لا يلام التجار وحدهم

                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                       

كتب الدكتور عبد القادر طاش عن عيوب بعض التجار في بلادنا ومنها الجشع والمغالاة في الأسعار، وكان من المدافعين عن التجار الأخ الكريم الأستاذ عبد الرحيم بخاري. ولن أدخل طرفاً في القضية لأدافع عن جانب دون جانب ولكن لأتناول مسألة المغالاة في الأسعار من بعض التجار وبعض السلوك الشرائي لدي الكثير من المواطنين في هذا البلد وفي غيره من البلاد.
كنت ذات يوم في شارع قابل في جدة فنودي لصلاة المغرب فامتلأ المسجد (مسجد عكاش) عن بكرة أبيه وكان كثير من المصلين من التجار. فقلت ما أجمل أن يعتاد التاجر الصلاة وقد جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء) والتاجر الذي يؤدي صلاته حق الأداء لا شك أنها ستنير بصيرته وتصقل أخلاقه وتدعوه إلى الرحمة بعباد الله. ولكن يبقى جانب ينبغي للهيئات الرسمية أن تقوم به وهو تعريف التجار بالأحكام الفقهية للبيع والشراء وقد كثر في أسواقنا الباعة الذين لا يكادون يعرفون الكثير عن هذه الأحكام.
هذا جانب وهو مهم جداً وقد دعت الغرفة التجارية بالمدينة المنورة قبل سنوات (في رمضان) إلى محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ سالم عطية (رحمه الله) في جمع من التجار يعضهم ويعلمهم بعض أمور دينهم في البيع والشراء. ولكن من لهؤلاء الباعة الذين لا يعرفون العربية أو لا يعرفون من اللغة العربية سوى كلمات قليلة لا تتجاوز الأرقام أو أمور البيع والشراء من وصف البضاعة وأنها ممتازة وغير ذلك من المفردات المحدودة.
وحتى لو توفرت تلك الثقافة الشرعية للتجار فإن للتجارة جوانب لا تخفى على المدقق في أمور هذه المهنة وهي أجور المحلات التجارية فبالرغم من كثرة الأسواق فإن بعض المحلات التجارية تؤجر بمبالغ كبيرة جداً بحيث يصبح صاحب المحل شريكاً مع التاجر مما يضطر التاجر إلى وسائل عديدة ليستطيع أن يعيش فمن ذلك استيراد الماركات المقلدة أو المغشوشة أو البضائع الرديئة المغلفة تغليفاً ممتازاً ويعرضها على أنها بضائع جيدة أو يفتح متجره أكبر عدد من الساعات ويضطر العاملين للعمل أكثر من اثنتي عشرة ساعة يومياً دون أن يزيد في أجرهم.
ولا يلام التجار وحدهم بل يلام المستهلكون الذي خضعوا لحمّى الإعلانات التي لم تترك مجالاً لنا لنفكر في حقيقة البضاعة المعروضة، وبغياب إدارات حماية المستهلك من توضيح حقيقة السلع المعروضة فإن هذه الهيئات في البلاد الأخرى تصدر نشراتها وتقاريرها وأدلتها التي تحوي تقويماً للسلع المعروضة في السوق فجهاز التلفزيون من ماركة كذا برقم كذا ليس بأفضل من جهاز تلفزيون آخر من ماركة غير معروفة أو مجهولة وبمواصفات ربما تفوق الجهاز من الماركة المشهورة (كثيرة الدعاية).
والأمر الآخر في سلوكنا الاستهلاكي الذي يشتري ويشتري دون تدقيق أو مراعاة حقيقية للقدرات الشرائية ورحم الله الأقدمون الذي قالوا (على قد لحافك مد رجلك) ولكننا في هذه الأيام نمدها على قد لحافنا ولحاف الجيران كلهم. ويعجبني قولة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي: (أكلما اشتهيتم اشتريتم) أو القول الآخر ( كفى بالمرء سرفاً أن يشتري كلما اشتهى) . وثمة قول ثالث (من اشترى ما لا يحتاج إليه اضطر إلى بيع ما يحتاج إليه). فهل ينتبه عامة الناس إلى هذا السلوك الاستهلاكي ويحاولوا تغييره قدر المستطاع فإن قانون العرض والطلب كما يقال يحكم مسألة التسعير فلو عزف الناس عن شراء منتوجات بعض الشركات أو الشراء من متجر يغالي في أسعاره لربما ردع تلك الشركات أو المتاجر.
ولعل مما يمكن أن نوجه إليه الأنظار في هذه المسألة إلى أن فتح حسابات الشركات الكبرى وكبار المستوردين ومعرفة حقيقة الأسعار في البلاد المصنّعة يقودنا إلى معرفة حقيقة الأسعار في بلادنا أو البلاد المستوردة. كما أنها فرصة إلى تشجيع أصحاب رؤوس الأموال على التفكير في التصنيع فقد كتب الدكتور عبد الواحد الحميد قبل مدة عن تصنيع فوانيس رمضان في الصين بينما لا تحتاج هذه الصناعة إلى تكنولوجيا متطورة.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية