المرجفون ... لماذا نتركهم؟

بسم الله الرحمن الرحيم

ابتليت هذه الأمة منذ نشأتها بعدوين خطيرين، عدو داخلي وعدو خارجي. وكان العدو الداخلي يتمثل في المنافقين واليهود. وقد أطلق عليهم القرآن الكريم المرجفين. ولذلك كان من مهمات الامة الأساسية محاولة الكشف عن النفاق ومظاهره ومحاربة هؤلاء حتى لا ينجحوا في خلخلة الصف الاسلامي.
وقد تنوعت اصناف هذا العدو الداخلي في العصر الحاضر مما يعيق عودة الامة الى سابق مجدها وعزتها وقوتها. وفي هذه الكلمة الموجزة التي اوجهها الى العاملين في مجال الدعوة داعيا الى التنبه الى العدو الداخلي، وليبدأ كل واحد منا بنفسه فيعرض أعماله على الكتاب والسنة فهما المعياران اللذان يجب على الأمة ان تحرص على التمسك بهما كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا كتاب الله وسنتي).
    ومن اشد اعداء الامة الداخليين اولئك الذين يزعمون انهم ـ وحدهم ـ على الحق دون سواهم بغير دليل من كتاب أو سنة أو فقه، وهم بذلك يسعون في تفريق شمل الأمة، وكأني بهم الذين عنتهم الآية الكريمة (الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء). لقد كَمُل الدين وتمت الرسالة، وقد وضع علماء الأمة الاعلام الأسس والقواعد فأوضحوا ما يسوغ فيه الاختلاف وما لا يسوغ، وأوضحوا لنا بسلوكهم قبل أقوالهم ضرورة وحدة الامة ونبهونا الى مخاطر الفرقة. وهم بذلك يتبعون قول الله عز وجل " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " وقوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) فما بال اقوام منّا لا يكفون عن الطعن في غيرهم دونما مبرر إلا رغبة في الانتصار والغلبة واتباعا لشهوة النفس وهواها. ويكاد هؤلاء من غيظهم ان الأمة تلقت اعمال غيرهم بالقبول ونبذتهم هم لتطرفهم في الطعن والتشنيع حتى لا يكاد حديثهم ان يخرج عن هذا الموضوع، وحتى كادوا ان يترضوا عن الذين اجمعت الامة انهم كانوا من الطغاة.
    وثمة عدو آخر يزعم انه يريد مصلحة الأمة ولكن أخطأ الطريق اولئك هم العلمانيون الذين اتخذوا من القومية العلمانية اربابا من دون الله. وهذه القومية لا تختلف عن عصبية الجاهلية التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتركها بقوله: (دعوها فإنها نتنة)، ولما كان من لوازم القومية التمسك بالعلمانية والتفريق بين الدين والسياسة، استنكروا على علماء الأمة الأخيار أن يتحدثوا في الشؤون العامة، ويريدون من العلماء ان يقتصر دورهم على الحديث في أبواب معينة من الفقه الاسلامي لا يتجاوزونها مثل الطهارة والعبادات والزواج والطلاق والحيض والنفاس … الخ. وقد جهل هؤلاء ان الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم والذين أمرنا ان نتبع سنتهم كانوا من أعلم الأمة بالإسلام، وقد تولوا مناصب السياسة والقيادة. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه تبلغ الدولة الاسلامية في عهده جزيرة العرب كاملة والشام ومصر والعراق وبلاد فارس ويتولى الحكم اثنتي عشرة سنة يمارس السياسة بكل صنوفها. فهل يحتاج علماء الامة ان يغلفوا دعوتهم السياسية بالدين؟ الا بئس ما يحكم العلمانيون!

 المدينة المنورة العدد 11748 في 7 محرم 1416هـ الموافق5  يونية 1995م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية