صحيفة الوقت البحرينية - يومية سياسية مستقلة العدد 1089 الجمعة 18 صفر 1430 هـ - 13 فبراير 2009



"إشراقات"
داعياً إلى «علم الاستغراب» وتدريسه.. مازن مطبقاني في حوار مع «الوقت»:
بعض طلاّبُ العِلم الشّرعي «أمواتٌ» يمشُون على الأرض
الوقت - نادر المتروك:
قبل نحو عام كان لي حوار مع مازن مطبقاني (الاستشراق في جامعة الملك سعود بالرّياض)، وتناول الحوار موضوع الاستشراق والأيديولوجيا في السّعوديّة، وقد أخبرني مطبقاني الأسبوع الماضي أنه قادم إلى البحرين ضمن دعوة من إحدى الجمعيات الإسلاميّة ''السياسيّة'' الناشئة، فكان لابد من استكمال حوار العام الماضي. يحمل مطبقاني رؤية تكاد تكون ''مغامرة'' عن وسطه الأكاديمي السّعودي. أستدركُ هنا سريعاً وأزيحُ عن كلمة ''مغامرة'' كلّ معانيها السّلبية، ومضامينها غير المريحة. لا يلتزم مطبقاني بالطبائع السّائدة، وإنْ أُخْضعت بقوة الأمر الواقع، وأحيطت بهالة الشّرعية المزعومة. لم أتردّد في اعتباره ''ثوريّاً''، وهو لا يُنكِر ذلك، فغالباً ما قيل له بأنه ''حصان جامح يُمْسِك الآخرون لجامَه لمنعه من الانطلاق''. إلى أين يريد مطبقاني الانطلاق؟ ليس إلى ما هو خارج الأُطر الأيديولوجيّة للإسلام، فهو لا يُقدّم أيّ تنازل في هذا المجال، وبعض المراكز الأميركيّة تحاشت دعوته لأنّه لا يفرّط في الدّفاع عن الإسلام أمام ما يعتبره اتهامات باطلة. لم أفاجئ مطبقاني حين أخبرته أنني اكتشفته في إيران، فهو علِم بذلك وسُرّ به، وإنْ كان الحاجز العقيدي لا يدفعه إلى إبداء ما هو أكثر من ذلك. في هذا الجزء من الحوار نتناول مع مطبقاني قضية البحث الأكاديمي والبُعد الرّسالي، هل هما نقيضان لا يجتمعان، أم لا؟ ونطلّ بعدها على موضوع معرفة الآخر، وعلم الاستغراب، والذي ينكشف فيه مطبقاني مخالفاً و''مناضلاً'' للمؤسّسة الأكاديميّة المتزّمتة، حيث تبيّن له خواء اللّبوس التقديسيّة التي يتغطّى تحتها كثير من رجال ''العلم الشّرعي''. لكن ألم يُفاجئ مطبقاني ''الجمعية الإسلاميّة السّياسية'' التي استضافته؟ لذلك فسحة أخرى من القول.
- سعيتم في سيرتكم العلميّة والأكاديميّة إلى ثلاثة عناوين أساسيّة، الأوّل التزوّد المعرفي الواسع (الموسوعيّة)، والثاني الاستعداد الدّائم للتجربة وغوْض المغامرات الوجوديّة، والتحلّي بالجرأة وعدم السّكون للأنماط السّائدة والنّظم الأكاديميّة الجامدة. كيف تقيّمون واقع الدّراسات الإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي لجهة التمثّل بالمواصفات والعناوين اللازمة للنجاح العلمي؟
الإجابة: يصعب على الباحث أن يُقوّم تقويماً صادقاً واقعَ الدّراسات الإسلاميّة من دون بحثٍ ودراسة وتمحيص. إنّ التقويم الحقيقي لابد أن يتم من خلال دراساتٍ علميّة ميدانيّة، تدرس شروط القبول في هذه الدّراسات في المرحلة الجامعيّة وفي الدّراسات العليا، وتدرس المناهج من حيث قوّتها وضعفها، وتدرس النّتاج أو المخرجات - كما يُقال - كما ينبغي أن تفحص واقعَ من يُدرّس في هذا المجال، من حيث القدرات العلميّة والإنتاج والأداء في قاعة الدّرس. ولكني خبرتُ الدّراسات الإسلاميّة في جامعتين: جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة، وفي جامعة الملك سعود. فأولى الملاحظات تعيدنا إلى القسيس دنلوب الذي تولّى نظارة (وزارة) المعارف في مصر، فجعل دراسة اللّغة العربيّة والإسلاميّة في أدنى وضع ممكن، أولاً من حيث اختيار الأساتذة الذين ينفرون من اللّغة العربيّة، من حيث هيأتهم ورواتبهم ووقت تدريس العربيّة أو الدّين. وهناك تفاصيل واسعة في كتاب محمّد قطب ''واقعنا المعاصر''، وبدأ الانحدار في الدّراسات الإسلاميّة منذ ذلك الحين. وعندما التحقتُ بالتدّريس الجامعي في العام 1986م (1406 هجري) شاركتُ أكثر من مرّة في لجان إجراء المقابلات مع الطلاّب المتقدّمين للدّراسة الجامعيّة، فكانت الغالبية العظمى التي تأتي إلى مجال الدّراسات الإسلاميّة ممنْ لم يجدوا قبولاً في الكليات الأخرى، فكان واقعهم مزريّاً حقّاً.. وقمتُ بالتّدريس لهؤلاء الطلاّب على مدى ثلاث وعشرين سنة، أستطيع أن أجزم أنه لا يستحق أن يُدرّس منهم الدّراسات الإسلاميّة أكثر من عشرة من المئة فقط!
ربْط الدّراسات الإسلاميّة بمعارف العصر
- لقد لاحظتُ أولاً، كما أشرتُ سابقاً إلى أن قدراتهم العقليّة محدودة، وثانياً ممارستهم للعلم الشّرعي تقترب من الصّفر، بل إني عرفت من أبنائي في أثناء دراستهم في المرحلة الثّانويّة أن الذين يختارون القسم الشّرعي هم أسوأ الطلاّب من حيث المستوى العلمي. والأسوأ من ذلك، أنهم الأسوأ أخلاقيّاً! بل كانت دراستهم أقلّ جدية من طلاب القسم العلمي (عدد السّاعات أقل، وهروبهم أكثر!). وإذا انتقلت إلى الدّراسات العليا فالأمر لا يختلف كثيراً، حيث تسعى بعض الأقسام لفتح برامج دراسات عليا، وتقبل بشروط متساهلة، إن لم تتدخّل الواسطة والمحسوبيّة في قبل بعضهم! وأما الأساتذة فحدّث ولا حرج! فهم في النهاية أولئك الطلاّب الذين كنّا نطلق عليهم ''النّطيحة والمتردّية وما ترك السّبع''! أذكر زيارة لي لأحد هذه الأقسام، فرأيتُ عجباً! لك أن تتخيّل موتى بأكفانهم يمشون على وجه الأرض!
إذن.. ما السّبيل المقترحة لتغيير واقع الدّراسات الإسلاميّة؟
الإجابة: إنّنا إذا أردنا أن نغيّر واقع الدّراسات الإسلاميّة، فعلينا أن نبدأ بتغيير سياسة القبول، حيث ينبغي أن ترتفع الشّروط لتوازي شروط القبول في الكلّيات العلميّة، فلا أرضى بطالبٍ في الدّراسات الإسلاميّة أقلّ ممن يُقبَل في الطبّ أو الهندسة أو الرّياضيّات أو الحاسب. وإذا كان من الضّروري أن توضع حوافز لدارسي العلوم الشّرعيّة؛ فيجب أن يُساوى بين خريج هذه الدّراسات والمهندس والطبيب.. كما أننا في أثناء الدّراسة يجب أن نربط طلاّب الدّراسات الإسلاميّة بمعارف العصر، فنعرض عليهم أن يلمّوا بمعارف في مجال الرّياضيّات والفيزياء والفلك والطب والتشريح والجغرافيا وعلم الاجتماع والسياسة والعلاقات الدّوليّة، وأن يُختار مجموعة منهم لتعليهم اللّغات حتى درجة الإتقان. (كان أحد طلاّبي ذات يوم مهندسا، والتحق بكلّية الدّعوة، فما أروع ذلك الطالب، رحمه الله!). وفي مجال التّدريس، يجب أن نقوم بتصفية حقيقيّة، كما تَفْعل الجامعات الغربيّة، بفحص تدريسهم وقدراتهم العلميّة وإنتاجهم، بل لعلّي لا أكون مبالغاً لو فكرت أن آتي ببعض أساتذة العلوم والرّياضيّات، فأطلب إليهم الحصول على مؤهّل في العلوم الشّرعيّة ليحلّوا محلّ الأساتذة الحاليين!
الإسلام ليس أيديولوجيا
تبدون إرادة قويّة للبحث العلمي، لكنكم في كلّ ذلك تمسّكتم بمرجعيتكم الدّينيّة، ولم يخفت نضالكم الرّسالي. ما ردّكم على منْ يُشكّك في إمكان الجمع بين الرّسالة المعرفيّة الأكاديميّة الخالصة، والرّسالة الأيديولوجيّة العقيديّة، وأنّ أي حسّ دعوي يتخلّل البحث العلمي يعني أننا بإزاء جهدٍ ضائع وفاقد للقيمة المعرفيّة؟
الإجابة: أولاً الإسلام ليس أيديولوجيا، ولم تكن الدّعوة منافية أو مناقضة للبحث العلمي الأكاديمي الصّارم. فالإنسان عقل وعاطفة ووجدان وأحاسيس، فالإمام الشّافعي كان أديباً، صاحب مستوى راقٍ جداً، ومع ذلك فهو أوّل منْ وضع قواعد وأصول لعلم أصول الفقه في كتابه الرّسالة أو الأم. وأوتي الرّسول (صلى الله عليه وسلم) ''جوامع الكلم''، وكان من أفصح العرب. والقرآن الكريم كتاب هداية وإصلاح ونور ودعوة وبشارة ونذارة، وكان ومازال القمّة في البلاغة والبيان، فمثلاً يُقدّم قضية كراهية الرّجل الجاهلي للأنثى بصورةٍ أدبيّة متحرّكة تهزّ الوجدان (وإذا بُشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم..)، وناقش قضايا كثيرة، مثل الألوهيّة والخلق، بموضوعيّة وعلمية ومنطقيّة عظيمة.

ولكن ألا يوجد دعاة يركّزون على الوعظ والنّصح، ولا يعتنون بالخطاب العلمي والمعرفي؟
- صحيح أنّ من الباحثين والدّعاة تمسّكوا بالجانب الدّعوي الوعظي البحت، وأهملوا القدرة العلميّة البحثيّة الأكاديميّة، بل نزل بعضهم بالمستوى العلمي للدّراسات الإسلامية حتّى إنك تغلق الكتاب أو البحث بعد قراءة سطر أو بضعة أسطر! أو تغلق المذياع أو التلفاز إنْ سمعته أو شاهدته! فبالتالي لا أرى انفصالاً أو انفصاماً بين الرّسالة الدّعويّة والبحث العلمي مطلقاً، فما أروع أن تقدّم رسالتك ودعوتك بأسلوب علمي، وهو المطلوب والأساس! إنّنا نرى العالم اليوم يتوجّه كلّه بلا استثناء لمعرفة الفقه الإسلامي في مجال المال والمعاملات الماليّة، ولكننا يجب أن لا نغْفل أن الاقتصاد الغربي القائم على قاعدة (ندرة المصادر) يخالف نظرة الإسلام الذي يرى أن الله عزّ وجل ''وقدّر فيها أقواتها''، وأن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال ''ما جاع فقير إلا ببطنة غني''. وأن في الإسلام نظرات مختلفة للمال (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، ومنها عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه). وعندنا: ''ولا تحاضون على طعام المسكين''، وقوله (صلى الله عليه وسلم) ''إن في المال حقاً سوى الزكاة''. نعم للغرب أن يسعى إلى معرفة الاقتصاد الإسلامي، لكن الأولى أن يعرفوا الإسلام كلّه.
المعرفة بالآخر أساس وضرورة
في مسار اهتمامكم العلمي بعلم الاستشراق؛ تنتهون إلى ضرورة معرفة الآخر من الدّاخل، وتتحدّثون عن إيجابيّات يمكن الوقوف عندها عند الآخر الغربي. ما هو التأسيس الشّرعي للمعرفة بالآخر، والاعتراف بإيجابياته؟
الإجابة: يقول الحقّ سبحانه وتعالى ''يا أيّها النّاس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا''، فالخطاب هنا موجّه إلى البشريّة كلّها، مع دعوتهم للتعارف، وهو فعلٌ كما يقول اللّغويون يقتضي أن يكون من أكثر من جهة. وأول تأسيس شرعي لمعرفة الآخر، أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما اختار الحبشة لتكون وجهة أوّل هجرة كان على علم بالوضع السّياسي في تلك البلد، بقوله ''إنّ بها ملكاً لا يظلم عنده أحد''. وخرج المسلمون من جزيرة العرب وكانوا متسلّحين بالمعرفة، بطبيعة البلاد جغرافياً وسياسياً واقتصاديّاً واجتماعيّاً. انظر إلى رسول الجيش الإسلامي إلى رستم يقول ''كانت تبلغنا عنكم الأحلام أنكم تتساوون فيما بينكم''.. وانظر إليه، لم يقل كانت تأتينا الأخبار، أو بلغنا، ولكن الرأي كان مصدره أصحاب عقول وأفهام. وعندما دوّن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدواوين، وهو تنظيم إداري مالي، ألم يأخذه من الفرس؟! وأخذوا علوم الأمم الأخرى وهضموها وأعادوا إنتاجها لتفيد منها الحضارة العربية حين انطلاقتها.
 إذن أنتم ترون هذه المعرفة ضروريّة ولابدّ منها؟
الإجابة: المعرفة بالآخر أساس في الحياة الإسلاميّة، وقد خصّص القرآن الكريم جزءاً كبيراً للحديث عن أهل الكتاب عموماً، وعن بني إسرائيل خصوصاً، وحتى وإن كانت تلك المعرفة في جزءٍ منها تاريخيّة، لكنها كانت معرفة أخلاقيّة، نفسيّة، أنثربولوجيّة من جوانب أخرى. وأورد القرآن الكريم صورة الحكم الاستبدادي في ذكر قصّة فرعون في سبعة وسبعين موضعاً، في معظمها في سياقات سياسيّة.. مازال المستبدّون والطغاة يسيرون على منهجها وفلسفتها إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومنْ عليها! دراسة الغرب أمرٌ ضروري، فكما قال حسن حنفي، يجب أن نتحوّل من ذات موْضع الدّرس، إلى ذات دارسة، وأن نقضي على مركب النقص الذي تجذّر فينا، كما أن نقضي على مركب الاستعلاء عند الأوروبيين والأميركيين الذين جعلونا موضعاً لدراساتهم، حتى أنني لا أبالغ إن قلتُ إننا أصبحنا مثل ''حيوانات المعمل''!

ولكن ماذا عن ذكر إيجابيّات هذا الآخر، كيف يمكن شرعنة هذا السّلوك؟

الإجابة:  الاعترافات بإيجابيّات الآخر أصله في القرآن الكريم، بقوله تعالى: ''ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب إلى التقوى''. وانظر إلى وصف عمرو بن العاص رضي الله عنه قبل ألف وأربعمئة سنة ''إنّ فيهم لخصالاً أربع أقومهم مرة بعد فرة.. ومنها أحناهم على فقير''. وأضاف ''وخامسة لطيفة وأبعدهم من ظلم الملوك''. والإيجابيات اليوم في الغرب كثيرة وكثيرة جدّاً.. سأبدأ من حياتي الأكاديميّة، فقد حضرت لقاءً حول تقويم الجامعات واعتمادها، فتحدّث المحاضر عن قيام وزارة التعليم العالي بالتعاقد مع جهاتٍ بريطانيّة لتقويم الجامعات السّعوديّة، ولكن وزير التعليم العالي هو رئيس الهيئة، فكنتُ مشاغباً وقلتُ للمحاضر: كيف يكون وزير التعليم العالي وهو المسؤول عن الجامعات، مسؤولاً عن هيئة لتقويم الجامعات؟ وقد زرتُ مدينة بوسطن في مايو/ أيار ,2007 والتقينا بمسؤولين عن تقويم الجامعات واعتمادها في منطقة نيوانجلاند (عدّة ولايات في شمال شرق الولايات المتحدة) فإذا بها مؤسّسة غير ربحيّة مستقلة تسعى إليها الجامعات لتقوم بفحصها واعتمادها. ألا يجب علينا أن نتعلّم منهم، ونجلس في مقعد التّلميذ المطيع ليتعلّم ويفهم ثم يطبّق؟! والأمثلة كثيرة للإيجابيّات في الغرب، وأذكر سريعاً اللامركزيّة في النظام التّعليمي الأميركي، واستقلال كلّ ولاية بنظامها التّعليمي، مع وضع معايير صارمة من الحكومة الفيدراليّة للمستوى المطلوب مع الدّعم المالي الحقيقي الذي لا يضيع. في الغرب محاسبة، وشفافيّة، حيث ذكر مسؤول في كلية من كلّيات جامعة أكسفورد أنهم حاسبوا المسؤول عن مئة جنيه؛ كيف صرفها، ولماذا، وما مبرّراته.
تثبيت علم الاستغراب يحتاج قراراً سياسياً
 ما تقييمكم الحالي لما يُسمّى بعلم الاستغراب، وهل وصل إلى حدود التبلّور الكامل، أم أنه لازال في بدايات الطّريق؟
الإجابة: قامت الحكومة البريطانيّة العام ,1961 ,1947 ,1909 و1985 وبعدها.. بتكوين لجان لدراسة احتياجات بريطانيا من المتخصّصين في الدّراسات العربيّة والإسلاميّة ودراسات الشّرق الأوسط، بل كانت تلك اللّجان تهتم بدراسات أوروبا الشّرقيّة والدّراسات السّلافيّة والإفريقيّة، ورصدت الأموال لتشجيع هذه الدّراسات ودعمها وتقديم المنح.. كما أنّ المجتمعات الغربيّة لديها وعيّ بأهمية دراسة الشّعوب والأمم الأخرى، فأنشأ أثرياؤها وتبرّعوا لكراس لهذه الدّراسات. والجامعات الغربيّة لديها استقلاليّة أكثر من جامعات العالم العربي والإسلامي، فعندما أنشأت هذه الدّراسات لم تمر بمراحل بيروقراطيّة طويلة، وإنما اتخذت القرار وانطلقت. إنني أنادي وأناشد وأصرخ منذ عشرين سنة بضرورة إنشاء وحدة حول الأمم والشّعوب الأخرى، وخصوصاً الغرب، ولكن لا حياة لمنْ تنادي! تأسيس علم الاستغراب، ووضع قواعده وأصوله ومبادئه ليس صناعة القنبلة الذريّة، بل هو أسهل وأهون من ذلك بكثير (وحتى القنبلة ليست صناعة صعبة إنْ وجدت الإرادة). فهل يستطيع مدير جامعة أن يعقد اجتماعاً مع عدد من الأساتذة لينينشئوا قسماً للدّراسات الأوروبيّة؟! وعندها تبدأ الدراسة، ويتم الاتفاق مع الجهات التي تحتاج هؤلاء المتخصّصين لتوفير فرص التّوظيف. خذ مثلاً سفارات الدّول العربيّة في أوروبا وأميركا، يمكن أن يكون لدينا منْ يعرف بعض اللّغات الأوروبيّة، لكن كم سفير عربي أو مسلم يستطيع أن يلقي محاضرة باللّغة الألمانيّة أو البولنديّة أو اليونانيّة؟!
 إذا كان الأمر كذلك، فما هي الطريق الممكن بها تثبيت هذا الحقل العلمي؟

الإجابة: نحتاج قراراً سياسياً من أعلى مستوى للبدء في الدّراسات الأوروبيّة والأميركية، وأتعجّب أن توجد مراكز أو أقسام للدّراسات الأميركية في الجامعة الأميركيّة في القاهرة وفي بيروت.. ولا أستطيع الحكم على هذه البرامج قبل التعرّف عليها، ولكن ألا يصدق فيها: أميركيون يدرسون الأميركيين! نريد أن نضع نحن الأسس، والمعالم، والمناهج، والأهداف لهذه الدّراسات. في البحرين مثلاً مركز للدّراسات الأميركيّة يرأسه أستاذ أميركي، ولا أشك في إخلاصه العلمي والأكاديمي، لكن ليست هذه رؤيتي لهذه الدّراسات!



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية