جامعة بريطانية ترضخ لأصوات الطلاب وتعيد أستاذة إلى المدرجات .



نحن نعيش في عالم الإشاعة اللامحدود فقبل مدة ظهرت إشاعات أن سن التقاعد لأعضاء هيئة التدريس سوف يمدد إلى الخامسة والستين وأنه سيكون للأساتذة السعوديين بعض المزايا الجديدة (أخذها البعض وحرم منها البعض الآخر ، وأنا منهم لأني متعاقد ولا حول ولا قوة إلاّ بالله)، ومضت الأيام وجاء النظام الجديد بعدد من الكوارث حيث لم يتطرق إلى سن التقاعد وترك الأمر لوزارة المالية والتعليم العالي وجهات أخرى تحدد من مِن الأساتذة يُمدد له (وإن كنت لا أحب التمديد لأنها وردت في القرآن الكريم (نمد له مدّا) ومن يحال إلى التقاعد حتى بعد أن يوافق مجلس القسم ومجلس الكلية واللجنة الخاصة بالتمديد يأتي القرار من جهات غامضة لا يعرف أحد أين هي، هل هي من قاع المحيط أو من عند الثريا وأبعد.

وينتهي أمر التمديد أو التقاعد ويستمر النظام القديم أنه إن تم التعاقد معك بعد أن أحلت إلى التقاعد فأنت مضطر للقبول بأول مربوط الدرجة التي كنت عليها، وقد يزيد عن الراتب الذي تتقاضاه وأنت أقل خبرة ونضجاً وعلماً بما لا يقل عن خمسة آلاف ريال.  ليتهم تعاقدوا معي على الراتب نفسه الذي كنت أتقاضاه العام الماضي أو أحسن منه. لقد كنت أراجع أوراق خدمتي (التي ضاعت في جامعة الملك سعود) فوجدت أنني كنت أتقاضي 13860ريالاً (ثلاثة عشر ألفاً وثمانمائة وستين ريالا، بالإضافة إلى الراتب الإضافي وبدل السكن) عام 1406هـ عندما كنت أعمل في الخطوط السعودية ولم تزد مدة خدمتي على اثنتي عشرة سنة فقط وبشهادة البكالوريوس في التاريخ) أما إن قالوا إنني أتقاضى راتباً تقاعدياً فتلك أموال أخذت مني وتعاد إلي بعد أن صنعت منها مؤسسة التقاعد إمبراطورية من العقارات والأموال الطائلة. فهي حقوقي تعاد إلي أو بعض حقوقي.

وتأتي التعميمات العظيمة تحدد أن المكافأة التي تسمى مكافأة النِصاب تقتصر على الأساتذة السعوديين وليس المتعاقدين سعوديين أو غير سعوديين. وأن المزايا المختلفة تقتصر على الفئة المميزة التي لست منها.
وفي المقابل كنت في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية ضمن برنامج التعليم الديني والتعليم العام في الولايات المتحدة الأمريكية مع عدد من أعضاء هيئة التدريس السعوديين وكان لنا لقاء في أكثر من جامعة فسألت عن سن التعاقد (ولم أعلم أنني مقبل عليه كرهاً وقسراً وظلماً وعدواناً) فعلمت أن الأستاذ الجامعي الأمريكي يمكنه أن يعمل حتى سن الثالثة والستين (يعني خمسة وستين بالسنوات القمرية تقريباً) وبعد ذلك يمكنه أن يستمر بعقد أو أن يترجل ويرحل عن الجامعة. وعندهم نظام يحافظ الأستاذ المتقاعد على مكانته ومكتبه في الجامعة بضع سنين بعد تقاعده وهو ما يسمى إميراتوس (ترجموها ايها المترجمون) Emeritus
ولكن بعض الجامعات الغربية ترى أن الأستاذ إن وصل الخامسة والستين وشعرت الجامعة أنها بحاجة إلى إتاحة الفرصة لأساتذة جدد ربما قالت لبعض الأساتذة أن يرحلوا على الرغم من أن صحتهم جيدة وقدراتهم العقلية متماسكة وفكرهم سليم، ولكنها الضغوط  المادية كما يزعمون، وهكذا كان الأمر مع الأستاذة البريطانية التي كتبت عنها صحيفة الإندبندنت في 13 أغسطس 2008م روبوثام Rowbotham في جامعة مانشستر حينما أبلغتها الجامعة أنها خارج الخدمة عندما تبلغ الخامسة والستين، لأن الجامعة تعاني من عجز في ميزانيتها يبلغ الثلاثين مليون جنيه استرليني (مائة وثمانين مليون ريال تقريباً)
ولكن مظاهرات الطلاب وصرخات الأكاديميين حول العالم والتأييد الذي حصلت عليه في المنتديات في الإنترنت في مختلف البلدان الغربية جعل الجامعة ترضخ وتعيد البروفيسورة شيلا روبوثام للعمل لتواصل تدريس مادة حول علم الاجتماع الخاص بالثقافة المضادة. وعلّقت البروفيسورة على الأمر: إنني مسرورة جداً، لقد اعتقدت أنه لا يمكن عمل أي شيء"

وهكذا تعود الأساتذة البالغة من العمر خمسة وستين سنة (سبعة وستين سنة ويزيد بالسنوات القمرية) إلى العمل بينما نظامنا العظيم يفرض على بعض الأساتذة أن يتقاعدوا وتنقص رواتبهم وتحرم الجامعات من فرص أن يكونوا رؤساء أقسام أو عمداء كليات أو حتى مدراء جامعات (بالمناسبة إن كان مدير الجامعة بلغ الستين فلا ينطبق عليه نظام التقاعد لأن مدير) في الوقت التي تشكو الجامعات والجامعات الجديدة من الندرة في أعضاء هيئة التدريس السعوديين. فبالله عليكم كيف تسمونها جامعات سعودية وأعضاء هيئة التدريس السعوديين فيها أقلية؟

هذا قليل من كثير وغيض من فيض مما يعانيه الأستاذ الذي فرض عليه التقاعد قصراً وإلاّ فالحديث يطول عن معاناة الأستاذ الجامعي في عالمنا المعاصر.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية