ذكريات جزائرية :تقرير عن مؤتمر الحياة الروحية في الإسلام (ملتقى الفكر الإسلامي الواحد والعشرين في بو حنيفية بولاية معسكر بالجزائر)


على الرغم من أنني لا أحب المؤتمرات العربية الرسمية التي تصبح معرضاً أو مهرجاناً للخطابة لكل من هبّ ودب، ويؤتى بالمسؤولين لإلقاء كلمات لم يكتبوها، وربما لم يتدربوا على قراءتها ويضيع نصف النهار في هذه الكلمات وأحياناً تضيع الأوقات في انتظار المسؤول "الكبير" الذي لا يحترم أحداً حتى إن مسؤولاً كبيراً كان مُنْتظَراً لافتتاح مؤتمر فتأخر أكثر من ساعة ونصف فلم يقل كلمة اعتذار واحدة وكأننا عبيد عنده. وهو متقدم في السن إلى درجة أنه فقد الصلاحية منذ أعوام طويلة. ومما ابتلينا به في المؤتمرات العربية الإصرار على الجلسة الختامية والتوصيات وبرقيات الشكر لمن لا يستحقه وإن قام بشيء سوى العرقلة فهو لم يقدم للمؤتمر شيئاً.
ومع كل هذا فإنني دونّت موجزاً –غير ممل- لمجريات المؤتمر فتحملوا معي القليل ففي المؤتمر خير كثير إن شاء الله. وإليكم مجريات الجلسة الافتتاحية
- كلمة الترحيب لرئيس مجلس التنسيق الولائي يحيى عُماني وهو من مسؤولي الحزب وكان إلقاؤه جيداً بالنسبة للسياسيين والمناضلين في الحزب (أخبرني صديق إن هذا من خيارهم وكان الصديق هو صديقي محمد شيوخ)
- كلمة الافتتاح للسيد بوعلام باقي عضو المكتب السياسي وزير الشؤون الدينية، والمكتب السياسي مثل مجلس الوزراء، وكانت الكلمة جيدة وطويلة وتخصص المتحدث هو القانون فقد كان وزيراً للعدل سابقاً.
- كلمة الوفود وكانت في العادة للشيخ محمد الغزالي ولكنه متغيب هذه السنة بسبب مرضه فألقى الكلمة الشيخ محمود إبراهيم ديوب وكانت جميلة فهو رجل يمتلك ناصية القول وأسلوبه رائع ويتكلم بطلاقة وسلاسة
- كلمة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وهو رجل عجوز عتيق كأنه لا يعيش في هذا الزمن والكلمة مكتوبة وكأنها درس في كتاب لا تفيد كثيراً
المحاضرات
المحاضرة الأولى: للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، وهو متحدث وخطيب مصقع كعادة إخواننا المصريين وعنوان محاضرته (مفهوم الحياة الروحية في الإسلام وأسسها في القرآن والسنة:
أكد في كلمته على أن مصطلح "الحياة الروحية" قد يكون مترجماً من اللغات الأوروبية مثل Spiritual life in Islam أو La vie Spirituale en Islam ولا مشاحة في الاصطلاح وأساس الحياة الروحية في الإسلام ينطلق من الإسلام والإيمان والإحسان، فلا بد من العلم بالإسلام والتصديق وللإيمان والعبادة ثمرات، ولم يتطرق للصوفية كثيراً ولكنه ألمح إلى ذلك. أسلوبه رائع في الخطابة ويقوم بتغيير نبرة صوته فيضخم صوته ويرققه حسب المعاني
المحاضرة الثانية للدكتور أحمد عروة وعنوان محاضرته (معارج الإيمان :شمولية الحياة الروحية في الإسلام) والمتحدث أستاذ في كلية الطب ومدير المعهد الوطني للصحة العمومية.قسم في محاضرته الإنسان على جسم وعقل وأخلاق وروح وأوضح ارتباط أبعاد الإنسان الأربعة واهتمام الإسلام بها وأن أي اختلال يصيب بُعداّ يصيب الأبعاد الأخرى.
المحاضرة الثالثة: محمد مختار بل بلاّه، وعنوانها (مثل الصحابة) وكانت المحاضرة كارثة وعلى طريقة الشناقطة عموماً علمه واسع ولكنه لم يستطع تبويب المعلومات يغرق في النقاط الصغيرة ولا يعرف كيف يلقي محاضرة، قرأ مما كتب وأضاع مدة طويلة في تعريف الإسلام والإيمان ولم يصل إلى الموضوع حتى انتهاء الوقت المخصص له.
ولي ملاحظة أن على الإخوة الداعين إلى المؤتمر أن لا تغرهم الأسماء والمسميات، ولكن قال أحد الإخوة الموريطانيين أن الدعوة أتت وزارة الثقافة فوقع اختيارها على ستة أشخاص ليحضروا الملتقى، جميل أن يحتفل إخوتنا الموريطانيين بغيرهم فقد عاشوا عزلة طويلة ولا يزالون.
المحاضرة الرابعة: المحاضر يحيى بو عزيز مدير معهد العلوم الإسلامية بوهران ومحاضرته عنوانها (تاريخ معسكر الثقافي وجهود الأمير عبد القادر) وتخصصه تاريخ ومحاضرته لا بأس بها وكذلك إلقاؤه.
المحاضرة الخامسة: مولود قاسم نايت بلقاسم عضو اللجنة الدائمة للجنة المركزية- المكلف بالمجس الأعلى للغة الوطنية وعنوان محاضرته (إسلام أم استسلام بعض النماذج المعبرة: الحياة الروحية أم السفينة النوحية) أخذ أكثر من الوقت المخصص له، وقيل له قدّم محاضرتك واقفاً قال المفروض بالمقدم أن يقف أما المحاضر فهو الذي يجلس. لفت انتباهي أنه ينقصه الاتزان على الرغم من أن عنده عاطفة قوية نحو الإسلام والحق أن الاتزان والهدوء أبلغ تأثيراً وأدوم، بينما مثل هذه الانفعالية لا تصلح حتى زمن الثورة، كان وزيراً للشؤون الدينية والتعليم الأصلي والإبقاء عليه في الحكومة مع ضعف تأثيره مقصود فيما يبدو.
المحاضرة السادسة: محمد حمدي زقزوق عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة وعنوان محاضرته (التصوف الإسلامي: معناه أهم التعريفات ونشأته" قرأ المحاضرة قراءة معدة إعداداً جيدة لكنه لم يكن مثيراً غير متحمس لشيء لا يبدو عليه الانفعال بموضوعه
المحاضرة السابعة: د. جميعة شيحة أستاذ بكلية الآداب بتونس ومحاضرته عنوانها:" دور علماء الجزائر وتونس في إثراء الحياة الروحية من خلال مخطوطات لم تطبع" تحدث عن المخطوطات التي وجدها وهي قد كتبت قبل أربعة قرون ، فالمحاضرة لم يكن فيها لا إمتاع ولامؤانسة.
المحاضرة الثامنة: داود جبريل مسلم فرنسي أستاذ في جامعة إكس إن بروفانس Aix-En- Provence يجيد اللغة العربية ولكنه لم يحاضر بها سمعته يتحدث بالعربية ويتقن مخارج الحروف العربية كالحاء والعين والخاء والضاد ويقرأ القرآن بالتجويد فقد لاحظت بعض الحركات الجيدة كالإخفاء والإدغام ومع أن المحاضرة كانت بالفرنسية ولكن إيراده للآيات والأحاديث وضّحَ شيئاً من المحاضرة وهي تتبع كلمة ولاية وولي في القرآن والسنة ومن ذلك قوله تعالى (ما لهم من ولايتهم من شيء) (الله ولي الذين آمنوا) (هنالك الولاية لله الحق)(المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) ومن الأحاديث قوله  (من ولي من أمر المسلمين من شيئاً فاحتجب دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلاّ احتجب الله دون حاجته وخلته ومسكنته يوم القيامة)
المحاضرة التاسعة: الدكتور عبد الهادي أبو ريده أستاذ بكلية الآداب جامعة الكويت، وعنوان محاضرته (الأساس المشترك الحقيقي لاتجاهات التصوف الصحيح والعلاقة بين الصوفية وغيرهم)
وكانت المحاضرة جيدة ومفيدة ولكن لا روح فيها.
النشاطات المصاحبة للمؤتمر أو الملتقى
وجهت الدعوة من أهل النواحي والدوائر أو القرى القريبة من بوحنيفية جميع المؤتمرين إلى زيارة نواحيهم وتناول طعام الغداء عندهم وصلاة الجمعة وسيطلب من بعض المشايخ إلقاء دروس قبل الصلاة. وسيقوم الأهالي بهذه الأمور وأتعجب هل يتصور أن يحدث هذا في بلد مشرقي، فهذا يذكرني بحفل ختم تفسير القرآن الكريم الذي أقيم على شرف الشيخ عبد الحميد بن باديس وكان أهالي قسنطينة يستضيفون كل أسرة حسب قدرتها وهذا يؤكد لي أن الشعوب تنفعل فتعمل أو تفعل ليست كالشعوب التي لا تنفعل فلا تفعل. الحكومة قادرة بلا شك على القيام بشأن هؤلاء الضيوف لكنهم أرادوا أمراً آخر وفقهم الله وسدد خطاهم وأصلحنا وإياهم.
بوحنيفية: كانت هذه القرية لا شيء قبل سبع أو ثماني سنوات، فأصبحت كأنها قرية نموذجية الآن فقد عُبِّدت طرقها ورصفت وأنيرت وشُيِّد فيها عدد من الفنادق لتكون مكاناً للاستشفاء ذلك أن فيها مجموعة من الحمامات المعدنية تصل درجة حرارة المياه فيها إلى سبعين درجة وهي مفيدة لعلاج العديد من الأمراض، وهناك مجموعة من هذه الحمامات المعدنية في المناطق القريبة.
سهول غريس
وجدت موقعاً في الإنترنت لتحميل كتاب "عقد الجمان النفيس في ذكر الأعيان من أشراف غريس"وفيه تعريف بهذه المنطقة التي قام المنظمون بدعوتنا لزيارتها وإليكم ما يقوله الموقع عن المنطقة: "تعتبر منطقة غريس من أكبر وأغنى السهول شرق ولاية معسكر(الراشدية) والمحصورة بين تيارت الرستمية وسهول الوانشريس بما فيها نهر شلف غرب الجزائر ، ويعتبر موقعها الجغرافي - المتميز- منطقة خصبة وآمنة أغرت الكثير بالهجرة إليها في فترات تاريخية متعاقبة ومختلفة .ففر إليها أكثر مسلمو الأندلس بعد طردهم منها ، وهاجر إليها بعض سكان تلمسان.زيادة على أن منطقة غريس يسكنها بقية باقية من عرب الفتح القدامى أو ما يسمى الحشم ومن بينهم القرشيون المسمون الأجواد." وفي الطريق إلى غريس مررنا بشجرة ضخمة قيل إن الأمير عبد القادر بويع عندها أميراً على معسكر وما حولها لمحاربة الكفار، وهي محاطة بسلسلة حديد ومكتوب عليها متى تمت البيعة في سنة 1248هـ(1832م) أي قبل 155 (سنة 1987م) وبعد ذلك زرنا مزرعة من مزارع الحكومة وهناك شربنا حليباً روبا وأكلنا التمر ثم بعد ذلك اتجهنا إلى قرية غريس حيث نزلنا في المسجد وقد الدكتور يوسف كتاني درساً عن حسن الخلق وذلك في تفسيره للآية الكريمة (وإنك لعلى خلق عظيم)
أما خطبة الجمعة فقد كانت مكتوبة وقد تحدث فيها عن يوم المجاهد 20 أغسطس 1955م وأصبح عيداً سنوياً ثم تحدث في الخطبة عن السنة الهجرية.
وبعد الصلاة امتطينا الحافلة ووزعنا كل سبعة أو ثمانية على أسرة وكان حظي في بيت الحاج قادة (عبد القادر) وهو بيت طيب التأثيث ووجدنا عنده أحد أبنائه وهو طبيب مختص بالأعصاب ويعمل في معسكر، وأما الأخ الأصغر سنّا فهو أستاذ في المرحلة الثانوية يدرّس التاريخ والجغرافيا. وتناولنا الطعام الذي كان ممتازاً، وكان معنا شباب متدين وقد وزعنا على عدة طاولات كل أربعة على طاولة وقد تعارفنا على طاولتنا ولكن بعد الغداء اجتمعنا لتناول القهوة فاقترح أحد الشباب المتدين أن نتعارف، فلما جاء دوري قلت: أخوكم في الله مازن مطبقاني أحضر الملتقى للمرة الثانية وقد أعددت دراسة عن جمعية العلماء وأعمل في كلية الدعوة بالمدينة المنورة، ووجدت أن الجزائريين يسرون عندما يعلموا أن أحداً من السعودية مهتم بتاريخ بلادهم.
شخصيات قابلتها في الجزائر
- الدكتور محمد بن سمينة من معهد اللغة والأدب العربي بجامعة الجزائر ويسكن في البليدة التي تبعد ستين كيلاً عن الجزائر العاصمة
- الشاعر الإسلامي المتميز مصطفى الغماري – كان شاباً معجباً بالثورة الإيرانية وأرجو أن يكون قد أفاق من ذلك الهوس، وربما حدة الشباب وعنفوانها هو الذي جعله ينظر تلك النظرة القاصرة –في رأيي- ومما أفدته من الشاعر المبدع أن الطريقة العليوية –إحدى الطرق الصوفية في الجزائر وكانت تعادي جمعية العلماء- كان لها صحيفة اسمها (لسان الحق) يقول إنها حرصت على فضح المنصرين، كما أشار لي أن كاتب مسلم إنجليزي كتب عن بن عليوه (وهو مارتن لنقز) Martin Lings ثم حدثني عن مستشرق فرنسي هو لوسياني وقيام هذا المستشرق بتحقيق غير علمي لبعض كتبالتراث بما لا يخدم التراث بل يخدم الفكر الفرنسي وأشار إلى أن الترجمة الفرنسية ركيكة لعدم إلمامه الجيد باللغة العربية.
- أبو عمران الشيخ. أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر وله اهتمام بالبعثات التنصيرية الفرنسية في الجزائر وقد كان قريباً حين كنت أتناول العشاء مع عبد القادر رباني الذي حثني على التعرف على الدكتور أبو عمران وكان لطيفاً وأعطاني وقتاً للحديث معه حول الاستشراق والتنصير.
- د. حيراتي ألتين طاش من كلية الإلهيات بأنقرة بتركيا وكان موضوع بحثه جلال الدين الرومي وديوانه
- د. كمال جعفر ومحاضرته بعنوان (المصطلحات الصوفية ومدى أصالتها) وقد أثار المحاضر قضية خطيرة في نظرة النصارى للإسلام وبخاصة في علاقة الله  بالعباد فزعموا أنها مبنية على أن رب المسلمين "جبار قهار وشديد العقاب، بينما هو عند المسيحيين: "الله محبة" ورد عليهم الدكتور جعفر بقوله: "ولكنهم ينسون ما ورد في القرآن والسنّة من تبادل الحب بين الله وعبادة وتبادل الرضا بين الله وعباده" (يحبهم ويحبونه) (ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) وقوله  (ومازال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره التي يبصر بها ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه..) وقوله  (إذا أحب الله عبداً…) ويستشهد على خطأ النصارى من أقوال بعض قساوستهم فهاهو أحد قساوستهم يقول:"لغتنا في الحب الإلهي تهذبت بفضل الكتب الصوفية الإسلامية، فإن الحب في لغة النصارى كانت تتركز على القبل من الفم في الظلام" وروى المحاضر بيت شعر من أشعار الصوفية
شربت الحب كأساً بعد كأس فما نفد الكأس ولا رويت.
وقضية صفات الله الجبار القهار وردت في كتاب لباحث إنجليزي اسمه تشيتك Chitick الذي زعم أنه أمضى ثلاثين سنة في دراسة التصوف أن اعتقاد العامة عن الله  مأخوذ من الصوفية التي تراه محباً لعبادة رؤوفاً ورحيما، بينما يراه المتكلمون غير ذلك، ويستشهد المستشرق الإنجليزي بكلام للبابا الكاثوليكي جون بول السادس. فعجبت لمستشرق يتجنى على علماء الكلام أو العلماء –غير الصوفية- في نظرتهم لله. وما درسناه في كتب العقيدة غير ما يقول.
- د. سعيد إسماعيل علي أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس قدم محاضرة بعنوان (تربية الشخصية المسلمة عند بعض مفكري الصوفية، قرأ محاضرته والتزم بالموعد وكان التزامه رائعاً.
- د. محمد علي أبو ريان أستاذ الفلسفة وتاريخها ومدير مركز التراث القومي والمخطوطات بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية قدم محاضرة بعنوان "الولاية الروحية كعامل في التنمية" وقد انتقد في محاضرته عدداً من أعلام التصوف. وأورد في محاضرته بيت شعر أترك لكم تفسيره وهو إني إذا خلقت قميصي فأرى عوالم البهاء والربوبية. فهل يعني أنه إذا لم يبل قميصه لم يستطع رؤية عوالم البهاء والربوبية، ويرى المحاضر أن "كل صوفي من الصوفية المسلمين يقولون مثل هذا الكلام المأخوذ في نظره من نظرية الفيض من تاسعوعات أفلوطين.
وكان مما تحدث فيه أبو ريان أننا يجب أن نفيد من شيوخ الصوفية بدعوة الناس إلى وقف التناسل أو تحديد النسل ، أليس الناس يطيعون الشيوخ فلنستخدمهم في هذا، كما قال بانفعال تقاعس المسلمين ونومهم على ما يحدث في العالم الإسلامي من التنصير وخص بالذكر مجلس الكنائس العالمي الذي يتخذ من سويسرا مقراً له. وهذا المجلس يتعاون مع جامعة جورج تاون بواشنطن العاصمة في مركز التفاهم الإسلامي النصراني الذي تبرع له الوليد بن طلال بأموال طائلة ويعمل فيها حتى اليوم ومنذ أكثر من عشرين سنة جون اسبوزيتو.
- عبد الرزاق يحي فرنسي مسلم متخصص في التصوف الإسلامي قدم محاضرة بعنوان "الرسالة الإبراهيمية للأمير عبد القادر"
طرائف من المؤتمر
- أعجبني ما رواه أحد المحاضرين عن حوار دار بين رجلين أحدهم بلخي والآخر من البصرة حيث سأل البصري البلخي ما الزهد عندكم؟ قال البلخي: إذا فقدنا صبرنا وإذا وجدنا شكرنا، فقال له البصري إن هذا والله لا يعدو زهد كلاب بلخ، أما نحن فالزهد عندنا إذا وجدنا أنفقنا وإذا فقدنا شكرنا لأننا نرى العطاء في الحرمان.
- تحدث أحد المحاضرين وأظنه موظف رسمي ممتدحاً اهتمام الجزائر بالإسلام فقال :" نحن مسلمين نقيم الصلاة ونؤدي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج بيت الله الحرام..وعندما نزور المدينة المنورة تهفو قلوبنا إليها أو تخشع…" فرددت عليه –ليس في القاعة ولكن في مذكراتي- ولكنكم تصنعون الخمر وجعلتم اسمها باسم الولاية التي انطلق منها الجهاد ضد الفرنسيين وهي معسكر، وتحكمون بقانون وضعي" وأضفت حقيقة هذا الملتقى يسير بروح طيبة ولم يستغل للدعاية السياسية للنظام الحاكم أبداً، ومع ذلك فلا بد من بعض الأصوات النشاز التي تستغل هذا المنبر لأهداف غير نبيلة.
     ومما تردد في أروقة المؤتمر أن موضوع الطرق الصوفية موضوع حساس وخطير ولم يجرؤ الجزائريون على فتحه منذ الاستقلال أو استعادة الاستقلال، نعم لو رجعنا إلى التاريخ القريب لوجدنا أن الطرق الصوفية كانت فاسدة وكانت كارثة وأي كارثة: دين ممسوخ وعقيدة فاسدة وولاء للاستعمار ودروشة وهرطقة أو حتى زندقة. والعجيب أن الغرب اليوم ضالع مع كثير من الحكومات أو معظمها في تشجيع التصوف وعقد المؤتمرات السنوية للمتصوفة برعاية رؤساء الدول وملوكها وعقد مهرجانات للموسيقى الصوفية وغير ذلك وهذا ما ورد في تقرير مركز نيكسون للبحوث والدراسات عن الندوة التي عقدها المركز عام 2004م (قمت بترجمته)
ومن طرائف المؤتمر أن قام أحد أقطاب الطريقة التيجانية على الرغم من ثقافته المحدودة ليبرر ما يسمى عندهم (صلاة الفاتح) وأنها صلاة على النبي  وأنها بزعمه أولى من قراءة القرآن الكريم لأنه قيل في الحديث – وهو ليس حديثاً- "رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه"- إن لم يقم حدوده وحروفه ولم يعمل به، بينما صلاة الفاتح فيها الأجر فقط ويقول صاحب هذه الصلاة فيما أذكره أن الرسول  علّمه إياها يقظة لا مناماً.
فرددت على هذا في مذكراتي في تلك الأيام بالقول:"إن قولكم رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه لا يصح لقوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) وثمة آيات تصف القرآن الكريم بأنه شفاء ورحمة للمؤمنين (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلاّ خسارا) وهو هدى ورحمة، وكم فتح القرآن الكريم قلوباً غلفاً وآذاناً صماً وعيوناً عميا، ثم إن الأمة منذ ألف وثلاثمائة عام وهي تصلى على رسولها الكريم  بالكيفية التي علمهم إياها رسول الله حين سألوه وكيف نصلي عليك يا رسول الله، فقال: قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) فهل صلاة الفاتح أفضل، إنك أيها التيجاني ضال مضل.
-وعلى الرغم من جمال المؤتمر وروعته لكن حدثت فيه مشادات كلامية مثل ما حدث بين مولود قاسم وواحد من الأسرة الرفاعية أو شيخ الطريقة الرفاعية في الكويت وعضو سابق في البرلمان الكويتي. ولا بد أن مناوشات أخرى قد حدثت ولكني لم أدونها في حينه.

كنت أرسلت ورقة أطلب فيها من أحد علماء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن يتحدث عن التربية الروحية عند علماء الجمعية وبخاصة ابن باديس ، فجاءني الرد أن هذا سؤال شخصي فتعجبت ولكن لأن من طباعي –الحسنة أو السيئة – الإصرار فقد أرسلت ورقة أطلب أن أعقب، فسُمح لي والحمد لله وتحدثت عن التربية الروحية لدى الجمعية. وقد أثار حديثي عن الجمعية وعن الطريقة السلفية في التربية الروحية أن تحدث وزير الشؤون الدينية قائلاُ: لقد أعلنا الموضوع على الملأ وانتظرنا مدة طويلة فلم يتقدم أحد من رجال الجمعية ببحث أو موضوع فنأسف لذلك أشد الأسف وقد تكلم الوزير بحرقة وألم لعدم استجابة العلماء وندم شديد على أن مناصري الاتجاه السلفي الشيخين أبي الحسن الندوي والشيخ الغزالي لم يحضرا فكان عذر أحدهما المرض ولم يذكر عذر الآخر، ولعله المرض أيضاً لذا وجد أصحاب التصوف فرصتهم لعرض حديثهم وباطلهم ولكن تم الرد عليه وكنت ممن انتصر للاتجاه الصحيح ، وكان أحد الصحفيين الذين جاؤوا لتغطية الملتقى وهو مشري بن خليفة قال لي:" سأشيد بتدخلك، أو بكلمتك، فقد فجرت قنبلة في القاعة (يبدو أن هذه من صفاتي من القديم) أيقظت النائمين ونبهت الغافلين وأنعشت المستيقظين.."

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية