معرض تجاري ثقافي كبير في الحج

بسم الله الرحمن الرحيم

غادر حجاج بيت الله الحرام ـ ضيوف الرحمن ـ الاراضي المقدسة الى بلادهم يحملون كثيرا من الذكريات الطيبة. وسيذكرون ما شاهدوا من أعمال عمرانية باهرة في توسعة الحرمين الشريفين والساحات المحيطة بهما. سيذكرون ايضا حرص المملكة بعامة وسكان الحرمين الشريفين بخاصة على خدمة الحجاج ومساعدتهم في اداء مناسكهم على الوجه الصحيح بيسر وسهولة. سيذكرون العلماء ودروسهم وندواتهم وحلقاتهم. سيذكرون ما شاهدوا من مشروعات عملاقة في المشاعر المقدسة لمواجهة احتياجات الحجيج جميعها.
كل هذا جميل لان الله عز وجل اكرم هذه البلاد باحتضان الحرمين الشريفين فكان لابد ان تنهض بالأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، وهي بحمد الله سبحانه وتعالى أهل لهذه المسؤوليات والأعباء.
ولما كان الحج مؤتمر المسلمين السنوي الذي يمثل الصورة المثلى للاتحاد والتلاحم والتراحم فثمة مجالات واسعة للمنافع التي يمكن تحقيقها. لقد عمل الاستعمار الاوروبي اكثر من مائة سنة على احداث الفرقة بين مشرق الامة ومغربها ولكن الحج يجمعهم على صعيد واحد لمدة تتراوح بين اسبوعين الى شهرين والحاج في هذه المدة لا يمكن ان ينشغل فقط بالصلاة والعبادة وحدها بل يكون لديه الوقت الكافي ليتجول في الاسواق يشتري الهدايا لأسرته وأهله، كما يتجول في الاسواق لشراء حاجاته الآنية من مأكولات ومشروبات وسوى ذلك.
هذا الوقت يمكن ان تقدم له خلالها الكثير , كما يمكن ان يقدم الحاج الكثير فمن ذلك مثلا ان تهيأ بعض الاماكن المتسعة لتكون معرضا تجاريا بحيث يتم التنسيق بين وزارة التجارة والصناعة في المملكة مع نظيراتها في الدول الاسلامية بحيث تبعث كل دولة بنماذج من صناعاتها كما تكون فرصة أيضا للتعريف بالصناعات الكثيرة في المملكة . ويمكن لهذا المعرض ان يفتتح منذ منتصف شوال حتى يوم التروية (اليوم الثامن من ذي الحجة) ويفتح كذلك مدة اسبوعين بعد الانتهاء من أعمال الحج.
ومن المنافع التي يمكن أن تكون موضع اهتمام التبادل الثقافي كون العالم الاسلامي يضم مئات الجامعات، وكل جامعة منها لديها من النشاطات الثقافية والفكرية الشيء الكثير. ولا شك انها فرصة مناسبة جدا لإقامة معرض للكتاب ولا أقصد معرضا تجاريا فتلك مسألة أخرى وان كان هذا يمكن ان يحدث فيما بعد فالجامعات في المملكة لديها اقسام دراسات عليا وانجازات علمية متميزة. والحجاج ليسوا جميعا من العوام فان نسبة منهم من ذوي الثقافة العالية الذين يهمهم ان يطلعوا على النهضة العلمية في المملكة فتكون مناسبة ممتازة لنقدم لهم الانتاج العلمي للجامعات السعودية بعرض فهارس الرسائل الجامعية في الجامعات كلها وكذلك انتاج ادارات النشر في الجامعات السعودية. كما انه يمكن للجامعات الاسلامية ان تقدم عروضا لإنجازاتها العلمية.
وثمة جانب مهم وهو الاقسام العلمية في الجامعات الاسلامية التي لديها مشروعات علمية لاختراع الآلات أو الاجهزة فان الجامعات الاوروبية والأمريكية تتبادل الخبرات في هذا المجال عن طريق الندوات والمؤتمرات والدوريات ونحن المسلمين بحاجة ماسة لنتعاون في هذا المجال. فلو جعل قسم ضمن المعرض التجاري لعرض الآلات والأجهزة والاختراعات. فالعالم الاسلامي غني بالعقول والأدمغة القادرة على استخدام التقنية في جميع اغراض الحياة. ولا زلت اذكر مجموعة كبيرة من المراوح التي كانت مثبتة في جدران التوسعة السعودية الاولى من صنع باكستان قبل اكثر من عشرين عاما وكنت انظر اليها وأتعجب لماذا لا تنتشر هذه المراوح في المحلات التجارية فليس في الاسواق سوى البضائع الاوروبية والأمريكية ومصنوعات جنوب شرق آسيا.
        ان افراد الحجاج سيحاولون بشتى الوسائل ان يفيدوا من الحج لبيع بعض الحاجيات الصغيرة لتأمين بعض نفقاتهم أو لشراء بضائع من المملكة فلماذا لا نحاول ان نحقق المنافع التي وعدنا بها ربنا سبحانه وتعالى وهي كثيرة والحمد لله. ان اجتماع المسلمين في الحج مما يغيظ اعداء الاسلام فإنهم لا يستطيعون ان يجمعوا عشر معشار عدد الحجاج المسلمين في أي مناسبة دينية عندهم فيغيظهم ان يجتمع المسلمون فماذا لو تحققت هذه المنافع التي ذكرت. اسأل الله ان يوفق المسلمين لتحقيق هذه المنافع وزيادة.


نشرت في صحيفة "المدينة المنورة" العدد 11401 في 9محرم 1414الموافق18 يونية 1994

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية