مدينة عربية للسينما

                                بسم الله الرحمن الرحيم
           نشرت إحدى الصحف خبراً قبل أسابيع عن زيارة المخرج العربي العالمي مصطفى العقاد (رحمه الله) لبعض البلاد العربية سعياً للبحث عن تمويل لإنشاء مدينة للسينما في البلاد العربية تشبه مدينة هوليوود أو ستديوهات يونيفارسال سيتي الأمريكية. وقد شكى الأستاذ مصطفى العقاد من عدم حماسة بني قومه من العرب والمسلمين لمثل هذا المشروع أو لتمويل أفلام حول بعض القضايا الكبرى التي تهم العالم العربي الإسلامي كما واجهه حينما أراد إنتاج فيلم عن صلاح الدين الأيوبي والحروب الصليبية.
إن  أبرز ما يدعو إلى الإعجاب بالمخرج العالمي مصطفى العقاد هو إصراره على الاهتمام بأمته العربية الإسلامية وصورتها في السينما العالمية لأنه مخرج عالمي ويعرف ما لهذا المجال الإعلامي من تأثير كبير في فكر وثقافة الشعوب. فقد عاش في مدينة السينما الأمريكية عدة عقود  من الزمن فهو على فهم دقيق وواع بما يجري هناك، وبخاصة أنه أنتج الكثير من الأفلام الغربية سعياً وراء توفير بعض الأموال لتمويل إنتاج بعض القصص أو القضايا التي تخص أمته كما فعل في فيلم الرسالة وعمر المختار.
لقد كان لعلمائنا رأي حول فيلم الرسالة ليست هذه المقالة مجال للحديث حوله- ولكني أذكر أن الأستاذ زين العابدين الركابي (الإعلامي المخضرم) (رحمه الله) تحدث ذات مرة عن مثل هذا الموضوع فقال:"نحن وإن كنّا نختلف مع المخرج في بعض جوانب الفيلم ولكننا كان يجب أن نستغل هذه المناسبة لتعريف كل من شاهد الفيلم من الغربيين برأينا في القضايا التي طرحها الفيلم أو تلك التي سكت عنها. وكان بالإمكان أن نقدم لكل من شاهد الفيلم بياناً موجزاً بالرأي السليم حول اعتراضاتنا على الفيلم. وهو أمر مشروع ومعمول به لدى كثير من الجهات حين تعترض على قضية ما ويكفل النظام الغربي مثل هذا الحق.
إن وجود مدينة عربية للإنتاج السينمائي على غرار هوليوود أمر مطلوب بل هو أمر ملح جداً ذلك أن ما يعرض في محطات التلفزيونات العالمية يأتي معظمه من إنتاج الشركات السينمائية الأمريكية حتى بدأت أوروبا في الشكوى من هذه السيطرة لتأثيرها في نشر الهيمنة الثقافية الأمريكية حتى إن فرنسا أصرت على استبعاد الإنتاج السينمائي من اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وأعلنت الحكومة البريطانية أنها ستقدم دعماً نقدياً لكل دار سينما أو مسرح يعرض أفلاماً أوروبية لدعم انتشار السينما الأوروبية.
فإذا كان هذا بين الولايات المتحدة وأوروبا مع أنهم يشتركون في المعتقدان وفي الخلفيات الثقافية والاجتماعية، وإن كان لكل من هذه المجتمعات هويته الخاصة التي يعتز بها ولا يريد لها أن تذوب في الهويات الوافدة أو الغازية، فإننا في العالم العربي الإسلامي بحاجة إلى أن يكون لنا إنتاجنا السينمائي المتميز الذي يحافظ على القيم الإسلامية والأخلاق والمثل. ونحمد الله عز وجل أنه مهما بلغت درجة التأثر بالغرب في عالمنا العربي الإسلامي فإن التمسك بهذه القيم والمثل ما زال قوياً. فما زالت الروابط الأسرية أفضل مما هي عند الشعوب الأخرى كما أن التمسك بالعفة والفضيلة في عالمنا العربي الإسلامي أفضل من غيرنا.

إننا بحاجة إلى دعم مشروع الأستاذ مصطفى العقاد رحمه الله لإنشاء مدينة عربية للسينما لنتمكن من المحافظة على هذه القيم والهوية العربية الإسلامية والحد إلى حد كبير من الغزو السينمائي الهوليوودي، كما يمكننا أن ننقل إلى الدعوة إلى هذه القيم والأخلاق عملاً بواجب الدعوة إلى هذا الدين العظيم الذي أنزله الحق سبحانه وتعالى إلى البشرية كافة )وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً( (سبأ28) وقوله تعالى )قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني( (يوسف 108) فإن ما يعج به الإنتاج الأمريكي من الدعوة إلى الإنحلال بحاجة إلى من يقف في وجهه بقوة واقتدار. وإنني أتساءل هل ما عند الهندوس أفضل مما عندنا حتى يكون لهم مدينة ضخمة للسينما تنافس الإنتاج الأمريكي -اسم المدينة بوليوود-؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية