يوم بلا تلفاز ،يوم بلا ترفيه

         بسم الله الرحمن الرحيم

                        

يعد عالم الاجتماع والفيلسوف الأمريكي إيرك فرام من أبزر العلماء الغربيين الذين انتقدوا المجتمعات الغربية في العصر الحاضر. ومن بين أبرز كتبه ( المجتمع العاقل) Sane Society وقد تناول في هذا الكتاب تفكك الروابط الاجتماعية في المجتمعات الغربية. وتناول تأثير التلفزيون على التفكير وعلى السلوك. وقد قام بتجربة مع عدد من طلابه وهي أن يمتنعوا اختيارياً عن مشاهدة التلفزيون لعدد من الساعات. وكانت نتائج هذه التجربة عجيبة حيث ذكر البعض منهم أنهم وجدوا صعوبة كبيرة في تمضية الوقت الذي حُدّد للتجربة، بينما قال البعض الآخر أنهم أصيبوا بالملل والضجر . في حين أن الفريق الثالث وجد متعة في الامتناع عن التلفزيون وشغلوا وقتهم في القراءة وفي غير ذلك من الأعمال الاجتماعية المفيدة التي حُرموا منها بسبب الإدمان على التلفزيون.
وقد كتب الدكتور عبد القادر طاش ذات مرة عن مثل هذا الموضوع كما كتب عنه الأستاذ مشعل السديري وتساءل الكاتبان كيف تكون حياتنا بدون هذا الجهاز؟ هل يمكننا الاستغناء عنه؟ وهذا يعني أن هذا الموضوع يستحق الاهتمام والبحث فيه. فهل لدينا بحوث في اللغة العربية حول هذه القضايا؟
إنه سؤال خطير وقد قامت الدول التي اخترعت هذا الجهاز بعمل دراسات وإحصائيات لعدد الساعات التي يمضيها المواطن العادي من مختلف الأعمار أمام هذا الجهاز فكانت النتائج عجيبة . ومن هذه النتائج أن التلفزيون أخذ الكثير من الوقت الذي كان الناس يمضونه في القراءة، كما أثر تأثيراً مباشراً على العلاقات الاجتماعية المباشرة في الأسرة الواحدة ، كما أثر أيضاً على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع. ففي الأسرة الصغيرة كم شاهدت منظر اجتماع الأسرة وتسمّرهم  (كالمسامير) أمام الشاشة الصغيرة وفي أثناء المسلسل يُمْنَعُ الكلامُ والحوار. ويعجبني أحياناً أن أضايق بعض هؤلاء المدمنين بإثارة أي موضوع فأسمع الصرخات من هنا وهناك نريد أن نشاهد المسلسل أو الفيلم. وهنا أصيح فيهم إن هذا التلفاز سيكون سبباً في تقطيع أواصر المحبة بين أفراد الأسرة ويباعد بينهم.
أما تأثر العلاقات الاجتماعية خارج نطاق الأسرة الصغيرة فقد كان هذا الموضوع محور محاضرة أو بحث رئيس جمعية العلوم السياسية الأمريكية في مؤتمرها السنوي الذي عقد قبل سنتين حيث ذكر أن الجيل الذي نشأ منذ بداية البث التلفزيوني قد فقد كثيراً من الحوافز والدوافع للعمل الاجتماعي والمشاركة في الأعمال الخيرية ، وكأنه يقول إن هذا الجيل فقد كثيراً من صفات الشهامة والنخوة. حيث أصبح هذا الجيل مدمناً على مشاهدة التلفزيون ولا يهمه أن يشارك في القضايا الاجتماعية.
ولعل من أخطر المجالات التي أثر فيها التلفزيون هو التأثير الفكري الثقافي حيث أصبح التلفزيون هو العامل الأساسي في توجيه أفكار الشعوب. فتعرض القضايا وتعرض الحلول ومن أخطر الأمور أن يتبنى المشاهد الرأي الذي يعرضه التلفزيون بأساليبه المختلفة حتى يعتقد أو يُخيّل له أن هذا الرأي رأيه. ويقول الرئيس علي عزت بيجوفيتش أن علم نفس الجماهير قد تطور تطوراً كبيراً حتى إن علماء الغرب وفلاسفته وحكماءه باتوا يخشون من دكتاتورية التلفزيون أكثر من خوفهم من الحكومات المستبدة.

ومهما كانت السلبيات لإدمان مشاهدة التلفزيون فإن بعض الأمريكيين وبخاصة من جيل التلفزيون أي جيل الخمسينيات- قد تمردوا على التلفزيون وقد تعرفت إلى بعضهم في أثناء دراستي في الولايات المتحدة في أواخر الستينيات الميلادية وأوائل السبعينيات. وإن كان عددهم قليل جداً حينذاك لكنني أعتقد أن عددهم قد ازداد. ومع ذلك فلا بد من البحث عن وسيلة للحد من إغراء التلفزيون والكسل الجسمي والفكري الذي يتسبب فيه هذا الجهاز. والله الموفق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية