المحور الثاني مصدر الخوف اقتصادياً



يعاني العالم الإسلامي اقتصادياً فدولة مثل فنلندا مثلاً أو إسبانيا تتجاوز قدرتها الاقتصادية عدداً من الدول العربية، ويعاني المسلمون من احتياجهم المستمر للاستيراد من الدول الغربية وبخاصة في مجال السلع الاستراتيجية كالغذاء حيث بلغ الاعتماد على الغذاء الأجنبي حداً خطيراً. ويأتي التهديد الاقتصادي الغربي للعالم الإسلامي من عدة نواح:
أولاً: الأطماع الغربية والعالمية في ثروات الأمة الإسلامية
نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز مقالة للسفير الأمريكي الأسبق جيمس أتكنز James Atkins تحدث فيها عن مخططات المحافظين الجدد للسيطرة على منطقة الخليج العربي منذ عام 1975م، حيث ذكر أنه بعد أزمة النفط عام 1973 وارتفاع أسعار النفط، وقيام المملكة العربية السعودية بقطع إمدادات النفط عن الغرب تنادى عدد من الكتاب والسياسيين في أمريكا إلى ضرورة قيام الولايات المتحدة باحتلال منابع النفط، وأشار إتكنز إلى بعض هذه المجلات مثل مجلة كومنتري Commentary وغيرها،  ولكن تم استبعاد هذا الخيار حتى جاء غزو صدام حسين للكويت، فكانت الفرصة مواتية لأمريكا لوجود شبه دائم في المنطقة([1]). وقد عنون مقالته بأننا وقد أصبحت المنطقة في قبضتنا فهل نتخلى عنها.
وقد اتخذت الإدارات الأمريكية المختلفة الخطوات اللازمة للسيطرة والهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وبخاصة حينما استولى المحافظون الجدد على البيت الأبيض الذين يعرف عنهم الدعوة إلى الإمبراطورية والسيطرة على العالم ومقدراته، وذلك من خلال الحروب واستعمال القوة، ويُصَـّرحون بأن على الولايات المتحدة ألاّ تخجل من استخدام قوتها التي لا منافس لها وبعنف إذا تطلب الأمر للترويج لقيمها حول العالم حتى أن البعض يتحدثون عن الحاجة لإنشاء الإمبراطورية الأمريكية ([2])، وأن أمريكا يجب أن تكون القوة العظمى الوحيدة لعدة عقود، وأن تستخدم القوة لتحقيق ذلك بدلاً من التعاون الدولي ([3]).
        وكأنّ خطوات السيطرة على العالم تبدأ في نظر اليمين الجديد من نزعة السيطرة على الخليج العربي، فهذه الخطة تعود إلى أكثر من ثلاثين سنة، ويرون أن الوقت قد أصبح مناسباً الآن للوصول إلى ذلك، وقد اتخذوا عدداً من الخطوات، وهي:  
1- إنشاء قوة الانتشار السريع.
2- إنشاء القيادة العسكرية المركزية (للإشراف على المنطقة).
    3-  حرب الخليج الثانية بعد احتلال صدام للكويت التي وفرت فرصة الوجود الدائم.
4- الحرب في أفغانستان (الحرب على الإرهاب).
5- الحرب على العراق ([4]).
ثانياً: الشركات المتعددة الجنسيات
فالتهديد الحقيقي هو الصادر من الغرب الذي أسس الشركات المتعددة الجنسيات وقدم الخبرات وأنشأ مؤسسات الاستخبارات الضخمة جداً ذات الأيادي الطويلة وما خبر (لعبة الأمم) عنّا ببعيد. ومن الأمثلة على ما تفعله بعض الشركات المتعددة الجنسيات في الشعوب الإسلامية بخاصة والشعوب الأسيوية والأفريقية بعامة ما كتبه خالد الحروب عن شركة شل وما حققته من أرباح من نشاطاتها البترولية في نيجيريا وبخاصة الواقعة في أراضي قبائل الأرغون. ([5])
كما تناول خالد الحروب ما حدث في كولومبيا من قبل شركة بريتش بتروليوم التي اكتشفت حقلاً نفطياً غنياً من أغنى حقول العالم ويقول حروب:" ثم بدأ    النهب وجاءت السياسة تبارك رأس المال فزار جون ميجور منشآت الشركة برفقة الرئيس الكولومبي عام 1992م والناس ينتظرون وعود الازدهار وخيرات النفط" وكانت النتيجة أن أصبحت الشركة  متعاونة مع قوات تلك الدولة لقمع العمال والشعب الكولومبي"([6])
وما زلت أذكر برنامج (الرأي الآخر) حول الشركات متعددة الجنسيات حيث كان أحد المتحدثين ينتقد الشركات المتعددة الجنسيات بأنها إذا دخلت بلداً عاثت باقتصاده وغيرت أنماط حياته وسلوكه الاجتماعي، وأصبح الغني أكثر غنى والفقير أكثر فقراً. والنتيجة النهائية أن تخرج هذه الشركات بأكبر قدر من الأرباح بينما لا يستفيد البلد المضيف الاستفادة الحقيقية.
إن الشركات المتعددة الجنسيات أصبحت شريكة لشركات محلية في مجالات عديدة فهذه المياه تقوم بتعبئتها شركات المرطبات العالمية في عدد من الدول العربية، حتى إن بعضها يباع بأسعار أغلى من أسعار المياه التي لا تحمل اسم هذه الشركة أو تلك. ولا تكاد شركة أو صناعة محلية تصل إلى درجة من النجاح حتى تستولي عليها إحدى الشركات المتعددة الجنسيات.

ويعترف اللورد (كرومر) وكان الحاكم الانجليزي على مصر بين عامي 1883، و1907 بهذه السياسة الهدامة فيقول: «يمكن تلخيص سياسة الحكومة» المصرية في عهده فيما يلي: تصدير القطن إلى أوربا، ثم استيراد المنسوجات المصنوعة في الخارج ولا تنوي الحكومة المصرية الخاضعة للاحتلال الانجليزي أن تقوم بأي شيء آخر، ولن تقوم بحماية الصناعة القطنية المحلية. بل اتجه المحتل إلى تخريب الصناعات الوطنية وتجريد المسلمين منها بأي وسيلة، قال كرومر في مذكراته: "كانت هناك أحياء في القاهرة تعتبر مراكز فعلية لصناعات متعددة مثل: الغزل والنسيج، إنتاج الشرائط والصباغة، وإنتاج الخيام، والتطريز، والدباغة، وصناعة الأحذية، وصناعة المجوهرات، وصناعة النحاس.. إلخ، ولقد حاولنا إخفاءها تماماً ونشرنا مكانها مقاه، ومحلات أوروبية حديثة تحوي المستحدثات والموضات بعد أن كانت في الماضي ورشاً صناعية، ونجحنا في ذلك إلى حد كبير !!"

ثالثاً: المساعدات الأجنبية
يقدم الغرب الثري مساعدات مالية إلى عدد من الدول العربية والإسلامية لإنجاز مشاريع تنموية في مجال التعليم والصحة والطرق والغذاء وغير ذلكن ولكن هذه المساعدات لا تحقق الأهداف المعلنة، وقد كثر الحديث عنها من خلال كتب صدرت في الغرب ومقالات صدرت في الصحف العربية والغربية. والغرب يمن على الدول الفقيرة أن هذه المساعدات إنما هي لوجه الله أو لأهداف إنسانية، ولكنها في الحقيقة إنما هي "وسيلة من وسائل الاستعمار والهيمنة حتى وإن بدت في ظاهرها بريئة وبعيدة عن الأغراض السيئة"([7])
ومن الأهداف التي تسعى المساعدات الأجنبية إلى تحقيقها أن تصبح البلاد التي تتلقى المساعدات سوقاً لمنتوجات الدول المناحة وبخاصة القمح، فبعض البلاد رغم رقعتها الزراعية الكبيرة لكنها تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية في القمح الذي لا تعطي منه أمريكا إلاّ بقدر ([8])
ولمّا كانت مصر من الدول التي تتلقى المساعدات الأجنبية فكان لا بد لها من تقديم المقابل فكانت كما تقول التقارير الأمريكية " قدمت مصر دعماً ضرورياً للوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط"، هذا بالإضافة إلى المردود الأكبر من هذه المساعدات يعود إلى الدول المانحة من خلال ما ينفق فيها على الأجهزة والموظفين، ويختم طاش بقوله: "فهل رأيتم أبشع من هذا الاستغلال باسم الإنسانية، وهل رأيتم كيف يخدعوننا بشعارات الكرم والأريحية التي تخفي وراءها نوازع الطمع والأنانية"([9])
رابعاً: الديون الأجنبية وهروب الأموال العربية إلى البلاد الغربية.
          قدمت تقارير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية للأعوام الماضية صورة كئيبة عن أوضاع العالم العربي من ناحية نسبة البطالة والفقر والجوع والمرض ونسبة الأمية والإنتاج العلمي وما ينفق على البحث العلمي، كل هذا والعالم العربي بخاصة والعالم الإسلامي بعامة لا تنقصه الموارد والأموال. فالعالم الإسلامي "غني بمساحته وسكانه وموارده، فمساحته تصل إلى ثلاثين بالمائة من مساحة الكرة الأرضية ويبلغ سكانه أكثر من مليار وربع المليار. وينتج العالم الإسلامي كمية هائلة من البترول، فأين تذهب هذه الثروات والأموال؟ إن الإحصائيات كثيرة ومخيفة حول الأموال العربية في الخارج ومن آخر التقارير عن هذه الأموال أن الأرصدة المالية العربية في المؤسسات البنكية خارج العالم العربي تقدر ب 1300 مليار دولار وأن السعوديين يملكون أكثر من نصف القيمة المذكورة في حين أن بين 55% و60% من الأرصدة في الخارج تصب في حسابات بنكية أمريكية.
        كما أن العالم الإسلامي يعاني من الديون الخارجية وقد بلغت هذه الديون 325 مليارا في عام 2000م. ولم يصاحب هذا الارتفاع زيادة مماثلة في الناتج المحلي الإجمالي. في بداية الفترة كانت الديون الخارجية تشكل 12% من الناتج المحلي الإجمالي العربي، فأصبحت في نهايتها 46% منه. وتشكل خدمة هذه الديون عبئاً ثقيلاً على مالية الدولة وتؤثر تأثيراً سلبياً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ([10])



[1] - James E. Akins." Now that our Troops Are in the Oil fields, will we Let Go?" in Los Angeles Times. September 12,1990.
[2]- "Neocon 101 some basic questions answered. "in Christian Science Monitor www.csmonitor.com/specials/neocon191.htm.   on 9/12/1424H
[3] -Nicholas Lemann. " The War on What? The White House and the Debate about Whom to Fight Next" in The New Yorker. September 9, 2002.
[4] -"Thirty Years Itch."  www.Democracynoworg  quoting Mother Jones. March,3, 2003   site seen 8/2/1425H.
1- الحياة في 26رجب 1417هـ
2- المرجع نفسه.
1- عبد القادر طاش " المساعدات الأجنبية"، في صحيفة المدينة المنورة، 10/9/1995م.
2- مجلة المجتمع، (الكويت) 18/7/1995م.
3- طاش، المرجع السابق
4- صالح نعوش. "آفاق المستقبل" في مجلة العصر الإلكترونية" على الرابط
1- مجلة المعرفة (إلكترونية) 18/8/1425هـ(3/10/2004م) على الرابطhttp://www.aljazeera.net/NR/exeres/1899D715-4D84-4007-AC9C-735787EE7B37.htm


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية