تحرير المرأة إسلامياً أم علمانياً



قسّمت باربرا ستوواسر-مدير مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورجتاون- المواقف من مسائل المرأة في العصر الحاضر إلى ثلاثة أصناف هم: دعاة التحديث والمحافظين والأصوليين. وترى أن دعاة التحديث يفهمون الإسلام على أنه دين ديناميكي ويركزون على انفتاحه وتسامحه كما هو في النصوص المقدسة (القرآن والحديث) مما يسمح بمراعاة عوامل الزمن والتغيرات الاجتماعية في تفسيرهم. ويرى دعاة التحديث أن الاهتمامات الاجتماعية المعاصرة متوافقة جوهرياً مع الإسلام المرن كما هو معروف من خلال المجتمع الإسلامي في العصـور الأولى. ويميزون بين الإسلام المفتوح والنقي المبكر وبين التطورات التي حدثت فيما بعد بسبب الفتوحات وأن الإسلام أصبح ديناً عالمياً وكذلك التطورات المدمرة التي أضيفت إليه فيما بعد نتيجة تأثره بالثقافات الأخرى. ([1])
وعدّت ستوواسر من دعاة التحديث الشيخ محمد عبده وقاسم أمين ومحمد رشيد رضا ومحمد أحمد خلف الله. وترى أن منهجهم كان قائماً على الاجتهاد في فهم النصوص المقدسة حتى إن عـبده توصل إلى تحريم التعدد لما فيه من ظلم للمرأة في العصر الحاضر. وترى أن من أسباب هذا الموقف ميل قاسم أمين إلى العلمانية الغربية وأن المسلمين عليهم أن يتخذوا من أمريكا مثالاً لهم" حيث إن هذه الدول التي تتمتع المرأة فيها بالحرية وكل حقوقها تقود كل الأمم الأخرى على طريق الكمال …وكلما قلّد الشرق الغرب أكثر كلما كان ذلك أفضل. أما القول بأن الأخلاق الأوروبية فاسدة وأن الحضارة الإسلامية أكثر روحانية إنما هو تفكير خيالي حالم وانتقام العاجز.. ".([2])
ومن دعاة التحديث الذين تناولتهم ستوواسر محمد أحمد خلف الله من خلال كتابيه القرآن والمشكلات الحياتية المعاصرة وكتابه دراسات في النظم والتشريعات الإسلامية حيث يقول خلف الله بأن القرآن أعطى المرأة الحقوق السياسية التي مارستها بحرية في زمن الرسول [صلى الله عليه وسلم] ولكنها أهملت في عهود الخلفاء الأول. ومن هذه الحقوق حق اختيار رئيـس الدولة، والنساء اللاتي يطالبن بحق الانتخاب إنما يطالبن بحقوقهن المشروعة أن تعاد لهن. وتضيف بأن خـلف الله يرى أن القرآن لم يعط المرأة حق العمل خارج المنزل ولكنها مطالبة بالعمل حيث لا يمكن لأي تطور أن يحدث دون مشاركة قوة عمل المرأة. ولا يحدد القرآن أي لباس خاص بالمرأة. ([3]
أما المحافظون فهم في رأيها فهم علماء الأزهر وعباس محمود العقاد وطلعت حرب (صاحب فكرة إنشاء بنك مصر) وغيرهم وقد نقلت كثيراً من آراء هذه الفئة من حيث خلق المرأة وقدراتها العقلية والبدنية والاختلاف بينها وبين الرجل وأن هذا الاختلاف تطلب أن يكون ثمة اختلاف في المهمات والأعمال التي يقوم بها كل طرف. وأن هذا الاختلاف في الطبيعة والفطرة ليس سبباً في عدم المساواة فإن المساواة تتحقق في الواجبات والتكاليف الشرعية. وترى ستوواسر أن أبرز نقاط الاختلاف بين دعاة التحديث والمحـافظين إنما هو في قضية العمل ومشاركة المرأة في الحياة العامة. فالمحافظون يستخدمون القضايا الأخلاقية للدعوة إلى بقاء المرأة في المنزل وأن لا يكون عملها خارج المنزل إلاّ بمنزلة الضرورة التي تقدر بقدرها، وحالما انتهت تلك الضرورة فعلى المرأة أن تعود إلى المنزل. ([4])
أما الصنف الثالث الذي تناولته ستوواسر وغيرها من الكتّاب في الدوائر الاستشراقية فهم الأصولـيون وتصفهم بأنهم "حَرْفيون نشطون يصرون على التفسير الحرفي للنصوص المقـدسة وغالباً ما يهملون عمل العلماء خلال القرون السابقة. وبدلاً من ذلك يقومون بترجمـة النصوص مبـاشرة إلى الفكر المعاصر والعمل. والأصولية ليست أمراً جديداً في الإسلام وإنما تعود إلى القرون الوسطى.
وتزعم بأن الأصوليين ليسوا في الغالب خبراء في العقيدة الإسلامية فالأصوليون يؤيدون الشريعة كقضية عاطفية ويتمسكون بل ينادون بصخب بإعادة تطبيقها في كل البلاد الإسلامية وفي كـل مجالات الحياة ولكن معرفتهم بها مشوشة. ولا يعرفون معنى "العودة إلى الشريعة" من الناحية العملية هل سيكون ذلك بإحياء المذاهب القديمة بكاملها أو أن قانوناً مبني على القـرآن يجب أن يكتب وإذا كان كذلك فمن سيقوم بذلك؟ وتضيف ونظراً لأن الأصوليين من العامّة فإنهم يعتمدون على التفسير الفردي للنصوص(اجتهاد) وليس على التقاليد أو الإجماع. ([5])
وإن كان الباحثون الآخرون في الدراسات الاستشراقية المعاصرة لا يتفقون تماماً مع ستوواسر في هذا التقسيم إلاّ أنهم يتناولون الحركات الإسلامية الداعية إلى العودة إلى الإسلام-وهو مطلب الشعوب الإسلامية كلها عدا من اجتالهم الفكر الغربي-على أنها العدو الأول فهذه ميرفت حاتم تكتب قائلة:"النتيجة الخالصة لهذه التحركات نحو زيادة الأسلمة في مصر والسـودان والجزائر كانت تتصف بالمحافظة والاضطهاد. وإن إيجاد نظام قانوني يعتقد بأنه أكثر انسجاماً (يتفق مع بعض جوانب الشريعة) فإنهم استبعدوا منابع الغموض القانوني الذي جعل المرأة أكثر قدرة على الحركة في مجال أوضاعها الشخصية. وزيادة على ذلك فقد واجهت النساء هذه التغيرات بسلبية وشعروا بالتهديد بسببها. وقد شجع هذا الجو قيام تنظيم علماني لنساء الطبقة المتوسطة أكثر من أي التزام بحقوق النساء. ([6])
وترى ميرفت أن الإسلاميين نجحوا في أن تتراجع بعض مكاسب النساء وبخاصة في الدول التي كان من المتوقع أن تكون الأكثر تقدماً مثل مصر والسودان والجزائر. وتزعم أن هذه الـدول دخلت في تحالفات سريعة مع المجموعات الإسلامية في السبعينيات والثمانينيات وغيرت أيديولوجية الدول وقوانينها لتعكس التغيرات الاجتماعية والمسالك السياسية. وتشير إلى أن مصر كان دستورها ينص على أن الشريعة مصدر رئيس للتشريع أصبح ينص على أن (الشريعة هي المصدر الرئيس) ([7])
وتقسم فاطمة مرنيسي المجتمع (ضمن تقسيمات كثيرة) إلى الأصوليين والمرأة السافرة. وترى أنهما ظهرا بعد انتهاء الاستعمار …وكلاهما في مرحلة واحدة من العمر فهما شباب وحصلا على إمكانات تعليمية واحدة، فبينما يحاول الرجال الحصول على السلطة من خلال الدين وإحيائه، ولهؤلاء الأصوليين خلفيات حضرية جديدة وهم من الطبقات المتوسطة والمتوسطة الدنيا. أما النساء السافرات فينتمين في الغالب إلى الطبقات العليا والطبقات المتوسطة المتحضرة. ([8])
والحديث عن الخلفيات الثقافية والتعليمية والاقتصادية للاتجاهات المختلفة في المجتمع الإسلامي أمر قديم في الدراسات الاستشراقية وقد يصدق أحياناً وفي الغالب الاتجاه نحو الإسلام والتمسـك به أمر لا يخص طبقة دون أخرى. ولكن لعلها أقرب إلى الحقيقة في موضوع النساء السافرات فإن التأثر بالغرب يكون أكثر لدى هؤلاء لقربهم من الثقافة الغربية وتأثرهم بالغرب. وهنا لا بد أن أذكر كتاباً صدر في مصر قبل أعوام بعنوان الانفجار الجنسي أشار إلى أن عدد الأجـانب في مصر عام 1800 لم يزد على مائة شخص ارتفع إلى خمسين ألف ومائتي ألف في بداية القرن العشرين. جاء في عرض الكتاب "أن هؤلاء الأجانب علّموا المصريين بمختلف طبقاتهم تناول الخمور ومتعة الحفلات الضخمة التي كانت تسمى في ذلك الوقت "الباللو" وعلمّوهم ارتداء البنطلون ثم الرقص للمرة الأولى على أنغام الموسيقى…."([9])
وترى باحثة أمريكية أن حركة "تحرير" المرأة المصرية حافظت على تقليد قوي وهو الاستقلال عن الدولة والأحزاب السياسية بما لا يشبه أي استقلال في الشرق الأوسط. ([10]) والأمر لا يحتاج إلى نقاش طويل فإن الحركة النسائية ما كان لها أن تعمل وتنشط لولا الدعم الحكومي والدعم الأجنبي. فإن القيام بمثل هذه النشاطات والتحركات ما كان ليتم لولا دعم الحكومات العربية وبخاصة التي تسلمها العسكر في العالم العربي. أما الدعم الأجنبي فيظهر في الـدعوات والمؤتمرات والندوات التي كانت تدعى لها زعيمات الحركات النسائية وكذلك تمويل نشاطات هذه الحركات. ([11])
    وفي الجامعة الأمريكية بالقاهرة يعمل أستاذ علم الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم على محاربة الحركات الإسلامية ومن الأمور التي يهتم بها كثيراً -بحكم تخصصه- مسألة المرأة وقـد جاء في دراسة له بالاشتراك مع باحث أمريكي (نيكولاس هوبكنز):" إن العائلة المعاصرة التي تسكن المدينة، تسير بثبات ولكن بتمهل نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، بهذا النمط من العائلات لم يعد ينزع حالياً إلى تطبيق التقاليد بحذافيرها، كما كان يفعل سابقاً خلال فترة ما بين القرن التاسع والقرن التاسع عشر."([12])




[1] -Barbara F. Stowasser. “Women’s Issues in Modern Islamic Thought.” In Arab Women. Op., Cit. P3-4.
[2] -Ibid.
[3] -المرجع نفسه. ويلاحظ أن المؤلفة أعطت خلف الله أكثر من صفحة ونصف. وهذا يدل على أن هوى المستشرقين مع هؤلاء وهم لا يخجلون من التصريح بذلك أحياناً.
[4] -Ibid. p 15-17.
[5] -Ibid. p.20.
[6] -Mervat Hatem. “Toward The Development of Post-Islamist and Post- Nationalist Feminist Discourses in The Middle East.” In Arab Women. Op., Cit. P 30-31.
[7] -Ibid.
[8] -Mernissi. Op., Cit. P xi.
[9] -على عطا. "عرض لكتاب الانفجار الجنسي في مصر ل ياسر أيوب." في الحياة ع 11715، 18شوال 1415(19مارس 1995).
[10] -Margot Badran. Independent Women: More than a Century of Feminism in Egypt. in Arab Women.Op., Cit. P 129.
[11] -محمد عطية خميس. مؤامرات ضد الأسرة المسلمة. (القاهرة: بدون ناشر)84وما بعدها.
[12] -سهى عبد القادر. مرجع سابق نقلا عن كتاب Arab Society In Transition

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية