الطيب العقبى

بسم الله الرحمن الرحيم

نسبه ومولده ونشأته:
           هو الطيب بن محمد بن إبراهيم بن الحاج صالح بن إبراهيم وأصل أسرته من القبائل العربية التي تبربرت ، ولد في قرية شيدي عقبة في الجنوب الشرقي من الجزائر في 15 شوال 1307 ه ( 3/6/1890 م ) ، هاجر مع أسرته كلها إلى الحجاز سنة 1313 هجرية واستقرت الأسرة في المدينة المنورة حيث حفظ القرآن الكريم وتلقى العلوم الشرعية في المسجد النبوي الشريف حتى أصبح مدرسًا فيه .وكان من نشاطاته في هذه الفترة الكتابة في بعض الصحف الشرقية قبل الحرب العالمية الأولى مما جعل الحكومة التركية تعده من أنصار النهضة العربية فقررت إبعاده إلى تركيا في 23 محرم 1335 الموافق 18/ 11/ 1916 ، وعاد إلى الحجاز بعد سنتين فأكرمه الشريف حسين وعينه مديرًا لجريدة "القبلة" و "المطبعة الأميرية" .
        عاد العقبى إلى الجزائر عام سنة 1339 ه = 1920 م حيث شغل فترة بقضايا تتعلق بأملاك أسرته وبطلب العيش ولكنه سرعان ما عاد إلى إلقاء الدروس والتعليم في مساجد مدينة بسكرة وكذلك المشاركة في الصحافة الاسلامية التي بدأت في الظهور في ذلك الحين ومنها " صدى الصحراء " و " المنتقد " وكانت كتاباته قوية تصل إلى درجة العنف في تصحيح عقائد بعض أصحاب الطرق الصوفية الذين انحرفوا كثيرًا عن العقيدة السلفية الصافية النقية. ولم يكتف بهذا بل أسس جريدة الاصلاح سنة 1346 = 1927 ولقرب بسكرة من تونس أراد العقبى أن يطبع صحيفته هناك ولكن القيود الاستعمارية والعراقيل التي وضعت في طريقه لم يصدر العدد الثاني إلا بعد سنتين في 2 ربيع الثاني 1348 = 5 سبتمبر 1929 م وقد تناول فيها موضوعات شتى من أبرزها التجنس بالجنسية الفرنسية.
     وكان انتقال العقبى إلى الجزائر بعد افتتاح نادي الترقي سنة 1927 (1346) ليتولى التدريس فيه وكما يقول مالك بن نبي أن أهل العاصمة أرادوا أن يكون للعاصمة عالمها كما كان ابن باديس في قسنطينة (مذكرات شاهد قرن – الطفل، ص 327). وازدادت حماسة العقبى في العمل لنشر الدعوة الاسلامية وإصلاح المجتمع في العاصمة مما أصابه من فساد في الأخلاق حتى كانت العاصمة أصبحت موئلًا للجريمة. فكان العقبى داعية بحق فانطلق يدعو بين جميع فئات المجتمع وبخاصة العمال حتى أطلق عليه " مروّض العاصمة " وتَكَوَّن من عمال الميناء ما أطلقت عليه فرنسا " الجيش الأزرق " نسبة إلى لون الزي الذي يرتدونه.
      وما إن تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حتى كان العقبى من أعضائها المؤسسين وأصبح العقبى مكلفًا من قبل الجمعية بنشر الدعوة في العاصمة وما حولها من القرى. فقام بعمله خير قيام وأوضح دليل على هذا أنه لم يمض سنتان على عمله في العاصمة ممثلا لجمعية العلماء حتى أصدرت الادارة الفرنسية في الجزائر في 23/10/1351 (18/2/1933) منشورا يقضي بمنع العلماء من الوعظ والتدريس في المساجد الحكومية كما عزل مدير اللجنة الدينية وتولى هذه اللجنة حاكم عام الجزائر ثم عين فيها من يدور في فلك الاستعمار. وكان هذا المنشور موجهًا بالدرجة الأولى ضد الشيخ العقبى وقد قامت مظاهرات عديدة احتجاجًا على هذا المنشور مطالبة بعودة العقبى إلى التدريس.
      وفي سنة 1351 ه (19 33 م) أصدرت الجمعية ثلاثة صحف أوقفت بعد صدورها واحدة تلو الأخرى وكان العقبى مشاركًا في رئاسة التحرير مع محمد السعيد الزاهري. ثم لم يسمح للجمعية بإصدار صحيفة باسمها حتى عام 1354 ه (1935) حيث أصدرت الجمعية صحيفة البصائر برئاسة العقبى فقط. وسار بالصحيفة بقوة واقتدار في مواجهة أصحاب الطرق الصوفية المنحرفين منهم ومواجهة فرنسا ومحاولتها المستمرة عرقلة التعليم الاسلامي.
     ولا يكتمل الحديث عن العقبى دون التوقف عند قضية خطيرة وهي أنه اتهم بالتحريض على قتل مفتي الجزائر محمود بن دالي ( المعروف ب كحول ) في سنة 1355 ( أغسطس 1936) وذلك للقضاء على مكانة العقبى في نفوس الجماهير ولكن المتهم ( القاتل ) اعترف بأنه لا يعرف العقبى وليس له شأن بالجريمة وأطلق سراح العقبى ولكنه ظل ثلاث سنوات عرضة للمطالبات القضائية وكان مما قاله ابن باديس عن هذه القضية بأنها " ليست قضية اعتيادية ولا هي قضية فرد أو جماعة وإنما هي قضية شعب ضرب بعضه ببعض وقتل منه فرد لتقتل به الجملة " وبلغ من اهتمام ابن باديس رحمه الله أنه كان يحضر جلسات المحكمة ويجلس في الصفوف الأولى وكانت المرة الأولى التي قطع فيها دروسه .
 أما القضية الأخرى فهي خروج العقبى من جمعية العلماء عشية قيام الحرب العالمية الثانية حينما طالبت فرنسا جمعية العلماء ببعث برقية تأييد لفرنسا في الحرب وكان العقبى يؤيد إرسال البرقية بينما عارض ذلك غالبية المجلس الاداري للجمعية. فما كان من العقبى إلا أن خرج من المجلس الاداري وظل عضوًا عاملًا في الجمعية التي كان من أوائل المؤسسين لها المؤمنين بمبادئها وأهدافها.
       وبخروج العقبى من المجلس الاداري تعرض لكثير من الانتقاد ولاسيما أنه أعاد اصدار صحيفته الاصلاح واستمر في القاء دروسه ولكن دون التعرض مباشرة للحكومة الفرنسية. اما مواقفه الاصلاحية ودعوته للتمسك بالعقيدة الصحيحة فلم يتغير من ذلك شيء وكمل هكذا حتى توفاه الله في مايو 1960 (ذو القعدة 1379 ه) رحم الله العقبى وغفر له.



المراجع
الصحف
الاصلاح-1346-1348(1927-1930) والسلسلة الثانية 1359-
صدى الصحراء، 1345-1926
الشهاب من 1344-1358-(1925_1939)
السنة والشريعة والصراط (لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
1352-1933
البصائر 1355-1358 ه (1935-1939 م)
الكتب والمقالات
دبوز، محمد علي. أعلام الاصلاح في الجزائر، قسنطينة: دار البعث 1394-1974 (أربعة أجزاء)
سعد الله، أبو القاسم. الحركة الوطنية الجزائرية الجزء الثاني 1900-1930، الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، ط3، 1983 م .
. الحركة الوطنية الجزائرية الجزء الثالث 1930-1945، الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب ط3 ،1985 م.
خير الدين، محمد. مذكرات الشيخ محمد خير الدين. الجزء الأول. نشر محمد خير الدين. ط1 1958 ه=1931-1939، دمشق:دار القلم 1408ه-1988م


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية