أين برامج الأطفال؟

                              
                          
عندما يكثر الحديث عن أمر ما فلا بد أنه يحظى بأهمية عند الذين تناولوه وكذلك لدى الصحف أو المجلات التي نشرت تلك المقالات . وقد وجدت لدي ستة مقالات حول هذا الموضوع خمسة منها تشكو من أن الإنتاج السينمائي والتلفزيوني للأطفال لم يعط الاهتمام الكافي في البلاد العربية الإسلامية فالأستاذ حسين حامد كتب في مجلة المجلة (30/-5/9/1998) تحت عنوان (قنوات الأطفال العربية تخطاها الزمن) أشار فيها إلى كثرة القنوات الفضائية المتخصصة (الأخبار، والتعليمية، والمنوعات والأفلام والأطفال) وأشار إلى أنها كلها تهتم بالحاضر بينما قناة الأطفال وحدها التي تهتم بالمستقبل. وصف حال هذه القنوات بأنها ما تزال تعتمد على البرامج المستوردة أو على برامج وأفلام تخطاها الزمن.
واقترح ثلاثة محاور لانتشال هذه القنوات من تخلفها فالمحور الأول أن يهتم بالكمبيوتر وأهمية هذا الجهاز والدور الذي يقوم به في الحياة الحاضرة والمستقبل، أما المحور الثاني فهو ضرورة الاهتمام بالفيلم التسجيلي والمحور الثالث الاهتمام بالمسابقات الرياضية بين المدارس والنوادي والأحياء . وختم حامد مقالته بقوله: "إننا لا نريد أن نضيف جيلاً جديداً مخدراً مهترىء الوجدان مزيف الإرادة، بل نريد جيلاً يعرف كيف يحصل على المعلومات ويحافظ عليها ويحولها إلى معارف يستفيد منها بعقل واع وإدراك سليم.."
ويشترك معه في الرأي الدكتور عبد الملك مرتاض عكاظ 15جمادى الأولى 1419هـ) حيث يتناول اعتمادنا على الإنتاج العالمي في مجال سينما الأطفال فيقول:"تكنولوجيا السلاح الأجنبي تسيطر على جيوشنا، وتكنولوجيا الثقافة السمعية البصرية تهيمن على تلفزاتنا، فمتى يقع التفكير في تحويل ثقافة الطفل العربي من مستوى الحكي والسرد والشفوية والرواية إلى مستوى التكنولوجيا الجديدة الماثلة خصوصاً في المغريات السمعية البصرية التي لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تغزو بها العالم المعاصر كله.
ثم يتحدث عن قيام شركة والت ديزني الأمريكية بإنتاج فيلم عن قصة فيكتور هوجو البؤساء وكيف أن مجموعة من الرسامين الأمريكيين والأمريكيات انتقلوا إلى فرنسا ليتعرفوا على الثقافة الفرنسية وبالذات الأسقفية التي تشكل محور الأحداث. ويتساءل مرتاض قائلاً: "إلى متى يظل الطفل العربي عالة على السينما العالمية، وعلى الثقافة الغربية في الوقت ذاته؟ وإلى متى نظل نحن راضين نرى ونسمع ولا ننكر ونكتفي بمجرد ترجمة تلك الأفلام ومسلسلات الأطفال إلى اللغة العربية ؟ وهل يكفينا فخراً أن نجتزئ بتعريبها ثم لا نفعل بعد ذلك شيئاً؟
أما الأستاذ سعد الدوسري فقد علّق على أحد برامج قناة الجزيرة متسائلاً: "من مِنْ أثرياء المسلمين دعم إنتاج أفلام سينمائية كرتونية للأطفال عبر أضخم شركات الإنتاج العالمية ليقول من خلالها ما هو الإسلام كرسالة لكل أطفال العالم؟ وأضيف معه يجب أن لا نتوقع من الشركات العالمية أن تنتج لنا أفلاماً تحمل مضموناً إسلامياً مهما دفعنا لها من أموال ولكن علينا أن ننشئ  شركات عربية إسلامية لهذا الهدف .
والحقيقة أنه ثمة شركات عربية إسلامية ولكن من يدعم هذه الشركات الإسلامية القائمة لإنتاج أفلام كرتونية للأطفال؟ لقد قامت إحدى الشركات السعودية بإنتاج ضخم تمثل في أفلام: رحلة خلود، ومحمد الفاتح، والمظفر قطز، وهم على وشك الانتهاء من فيلم عن صلاح الدين الأيوبي. وهذا الإنتاج قد بلغ درجة عالية من الجودة في النواحي الفكرية أولاً حيث يجسد القيم الإسلامية، وثانياً يعرض التاريخ الإسلامي بصورة رائعة. فمن من التلفزيونات العربية أو الإسلامية  اشترى هذا الإنتاج أم فضلوا عليه إنتاج والت ديزني وغيرها من الشركات الأمريكية لأن إنتاجها أرخص (تستطيع هذه الشركات تحقيق عائد مادي في الدول الغربية ثم تبيعنا إنتاجها بأرخص الأسعار) فكأن طفلنا رخيص ولا يستحق أن نبذل له ما يستحق من مال. إن الشركات العربية الإسلامية لم تدخل هذا المجال إلاّ بعد أن تكبدت الكثير من المشاق لتنافس الشركات العالمية ومع ذلك فلم يلق إنتاجها إلاّ الرفض في الغالب مما اضطرها إلى بيع إنتاجها في أشرطة فيديو وما أكثر سرقة الفيديو في عالمنا؟
وقد كتب الدكتور عبد القادر طاش المدينة المنورة 25و الحجة 1418) عن تأثر الأطفال في المجتمعات الغربية بالعنف التلفزيوني الذي ينشأ من مشاهدة الأفلام، وينتقل إلى الحديث عن تأثر أطفال العالم العربي الإسلامي بهذه الأفلام وبخاصة أن الأفلام الأمريكية المستوردة التي بلغت 75%من الإنتاج العالمي حتى أصبح العنف جزءاً من الحياة وفي ختام مقالته يقول طاش: "إن أخطار العنف في التلفزيون تأتينا من استيراد المواد والمسلسلات الأجنبية وتقول إحدى الدراسات أن مشاهدة أطفالنا لتلك المواد والمسلسلات المليئة بمشاهد العنف والإثارة تجعلهم أكثر حدة وأشد ميلاً للعنف! إن الأمر جد خطير ويستحق الاهتمام البالغ قبل فوات الأوان."
ونعود إلى مقولة الأستاذ حسين حامد التي يرى أن قنوات الأطفال العربية تخطاها الزمن. وهي مقولة تبدو صحيحة إلى حد بعيد فما زالت بعض القنوات التلفزيونية العربية متعلقة بأفلام الكرتون التي أكل عليها الزمان وشرب. وكثيراً ما سمعت أطفالي يقولون (لقد شاهدنا هذا عدة مرات بل إنهم قد يكونوا شاهدوا هذه الأفلام قبل عدة سنوات) ومن هذه الأفلام مثلاً أفلام باباي، وأفلام وودي ود بيكر وأفلام جراندايزر وبعض القصص العالمي المدبلج. وما أكثر المدبلجات! وقد ذكرت في مقالة سابقة (التربية الإعلامية) نقلاً عن الدكتور برجس الجميّل أن العالم يواجه خطرين أحدهما أفلام الكرتون اليابانية التي تعلي من شأن القوة المادية بل تكاد تصل إلى درجة عبادة القوة. والخطر الثاني هو الإنتاج السينمائي الأمريكي.
وقد شذّ عن هذه الانتقادات يعقوب الشاروني الكاتب المتخصص في الكتابة للأطفال فقد امتدح القنوات الفضائية العربية بأنها تولي برامج الأطفال اهتماماً كبيراً وأن إنتاج البرامج الخاصة بالأطفال قد ازداد عما كان عليه قبل سنوات. وأشار إلى مشاركته شخصياً في عدد من البرامج ومن ذلك أنه شارك في كتابة الصياغة العربية (ترجمة أو أكثر من ذلك!) لمائة وخمسين حلقة من البرنامج الكندي باسم (أستاذنا أيمن الظريف) وذكر في مقالته (مجلة المجلة 30/8-5/9/1998م) أن مهرجان الطفل الذي يعقده اتحاد الإذاعة والتلفزيون شهد تطوراً وازدياداً في عدد البرامج التي أعدت للأطفال فذكر أنه في عام 1998 وصل عدد الأعمال المقدمة أربعة وثلاثين عملاً شاركت فيها كل من مصر وسوريا والسعودية والمغرب وليبيا وتونس.
قد لا نختلف معه أن عدد البرامج قد ازدادت ولكن هل تغيرت النوعية وهل كانت كثير من هذه الأعمال لا تخرج عن الدبلجة لأعمال غربية كما ذكر هو في البرنامج الكندي. ومع أن هذا العدد الذي ذكره قد يكون كبيراً بالنسبة لما كان عليه الحال قبل خمس سنوات ولكن كم من وقت البث الفضائي يمكن أن تغطي هذه البرامج.
وأتوقف عند رأي الأستاذ شاروني الذي ذكره في نهاية مقالته بأنه من البرامج الجيدة برامج والت ديزني مثل (الجميلة والوحش) و(أحدب نوتردام) و(الأسد الملك) وغيرها. فهذا يناقض ما نادى به كل من ذكرت حيث إننا يجب أن يكون لنا إنتاجنا الخاص بنا الذي يمثل قيمنا الإسلامية وتراثنا. ويجب أن نبادر إلى التفكير ليس في الاكتفاء الذاتي والإنتاج المتواضع الذي يغطي حاجتنا فقط بل علينا أن نتحمل مسئوليتنا في الدعوة إلى الإسلام من خلال الإنتاج التلفزيوني والسينمائي للأطفال. وقد سبق أن كتبت عن العولمة من خلال برامج الأطفال حيث كان البرنامج يطلق على الملابس الأوروبية (الملابس العالمية) وقصة الشعر الفرنسية أو الأوروبية بأنها القَصَّة العالمية. وقد شاهدت حلقات تتناول الديموقراطية والانتخابات وغير ذلك.
ولذلك فالدعوة مفتوحة لأن تبدأ كليات الإعلام في العالم العربي الإسلامي بتبني المواهب في الكتابة والرسم والإخراج والتصوير، وأن من يشاهد أسماء المشاركين في إعداد فيلم كرتوني واحد يذهله العدد الكبير من مختلف المواهب والمهن. وأخيراً وأين برامج الأطفال؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية