم الاجتماع فثمة عدد من العلماء في أنحاء العالم الغربي تخصصوا في دراسة مجتمعاتهم وتميزت كتابة بعضهم بالجرأة والرؤية المستقلة والحكمة تنظر إلى عيوب تلك المجتمعات وتحاول أن تقدم النصيحة فلا زلت أذكر اجتماع رابطة العلوم السياسية الأمريكية حين تناول رئيس الرابطة في خطاب الافتتاح للمؤتمر مسألة تمزق نسيج المجتمع الأمريكي وضياع أخلاق كانت موجودة مثل الشهامة والنبل والنجدة وإغاثة الملهوف ورفع الظلم عن المظلومين وغيرها.
     وأذكر في هذا المجال عالم الاجتماع والنفس إيريك فروم الذي أصدر العديد من الكتب حول المجتمع الأمريكي وبخاصة كتابه (المجتمع العاقل) و(الإنسان لنفسه) (الأنانية: man for himself)
    ويمكننا إضافة وليام دمهوف صاحب كتاب (من يحكم أمريكا: الأيكة البوهيمية) وهو كتاب في علم اجتماع المجموعات وعلم نفس المجموعات.
     وفي علم الاجتماع ندرس تأثير الإعلام والإعلام الإلكتروني في المجتمع وبخاصة في الأطفال ومن أبرز من انتقد الإعلام وهوليود بخاصة الناقد السينمائي مايكال ميدفيد في كتابه (أمريكا وهوليوود) وكتبه الأخرى
        وهناك قائمة طويلة لا يمكن حصرها في هذه القواعد العملية ولكن لا بد أن أختم بعالم الاجتماع الأمريكي الذي درّس في جامعة هارفارد وله كتاب مهم هو الأسرة والحضارة تتبع وضع الأسرة من عهد اليونان إلى الوقت الحاضر وتوقع كثيراً من الأمور التي تحدث اليوم من العنف الأسري وعنف الشباب والشذوذ الجنسي والقتل والجريمة وقد صدر كتابه عام 1947م فكان ثورة في علم الاجتماع




[1] - Sir Peter Parker. Speaking for the future; A review of the requirements of Diplomacy and Commerce for Asian and African Languages and Area Studies. (London: 1986) p.85.
[2] - ibid. p 3.
3-ذكر هذا لي في أثناء زيارته إلى المملكة عام 1424هـ في أثناء لقاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
[4] -Robert Devereau. "A note on Middle Eastern Studies in the United States." In Islamic Quarterly.(London) Vol. 10, No.3-4, July-December 1966.pp. 95-102.
[5] -
2-المرجع نفسه
[8]- Congressional Record: March 22, 2001 (Senate)
Page S2723-S2725 found in the internet  http://fas.org/irp/congress/2001_cr/s032201.html
             
الساعة 8,15صباحاً يوم الاثنين 17 يناير 2005-01-17

2- المرجع نفسه.
[11] -Buruma, Op.cit.,
[12] -http://www.Ameken-doshisha.info/English/
[13] -ibid.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية