درس من تاريخ الملك عبد العزيز والإعلام الخارجي

                                بسم الله الرحمن الرحيم

                          
حضرت قبل أيام محاضرة للدكتور عبد الرحمن الشبيلي حول الإعلام الخارجي في عهد الملك عبد العزيز، فذكر أن المملكة العربية السعودية تعرضت لحملات إعلامية شرسة من قبل كثير من الدول العربية والإسلامية بعد دخول الملك عبد العزيز مكة المكرمة، وكان من نتائج هذه الحملة أن تأثر موسم الحج لأعوام وأعوام. فما كان من الملك عبد العزيز إلاّ أن تفتق ذهنه عن طريقة مبدعة رائعة في الرد على هذه الحملات.
فماذا فعل الملك عبد العزيز رحمه الله؟ لقد اختار عدداً من المبعوثين الذين يملك معظمهم مؤهلات إعلامية بل مارس بعضهم الإعلام كتابة ونشراً فأرسلهم إلى أنحاء العالم الإسلامي للرد على هذه الحملات بوسائل كثيرة من بينها إصدار الكتب والمجلات وإنشاء المدارس و" عقد اللقاءات في الجمعيات الإسلامية والهيئات الاجتماعية المؤثرة."وغيرها، وأقام بعضهم في البلاد التي بعثوا إليها عدة سنوات حتى تحسنت الأحوال وعاد موسم الحج كما كان بل أكثر ازدهاراً. وكان من هؤلاء المبعوثين عبد العزيز الرشيد- المؤرخ والصحفي الكويتي-  حيث بعثه الملك عبد العزيز رحمه الله إلى بلاد الملايو حيث أصدر هناك مجلتين، ومنهم أيضاً أحمد السوركتي الأنصاري –من أصل سوداني كان مقيماً في المدينة المنورة – وعبد الحميد الخطيب الذي بعثه إلى القارة الهندية.
واليوم وبلادنا تتعرض لهجمة شرسة من الإعلام الغربي لا تتوقف حتى تخصص عدد من الكتاب وأساتذة الجامعات للكتابة حول المملكة والطعن في سياستها ومن هؤلاء على سبيل المثال( سنعرض لهم إن شاء الله في مقالات قادمة) دانيال بايبز Daniel Pipes وبرنارد لويس Bernard Lewis وغيرهما. فهل نستلهم تجربة الملك عبد العزيز في اختيار عدد من أبناء البلاد من العلماء الأفاضل وممن يملكون ناصية الكلمة كتابة وخطابة ويملكون ناصية القول بياناً وإقناعاً ويملكون العلم. كما يُتطلب في هؤلاء أن يعرفوا البلاد التي يذهبون إليها معرفة دقيقة وأن يعرفون العقليات التي يخاطبون.
 إن هذا الأمر يتطلب دراسة واعية من قبل سفارات خادم الحرمين الشريفين في البلاد المختلفة وبخاصة في أوروبا وأمريكا حيث تتركز الدعاية المضادة للمملكة وللإسلام حيث يمكن أن تقدم هذه السفارات تقارير حول المؤسسات الثقافية والعلمية والبحثية المؤثرة – وإن كان بعض المتخصصين في الاستشراق حالياً على علم ببعض هذه المؤسسات- وكذلك تقديم أسماء القيادات الفكرية المؤثرة سواءً التي تولت كبر الحملة ضد المملكة والإسلام وأيضاً الشخصيات المعتدلة المنصفة في هذه البلاد.
ويحضرني في هذا المجال أن الحكومة البريطانية قد قامت بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956هـ بإرسال برنارد لويس أستاذ التاريخ بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية ليقوم بجولة في عدد من المدن الأمريكية عام 1957 حيث مكث ثلاثة أشهر يلقي المحاضرات ويتحدث إلى وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفاز( كان التلفاز في بداياته في تلك الأيام) ويقدم المحاضرات في الجامعات الأمريكية حول السياسة البريطانية في الشرق الأوسط.
وتقوم دول أخرى بمثل هذا الأمر فمن المعروف عن دولة إسرائيل أنها تبعث عدداً من أساتذة الجامعات سنوياً إلى وزارات الخارجية في الدول الأوروبية وأمريكا للقاء المسؤولين في أقسام الشرق الأوسط. وقد عقدت إسرائيل اتفاقية مع مؤسسة راند- من كبريات مؤسسات البحث العلمي المؤثرة- تقضي بإرسال باحثين من إسرائيل لقضاء بعض الوقت في هذه المؤسسة لإجراء البحوث والاحتكاك بالباحثين والمسؤولين في هذه المؤسسة. ولا بد أن لإسرائيل اتفاقيات مماثلة مع عدد آخر من مؤسسات البحث العلمي أو– مراكز التفكير (Think Tanks)
كما لاحظت أن الحكومة الأمريكية –على سبيل المثال- تدعم زيارات يقوم بها بعض أعضاء هيئة التدريس أو رؤساء أقسام في الجامعات الأمريكية لبعض البلاد العربية والإسلامية وتقدم لهم الفرص للقاء المثقفين والمسؤولين ، ومن هؤلاء على سبيل المثال رئيس قسم الأديان في جامعة ديوك الذي قدم محاضرة وشارك في ندوة صحفية في جريدة المدينة لمحاولة تجميل صورة أقسام تدريس الأديان في الجامعات الأمريكية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية