منهجية التعاون العلمي بين المؤسسات العلمية جامعات الغربية والعربية الواقع والمثال

مقدمة

       
           ما زالت الجامعات منارات للعلم والحضارة في كل مكان تسعى إلى نشر العلم والمعرفة، وكأنها إحدى الوسائل لتحقيق التعارف بين الشعوب والأمم كما جاء في الآية الكريمة (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، ويتم ذلك بصورة واضحة في أقسام الدراسات الإقليمية ودراسات المناطق. فهناك آلاف الأقسام العلمية في الجامعات الغربية من أوروبية وأمريكية تهتم بدراسة العالم العربي والإسلامي. كما أن الغرب الذي كان محتلاً لمعظم أجزاء العالم الإسلامي سعى إلى أن ينقل إليه كثيراً من آثار البلاد التي كان يحتلها، فامتلأت متاحف العالم الغربي بالآثار والمقتنيات، كما امتلأت إدارات الوثائق بالوثائق العربية والإسلامية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك متحف لندن، والأرشيف الفرنسي لما وراء البحار في مدينة إكس إن بروفانس Aix En Provence، بالإضافة إلى دور الوثائق الأخرى هنا وهناك، ولعل أكبر مجموعة للبرديات العربية هي الموجودة في فينا. وأما المخطوطات فلها قصة أخرى حين بدأ الغربيون يجوبون البلاد العربية والإسلامية يحصلون على كل ما وقعت عليه أيديهم من مخطوطاتنا بكل وسيلة ممكنة، فأقاموا لها المكتبات، وخصصوا لها الفهارس الكبرى.
        صحيح أن العالم العربي لم يقم بواجبه في السعي إلى التعارف كما ينبغي، ولكن كان البديل (الناقص) أن الدول الأوروبية حين احتلت بلادنا أنشأت المعاهد الخاصة التي درس فيها نفر من المسلمين عرفوا من تاريخ أوروبا وثقافتها وحضارتها أكثر مما عرفوا من تاريخ بلادهم وحضارتهم. بل وصل الأمر ببعض أبناء البلاد التي استعمرها الفرنسيون أن كانوا ينشدون (بلاد الغال بلادي والغال هم أجدادي)، ثم كانت مسألة الابتعاث حين أرسل العالم العربي والإسلامي الآلاف من أبنائه للدراسة في الغرب فعاشوا فيه سنوات عرفوه معرفة جيدة. كما أن بعض المؤسسات العلمية الغربية سعت إلى إنشاء المعاهد والجامعات في بلادنا. ومن أبرزها الجامعة الأمريكية التي بدأت بفرعين في لبنان والقاهرة وثالث في أنقره أصبح لها الآن فروع عديدة في دول الخليج العربي مثل دبي والكويت والشارقة وأبوظبي. وفتحت جامعات أجنبية بأسماء محلية؛ لأنها أخذت بالمناهج الغربية، وجعلت لغة التعليم هي الإنجليزية أو الفرنسية.
        كما أن المسلمين سعوا إلى إنشاء معاهد ومراكز بحوث في عدد من الجامعات الغربية تسعى إلى نشر المعرفة بالإسلام وبالعالم الإسلامي، ولكنها تحترم لغة البلاد، فلا يكون التعليم إلاّ بلغة تلك البلاد، ولا يكون النشاط إلاّ بها على العكس من جامعاتهم ومعاهدهم في بلادنا.
        وهذا التواصل والمعرفة هدفهما تحقيق بناء الجسور بين العالم العربي  والغرب، فكم من هذه الأهداف تحقق في أرض الواقع؟ وما المأمول أن يتحقق لو سعينا سعياً حقيقياً ليكون التعاون والتواصل مبنياً على أصول علمية حقيقية.
        وهذه الورقة التي تسعى إلى تناول منهجية التعاون العلمي بين الغرب والبلاد العربية سوف تركز على أمثلة من الواقع عاشها مقدم هذه الورقة من خلال أكثر من رحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وكذلك من خلال متابعاته للنشاطات العلمية في مجال الدراسات العربية الإسلامية والنشاطات الثقافية عموماً في الغرب، والتي تتعلق بالعالم العربي. وستنقسم الورقة -كما يشير العنوان- إلى قسمين رئيسين: هما الحديث عن الواقع ثم الحديث عن المثال. ولا تزعم هذه الورقة الإحاطة بالواقع تماماً، لأن بضعة رحلات إلى أوروبا وأمريكا لا تكفي لوضع صورة كاملة لكنها تبرز جوانب من الواقع الذي عرفه مقدم الورقة، وإلا فإن في الواقع صوراً جميلة لكنها قليلة أو استثنائية .


المبحث الأول
واقع التعاون بين الجامعات الغربية والعالم العربي

        التعاون العلمي الحقيقي يكون بين متماثلين أو متكافئين، ولما كانت الجامعات الغربية من أوروبية وأمريكية قد مضى عليها في مجال العمل الأكاديمي والبحث مئات السنين والجامعات العربية ما تزال تحبو، بالمقابل فإن مثل هذا التعاون لا بد أن يميل لصالح جانب على آخر. ولكن الجامعات العربية تستطيع بحق أن تفخر بأنها قطعت شوطاً كبيراً في مضمار العمل الأكاديمي والبحث العلمي لولا العوائق الكثيرة التي لا تقتصر على الجامعات، بل تعاني منها المجتمعات العربية بعامة. ومن أولها غياب الحرية الحقيقية. فإن كانت الجامعات الغربية تنعم بحرية أكاديمية وحرية فكرية هي جزء من المنظومة الفكرية والسياسية التي تعيشها هذه المجتمعات لكن ما تحقق للجامعات العربية من إنجازات علمية وأكاديمية يجعلنا نتطلع إلى نوع من التعاون المتكافئ.
        وسوف أقدم فيما يأتي بعض النماذج الإيجابية عن التعاون الأكاديمي بين الجامعات العربية والجامعات الغربية:
        المنح القصيرة وبرامج الزائر الشرفي
تسعى الجامعات الغربية لاستقطاب الباحثين العرب والمسلمين للبحث والدراسة فيها وبخاصة ممن كان له سجل متميز في البحث والتدريس، فالمجلس الثقافي البريطاني يقدم عدداً من المنح السنوية الصيفية لما بعد الدكتوراه توزع على الجامعات العربية ومراكز البحوث. وكذلك معهد الدراسات الشرقية الحديث بجامعة برلين لديه برامج منح لما بعد الدكتوراه التي يتيح الفرصة فيها لعدد من الباحثين والعلماء العرب والمسلمين للعمل في المعهد فترة من الزمن تصل إلى سنة كاملة. وهناك منح مؤسسة الداد الألمانية.
كما أن جامعة ليدن لديها برنامج لاستضافة الباحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراه، حيث يقدمون للأستاذ الجامعي من البلاد العربية والإسلامية فرصة البحث في الجامعة والتدريس. وكان الباحثون في الغالب من إندونيسيا أو من جنوب شرق آسيا، فهل الأمر يعود إلى تركيز الجامعة على هذه المناطق، كما أنهم يركزون على قضايا معينة في دعوة الباحثين، كأن تكون تخصصاتهم في القضايا الساخنة في المنطقة كالحركات الإسلامية أو التطرف أو "الإرهاب".
وقد أتيح لكاتب هذه السطور الحصول على منحة باحث شرفي بجامعة إكستر في معهد الدراسات العربية والإسلامية للقيام ببحث بعنوان (الجهود البريطانية الرسمية لدعم دراسات الشرق الأوسط منذ عام 1975م) وذلك للفترة من أول يونيه حتى نهاية سبتمبر 2006م وكذلك للعام الدراسي عام 2007م.

برنامج الزائر الدولي بوكالة إعلام الولايات المتحدة الأمريكية.
ويعد هذا البرنامج من الجوانب الإيجابية في التعاون العلمي. فوكالة إعلام الولايات المتحدة (ألغيت الوكالة وضمت مهماتها إلى الملحقية الثقافية في السفارات الأمريكية) تدير برنامجاً يسمى برنامج الزائر الدولي، تقدم فيه الدعوة لشخصيات من مختلف التخصصات العلمية والاقتصادية والصناعية وغيرها لزيارة الولايات المتحدة وتقوم بكافة الترتيبات الخاصة بزيارتهم كما تتحمل تكاليف انتقالهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومنها، كما تتحمل نفقاتهم داخل أمريكا. وقد دعيت ضمن هذا البرنامج في الفترة من 5سبتمبر إلى 22 منه عام 1995م. وقد تضمن برنامجي الذي استغرق جهداً كبيراً من عشرات من الموظفين والمتطوعين. وقد زرت العديد من الجامعات ومراكز البحوث والمعاهد.
الباحثون الزائرون في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض:
        دأب هذا المركز منذ عدة سنوات على استضافة باحثين من الجامعات ومراكز البحوث الغربية للقيام ببحوث حول المملكة العربية السعودية في مجالات مختلفة في السياسة والاقتصاد والاجتماع وغير ذلك. وقد عقد المركز اتفاقية مع جامعة أكسفورد تقدم مؤسسة الملك فيصل الخيرية بموجبه منحاً لباحثين زائرين من الجامعات البريطانية.
         وقد تنوعت البلاد التي قدم منها الباحثون ففي الفترة من عام 1420إلى 1426هـ(200-2006م) استضاف المركز واحداً وخمسين باحثاً زائراً من عدد من الدول الأوروبية وأمريكا وكذلك من البلاد العربية والإسلامية فعلى سبيل المثال بلغ عدد الباحثين من أمريكا ثمانية باحثين، وأربعة من بريطانيا وباحثين من ألمانيا وخمسة باحثين من فرنسا بالإضافة إلى عدد من الباحثين العرب والمسلمين الذين يدرسون في جامعات فرنسية وباحث من النرويج وباحثة من المكسيك وباحث من البوسنة وباحثة من بولندا.
        والمركز يقدم للباحثين الخدمات البحثية من مكتبة كبيرة ومراجع في شتى المعارف، كما يساعد الباحث في ترتيب زيارات لهيئات ومؤسسات سعودية ويرتب لهم لقاءات مع علماء وباحثين ومسؤولين في السعودية. وبعض هؤلاء الطلاب يقضون مدة قد تصل إلى ستة أشهر وبعضهم يأتي لمدة قصيرة.
       ويمكن أن أقدم بعض عناوين البحوث التي قام بها عدد من الباحثين الأوروبيين والأمريكيين في أثناء وجودهم في المركز وهي كالآتي:
1-             ألخاندرا جينادو زارت المركز مرتين الأولى في أثناء إعداد رسالتها للدكتوراه في جامعة درم البريطانية وفي المرة الثانية لعمل بحث عن أوضاع المرأة في السعودية.
2-             ديفيد كومنز الأستاذ المشارك بقسم التاريخ بجامعة ديكنسون الأمريكية وكان بحثه بعنوان (العلم والعلماء في الجزيرة العربية خلال القرن التاسع عشر)
3-             الدكتورة باربرا ميخالاك رئيسة قسم اللغة العربية بجامعة باجيلوسكي في بولندا، وبحثها كان عن أدب المرأة في المملكة العربية السعودية.
4-             الدكتور إيغور تيموفيف نائب رئيس الصندوق الروسي لدعم تطوير الاستعراب والتعاون مع الأقطار العربية، وكان بحثه حول الملك فيصل ابن عبد العزيز –سيرة أدبية.
5-             مارك وستون صحفي أمريكي وكان بحثه حول المملكة العربية السعودية
6-             الدكتوره لورانس لوير وهي باحثة بمعهد الدراسات السياسية في باريس وكان بحثها بعنوان "التطورات الاجتماعية والسياسية في دول الخليج العربية.
7-             الدكتور فولكر بيرتس مدير معهد الشؤون الأمنية في برلين وكان بحثه حول الانتخابات البلدية في المملكة.


معايير اختيار الباحثين والأساتذة الزائرين:
في لقاء مع البرفسور إبراهام يودوفتش رئيس قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون الأمريكية في صيف عام 1988م ذكر لي أن القسم حريص على عرض صورة صحيحة ومتوازنة عن الإسلام والمسلمين. والدليل على ذلك أنه يعمل بالقسم أستاذ مسلم تقي هو الدكتور مدرّسي. ولم أرد عليه في ذلك الحين. ولكن تساءلت ما معايير الأستاذ التقي؟ وهل هذه المعايير تنطبق على الدكتور صادق العظم-كان أستاذاً زائراً حينها- الذي يصر على إعلان إلحاده وماركسيته والذي أصدر كتابه "نقد الفكر الديني" بعد هزيمة العرب في عام 1967 لينسب الهزيمة إلى تمسك العرب بالدين الإسلامي، أو الدكتور عبد القادر الزغل (أستاذ علم اجتماع من تونس) صاحب الاتجاه اليساري وغيرهما.
      أما الدكتور صادق جلال العظم فقد كانت محاضراته لطلبة الدراسات العليا حول الفكر السياسي العربي المعاصر تتركز على فكر الزعيم اليساري البعثي ياسين الحافظ من خلال مذكراته أو سيرة حياته. فتساءلت: أي فكر سياسي لهؤلاء العرب غير ما يستقونه من الفكر الشيوعي الغربي أو الشرقي حيث انقسم شيوعيونا بين ماركس ولينين وتروتسكي وماو وغيرهم.  وتساءلت ماذا كان الدكتور العظم سيقول عن زعماء الحركات الإسلامية من مثل الأمير عبد القادر الجزائري، وعبد الحميد بن باديس، وحسن البنا، وعبد الكريم الخطابي، وعبد العزيز الثعالبي، وعز الدين القسام وغيرهم. فأي معايير علمية حقيقية تسعى الجامعة إلى تحقيقها من استضافة مثل هؤلاء الأساتذة؟
        والجامعات الأمريكية تستضيف أمثال الدكتور فؤاد العجمي وهو لا يختلف كثيراً عن صادق جلال العظم أو مدرّسي، فله شعبية واسعة لدى وسائل الإعلام الأمريكية التي تسرع لاستضافته للحديث في أي شأن يخص العالم العربي، وعرف عنه مواقفه المخالفة لمصالح الأمة العربية الإسلامية وتطلعاتها ومبادئها، بل المتعاطفة مع اليهود حتى إن هذه المواقف هي السبب في بقائه في الجامعات الأمريكية ونجاحه وظهرت حقيقته أكثر في تأييد الغزو الأمريكي للعراق واحتلالها.
         وقد قمت بمتابعة نشاطات جامعة هارفرد Harvard من خلال النشرة نصف الشهرية لمركز دراسات الشرق الأوسط للعام الدراسي 1995 م فوجدت أن الفرص غير متوازنة في عرض القضايا العالم الإسلامي. وأتوقف عند الدكتورة منى مكرم عبيد فهذه الأستاذة ترى أن الحكومة المصرية ينبغي أن تخفض من عدد الحصص المخصصة للدين الإسلامي، وأن تخفض الساعات المخصصة للشؤون الإسلامية في وسائل الإعلام، وأنها ترى أن الحكومة تخضع لرغبات الحركات "الأصولية" " المتطرفة".
    كما أن معهد الولايات المتحدة للسلام قام بتكليف الدكتور سعد الدين إبراهيم بإعداد بحث عن الحركات الإسلامية" الأصولية" في مصر. والدكتور سعد الدين صاحب موقف معاد لهذه الحركات وللإسلام عامة، فكيف يمكن الحصول على بحث يتسم بالموضوعية من شخص عُرِف عنه العداء للإسلام وللحركات الإسلامية. وقد ذكرت هذا الأمر لاثنين من المسؤولين في المعهد واستشهدت بما كتبته صحيفة "الشرق الأوسط" في صفحتها الأولى عن ارتباطات الدكتور المشبوهة حينما أعلن عن إنشاء معهد ابن خلدون الإنمائي في القاهرة، وأعلن الأخير عن عزمه إقامة ندوة حول الأقليات العرقية  والدينية في العالم العربي بتمويل مجهول المصدر. فما كان من الدكتور سعد الدين إلاّ أن نقل هذا المؤتمر ليعقد في قبرص.
    ومن النماذج التي ظهر فيها ضعف التعاون بين الجامعات الغربية والعالم العربي أن جامعة شيكاغو قامت بمشروع إصدار موسوعة عن الحركات "الأصولية في العالم" فكلفت عدداً من الباحثين الغربيين والمسلمين لهذه لموسوعة التي ظهرت قبل فترة قصيرة، وقد أشارت مجلة "شؤون الشرق الأوسط" لعيوب هذه الموسوعة كما إن البروفيسور جون اسبوزيتو مدير مكتب التفاهم الإسلامي النصراني في جامعة جورج تاون أشار إلى أن هذه الموسوعة لا تتسم بالموضوعية.
        نماذج أخرى من الباحثين العرب والمسلمين:  
تبدي الجامعات الغربية ومراكز البحوث والمؤسسات العلمية المختلفة في الغرب اهتماماً بنماذج معنية من الباحثين والأدباء والمفكرين في العالم العربي. ويتسم هذا الاهتمام بالتحيز لاتجاهات فكرية معينة. ومن الأمثلة على ذلك -وهي كثيرة- معهد الفنون المعاصرة البريطاني. والمعهد مؤسسة توزيع غير تجارية مسجلة في بريطانيا وهو أيضاً مؤسسة تعليمية خيرية بريطانية تحصل على دعم مالي من مجلس الفنون البريطاني ومجلس مدينة ويستمنستر ومعهد الفيلم البريطاني ومؤسسة راين. ومن أهداف هذا المعهد توفير مكان لعرض وجهات النظر المتعددة. وهذه الآراء هي آراء الفنانين والكتاب وكتاب الدراما والمشتغلين بصناعة الأفلام. ولا تمثل هذه الآراء بالضرورة آراء المعهد. وفيما يأتي أبرز الأسماء التي استضافها المعهد عام 1992: محمد شكري صاحب كتاب (الخبز الحاف)، وعبد الرحمن المنيف (صاحب رواية مدن الملح)، وطارق علي ونوال السعداوي. وقد أشارت النشرة التي أوردت أخبار استضافة هؤلاء إلى أن كتبهم ممنوعة في معظم البلاد العربية. (أخيراً سمحت السعودية بكتب كثيرة وذلك في معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 1427هـ(2006م) الذي تشرف عليه وزارة الثقافة والإعلام، وكان من بينها رواية مدن الملح وروايات المنيف الأخرى)
وتأكيداً لهذا الاهتمام بأصحاب الفكر المخالف للفكر الإسلامي الصحيح في العالم العربي الإسلامي ما لقيه سلمان رشدي وتسليمة نسرين ونوال العشماوي ونصر حامد أبو زيد من تأييد واهتمام مبالغ فيه حتى إن رؤساء الدول يتدخلون لمنح بعض هؤلاء تأشيرات الدخول أو استقبالهم في مكاتبهم. وكان آخر تلك الرعاية أن منحت الملكة البريطانية لقب الفروسية (سير) لسلمان رشدي بناء على ترشيح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قبل رحيله من رئاسة الوزراء.
ومن صور الاهتمام بالنماذج التي لا تمثل الإسلام تمثيلاً صحيحاً نشر بعض الكتب لتلاميذهم من الباحثين العرب والمسلمين ومن أمثال هؤلاء نشر كتب الدكتور محمد عبد الحي شعبان حول التاريخ الإسلامي، حيث قامت إحدى أعرق الجامعات البريطانية بنشر عدة كتب له. والحقيقة أن هذه الكتب تتضمن من الإساءات للمسلمين وتاريخهم ما عفت عنه أقلام بعض المستشرقين في القديم والباحثين المعاصرين الغربيين في التاريخ الإسلامي.
   ولا يتوقف الاهتمام عند نشر هذه الكتب التي تسيء إلى الإسلام والمسلمين بل إن بعض الجهات في الغرب تحرص على ترجمة بعض الكتب التي تسيء إلى الإسلام والمسلمين، ويَدّعي هؤلاء بأنهم أحرار الفكر وأنهم مضطهدون والأمثلة على ذلك كثيرة مثل ترجمة كتاب عزيز العظمة (الإسلام والتحديث)، وكتب فاطمة المرنيسي في نظرة الإسلام إلى المرأة مع أن فهم هذه المرأة مخالف للفهم الإسلامي الصحيح، وكذلك كتب نوال السعداوي، ويغفلون مثلاً عن كتاب قيم مثل كتاب (المرأة بين الفقه والقانون) لمصطفى السباعي وغيره كثير.
   
    المؤتمرات والندوات في الجامعات والمؤسسات العلمية الغربية
        كنت قد شاركت في مؤتمر عقد في ماليزيا صيف العام الماضي (2006م) وتحدثت عن المؤتمرات الغربية عن الإسلام والمسلمين وهل هي جسور للتعاون والتفاهم أو هي عوائق لذلك، ومما كتبته حينها "والأصل في هذه المؤتمرات والندوات أن تسعى إلى بناء الجسور والتقارب الثقافي والتفاهم بين المتحاورين أو المشاركين فيها، أو تسعى إلى حل مشكلات قائمة، أو غير ذلك مما تهدف إليه المؤتمرات عادة. ومن الطبيعي أن بعض هذه المؤتمرات يحقق هذه الأهداف ويكون وسيلة ناجحة وفعّالة في التقريب بين الشعوب والأمم والأفكار والاتجاهات المختلفة وبخاصة بين العالم الإسلامي والغرب. ولكن ثمة مؤتمرات لا ترقى إلى مستوى التطلعات والآمال في إقامة الجسور، بل إنها تسعى إلى زيادة الحواجز والفجوات بين الإسلام والغرب".
        وعندما حضر الكاتب المصري جمال سلطان المؤتمر العالمي الأول لدراسات الشرق الأوسط الذي عقد في جامعة مينز بألمانيا عام 2002م دهش لنوعية الحضور من الباحثين العرب والمسلمين فذكر أنهم في الغالب من تلاميذ المستشرقين، ومن الذين تشبعوا بالفكر الغربي حتى إنهم لن يقدموا جديداً لما يقدمه أساتذتهم أو من على شاكلتهم. وتعجب من غياب الباحثين العرب المسلمين ذوي الاتجاه الإسلامي أو الاتجاه المعتز بدينه وهويته العربية الإسلامية. وكان مما قاله عن الحضور من الباحثين العرب والمسلمين أنهم من:" أهل الاغتراب الفكري والسلوكي.. فبعضهم أكثر تطرفاً في معاداة الأمة وهويتها من المستشرقين الخلّص، وبعضهم كان يزايد في نقد الإسلام وتاريخه بقصد زيادة التودد إلى الدوائر الاستشراقية التي يُطرب بعضها مثل هذا الحديث، وتحتضن عادة كل متمرد على الأمة مهما كان ضحلاً أو حتى تافهاً في قيمته الثقافية والفكرية.. وكم نادينا من قبل أن لا نترك المجال في مثل هذه المؤتمرات إلى هذه الفئة أو الفئة المتدينة الضعيفة في قدرتها على الحوار مع الغرب. وطالبنا أن يزداد تمثيلنا في هذه المؤتمرات"([1])
        ويعد الأساتذة في الجامعات الأوروبية والأمريكية طلابهم العرب والمسلمين للمشاركة في الندوات والمؤتمرات الدولية والمحلية والإقليمية، وكان من الملاحظ أن هذه المشاركات هي في الغالب للصنف المتغرب والبعيد عن التمسك بالهوية الإسلامية والعربية، بل إن المؤتمرات عادة تعقد في أوقات صلاة الجمعة ولا يتم التوقف احتراماً لمن يريد أن يؤدي صلاة الجمعة، وفي بعض هذه المؤتمرات لا تجد مكاناً لأداء الصلوات العادية. وأما التوجه التغريبي ومعاداة الإسلام ففي تصريح للباحثة عفاف بطاينة (أردنية) التي حضرت مؤتمراً في جامعة إكستر وهو مؤتمر الخليج السنوي لعام 2007م كالت التهم والشتائم للحركة الإسلامية في الكويت، فلما قال لها أحد الحضور (وكان يغرد خارج السرب) ألم تكوني قاسية على الحركة الإسلامية في الكويت، فتغامزت مع أحد الأساتذة بأنها كانت لينة، وردت على منتقدها يبدو أنك لا تصلح أن تحضر مثل هذه المؤتمرات.
ومن الندوات والمؤتمرات التي لا تبني جسوراً بين العالم العربي والغرب بل هي في الواقع حواجز وعقبات: ما كان يقوم به المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية بالتعاون مع هيئة الإذاعة البريطانية من عقد ندوات بعنوان "الحوار بين العالم العربي وأوروبا" في كل من القاهرة والبحرين. وعند استعراض الأسماء المشاركة في هذه الندوات كانت من أصحاب الاتجاه العلماني أو المتغرب.([2]). والعجيب أن هذه الندوات تقام في بلادنا ونستضيف العلماء البريطانيين والأوروبيين ليسمعوا صدى أفكارهم وآرائهم فكأنهم لا يطيقون أن يسمعوا صوتاً مخالفاً.
ومن المؤتمرات العلمية الغربية التي لا تبني الجسور المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين الذي عقد في مدينة ليدن عام 1996 فمن الملاحظات عليه هو غلبة الطابع العلماني في طرح بعض القضايا  الإسلامية مثل قضايا الحركات الإسلامية، وموضوع المرأة، حيث تزعمت الحديث عن المرأة المسلمة الباحثة الباكستانية رفعت حسن التي تفخر بمؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة على مقربة من الأزهر ليسمع صوت المرأة في قضاياها. وكذلك غاب عن المؤتمر ممثلون للحركات الإسلامية المعتدلة في العالم الإسلامي وبخاصة من مصر الذي انفرد ممثلو مؤسسة الأهرام أو التيار العلماني(الليبرالي) بالحديث عن هذا الموضوع.
وتأكيداً لهذا التوجه فقد تم اختيار هذه الباحثة الباكستانية التي تعمل في جامعة لويفيل الأمريكية بولاية كنتكي Kentucky. لتلقي المحاضرة الافتتاحية وكانت بعنوان "ماذا يعـني أن أكون مسلماً عشية القرن الواحد والعشرين؟" بدأتها بالحديث عن تعجبها من اختيارها لإلقاء المحاضرة الرئيسة كونها امرأة، وأشادت بجامعة لايدن وأن هذا لا يحصل إلاّ في هذه الجامعة، وهي لذلك تشعر بالفخر والاعتزاز.
ومن نماذج الندوات والمؤتمرات حول قضايا العالم الإسلامي التي يغيب فيها الصوت الإسلامي حلقات البحث التي عقدتها جامعة نيويورك عام 1996م وكانت إحداها في السابع والعشرين من شهر فبراير لعام 1996 حيث عقدت حلقة بعنوان (الرقابة الإعلامية والمصالح القومية) وكان من موضوعات هذه الحلقة تأثير البث المباشر والاتصالات الحديثة (الكمبيوتر) في الشخصية الوطنية أو الأيديولوجية ومدى قدرة الرقابة الإعلامية على التأثير في هذا المجال، ومتى لا تعد الرقابة الإعلامية فعّالة.
وكانت هذه الحلقة مخصصة للجزيرة العربية. وعند استعراض الأسماء المشاركة تجد أنها لباحثين أمريكيين أو عرب مقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من أن الموضوع يتناول قضية حساسة تحتاج إلى مشاركين من البلاد العربية وبخاصة أن صاحب التجربة الميدانية في الموضوع يختلف عن الشخص البعيد عن تلك القضايا. ومع ذلك فقد وجه مركز دراسات الشرق الأدنى بالجامعة دعوة لباحث من السعودية للمشاركة في هذه الندوة (وبناء على طلبه أن يشارك في نشاطات المركز).
وكان من المشاركين في الندوة أيضاً الأستاذة شيلا كارابيكوSheila Carapico المتخصصة في العلوم السياسية ومديرة المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية بجامعة ريتشموند بولاية فيرجينيا. وقد ركزت على الصحافة الناطقة باللغة الإنجليزية والمواجهات بينها وبين الحكومة اليمنية. وأشادت باليمن مقارنة بغيرها من دول الجزيرة العربية.
وكان المتحدث الثالث الأستاذ محمد دلبح وهو مراسل صحفي لعدد من الصحف والمطبوعات الخليجية في واشنطن العاصمة منذ عام 1978. وقدّم ورقته المتضمنة خلاصة تجربته مع الرقابة الإعلامية في دول الخليج مدة تزيد على عشرين سنة، وقد ركز على الجوانب السلبية فقط وكأنّه لم يجد أي جوانب إيجابية للرقابة الإعلامية في دول الجزيرة العربية.
ولما كانت الندوة تتضمن جانباً أغفله المتحدثان اللذان سبقاني فقد تركت ورقتي التي أعددتها سابقاً لأعلق على رأي المتحدثَين وأحاول تغطية الجانب المهم من الرقابة الإعلامية. وهذا الجانب هو ما تصدّره إلينا آلة الإعلام والسينما الغربية من مصائب وكوارث (أصبحنا ننتجها بإتقان الآن) وهذه هي السينما الخليعة الفاحشة التي تسعى إلى تدمير القيم والأخلاق وتنشر الفاحشة والخنا والفجور. وأشرت إلى كتاب صدر في الولايات المتحدة الأمريكية وهو (أمريكا وهوليوود) للناقد السينمائي مايكال ميدفيد Michael Midved الذي انتقد فيه بشده ما تنتجه هوليوود ويخالف القيم والأخلاق ويصور المجتمعات الغربية على غير صورتها الحقيقية. كما ذكرت دعوة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لأربعمائة من شخصيات هوليود في حفلة عيد الميلاد في إحدى سنوات حكمه وناشدهم تخفيف جرعات الجريمة والعنف والجنس في السينما. وكيف كانت هذه الدعوة مثار سخرية واستهزاء من بعض هؤلاء. وقلت كيف لا نطالب بأن يكون لدينا رقابة وهذا ما يصدر إليها؟ وأشرت أيضاً إلى تقارير اتحاد الإذاعات والتلفزيون العربي من الاعتماد إلى حد كبير على الإنتاج الغربي حتى يكاد يصل في بعض القنوات إلى ستين بالمائة من ساعات البث.
        وقد أصبح الإعلام الآن أكثر خطراً حين تخصصت قنوات لدينا لتبث آخر ما يصدر من السينما الغربية على مدى أربع وعشرين ساعة فصار المواطن العربي يتعرض لأكثر من مائة ساعة يومياً من الأفلام الأمريكية. وبلغ من كرم الأمريكيين أنهم يقدمون لإحدى تلك القنوات آخر ما أنتجته هوليوود وقبل أن يصل إلى أي أسواق أخرى في العالم.
       


المبحث الثاني
المثال
       إن المسؤولية في تصحيح صورة التعاون بين الجامعات العربية والجامعات الغربية تقع على عاتق الجانبين، فعلى الجامعات العربية أن تسعى إلى أن يكون لها دور حقيقي في هذه النشاطات فلا تترك المبادرة في أيدي الجامعات الغربية وحدها. وسأقدم فيما يأتي صوراً من التعاون الحالي المثالية أو القريبة من المثالية:
صور من وسائل التعاون الحالية:
وسائل التعاون كثيرة ولعل من أبسط صورها هي تلك التي تقوم على تمويل النشاطات العلمية في الجامعات الغربية ومراكز البحوث من قبل بعض المؤسسات المالية أو الهيئات الحكومية العربية. ومن الأمثلة على ذلك أن مركز دراسات الشرق الأدنى والأوسط يصدر نشرة شهرية بعنوان: "أحداث لندن في شهر" وتورد النشرة في الصفحة الثانية من كل عدد من أعدادها الهيئات التي تسهم في تمويل نشاطات المركز ومن هذه الهيئات :
1- مؤسسة الفرقان العالمية للتراث الإسلامي      2- البنك السعودي البريطاني
3- المكتب الإعلامي الأردني                        4- المكتب الإعلامي التونسي
5- بنك الاستثمار الدولي السعودي                 6- شركة شل الدولية.
ويحق لنا أن نتساءل ما المردود الفعلي لهذا التمويل؟ قبل سنوات عقدت ندوات في جامعة لندن بتمويل من إحدى الدول العربية حول آفاق التعاون المستقبلي بين هذه الدولة ومجموعة الدول الأوروبية. فهل كان من الصعب على تلك الدولة أن تنفق الأموال في بلدها وتدعو من ترى أنه مناسب لدعوته من الغرب للبحث في هذه القضية بدلاً من تكليف جامعة غربية لعقدها.
ولا بد هنا من الإشادة بنموذج ندوة الحرس الوطني في الرياض حول العلاقة بين الإسلام والغرب حيث دعي لها عدد كبير من العلماء والباحثين من العالم العربي والإسلامي والغرب وأذكر من هذه الأسماء البروفيسور صموئيل هتنقتونSamuel Hutington  صاحب مقولة "صدام- أو صراع -الحضارات "، ودعت كذلك البروفيسور جون اسبوزيتوJohn Esposito الذي يحذر الغرب من المبالغة في النظر إلى الحركات الإسلامية على أنها خطر على الغرب . ومن الأسماء التي دعيت وشاركت كل من : رالف بريبانتيRalph Bribanti ومراد هوفمان وخالد بلانكنشب (أمريكي مسلم) Blankinship
وتأكيداً على حرص المملكة العربية السعودية على تحمل مسؤوليتها في الدعوة إلى الإسلام والدفاع عن هذا الدين فقد اشتركت اشتراكاً فعلياً في تمويل عدد من الكراسي العلمية في الولايات المتحدة وفي أوروبا. وقد تحول قريباً كرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية إلى مركز للدراسات الإسلامية وهي المرة الأولى التي ينشأ في جامعة لندن مركز للدراسات الإسلامية مع أن الإسلام وقضاياه المختلفة كانت تدرس ضمن برامج الأقسام العلمية المختلفة كالتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والقانون وغير ذلك. ومن المؤمل أن تكون هذه الإسهامات فرصة لمشاركة أكثر فعالية لعلماء وباحثين من المملكة العربية السعودية للإسهام في هذه المراكز والأقسام العلمية في المحاضرات والندوات والمؤتمرات وفي الإشراف على البحوث والدراسات العليا في تلك الجامعات.
ويجب التنبيه إلى أن إسهام المملكة في هذه المجالات لا يسعى إلى التدخل في الشؤون الداخلية للجامعات الغربية كما زعم برنارد لويس في دراسة أعدها حول دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية حيث انتقد بعنف دراسة أعدتها لجنة منبثقة عن مؤتمر الشباب الإسلامي التي عقدت في طرابلس عام 1973 وزعم لويس أن أموال الدعم العربية تتدخل في التأثير على نتائج الدراسات العلمية. وبالرغم من أننا لا نريد أن ندخل مع لويس في تبادل الاتهامات ولكني أذكر عبارات البروفيسور إدوارد سعيد عن الاتجاه الذي تمثله جامعة برنستون بأنها تمثل الاتجاه الصهيوني وهي التي انتقل إليها لويس منذ عام 1974م بعد رحيله عن بريطانيا حتى عام 1988م حينما تقاعد وظل يتمتع بنفوذ كبير.
ومن وسائل التمويل البعثات العلمية التي انطلقت من البلاد العربية الإسلامية للحصول على مختلف الدرجات العلمية؛ حيث يسهم وجودهم في تمويل الدراسات العليا في الجامعات الغربية من طريقين أحدهما الرسوم الدراسية التي يدفعها الطلاب الأجانب أو تقوم دولهم بدفعها نيابة عنهم. كما أنّ تكلفة الطالب المبتعث لا تقتصر على الرسوم الدراسية فالبعثات تتضمن نفقات الكتب والرحلات العلمية والأجهزة وغيرها. وبالإضافة إلى ذلك فإن البحوث التي يقوم بها الطلاب العرب المسلمون تقدم اجتهادات علمية يتم الإفادة منها في تعميق المعرفة بالعالم العربي الإسلامي وبخاصة إذا كان هؤلاء الطلاب من الطلاب المتفوقين.
وفي المقابل فقد وصل كثير من الجامعات العربية والتركية إلى درجة عالية من التفوق الأكاديمي فلماذا لا يتم ابتعاث عدد من الطلبة الغربيين إلى الجامعات العربية والإسلامية التي تتميز بتوفر الأساتذة الكبار وتوفر مصادر المعرفة فلا شك أن الحصول على دكتوراه في مجال علوم الحديث أو القرآن أو الفقه أو اللغة العربية من الجامعات العربية الإسلامية له مزاياه الخاصة. فالطالب في هذه المجالات في الغرب سيظل يدور في فلك جولدزيهر وشاخت وكولسون ومرجليوت وغيرهم. ولا بأس أن يعرف جهود هؤلاء لكن لا ينبغي التوقف عند هذه الجهود مطلقاً.
ومن المطلوب أيضاً في تقوية التعاون العلمي بين البلاد العربية والجامعات الغربية الاهتمام بالدراسات العلمية ذات المستوى الأكاديمي الرفيع وترجمتها إلى اللغات الأوروبية وجعلها في متناول الطلاب والباحثين. وأذكر على سبيل المثال لا الحصر كتب الدكتور الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله: "السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي"، وكتاب "المرأة بين الفقه والقرآن" وهناك الكثير من الرسائل العلمية التي تنشر في العالم العربي ويمكن أن تسهم في تصحيح كثير من التشويه الذي تعرضت له الدراسات العربية والإسلامية في الغرب.
ويمكن للتعاون العلمي أن يكون مثالياً لو أعيد النظر في كثير من المؤلفات التي كتبها علماء وباحثون مسلمون من أمثال البروفيسور إسماعيل راجي الفاروقي رحمه الله والدكتور عبد اللطيف الطيباوي وغيرهما وجعلت ضمن المناهج الدراسية أو القراءات المقررة في مجال الدراسات العربية والإسلامية. أمّا أن يزعم أحد بأنّ هذه المؤلفات فوق مستوى فهم الطلبة فأمر لا يمكن التسليم به ذلك أن هؤلاء العلماء عاشوا في الغرب طويلاً وأتقنوا لغة التخاطب مع العقلية الغربية وهم على مستوى عال في اللغة التي كتبوا بها.
معاهد ومراكز بحوث إسلامية:
   من الإنصاف أن نذكر أن الغرب قد رحبّ بقيام العديد من مراكز البحوث والمعاهد الإسلامية وسأذكر بعض هذه المعاهد ومراكز البحوث :
1- مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، تأسس هذا المركز في جامعة أكسفورد،  وقد أنجز الكثير من الأعمال المهمة منذ تأسيسه من أبرزها المحاضرات التي عرّفت بالإسلام والمسلمين في الغرب منها محاضرة الأمير تشارلز أمير ويلز ولي العهد البريطاني المعنونة (الإسلام والغرب) وكانت بحق محاضرة قيمة فيما قدمته من فهم جميل للإسلام وأثره في الحضارة الغربية وما يتعرض له الإسلام من سوء فهم في الوقت الحاضر. بالإضافة إلى العديد من المحاضرات لشخصيات مهمة في العالم العربي الإسلامي وفي الغرب. ويكفي المركز أنه يحظى برعاية الشيخ أبي الحسن الندوي والدكتور عبد الله عمر نصيف كما بدأ المركز بإصدار دورية أكاديمية مهمة منذ عدة سنوات ، كما أصدر المركز منذ عدة أشهر أول موسوعة إسلامية أشرف عليها البروفيسور جون اسبوزيتو.
2- معهد العلوم الإسلامية والعربية في واشنطن العاصمة (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) وقد افتتح المعهد قبل عدة سنوات ويقدم جهوداً كبيرة في الدعوة إلى الإسلام وتصحيح صورة الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة.كما شارك المعهد في حضور بعض الندوات العلمية بالإضافة إلى إقامته أكثر من ندوة حول الدراسات العربية الإسلامية.
3- المعهد العالمي للفكر الإسلامي -هيرندن فيجينا وهو معهد تأسس قبل أكثر من عشر سنوات وله نشاطات مهمة في مجال نشر الفكر الإسلامي بالمؤتمرات والندوات التي يعقدها وكذلك من خلال مطبوعاته والتي منها المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية.
   وهناك العديد من مراكز البحوث التي لا يمكن إحصاؤها في هذه الورقة لكن المؤمل أن تجد هذه المراكز والمعاهد الدعم من الغرب ومن العالم الإسلامي لتقوم بدورها وتصبح ذات تاثير في تصحيح صورة الإسلام والمسلمين في الغرب، وفي الحوار البناء بين الإسلام والغرب. ولعلنا نصل في يوم من الأيام أن يكون لنا جامعات كبرى كالجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة واسطنبول وغيرها. 


الخاتمة
تحرص الجامعات الغربية على التعاون مع الجامعات العربية لبناء جسور من المعرفة والتفاهم من خلال تقديم المنح الدراسية والبحثية والدورات العلمية وورش البحث العلمي، والندوات والمؤتمرات والجمعيات العلمية والروابط البحثية التي تضم في عضويتها الباحثين في مجال الدراسات العربية والإسلامية من جميع أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه تقف الجامعات العربية في المقابل شبه جامدة كأنها تعيش في قرون مضت. فلا جمعيات علمية عالمية ولا روابط بحث ولا مؤتمرات ولا ندوات. وإذا عقدت الندوات والمؤتمرات في العالم العربي فهي حول قضايانا ليأتي إلينا بعض الغربيين ليقدموا وجهة نظرهم. بينما بناء الجسور والتفاهم يقتضي أن نبدأ نحن بدراستهم واستقطاب البارزين من علمائهم ليقدموا خبراتهم ونتائج بحوثهم لدينا.
كما علينا أن نسعى بجهد أكبر لنشر لغتنا العربية فما زال حقل الدراسات العربية والإسلامية يشكو من قلة من يجيد هذه اللغة وقلما تجد منحاً من الجامعات العربية لدعم هذا المجال. ولا يظن ظان أن جامعتنا تشكو من قلة الموارد والأموال ولكن المسألة تتعلق بطريقة صرف تلك الميزانيات الضخمة التي قد يذهب بعضها في أمور لا علاقة لها بالبحث العلمي.
وليس التعاون العلمي أن نسارع في زيادة عدد الجامعات الأجنبية أو الجامعات العربية التي تكون لغة التدريس فيها أجنبية والمناهج أجنبية. فلم يحدث أن وجدت مراكز بحوث عربية وإسلامية في أوروبا تدرس بغير لغة تلك البلاد. والأمل معقود على أكتاف العلماء والأساتذة والإدارات في زيادة حجم التعاون ولكن بطريقة أكثر نضجاً ووعياً من الواقع الحالي.




1- جمال سلطان، "مؤتمر في ألمانيا" في مجلة الحج، رمضان 1423هـ.
[2] - عندما بعثت رسالة إلى هيئة الإذاعة البريطانية أطلب محاضر جلسات هذه الندوات بعثوا إليّ التقارير الإخبارية التي نشرت في مجلة (هنا لندن) وبدون توثيق. فبعثت إليهم أطلب التوثيق وأتساءل عن غياب التوازن في مثل هذه الندوات . ولم أتلق أي رد فقلت لعلها غطرسة القوة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية