الاستشراق ومشكلة المجتمع المدني في الإسلام من كتاب (الاستشراق والإسلام والمتخصصين في الإسلام)

بسم الله الرحمن الرحيم
في الوقت الذي نجد فيه أن مشكلة الفهم والمقارنة والترجمة تثير قضايا حساسة في الفلسفة واللغة والوعي الاجتماعي، فإنها تظهر بوضوح أكثر حدة في علم الاجتماع. فبالإضافة إلى الصعوبات الفنية من تحيّز وتشويه وإساءة تمثيل في المنهجية في العلوم الاجتماعية فهناك أسئلة أكثر عمقاً كالنسبية والتعصب والإيديولوجية تثير الشكوك حول قواعد التحليل المقارن. ذلك أنه من الصعب تخيل ما يمكن عدّه علم اجتماع صحيح دون استخدام المنهج المقارن. بيد أن هناك العديد من الصعوبات المنهجية والفلسفية التي غالباً ما تظهر وتحد من مصداقية علم الاجتماع المقارن. وقد وقع اختلاف كبير حول استخدام الوضع الذي تبناه ماكس وبر Max Weber في علم الاجتماع اللاقيمي هل هو ممكن أو حتى مرغوب فيه. ([1])
وفي السنوات القريبة الأخيرة ازدادت الحساسية لدى علماء الاجتماع حول الحقيقة التي مفادها أنه بالإضافة إلى قضية الصعوبات الفنية والفلسفية فإن بناء سياسة القوة ذات تأثير عميق في تشكيل محتوى البحث في العلوم الاجتماعية واتجاهه. وباختصار فوجود العلاقات الاستعمارية الاستغلالية بين المجتمعات كانت ذات أهمية رئيسة للتطوير النظري لعلمي الانثروبولوجيا (علم الإنسان) والاجتماع. وكان دور السياسة الإمبريالية حساماً في تكوين صورة الإسلام في الغرب وفي تخيل المجتمعات الشرقية. ([2])
وثمة افتراض من المنظور المعرفي والمتحرر بأن القوة والمعرفة ليستا وحدهما تضاديتان، ولكن المعرفة الصادقة تتطلب كبت القوة. ففي التاريخ المتحرر للأفكار يكون انطلاق العلم من الأيديولوجية والاعتقادات الفطرية مشتركاً مع نمو الحرية الفكرية وانحسار الإرهاب السياسي القهري. هذه النظرة لتنافض السبب والقوة من قبل الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكوMichael Foucault الذي يجادل بأن نمو السيطرة البيروقراطية على السكان بعد القرن الثامن عشر تستلزم أشكالاً أكثر انتظاماً من المعرفة في صورة علم الجريمة والعقاب وعلم النفس والطب. فاستخدام القوة في المجتمع يقترح مسبقاً صوراً جديدة من المعرفة العلمية التي يمكن أن نتوصل من خلالها إلى تحديد المجموعات المنحرفة والسيطرة عليها. وفي مقابل التقاليد الليبرالية ومن خلال تحليل التقليد الغربي العقلاني نجد أنفسنا مضطرين للاعتراف ب:
إن القوة والمعرفة يتضمن أحدهما الآخر مباشرة، وأنه ليس ثمة علاقات دون المحتويات المتلازمة للمعرفة الميدانية، وليس فقط أي معرفة لا تفترض مسبقاً وتتضمن في الوقت نفسه علاقات قوة. ([3])
        وهكذا فإن نمو المعرفة العلمية لا يعطي البدء لفترة الحريات الفردية، ولكن يشكل قاعدة لصور أكثر اتساعاً للقوة المؤسساتية من خلال الصلة بين السجن والقوبة، والعفو والطب النفسي والعلاج الإكلنكي وفي المستشفيات والمدرسة والبيداغوجية. وتوجد المعرفة اختلافات من خلال التصنيف والتبويب والمقارنة. فالتصنيف المتمثل في "إجرامي" و"جنوني" و"انحراف" هو من مظاهر المعرفة العلمية التي يمارس من خلالها الطبيعي والمجنون القوة في تقسيم منظم للتشابه والاختلاف. ولا يمكن التقليل ببساطة من شأن ممارسة السلطة على الأتباع إلى مسألة الآراء والدوافع من جانب الأفراد مادامت القوة مندمجة في اللغة نفسها التي نصف العالم ونفهمه بها. فلا يمكن تحقيق المقارنات الصحيحة بين كل من الفرد المنحرف والطبيعي وبين العاقل والمجنون وبين المريض والسليم من خلال إعادة تشكيل المواقف والدوافع، حيث إن هذه الفروق نفسها تفترض مسبقاً علماً يكون فيه الاختلاف في الفهم تعبراً عن علاقات القوة.
        وتقدم لنا المعرفة/القوة في عمل ميشال فوكو القاعدة لدراسة إدوارد سعيد الخطيرة للاستشراق بصفته معرفة للاختلاف يكون فيها التناقض الواضح والمحايد بين الشرق والغرب تعبيراً عن علاقات القوة () فالاستشراق علم يمثل الشرق المثير والمهيج والغريب كظاهرة واضحة قابلة للفهم من خلال شبكة من المجموعات والبيانات والمبادئ التي من خلالها وفي الوقت نفسه يُعرف الشرق ويُسيطر عليه. أن تعرف هو أن تسيطر.
وهكذا كانت معرفة المستشرق بصورة رائعة إطار عمل صارم من التحليل الذي تم التعبير عنه من خلال العقيدة والآداب وفقه اللغة والاجتماع، ولم يعبر فقط عن علاقات إمبريالية ولكنه تضمن في الواقع مجالاً من القوة السياسية. لقد أوجد الاستشراق علم دراسة الأفراد منظماً حول التناقضات بين الغربي العقلاني والشرقي الكسول. وكانت مهمة الاستشراق التقليل من تعقيد الشرق اللامنتهي وجعلها في نظام محدد من الأنواع والشخصيات والقوانين. وإن المختارات الأدبية التي تمثل الشرق المثير بيان منظم لمعلومات ميسورة كانت إنتاجاً ثقافياً نمطياً للسيطرة الغربية.
"فالحقيقة" الحاسمة في تحليل إدوارد سعيد حول مقولة المستشرق كانت إننا نعلم ونتكلم حول الشرقيين بينما م لا يفهمون أنفسهم ولا يتكلمون عنّا. وفي لغة الاختلاف هذه ليس هناك علم مساو للاستغراب. فالمجتمع الذي تنطلق منه المقارنة يمتلك مجموعة من المظاهر الأساسية العقلانية والتطور، والمؤسسات الديموقراطية والنمو الاقتصادي. بينما تفتقد المجتمعات الأخرى لمثل هذه المظاهر المسؤولة عن الشخصية الخاصة بالمجتمع الغرب، وهي التي تشرح النقص في المني المجتمعية البديلة. فالاستشراق كنظام محاسبي ينطلق ليشرح المظاهر التقدمية للغرب والركود الاجتماعي للشرق () إن أحد الأسئلة المكونة لعلم الاجتماع الكلاسيكي هو: لماذا ظهرت الرأسمالية الصناعية في الغرب أولاً؟ -وهذا يشكل بالتالي مظهراً من النظام المحاسبي الذي يتعلق بالاختلاف الأساسي بين الشرق والغرب. ويمثل الإسلام دائماً في المجال الواسع للاختلاف بين ما هو غربي وما هو شرقي مشكلة سياسية وثقافية للنظام المحاسبي الغربي.
يختلف الإسلام عن الهندوسية والكونفوشية بأنه يرتبط ارتباطاً دينياً رئيساً باليهودية والنصرانية ويثير تصنيف الإسلام بأنه دين شرقي صعوبات رئيسية في فكر المستشرق، بينما تمثل كون النبوة أمر فريد قصة مستمرة فثمة نقاشات قوية تقترح بأنه من الممكن لنظر لليهودية والنصرانية على انهما صورتان مختلفتان من العقيدة الإبراهيمية ()
وبالإضافة إلى ما سبق كان الإسلام قوة ثقافية رئيسة داخل أوروبا حين كان هو المسيطر في العديد من مجتمعات البحر المتوسط، وبينما لا نحد أي غموض حول كون الإسلام ديناً شرقياً نجد أن النصرانية لا تعد بأي شكل ديناً غربياً. فالنصرانية بصفتها دين سام وعقيدة إبراهيمية أصلاً يمكن النظر إليها على أنها دين شرقي بينما يمكن اعتبار الإسلام ديناً غربياً لأنه كان عنصراً جوهرياً في ثقافة إسبانيا وصقلية وأوروبا الشرقية.
واحتوت مشكلة تعريف الإسلام دائماً مسألة ملحة لعلم الاستشراق؛ ففي الدوائر النصرانية كان من الضروري تصنيف الإسلام إما بصفته طفيلي على الثقافة النصرانية أو إنه علماني خارج على العقيدة النصرانية.
ويدور تحليل فوكو للعلم على اقتراح بأن القواعد نفسها التي تحكم المقولات ضمن اختصاص معين يمكن أن تكون شائعة في علوم متعددة جداً ومنفصلة () ولذا فليست الإشكالية عند المستشرقين خاصة بالعقيدة النصرانية ولكنها مجال يؤكد على كل من الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع. فإذا كان الموضوع الأساس خلف العقيدة النصرانية هو كون الوحي النصراني فريد بالنسبة  للإسلام فإن السؤال الجوهري خلف علم الاجتماع المقارن هو كون الغرب فريداً بالنسبة للجمود المزعوم في الشرق، وقد اقترحت في بحث سابق أن يحاول علم الاجتماع البحث عن أسباب الغياب الواضح للرأسمالية في المجتمعات الإسلامية وذلك بوضع مفهوم للإسلام مكون من سلسلة من الثغرات() وقد جادل علم الاجتماع الغربي جدلاً بارزاً مفاده أن المجتمع الإسلامي قد افتقد المؤسسات ذات الاستقلال الذاتي من مثل المجتمع البورجوازي الذي حطم في النهاية القبضة العنيدة للاقتطاع المسيطر على الغرب. وبناء على هذا الرأي افتقد المجتمع المدن المستقلة وطبقة برجوازية مستقلة وبيروقراطية عقلانية وقانونية معتمدة والملكية الفردية وتلك الطبقة العنقودية من الحقوق التي تضم الثقافة البورجوازية. وبدون هذه العناصر الثقافية والمؤسساتية لم يكن في الحضارة الإسلامية ما يتحدى اليد المميتة لمجتمع ما قبل الرأسمالية. ويمكن تلخيص نظرة المستشرق للمجتمع الأسيوي في الفكرة التي مفادها أن البناء الاجتماعي للعالم الشرقي تميز بغياب "المجتمع المدني" أي بغياب شبكة من المؤسسات تتوسط بين الفرد والدولة. وكان هذا الغياب هو الذي هيأ الظروف للاستبداد الشرقي الذي يتعرض فيه الفرد دائماً للحكم الاستبدادي المطلق. وقد فسر غياب "المجتمع المدني" في الوقت نفسه تطور الرأسمالية خارج أوروبا وغياب الديموقراطية.

مفهوم المجتمع المدني

        تحتوي الفلسفة السياسية الغربية مجموعة من التصنيفات الأساسية التي يمكن إرجاعها إلى أرسطو لتميز بين الحكومة في صورة الحكم الفرد أو الديموقراطية أو الاستبداد(المطلق). وبينما من الممكن أن ندرس هذا التصنيف عددياً بمعنى واحد أو عدد قليل أو عدد كبير إلاّ أن عنصراً هاماً في مشكلة الحكومة هو العلاقة بين الدولة والفرد. ونمطياً مثلاً تشير فكرة الاستبداد إلى فضاء ميتافيزيقي للنظام الاجتماعي يحتوي على فراغ مؤسساتي بين الفرد الخاص والحكومة العامة. ويكون الفرد في الحكم الاستبدادي معرضاً تماماً للنظرية المتفرسة من الحكام المستبد لعدم وجود مؤسسات اجتماعية متوسطة بين الحاكم والمحكوم. فالفرد مكشوف كلياً لانفعالات الحاكم المستبد ونزقه وإرادته وليس ثمة أي مؤسسات اجتماعية أو مجموعات يمكن أن يختفي الفرد خلفها. ويمكن أن تكون المسافة كبيرة بين الحكام المستبد والمحكوم. ولكن الفراغ الاجتماعي لا يملؤه نمو كثيف للتجمعات الاجتماعية التي يمكن أن تغلف الفرد. ويمكن نمو المصالح المنفصلة ضد إرادة الحاكم المستبد يفترض مقدماً مجتمعاً يكون فيه "المجتمع المدني" إماّ غائباً أو متخلفاً. إن "المجتمع المدني" هو تلك الشبكة الواسعة من المؤسسات (الكنيسة، والعائلة، والقبيلة، والنقابة، والرابطة والمجتمع) التي تقع بين الدولة والفرد، وتربط في الوقت نفسه الفرد بالسلطة وتحي الفرد من السيطرة السياسية الكلية. ولذلك ففكرة "المجتمع المدني" ليست فقط جوهرية لتعريف الحياة السياسية في المجتمعات الأوروبية لكنها أيضاَ نقطة الاختلاف بين الغرب والشرق.
       كانت النظرة لظهور "المجتمع المدني" في فترة التنوير في اسكتلندا أنها إِشارة رئيسية للتطور الاجتماعي من حالة الطبيعة إلى الحضارة. فقد كانت نظرية "المجتمع المدني" جزءاً من الانقسام الكبير بين الطبيعة الحضارة حيث إن الفرد قد أُعطي أخيراً حقوقاً للملكية والتملك والأمن. ويرى هيجل في فلسفته الاجتماعية أن " المجتمع المدني" يتوسط بين العائلة والدولة، ويتكون من التبادلات الاقتصادية بين الأفراد. وكانت فكرة هيجل عن " المجتمع المدني" في صورة العلاقات الاقتصادية هي أساس كثير من الغموض في التحليل الماركسي الذي جاء فيما بعد حيث أصبح من الصعب تحديد موقع" المجتمع المدني" بدون غموض في القاعدة الميتافيزيقية الاقتصادية وفي البناء الكبير فبالنسبة لماركس
  يضم المجتمع المدني كل التعاملات الفردية خلال مرحلة محددة لنمو القوى الإنتاجية.     وتضم كل الحياة التجارية والصناعة لمرحلة معطاة وبالتالي تتجاوز الدولة والأمة.      مع ذلك فمن جهة أخرى يجب أن تؤكد نفسها في علاقاتها الخارجية بصفتها قومية وداخلياً يجب أن تنظم نفسها كدولة. (9)
       وحيث أن ماركس كان مهتماً أساساً في التحليل النظري للنمط الرأسمالي للإنتاج كان من الصعب بالتالي على الماركسيين أن يحددوا العلاقة الدقيقة بين المجتمع المدني والدولة من جهة وتحليل مثل هذه المفاهيم الاجتماعية ك "العائلة" و"الكنيسة" و"المجتمع" أو "القبيلة" من جهة أخرى. ومن الطبيعي أن يكون أحد الحلول هو معالجة هذه الناحية من الحياة الاجتماعية بالتفصيل في مصطلحات اقتصادية بحتة؛ ويكون التقسيم الأساسي للمجتمع هو التقسيم الطبقي الذي يمكن تفسيره بالتالي بنمط الإنتاج. (10)
        ونجد مثالاً للصعوبات في تحديد المجتمع المدني بالنسبة للاقتصاد والدولة في المناظرات الأخيرة حول تحليل أنطونيو جرامسكي Antonio Gramisci لهذا المفهوم(11)
        علّق جرامسكي في فقرة مشهورة بأن المجتمع المدني يقع بين البناء الاقتصادي والدولة بتشريعاتها وحكمها القسري. (12)
        يرى جرامسكي في كتاباته أن المجتمع المدني هو المنطقة التي يحدث خلالها السيطرة الإيديولوجية والموافقة السياسية وبالتالي تتعارض مع الدولة حيث موقع القوة السياسية والقسر ومثل هذا المفهوم من شأنه تعقيد التقسيم الثاني الماركسي الأكثر شيوعاً بين القاعدة والبناء الفوقي. ولكن هناك الكثير من الاختلاف في النظر حول موضع تأكيد جرامسكي النظري. (13) ففي حين يزداد الاختلاف حول مدى قبول الاستبداد في الرأسمالية الحديثة مما يلفت النظر إلى أن مفهوم جرامسكي للمجتمع المدني كان أمراً هاماً بالنسبة لنظرته بأن الخطط السياسية لها علاقة بالنسبة لمدى القسر والإذعان في المجتمع. (14) وقد ميز جرامسكي تمييزاً أساسياً بين الغرب الذي يوجد فيه إجماع واسع مبني على المجتمع المدني والشرق الذي تسيطر عليه الدولة على المجتمع وحيث القسر أكثر أهمية من الإجماع. وفي حديثة الخاص بروسيا يجادل جرامسكي قائلاً:
        كانت الدولة هي كل شيء، فالمجتمع المدني كان بدائياً وهلامياً وفي الغرب
        كان هناك علاقة سليمة بين الدولة والمجتمع المدني وعندما يهتز كيان الدولة
        يظهر حالاً بناء قوي للمجتمع لمدين، فالدولة كانت خندقا خارجياً يقف خلفه
        نظام قوي من الحصون والسدود. (15)
وحيثما يكون المجتمع المدني متخلفاً نسبياً بالمقارنة مع الدولة فإن القسر السياسي على الأفراد يكون هو القاعدة لحكم الطبقة أكثر من القبول الإيديولوجي الذي يميز المؤسسات البورجوازية للرأسمالية الغربية.
        وفي الوقت الذي نجد فيه نظرية الحرية السياسية تختلف جوهرياً في مظهرها الخارجي واستنتاجاتها فهي تطرح غالباً التناقض بين الشرق والغرب في مسألة القسر/الإقرار باستخدام المصطلحات نفسها وبخاصة بطريقة الضمانات والموازين الدستورية. وقد ميز مونتسيكو Montesquieu في كتابه "روح القانون" الذي كتبه عام 1748م بين الجمهوريات وبين الحكم الفردي وبين الحكم الاستبدادي بخصوص مبادئهم الهادية لهم التي كانت هي الفضيلة والشرف والخوف. (16)   والاختلافات الأساسية بين الحكم الفردي والحكم الاستبدادي هي:
1-    بينما يركز حكم الفرد على عدم المساواة في الطبقة الاجتماعية يتساوى الناس في الحم الاستبدادي في العبودية حيث تخضع جماهير الشعب لإرادة الحكام القسرية؛
2-    يتبع الحاكم في الحكم الفردي العادات والقوانين بينما يسيطر الحاكم المستبد وفقاً لهواه.
3-    لا يوجد في الحكم الاستبدادي مؤسسات اجتماعية وسيطة تربط بين الفرد والدولة.
       وقد اهتم مونتسيكو في كتاب سابق له عنوانه" نظرات في أسباب عظمة الرومان وانهيارهم" بمشكلة المركزية في الإمبراطورية الرومانية، وتحول الجمهوريات إلى ممالك فردية (17)
وقد أصبح مونتسيكو نتيجة تأثره العميق بلوك Locke والتاريخ الدستوري البريطاني يرى أن تقسيم السلطة المركزية يشكلان ضمانات أساسية للحقوق السياسية، وقد سمح له كتابه "رسائل فارسية"(18) أن يكتب مراجعة نقدية للمجتمع الفرنسي من خلال عيون ملاحظ شرقي. ولم يكن بالتالي واضحاً إذا ما كان تعريف مونتسيكو واعتراضاته على الحكومة الاستبدادية الشرقية موجهة حقيقة ضد السياسـة الفرنسية وبخاصة ضد الحكم الفردي المطلق. (19)
        وجاءت نظرة إميل دوركايم Emil Durkheim الذي كتب أطروحته باللاتينية حول مونتسيكو وروسو Rousseau ونشرت عام 1892 لترى أن مشكلة الحياة السياسية الحديثة ليست في تأثير تقسيم العمل بناء على العواطف العامة ولكن في غياب المؤسسات المنظمة بين الفرد والدولة. وقد أسهم كل من انحدار الكنيسة وضعف مؤسسة العائلة وفقدان الروابط الاجتماعية المهمة التي حمت الفرد من الدولة. وخلافاً لهربرت سبنسر Herbert Spencer لم يعتقد دوركايم أن توسيع مهمات الدولة في المجتمع المعاصر كانت السبب في الاستبدادية السياسية. وقد عرف دوركايم في كتابه" قانون لنشأة الجزاء" الاستبدادية في العبارات الآتية:
    إنما يجعل القوة المركزية أكثر أو أقل استبداداً هو زيادة أو نقص الغياب
 المتطرف لأي قوة موازية منظمة بانتظام بهدف جعلها متوسطة وبالتالي نستطيع
أن نتنبأ بأن ما ينتج قوة من هذا النوع هو التركيز الكلي الأكثر أو الأقل لكل
مهمات المجتمع المسيطرة عليه في يد واحدة. (20)

وبينما لا يستخدم دوركايم بصفة خاصة المصطلح على ضوء إشارته إلى أهمية القوى المتوازية فليس من غير الشرعي أو غير المناسب أن نقترح بأن مناقشة دوركايم تقتضي أن ضعف المجتمع المدني تقع بين الفرد والدولة إنما هي شرط للاستبدادية السياسية.
لا يمكن فهم التقاليد الفرنسية في علم الاجتماع السياسي فهماً مناسباً من مونتسيكو إلى دوركايم دون مراعاة النظر إلى الحوار الذي ظهر في فرنسا حول طبيعة " الحكم الاستبدادي" أو " السلطة المطلقة المتنورة" وإن ما نشير إليه على أنه الاستبداد المتنور أو السلطة المطلقة المتنورة ظهر أولاً كقضية فكرية وسياسية في فرنسا عام 1760 جزئياً نتيجة لتعاليم الفيزيوقراطيين (21) وكان المصطلح المفضل لدي الفيزيوقراطيين هو الاستبداد الحرفي والاستعباد الشرعي. وهكذا قدم-مثلاً-تي جي دانيال T.G. Daniel تعريفاً للحكومة الطبيعية بأنها " الحكومة الأكثر سعادة هي ذات الموقف العادي والواضح." وذلك في تاريخه الذي كتبه حول التجارة مع الهند الغربية والشرعية. وقد التزم الفيزيوقراطيين في كتاباتهم الاقتصادية بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الاقتصادية، وذلك لتحرير الاقتصاد والفرد من القيود غير الطبيعية التي قيدت كل من الجودة والإنتاج الاقتصادي. ومع ذلك لم يكن المجتمع حراً من مثل هذه القيود غير الطبيعية، وكان من الضروري حدوث تغيرات متطرفة من قبل الاستبداد الحرف. وقد رأى الفيزيوقراطيين أنه مما لا جدال فيه أن مثل هذا الحكم الاستبدادي سيكون في أيدي حكم وراثي فردي سيدفع جانباً الفوضى المصطنعة للماضي ويعيد النظام الطبيعي للحرية الفردية، فمن واجب الحاكم المستبد أن يُكره الناس على أن يكونوا أحراراً عن طريق سياسة تعليم عقلانية وعن طريق الإصلاح الاجتماعي.
لم يُثر الجدال حول مزايا(فضائل) أشكال الحكومات فقط بسبب الحكم المطلق في أواخر القرن الثامن عشر ولكن سبب ظهور الاستعمار في القرن التاسع عشر أيضاً. أجبر الإداريون الاستعماريون على اتخاذ قرارات حول قضايا في السيطرة الاستعمارية على المستعمرات الجديدة. وفي سياق مناقشة المستعمرات يبدون استخدما راينال Raynal لفكرة الحكومة الاستبدادية المشروعة مثيراً للانتباه وكانت النقاشات الهادفة حول التنظيم السياسي قد قامت كذلك في سياق تعد الحكومة البريطانية من قبل الأرستقراطية الوراثية بلغة الحكومة الاستعمارية في الهند. كان القائلون بالمذهب النفعي مهتمين بمشكلة الطبقة العاملة، والحكومة البريطانية في بريطانيا وفي حكومة المواطنين الهنود (22) وهكذا كان لكتاب جيمس بيل James Mill"تاريخ الهند البريطانية" مهتماً بصفة خاصة بمسألة الحكومة الاستبدادية الوطنية والإصلاح الحكومي وقد لاحظ:
كانت الحكومة عند الهندوس وفقاً للنموذج الأسيوي فردية، ومع الاستثناء
المعتاد وهو الدين وقساوسته فإنها مطلقة، ولم يكن وصل إلى فكر الهنود
أو مشرّعيهم أي فكرة عن نظام للحكم يختلف عن الحكم الخاضع لإرادة
شخص واحد. (23)
وكان ميل يرى بوجود فجوة اجتماعية بين التقليدي الذي يحتضن بالكلية حياة القرية الهندية وخارجها والعالم العام للممالك. ذلك أن التدمير المستمر للممالك تناقض مع العزلة الاجتماعية والركود في القرية الهندية. وكان الحل السياسي الرئيس لهذه الحكم الاستبدادي الراكد هو جرعة من الاستبداد الحرفي وهذا يعني حكومة مركزية قوية وقوانين رحيمة خيّرة وإدارة محدّثة وإعادة توزيع حقوق ملكية الأراضي. وقد تبع جيمس مل مم طريقة والده في النقاش حول كل من الإصلاح السياسي في بريطانيا والحكومة الاستعمارية. وكان خوف جون ستيوارت ميل الأساس منصباً على تأثير حكومة الأغلبية في الديموقراطيات الشعبية على حياة الأفراد المتعلمين والحساسين ووعيهم. وقد تأكد هذا الخوف تأكداً عظيماً بالجوانب الأكثر تشاؤماً من تحليل ألكسيس دو توكفيلAlexis de Tocuelville للمؤسسات السياسية الأمريكية في كتابه " الديموقراطية في أمريكا" والذي قرأه ميل عام 1835(24) وبناء على رأي دو توكفيل فإن حكم الأغلبية المبني على حق الانتخاب العالمي يمكن أن ينتج إجماعاً عقيماً والذي كان ضاراً بالفردية وحقوقها. وسيكون الرقيب الوحيد على الحكم الاستبدادي في الأغلبية وجود روابط قوية طوعية (وهذا يعني المجتمع لمدني) يحمي الفرد من سيطرة الأغلبية وتحرس المصالح لمختلفة والثقافة. وما لم تتوفر الضمانات فإن الديموقراطية سينتج في بريطانيا العقم نفسه الذي أتت به التقاليد في آسيا وهذا يعني الركود. وقد كانت مخاوف ميل بالتالي هي:
                                                                         
ليس من الحرية العظيمة ولكن الخضوع الجاهز جداً؛ وليس من الفوضى
ولكن الذل، وليس من التغير السريع جداً ولكن من الركود الصيني. (25)
وكان الخيار في حالك الحكم الاستعماري بين نوعين من الحكم الاستبدادي الوطني أو الإمبريالي. وقد كان الاستبداد الوطني اعتباطياً دائماً وغير فعّال بينما كان الاستبداد المتنور من "شعب أكثر تحضراً على أراضيهم ثابتاً ومنتظماً وفعّالاّ في تشجيع الإصلاح الاجتماعي والتقدم السياسي.
لقد كان كل من جون ستيوارت ميل(1806-1873) وكارل ماركس Karl Marx(1818-1883) متعاصرين وقد تأثرا في نظرتيهما للمجتمع الأسيوي بأحداث معاصرة متشابهة. وأدلة وثائقية متشابهة أيضاً. وليس مدهشاً بالتالي أن نجدهما في بعض لفرضيات حول المجتمع الأسيوي بالرغم من النظرات التقويمية المختلفة وتوقعات الحكم البريطاني في الهند. ففي الوقت الذي كان فيه مفهوم ماركس للنموذج الأسيوي مبنياً أساساً على البناء الاقتصادي وخطواته (أو غياب ذلك) فالنموذج الأسيوي هو أيضاً صورة من الفكرة السياسية المألوفة عن "الاستبداد الشرقي" وقد تميز المجتمع الشرقي في كتابات ماركس الصحافية بتغيرات سياسية لا تنتهي في الأسر الحاكمة وبالجمود الاقتصادي الكلي. ولم يوفر التوزيع الوراثي أي تغير بنائي لأن ملكية الأرض ظلت في أيدي أسياد الأرض. وأكد ماركس مثله في ذلك مثل جيمس ميل على ركود حياة القرية بناء على اكتفائها الذاتي. فلم يوجد المجتمع المدني بين الفرد والحاكم المستبد ولا بين القرية والدولة وذلك لغياب المدن المستقلة والطبقات الاجتماعية عن النظام الاجتماعي.
وفي حين اعترف ويبر Weber بأنه مدين لتحليل ماركس لحياة القرية الهندية في كتابه "دين الهند"(26) فإن دراسات ويبر التفصيلية المتعددة للنماذج السياسية –المؤسساتية الوطنية-تركز أكثر على مشكلة التنظيم العسكري أكثر منها على الأسس الاقتصادية للحياة السياسية. وفي الحقيقة من الممكن رؤية الدراسات الاجتماعية التي أعدها وبر Weber بصفتها تحليل للروابط العلائقية بين ملكية الدولة وسائل الإنتاج ووسائل العنف. وقد وضع بالتالي سلسلة متصلة مجردة بين حالة الفرسان الذين يملكون سلاحهم ويقدمون خدمات عسكرية لأحد السادة تحت سيطرة سيد ما، وسياق آخر تكون فيه وسائل العنف مركزية تحت سيطرة سيد كنسي. وقد اعترف وبر نظرياً بندرة وجود هذه "الأنواع الخالصة" في مثل هذه الأشكال المبسطة، ولكن التناقض مهم في تحليل وبر للتوتر بين الإجراءات المركزية واللامركزية في الإمبراطوريات السياسية.
وفي الإقطاع حيث يمتلك الفرسان حقوقاً موروثة للأرض ويمولون أنفسهم بالسلاح نجد ضغوطاً سياسية قوية تجاه المحلية وظهور الممالك الصغيرة المستقلة ذاتياً. وهكذا يكون الصراع السياسي الحاسم في الإقطاع داخلياً ضمن الطبقة المسيطرة وليس بين السادة وللخدم وذلك أن المسألة الحاسمة هي المحافظة على السيطرة السياسية لملوك الإقطاع على ملاّك الأراضي الذين يطلبون حصانات إقطاعية واسعة من سيدهم. وتوجد طريقة في النظام الكنسي للسيطرة على الفرسان الأرستقراطيين وفقاً للإقطاع أو الحقوق الكنسية في الأرض وهي استخدام الجيوش المكونة من العبيد أو المرتزقة وليس لمثل هذه الجيوش أي ارتباط بالمجتمع المدني-فهم عادة غرباء وعزّاب أو خصيان وليس لهم انتماء قبلي. وهكذا ليس لجيوش العبيد أي مصالح محلية في المجتمع المدني، وهم رسمياً، على الأقل –معتمدون كلياً على السيد الكنسي. وكما أشار وبر أن النظام الكنسي لا يمكن أن يستمر ما لم يكن السيد الحاكم يتمتع بالاستقرار ولديه سيولة نقدية أو الإمكانية لاستخدام مصادر أخرى للإنفاق على جيوشه. وتعاني الإمبراطوريات الكنسية من أزمتين دائمتين:
1-    ثورات يقوم بها جيوش العبيد و
2-    عدم الاستقرار في الوراثة السياسية. وفي حين لا يستخدم وبر التمييز الإقطاعي/الكنسي كتصنيف ضروري للتفريق بين الشرق والغرب إلاّ أنه ينظر إلى عدم الاستقرار الكنسي أو السلطات كمشكلة أساسية في المجتمع الشرقي وبخاصة في تركيا.
       وجد الحوار حول الإمبراطوريات الشرقية في الفكر الاجتماعي الغربي التعبير الكلاسيكي عنه في القرن العشرين في كتاب كاري وتفوجلKarl Witfogel"الحكومة الاستبدادية الشرقية"(27) وقد وضع عنواناً فرعياًً لهذا الكتاب بصورة تقليدية: دراسة مقارنة للسلطة المطلقة" قدم فيه وتفوجل أساساً تقريراً فنياً حول الإمبراطوريات الشرقية. وكان جفاف الطقس هو الباعث على ظهور النظام المائي الذي يمكن تنظيمه على أساس القوة السياسية المركزية. ويمكن حل صعوبات الإدارة المائية على أساس البيروقراطية ونظام العبودية العام والحكم المركزي. وقد أجبرت الحكومة المائية على إلغاء كل المجموعات الاجتماعية التوازنية في مجتمع يمكن أن يهدد قوتها الكلية. وتضم هذه "القوى غير الحكومية" مجموعات الأقارب والمنظمات الدينية المستقلة والمجموعات العسكرية المستقلة ذاتياً، ومالكي الصور البديلة من الملكية. (28) وهكذا مثّلت الحكومات الاستبدادية الشرقية انتصار الدولة على المجتمع. ورأى وتفوجل أن غياب المجتمع المدني في الإمبراطوريات المائية بصفته قاعدة أساسية للسلطة المطلقة. وكانت الحكومة المطلقة في أوروبا تواجه قوى توازنية في المجتمع المدني:
    لا يقتضي غياب الرقابة الدستورية الرسمية بالضرورة غياب القوى المجتمعية
    ذات المصالح والمقاصد التي على الحكومة أن تخدمها. وقد أصبحت الأنظمـة
    المطلقة في معظم دول أوروبا في فترة ما بعد الإقطاع مقيدة إلى حد كبــير
    بالدستور الرسمي بقدر ما هي مقيدة بالقوة الفعلية لكل من نبـــلاء الأرض
  والكنيسة والمدن. وفي الحكومات الأوروبية المطلقة جميعها نظّمت هذه القوى
  غير الحكومية سياسياً وتم ربط بعضها ببعض. وهكذا اختلفوا اختلافاً عميـقاً
  عن ممثلي ملاكي الأراضي والمهن الدينية أو المدنية في المجتمع المائي.(29)
      ومع أن فكرة غياب المجتمع المدني في الحكم الاستبدادي الشرقي قد وضعت بالإِشارة إلى آسيا ككل ولعبت دوراً رئيسيا بصفة خاصة في تحليل المجتمعات الإسلامية؛ وهذا مظهر جوهري في المعرفة الاستشراقية. وبالإضافة إلى ذلك فإن مسألة فقدان المجتمع المدني سيطرته على التقسيم السياسي والفكري في الغرب مقدماً إطاراً عاماً للماركسيين ولعلماء الاجتماع. فقد لاحظ ماركس وإنجلز Engels في مقالتهما لصحيفة نيويورك تربيون اليوميةNew York Daily Tribune بأن غياب الملكية الخاصة في الأرض ومركز السلطة في الدولة قد حالت دون ظهور طبقة برجوازية قوية. وعنت سيطرة البيروقراطية وعدم الاستقرار في المجتمعات المدنية ما يأتي:
-      فقدان أول شرط أساسي للملكية البورجوازية أمر الفرد وملكية التاجر(30) وقد تبنى ماركس وبر ي كتابه "علم اجتماع الدين" موقفاً شبيهاً حيث اقترح فيه أن تأثير التوسع الإسلامي كان تحويل الإسلام إلى "دين قومي عربي محارب" وكانت النتيجة هي أن الروحة المسيطرة في الإسلام يتأصل فيها ازدراء السلطة المطلقة البورجوازية التجارية وتعدها طمعاً دنيئاً وعلى أنها معادية لها عداءً خاصاً. (31)
      وقد ناقش التفسير الاجتماعي الغربي المجتمعات الإسلامية على أنه بسبب غياب "روح الرأسمالية" في الطبقة الوسطى كانت السيطرة على التجارة في معظم المجتمعات الإسلامية تاريخياً من قبل الأقليات (اليونان والهنود والأرمن والسلاف) وقد واصلت الدراسات الاجتماعية الحديثة للإسلام هذا التقليد باقتراح أن غياب روح الالتزام ودوافع الإنجاز مرتبطة بالطبيعة المتخلفة للطبقة الوسطى في الإسلام. (32)
وقد ارتبط غياب المجتمع المدني وضعف الثقافة البرجوازية بالنسبة لجهاز الدولة في الإشكالية الاستشراقية ليس فقط في الاقتصادي ولكن بالحكم الاستبدادي السياسي أيضاً. ولعلماء السياسة وجهة نظر عامة مشتركة ترى بأنه ليس ثمة تقليد ثابت للمعارضة  القانونية للحكومة الفوضوية في الإسلام لأن فكرة الحقوق السياسية والاتصال الاجتماعي ليس له ما يؤيده في الطبقة الوسطى المستقلة.(33) ومع ذلك فإن أطروحة المستشرقين حول غياب المجتمع المدني قد امتدت إلى أبعد من منطقة الاقتصاديات والسياسيات. وقد عولجت الثقافة الإسلامية العلمية والفنية على أساس احتكار الديوان الإمبريالي الذي تبنى داخل حدود المدينة إلحاح الثقافة العقلانية في مقابل دين الجماهير. وقد كان اتحاد العلوم والصناعة إحدى الصفات المميزة للطبقة الوسطى الإنجليزية البروتستانتية في القرن التاسع عشر غائباً بوضوح في الثقافة الإسلامية. وهكذا اقترح ارنست رينان Ernest Renan في تعليق نصف شهري حول الإسلام والعلوم بأن " المسلم يزدري بعمق التدريب والتعليم بل أي شيء تتكون منه الروح الأوروبية."(34)
وبالنسبة لرينان فإن العلم لا يمكن أن يزدهر في الإسلام إلاّ إذا كان مرتبطاً بالهرطقة. ومع ذلك فإن آراء رينان المتعصبة جداً نادراً ما وجدت ما يفصلها بشكل واضح في الدراسات الاستشراقية المعاصرة إلاّ أن الموقف الخاص برعاية النخبة للفنون والعلوم في غياب الطبقة المتوسطة يعاد تكراره دائماً. وهذا المنظور عادة ما يُربط مع الكفرة التي مفادها أن العوم في الإسلام كانت طفيلية على الثقافة اليونانية وأن الإسلام كان ببساطة عربة نقلت عليها الفلسفة اليونانية إلى أوروبا في عصر النهضة. (35) فالعيوب في المجتمع الإسلامي وفي السياسة وفي الاقتصاد وفي الثقافة في نظر الاستشراق تكمن في غياب المجتمع المدني.





Orientalism, Islam and Islamists. Edt. Assaf Hussain and others (Brattlebrough: Amana Books, 1984)  تأليف  برايان إس. تيرنر Brayan S. Turner  ترجمة وتقديم  د. مازن بن صلاح مطبقاني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية