المرأة المسلمة والمرأة في الغرب


                

          بدأ اهتمامي بهذا الموضوع في أثناء إعدادي بحث الماجستير في التاريخ الحديث حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وجدت اهتماماً من الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله بالمرأة الجزائرية حتى إنه عندما أنشأ جمعية التربية والتعليم جعل النظام الأساسي ينص على قبول الفتيات في الجمعية مجاناً سواء كنّ قادرات أو غير قادرات، كما وجدت اهتمامه بالمرأة عموماً حيث كتب ذات مرة: "إن البيت هو المدرسة الأولى والمصنع الأصلي لتكوين الرجال وتدين المرأة هو أساس حفظ الدين والخلق."([1]) لماذا تعاقب المرأة بتعليمها؟ هل العلم ورد صفاء للرجال ومنهل كدر للنساء؟ هل له تأثيران حسن على فكر الذكور قبيح على فكر الإناث."([2])
          وكنت كلما تعمقت في دراسة الاستشراق وجدت هذا الموضوع ينال حظاً وافراً من جهود المستشرقين لا يقل أهمية عن اهتمامهم بالقضايا السياسية والثقافية بل قد يفوقها جميعاً. فالمستشرق برنارد لويس -وهو مؤرخ أساساً-اهتم بقضايا المرأة في المجتمع الإسلامي على مر العصور وعلاقة الرجل بالمرأة.ولا تكاد تجد كتاباً يتحدث عن الإسلام دون أن يكون للحديث عن المرأة وقضاياها نصيب فيه.
          وتأكد هذا الاهتمام بالنسبة لي من خلال الأمور الآتية:
أولاً: تم اختيار باحثة باكستانية لإلقاء المحاضرة الافتتاحية في بداية المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين الذي عقد في ليدن في الفترة من 3-7 يونيو 1996 وحضره أكثـر من مائتي عالم من جميع أنحاء العالم -وهو شرف كبير في مثل هذه المؤتمرات-، وتزعم هذه الباحثة أنها من الناشطات في حركة تحرير المرأة.
ثانياً: أصبحت منذ سنتين عضواً في رابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط التي تأسست عام 1985م(1405) هذه الرابطة قد انبثقت عن رابطة دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة الأمريكية، ووجدت أن لهذه الرابطة نشاطاً كبيراً في مجال دراسات المرأة وعقد الندوات والمحاضرات وإرسال الباحثات إلى أنحاء العالم العربي للقيام بدراسات ميدانية.
ثالثاً: سيل الكتب الذي لا ينقطع عن الصدور حول الإسلام وبخاصة حول قضايا المرأة ويمكن التعـرف إلى هذه الإصدارات من خلال النشرات التي تصدرها دور النشر والجامعات والمؤسسات العلمية ومراكز البحوث في الغرب.
رابعاً: المؤتمرات العالمية التي عقدت في السنوات الثلاث الماضية وحشدت لها الأمم المتحدة إمكانات ضخمة حيث بلغ الحضور عشرات الألوف في مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية ثم المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين بالصين وتناولت في الأساس قضايا المرأة ومكانتها في التشريعات المختلفة وأرادت أن تصل إلى تشريعات تفرضها على الدول المختلفة حتى لو كانت هذه التشريعات تخالف معتقدات الأمة الإسلامية. ولقد كانت الأمة الإسلامية هي أول المستهدفين بهذه المؤتمرات، لأنها الوحيدة التي تملك من التشريعات ما يخالف تشريعات ومبادئ ونظم الحضارة الغربية التي تريد أن تهيمن على العالم كله من خلال هذه المنظمة الدولية.
          خامساً: الاهتمام بالمرأة في المملكة بطريقة ملفتة للانتباه فيثار بين الحين والآخر موضوع الاختلاط في جامعة كبرى ثم الاختلاط في التعليم حيث يدرس الأطفال عند معلمات حتى الصف الثالث، ثم ابتداع نظام ضد التحرش الجنسي وإقراره. وكذلك دخول المرأة المحافل الرسمية مثل مجلس الشورى وغيره.
وتأتي أهمية دراسة هذا الموضوع أن المرأة ليس كما يزعم البعض بأنها نصف المجتمع فإن المجتمـع الإسـلامي من ناحية التعداد والحديث عن النصف المعطل كما يزعمون فالإسلام لا ينظر إلى المرأة بهذه الطريقة القاصرة؛ لأن الرجل والمرأة يكمل أحدهما الآخر، فإذا ما تم التأثير في المرأة في أخلاقها وعلاقاتها بزوجها وأبنائها فإن المجتمع يتأثر كله. وقد كانت المرأة المسلمة ذات مركـز عظيم في تاريخ هذه الأمة العظيمة منذ أن كان أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة رضي الله عنها. ولكن الاستشراق استطاع أن يكون له تأثير من خلال الجهود الضخمة التي سوف تتناول هذه المحاضرة نماذج منها بالإضافة إلى أننا ألحقنـا بالدراسات الاستشراقية ما كتبته بعض النساء المسلمات اللاتي تقوم الدوائر الاستشراقيـة بترجمته ونشره وتدريسه في الجامعات الغربية. فهذه نوال السعداوي مثلاً -وكما تقول سهى عبد القادر_" تستند بشكل واسـع وتفصيلي إلى مؤلفات إلى مؤلفات فرويد وكارن هورني Karen Horney وكينسي   Kinsey وماسترز وسواهم ممن عالج أوضاع المرأة من الناحية الجنسية والنفسية، كذلك فإنها تعتمد أيضاً على مؤلفات جوليت ميشال وجيرمان جريد، وسيمون دي بوفوارSimon de Beavoir "([3]) وتدعى السعداوي لإلقاء المحاضرات وحضور الندوات والمؤتمرات في الغرب بصفة مستمرة ن كما تتحدث من خلال الإذاعات الموجهة كهيئة الإذاعة البريطانية وصوت أمريكا وإذاعة مونت كارلو وغيرها.
ولعل من أخطر ما في الدراسات الاستشراقية أن بعضها يزعم " أن القرآن لم يقدم شرائع خلقيـة أو قيماً روحية بكل معنى الكلمة، ذلك لأنه يعتبر أن التمتع بالملذات الجسدية، خاصة تلك العائدة للرجل، وهو أمر مألوف وموفر، أما المرأة من جهة أخرى فهي أولاً وقبل كل شيء سلعة للتمتع الجنسي يجب تأمين الحراسة عليها خوفاً من طغيان الفحـش والدعارة الكامنة فيها! كما يجب عزلها خلف الأحجبة والستائرلقد أصبح ضرورياً استحداث تشريعات وأنظمة حديثة لتنظيم الحياة الجنسية ولإزالة القيود التي تحد من طاقة المرأة "([4])
ولا شك أن مثل هذه الأفكار هي التي قادت الأمم المتحدة في مؤتمراتها المختلفة في المكسيك وفي القاهرة وفي بكين وغيرها، وفي الميثاق الذي أعدته لمحاربة كل أشكال التمييز ضد المرأة لفرض قيم ومبادئ وتشريعات على الأمة الإسلامية.
          ومما يؤكد الاهتمام بدراسة قضية المرأة في الكتابات الاستشراقية أنهم يحتفلون بالنساء المتمردات من العالم الإسلامي أو من يكتبن على شاكلة الكتابات الغربية؟ فتتم ترجمة كتاباتهن -إن لم يكتـبن باللغات الأوروبية-إلى اللغات الأوروبية المختلفة، ويدعين للحديث عن المرأة المسلمة، وعن أدق خصوصياتها. وتقدم لهن المنح والهبات.
وسوف تتناول هذه المحاضرة عدة محاور:
الأول: خَلق المرأة ومكانتها بالنسبة للرجل من خلال: الزواج والطلاق والتعدد
الثاني: حقوق الملكية والعمل والزواج والطلاق والتعدد.
الثالث: تحرير المرأة: إسلامياً أم علمانياً
الرابع: النشاطات الاستشراقية في دراسة المرأة المسلمة.
          ولا يهدف هذا البحث الرد على شبهات المستشرقين وأخطائهم إلاّ بقدر ما يوضح الشبهة ويرد عليها بإيجاز. أمّا الردود الموسّعة فمكانه البحوث المفصلة في هذا المجال، حيث أعد الدكتور محمـد بن سعيد السرحاني خطة بحث للدكتوراه في رؤية الاستشراق الأمريكي المعاصر للمرأة المسلمة ([5])



[1] -الشهاب. مجلد 11، ج 8 شعبان 1354هـ، نوفمبر 1930.
[2] -المنتقد. العدد 8، 30 محرم 1344، 20 أغسطس 1925.
[3] -سهى عبد القادر، " دراسة الاتجاهات في أبحاث العلوم الاجتماعية حول المرأة في المنطقة العربية للفترة من 1960-1980مع ببليوغرافيا مختارة. في الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر واليونسكو،1984) ص 273-274.
[4] -المرجع نفسه ص 256-257 وتشير سهى إلى يوسكوت Bousguot1966 ، وبولوBollough 1973 ومرنيسي 1975وأندرسون 1970.)
[5] -محمد بن سعيد السرحاني." رؤية الاستشراق الأمريكي للمرأة المسلمة: دراسة نقدية." (موضوع مقترح) قدمت لقسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة، ولم تتم الموافقة عليها، ولكنه موضوع جدير بالبحث وأرجو أن يقوم الباحث بدراسته بعد حصوله على الدكتوراه أو يقوم به باحث آخر، وحتى لو تعددت البحوث فالموضوع جدير بالاهتمام. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية