الإجابة عن أسئلة خباب الحمد



السؤال الأول: سيرة ذاتية أو تعريف موجز بنفسك
الإجابة:
كانت حياتي التعليمية عادية جداً ابتدائي فمتوسط فثانوي، كنت متفوقاً في معظم سنواتها، لكن لم أكن متميزا إلاّ في نظر والدي رحمه الله وبعض أساتذتي، وكان والدي رحمه الله يبث فيّ روح التفوق والتميز اللامحدود والطموح ومما حفظت منه قول الشاعر
يقولون لي ما أنت في كل بلدة وما تبغي أبتغي جلّ ما يُسمَى
        وفي بداية المرحلة المتوسطة كنت أتابع بعض أعداد مجلة العربي فقرأت ذات مرة مقالة للدكتور أحمد زكي رحمه الله موضوعها ما معنى أن تكون رجلاً يشار إليك بالبنان، وكأنه كان يتحدث عن الإبداع والتفوق حتى يصبح الشخص علماً في تخصصه. كما قرأت في مرحلة الابتدائية قصص الأنبياء وتلك القصص لا شك تبعث في النفس حب التميز والصلاح والدعوة. ومما قرأت في المرحلة المتوسطة كتابي الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله (رجال من التاريخ) و(قصص من التاريخ)
        ولما أنهيت المرحلة الثانوية كان طموح الشباب في سنّي أن يدرسوا الهندسة أو الطب، وحاولت الحصول على بعثة من وزارة الدفاع لدراسة الطب ولكني فشلت وما زلت لا أعرف سبب عدم قبولي. ولكن حصلت على بعثة لدراسة الإدارة الصناعية في الولايات المتحدة الأمريكية ولم أكن أعرف ما الإدارة الصناعية وكان متاحاً للمبتعث أن يغير تخصصه كما يشاء. فشرعت في دراسة المواد العلمية التي يمكن أن تقود إلى دراسة الطب أو الهندسة، ولكن بعد أن أمضيت خمس سنوات أحاول البحث عن تخصص وعن مجال أحصل فيه على شهادة فمل أستطع، فقررت العودة دون شهادة، ولكنّي درست اللغة الإنجليزية دراسة جيدة حتى إنني درست العديد من المواد في الأدب الإنجليزي بل أوشكت أن أحصل على البكالوريوس. وأتيحت لي الفرصة للحصول على شهادة من بعض الكليات التي ليس فيها علم وإنما مجرد الحضور يكفي، ولكني رفضت والأخطر من هذا كله أنني أصبت بقناعة رفض الشهادات وأن العلم أهم من الشهادة. وفوجئت بعد عودتي أن المجتمع يعترف بالشهادات أكثر من اهتمامه بالعلم فكان الحصول على وظيفة أمراً صعباً، ولولا أن سخّر الله عز وجل لي وساطة لما وجدت عملاً في الخطوط السعودية التي اعترفت بما درست في أمريكا وكانت معرفتي باللغة الإنجليزية عاملاً مساعداً في تطوري في تلك الوظيفة.
        وهنا قررت أن أواصل الدراسة وكان أمامي أن أتخصص في اللغة الإنجليزية أو التاريخ أو علم الاجتماع أو الإدارة والاقتصاد فاخترت التاريخ لأنني لم أكن أعرف ما علم الاجتماع وما أهمية دراسته، أما الإدارة والاقتصاد فتصورت أنني بحاجة لدراسة المحاسبة والرياضيات فهربت منها. وكان قدر الله خيراً كثيراً
        ومن الأمور المهمة في مسيرتي العلمية أنني بعد رجوعي من أمريكا وجدت فراغاً في أثناء البحث عن وظيفة فبدأت مشروع قراءة كتاب كل يوم فقرأت كتابات أبي الحسن الندوي رحمه الله ومحمد محمد حسين وأبي الأعلى المودودي وسيد قطب ومحمد قطب وسعيد حوى ويوسف القرضاوي. فبدأت حياتي الفكرية تتجه اتجاهاً عكس ما كنت عليه عند عودتي من أمريكا من الإعجاب بالغرب والانبهار به.
        وفي عام 1395هـ(1975) نشرت مقالة في صحيفة المدينة المنورة بعنوان (عندما تصبح القيم فريسة للمادة) بتشجيع من الأستاذ سباعي عثمان (محرر الصفحة الأدبية) رحمه الله تعالى، ثم تشجعت فراسلت مجلة المجتمع لنشر مقالات بعنوان (مشاهدات عائد من أمريكا) فنشرت ثلاث حلقات بعنوان خاص لكل حلقة. وهذه المقالات جمعتها في كتاب بعنوان (رحلاتي إلى أمريكا) وقامت بنشره مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض عام 1425هـ
        واصلت الدارسة بعد البكالوريوس للحصول على الماجستير في التاريخ الحديث، وأكرمني الله عز وجل بأن وفقني للبحث في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية فكانت فرصة لتزويدي ليس فقط بالمعلومات التاريخية بل أيضاً بثقافة شرعية طيبة حيث قرأت كثيراً من كتابات الشيخ عبد الحميد بن باديس في مجلة الشهاب والبصائر والسنّة والصراط، كما قرأت في كتبه (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير) وكتابه (مجالس التذكير من كلام البشير النذير).
        ثم التحقت بقسم الاستشراق بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية (فرع جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية) عام 1406هـ، وحصلت على أول درجة دكتوراه يمنحها القسم بعد معاناة طويلة مع تسجيل الموضوع وغير ذلك وكان ذلك في رمضان 1414هـ وكانت حول المستشرق الأمريكي الجنسية البريطاني الأصل اليهودي الملّة صهيوني النزعة.
س: يرى البعض أن الاستشراق المعاصر قد خفت ذروة الاهتمام به بعد الثمانينات الميلادية فهل ترى أن هذا القول سديد؟
ج: الثمانينات هي بداية القرن الخامس عشر الهجري وقد أنشأت جامعة الإمام في مطلع هذا القرن وَحدة لدراسة الاستشراق والتنصير في عمادة البحث العلمي، وعمل فيها عدد من الأساتذة الخبراء بالاستشراق والتنصير ومنهم الدكتور قاسم السامرائي ومحمد فتحي عثمان وجعفر شيخ إدريس وعبد العزيز عبد الغني إبراهيم والسيد محمد الشاهد. ثم تطور الأمر إلى إنشاء قسم للاستشراق بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة وكان العناية بالقسم كبيرة، وحرص القسم على ابتعاث بعض الطلاب للدراسة في الخارج، كما قدم دورات أو أتاح الفرصة لبعض المعيدين والمحاضرين لتعلم اللغة الإنجليزية. ومرت سنوات حصل عدد كبير على درجة الماجستير في الاستشراق وكذلك الدكتوراه.
        ولكن كانت ظاهرة الضعف أو الجهل باللغات الأوربية من أهم الأسباب التي جعلت القسم يتدهور أو يموت. ولكن لم تكن اللغة هي العائق الوحيد؛ فقد غاب عن إدارة المعهد أن التخصص في الاستشراق والفكر الغربي يتطلب شخصيات ذات قدرات عقلية ونفسية وإمكانات أكاديمية عالية، كما يتطلب مثل هذا التخصص حس المغامرة والسفر ومواجهة الصعاب والتحدي. ومرت سنوات بعد تخرج معظم المعيدين والمحاضرين وحصولهم على الدكتوراه ولم يقدموا شيئاً مهما، بل لم يحضر أحد منهم مؤتمراً في جامعة أوروبية أو أمريكية. ولم يتقنوا اللغة الإنجليزية ولا غيرها من اللغات.
        وقد ظهر القسم بعد كتاب إدوارد سعيد (الاستشراق) بعدة سنوات الذي أحد ضجة كبرى في الشرق والغرب وذلك لأنه فضح ارتباط الاستشراق بالعقلية الإمبريالية الغربية والنزعة إلى الهيمنة والسيطرة. وقدم في الحقيقة خدمات رائعة لفضح هذا المجال المعرفي حتى صار يقال "الاستشراق قبل إدوارد سعيد وبعده"
        ومات القسم بعد عشرين سنة تقريباً دون أن يحدث الأثر المطلوب، ولكن الاستشراق الذي انتهى هو الذي كان يقوم بدراسة اللغات وفقهها، وينطلق الباحث الغربي من دراسة اللغة العربية والدين الإسلامي ليتخصص في مجالات المعرفة المختلفة من لغة وشريعة وجغرافيا وتاريخ وعلم اجتماع قد تحول الآن إلى العديد من التخصصات الدقيقة وتغير اسم الاستشراق عندهم إلى دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإقليمية ودراسات المناطق.
        ولكن الذي يتعمق في دراسة هذه المعاهد والمؤسسات والأقسام يجد أن الاختلاف بين الاستشراق القديم والاستشراق الجديد ليس جذرياً بل إن خطورة الاستشراق المعاصر أكبر في أنه يكون جيشاَ من الباحثين العرب والمسلمين هم أشد خطورة في محاربته للإسلام والمسلمين من المستشرقين القدامى، وقد نجحوا في ذلك نجاحاً كبيراً.
س: كتبت عن علم الاستغراب، فما سبب اهتمامكم بهذا الفن في هذا الزمن؟
الإجابة: يعود اهتمامي بالاستغراب إلى سنوات الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أتيحت لي الفرصة لأتفاعل مع الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من كثرة الطلاب العرب والمسلمين في الجامعات التي التحقت بها، لكني كنت أميل أكثر إلى الاحتكاك بالأمريكيين، فقد عشت منا يزيد على الشهرين مع عائلة منصّر عمل في إيران إحدى عشرة سنة، وكما عشت مع شاب أمريكي كان يدرس القانون في جامعة أريزونا الحكومية مدة من الزمن، وعشت مع أسرة في مدينة بند بولاية أوريجن مدة سنة دراسية كاملة.
        هذه المعرفة قادتني إلى الاعتقاد بضرورة معرفة المجتمعات الغربية معرفة عميقة من الداخل، وقد عادت فكرة ضرورة هذه المعرفة أنني عملت في الخطوط السعودية أكثر من اثنتي عشرة سنة تعرفت خلالها على الكثير من الأمريكيين الذين كانوا يعملون معنا في الخطوط، كما كان هناك احتكاك بالغربيين في أثناء المفاوضات التجارية مع الشركات الأوروبية والأمريكية ومع الهيئات الحكومية في تلك الدول. وجاء التخصص في الاستشراق فرأيت ضخامة الجهد الذي يبذل في الغرب لدراستنا فأدركت أهمية أن يكون هناك جهد مواز لدراسة الغرب.
        وتساءلت لماذا يدرسوننا هكذا؟ وهل يمكن أن ندرسهم، وتطورت الفكرة لدي بعد الاطلاع على مشروع الدكتور السيد محمد الشاهد الذي قدمه إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وكان موضوعه (إنشاء كلية الدراسات الأوروبية والأمريكية) عام 1410هـ، ووضع المشروع على الرفوف أو في الأدراج أو في سلات المهملات. ثم ظهر مشروع الدكتور حسن حنفي في كتابه (مقدمة في علم الاستغراب) والذي دعا من خلاله إلى دراسة الغرب وأن مثل هذه الدراسة تحقق أهدافاً كبيرة منها القضاء على مركب الاستعلاء الذي يشعر به الغرب تجاهنا، والقضاء على مركب النقص الذي ترسخ في وجداننا تجاه الغرب، وأجاد الدكتور حسن حنفي في الحديث عن مكونات الثقافة الغربية مؤكداً أنها ليست فقط نصرانية يهودية كما يزعمون، ولكن هناك أكثر من مكّون ينكره الغرب، وأشار إلى أن هناك مكونات ظاهرة ومكونات مخفية وأما المخفية فهي المكون الإسلامي والبيئة، وهذين المكونين لا يذكرهما الغرب. وأنهم بدون المكوّن الإسلامي لم يكن ليستطيعوا الانطلاق.
        وشرعت في الاهتمام بدراسة الغرب فاتضح لي أن الأمم الحية هي التي تعرف غيرها معرفة عميقة، انظر إلى رسول الجيش الإسلامي حين دخل على رستم وأراد أن يجلس معه على عرشة فحاولوا إبعاده، فقال لهم أنتم دعوتموني ولم آت من نفسي، وثانياً كانت تبلغنا عنكم الأحلام أنكم تتساوون فيما بينكم فإذ بعضكم يستعبد بعضاً، إن قوماً هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال. وانظر إلى أسامة بن منقذ الشاعر الفارس الأديب في كتابه الاعتبار كيف وصف الصليبيين بدقة. وانظر إلى ابن فضلان وإلى ابن حوقل وغيرهما كيف وصفا الشعوب المختلفة وصفاً دقيقاً رائعاً حتى أصبحت كتب الرحالة المسلمين مراجع للغربيين أنفسهم في تاريخهم وتراثهم.
أما انطلاقة مشروع دراسة الغرب فقد بدأت بمحاضرة في نادي أبها الأدبي عام 1416هـ بعنوان (المعرفة بالآخر دراسة للظواهر الاجتماعية في الغرب) وقد نشرها النادي في كتاب عام 1419هـ ثم أعدت نشرها في طبعة ثانية مزيّدة عام 1425هـ
        ونحن بحاجة إلى دراسة الغرب لتحقيق الأهداف الآتية:
1- معرفة أسرار نهضة الغرب ووسائله وآليات العمل والإبداع في الغرب.
2- موقف الغرب من الإسلام والعالم الإسلامي وبخاصة أن الغرب لا يرى منافساً لحضارته سوى الإسلام.
3- تحقيق الشهادة التي وردت في الآية الكريمة (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) وتحقيق الشهادة لا يكون إلاّ بمعرفة الأمم الأخرى معرفة وثيقة ودقيقة.
4- إشباع الحاجة إلى العلم والمعرفة التي هدفها النهائي إرضاء الله.
5- توفير العمل للعديد من الشباب في مجالات الإعلام والثقافة والتجارة والاقتصاد وفي السلك الدبلوماسي.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية