متى ينتهي هذا التداعي؟


يردد كثير من المشايخ والخطباء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) فقال قائل : "ومن قلة يومئذ؟ قال: (بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن) قال قائل: "يا رسول الله وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت) ويتساءل الإنسان هل بلغنا هذا الوضع؟ أو هل نعيش حقًا زمن التداعي؟
إن الناظر في أحوال الأمة الاسلامية يجد أنها قد أصبحت أكثر من أربعين دولة وكل دولة منها كأنها أمة منفصلة عن غيرها. وليس هذا فحسب فما أكثر النزاعات والنفور أو ما يسمى بؤر الخلاف والانفجار فيها. فمن نزاعات اقليمية أو خلاف بين زعيمين لا يتفقان شخصيًا إلى غير ذلك من دواعي الخلاف والفرقة التي لا معنى لها. أما المسلمون الذين يعيشون بين ظهراني الكفار فإنهم مستضعفون غالبًا...الهنود السيخ والهندوك يقيمون المجازر للمسلمين تحت سمع الدول الاسلامية وبصرها...وها هي بورما تطرد تحت تهديد السلاح أكثر من ربع مليون مسلم تطردهم إلى بنغلاديش ليزيدوها همًا على ما لديها...وتبعث المساعدات إلى اللاجئين ولكن ماذا فعلنا لإجبار بورما على قبول عودة المسلمين إلى ديارهم وإعطائهم حقوقهم الكاملة؟ إننا إذا لم نستطع إعادتهم بالقوة، فأين المقاطعة السياسية والاقتصادية والثقافية؟
وها هم المسلمون في البوسنة هرسك واجهوا حرباً شرسة حرب إبادة وحشية يطلقون عليها خداعًا أو تلطيفًا التطهير العرقي وهي الحرب نفسها التي يواجهها إخواننا في العراق وفي سوريا وفي بورما، والغرب يقف متفرجًا مما يذكرنا بموقف الثوريين العرب التقدميين الذين كانوا يطلقون التصريحات: سنفعل وسنفعل...وهي إنما كانت جعجعة ولا طحين. ولا أحد ينكر على الصرب قبول العون من أبناء ملتهم في ألمانيا وروسيا واليونان. أما الرابطة الاسلامية فالحديث عنها تعد دعوة إلى "الأصولية" و "التطرف" و "الاسلام السياسي" . وأي رابطة في الدنيا أقوى من العقيدة الاسلامية إن صحت العقيدة في النفوس؟
    إن التغلب على الوهن والخروج من حالة الغثاء يتطلب خطوات كبيرة أولها أن يعطى الانسان المسلم حقه في العيش بكرامة وإنسانية كما يكفلها له الإسلام الذي جاء في كتابه الكريم (ولقد كرّمنا بني آدم) ولذلك حين خرجت الجيوش الاسلامية من المدينة المنورة كان هدفها إعادة كرامة البشر بعد أن ضيعتها قرونًا حكومات الاستبداد والطغيان. أما الواقع فيدعو للحسرة والندم فالغرب يبذل جهودًا محمومة لإنقاذ رهائنه في لبنان، ونجح الغرب في ذلك.
فكم عدد المسلمين الذين هُجِّروا طوعًا أو كرهًا ولا تحرص بلادهم على عودتهم رغم ما يحمله معظمهم من مؤهلات وخبرات تستطيع أن تسهم في تقدم بلادهم وازدهارها وربما رفعها إلى مصاف الدول المتقدمة. وبدلًا من دعوتهم إلى العودة وتوفير فرص العمل لهم تحرص بعض الدول العربية الاسلامية على إجبارهم على العودة لتردهم إلى ما كانوا فيه من ظلم وجور وحرمان .
وعجيب أمر هذه الدول أنها تنسى أو تتناسى آية الإجارة "وإن استجارك أحد من المشركين فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" فكيف إذا كان المستجير عالم من العلماء أو مهندس أو طبيب. يجب أن نتساءل لماذا هربت هذه الأعداد الغفيرة من المسلمين من ديارها؟ كما يجب أن نتذكر المغتربين وهم في بلادهم وسبب غربتهم عدم مقدرتهم على المشاركة الحقيقية والفعالة في تقدم بلادهم وازدهارها .
لقد أوضح الحديث الشريف طريق الخروج من أزمة التداعي: أن نعود أمة قوية تملك جيشًا مرهوب الجانب، أمة تصنع سلاحها عملًا بقوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ترهبون به عدو الله وعدوكم) فما المهانة إلّا بسبب ضعفنا وتخلفنا في هذا المجال. أما العلاج الثاني فهو الخروج من حب الدنيا وكراهية الموت ... وذلك بالإيمان الصادق أن كلمة الحق لا تقدم أجلًا والسكوت عنها لا يطيل العمر ... وأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت فالذي بيده الخلق هو الذي يرزق خلقه وبيده حياتهم وموتهم . ولذلك عندما وصف القرآن الكريم اليهود وصفهم بالحرص على الحياة وجاء ذكر كلمة حياة نكرة ليعني أي حياة (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) وقول الله تعالى "قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ، ولا يتمنونه أبدًا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين "
فمتى تنتهي أزمة التداعي ؟
 تنبيهات :
أولًا: كانت مقالة أستاذنا الشيخ أحمد محمد جمال حول تعليم أبناء المتعاقدين رائعة جدًا والأمر يحتاج تفصيلًا أكثر. ومن ذلك أن دراسة هؤلاء في مناهجنا سيتيح لهم الفرصة لدراسة أعمق للإسلام لما تتميز به مناهجنا من قوة في هذا المجال بخاصة .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية