دور الدين والإعلام والشرق الأوسط في بيروت



لقد أصبحت عضواً دائماً في نادي الجامعة اللبنانية الأمريكية وبخاصة معهد بيروت لفنون الاتصال فلا أتأخر عن الحضور وأجدني منسجماً في كتابة البحث وتقديمه حتى إن بعض المشاركين يحضرون مثلي في كل عام، وكان مؤتمر هذا العام في الفترة من2-5 أكتوبر 2005م،28 شعبان - 2 رمضان 1426هـ ونظراً لما للموضوع من حساسية في حديثه عن عدد من الشخصيات الإسلامية ومواقعها في الإنترنت وموقع إسلام أون لاين المشهور (قبل أن يُحارب ويلغى تقريباً) وكذلك ظاهرة المذيعات المحجبات وغيرها من القضايا مما جعل موظفتين من وزارة الخارجية الأمريكية تطلبان الحضور كما حضر اثنان يعملان مترجمين في السفارة الأمريكية في عمّان. وإليكم وقائع الجلسة الأولى:
تحدث مدير المعهد الدكتور رامز معلوف في بداية الجلسة مرحباً بالمشاركين في المؤتمر الذين جاؤوا من عدة دول مؤكداً أهمية دراسة مكانة الدين في الإعلام، وهل الإعلام يقدم صــورة جيدة للدين وغـير ذلك مـن الأسئلة، ثم أشار إلى دراسة حديثة نشـــرت فـي مجلة الدين والمجتمع Journal of Religion and Society حـول دور الدين في استقرار المجتمعات، وإن جــاءت الدراسة سلبية مشيرة إلى أنه كلما زاد التدين زادت المشكلات الاجتماعية. كما أشارت الدراسات واستطلاعات الرأي إلى تراجع التدين في صالح العلمنة في المجتمعات الديمقراطية في الدول المتقدمة(1). وكان المتحدثون في الجلسة الافتتاحية التي أدارها غسّان بن جدّو المذيع بقناة الجزيرة ومدير مكتبها في بيروت (تحول إلى قناة الميادين الشيعية الرافضية) هم: المطران جريجوري حدّاد، وعبد الله قصير رئيس مجلس إدارة قناة المنار، والدكتور مجدي قانصو من الجامعة اللبنانية الأمريكية. ولم يمثل الإسلام السنيّ أحد وعندما أخبرت جمعية الاتحاد الإسلامي عن المؤتمر أخبروني بعدم علمهم به، فتعجبت أن أحضر من الرياض وهم لا يدرون ما يدور قريباً منهم. ولكن حدث تطور كبير في هذه الزيارة أي بعد ست سنوات أنهم يفكرون بجد في تهيئة شباب لحضور المؤتمرات والمشاركة بفعالية ووعدتهم بتقديم أفكار لدورات لمثل هذا الإعداد.
تحدث المطران عن مكانة الدين وأشار إلى أنه ليس رجل دين وإنما هو رجل إيمان، فالدين هو ممارسة الإيمان في الحياة العادية وفي الحياة الشخصية وفي الحياة الاجتماعية. وهناك اتفاق بين النصرانية والإسلام؛ فالإسلام يقول في القرآن الكريم: {وَإلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46]، وقال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]. والإسلام إسلامات كما المسيحية أطياف مختلفة، ويرى المطران أن الدين مطلق بينما الإعلام نسبي إذ يتحدث عن المتطور والمتغير، وصعب أن يتلاقى النسبي مع المطلق. وقد ذكر عدداً من عيوب الإعلام، منها أنه يسمح لأشخاص بالحديث عن أديان غيرهم، والأصل أن يترك الأمر لكل صاحب دين أن يتحدث عن دينه. وأضاف المطران أن على الذين يتحدثون عن الدين أن يتأهلوا لذلك، وقال: إن الرئيس بوش ليس مسيحياً؛ لأنه يخلط المسيحية بالصهيونية. وتحدث الدكتور مجدي قانصو عن ضرورة الدين للمجتمع، ولكن الحضور الديني في نظره في الإعلام يتخذ صيغة خلفها أجندة سياسية أو برامج سياسية لتبرير الواقع القائم، فهم يدافعون عن هذا الواقع أو الأجندة السياسية أو الحزبية أو التنظيمات السياسية. كما يُقدّم الدين في الإعلام بوصفه منظومة متكاملة مليئة بالإجابات ولكن حلقة السؤال مفقودة أو ملغاة، ومن هنا جاءت الحركة التبشيرية التي تقدم الدين للآخر ولا تحاوره. والدين أيضاً عنصر مهم في الهوية، ولـمّا كانت الهوية الإسلامية تتعرض في الإعلام الغربي لضغوطات كثيرة فكان لا بد من وجود ممانعة، ولكن هذه الممانعة أدت إلى تكوين حصانة تعزل نفسها عن الآخر. وكان المتحدث الثالث عبد الله قصير رئيس مجلس إدارة قناة المنار الذي بدأ بالحديث عن فهمه للدين بأنه جاء لإسعاد الإنسان في هذه الدنيا وفي الآخرة، وأكد أن الإعلام عموماً يقدم صورة مشوهة للدين، وقد طغى على الإعلام في العصر الحاضر التسلية والترفيه. وأضاف أنه ثمة تجارب دينية أساءت للدين مثل تجربة طالبان في أفغانستان، وتجربة الرئيس الأمريكي بوش الذي جعل الدين ملهماً له في شن ما يسمى بالحروب «الاستباقية» وارتكب الكثير من الجرائم باسم الدين. وتحدث عن قناة المنار بأنها قناة عامة وليست قناة دينية، وإنما هي ذات توجه ديني. وأضاف أنه ليس هناك إعلام ديني ناجح وإنما هناك تجارب، قال: إن المنار ليست خاصة بــــ «حزب الله» وليس لديها عقدة مع الآخر، فرجل الدين المسيحي والآخر المختلف موجود (لم يذكر أنه السنّي)، وقال: قلّ أن تجد مثل هذا الانفتاح في قناة أخرى. وأكد قصير أن وسائل الإعلام ينبغي أن تكون وسائل معرفة تقدم الدين بشكل جذاب، ولكنها تركز في التسلية والترفيه، كما أنها تخاطب اللاوعي أكثر من مخاطبتها الوعي. وبعد ذلك كانت هناك مداخلات عدة، منها ما ذكره المطران جريجوري من أنه لا يوافق على تسمية «حزب الله»، وسأل الجمهور: هل منكم أحد من حزب الشيطان؟! كلّنا حزب الله. ودار حوار حول جدوى الحوار بين الأديان وهل يكون من خلال وسائل الإعلام أو في اجتماعات مغلقة بين أتباع الديانات المختلفة، فأجاب المطران بأنه يفضل أن يكون الحوار مغلقاً؛ لأن وسائل الإعلام لا تسمح بالحديث بحرية، فهناك قيود عدّة في أثناء الحوار، وأضاف أن الدين يتكون من عقائد وشرائع ومعاملات، أما الحوار العقائدي فلم يبدأ بعد وربما لن يبدأ مطلقاً ذلك أن المسلمين يؤمنون بإله واحد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4]، بينما النصارى يؤمنون بإله له ثلاثة أقانيم. ولذلك يدعو المطران إلى أن يكون الحوار اجتماعياً، وذكر أن العلمانية ليست ضد المسيحية أو الإسلام. أما الدكتور مجدي قانصو فدعا إلى أن يقوم الإعلام بتوليد خطاب وصورة مستقلة للدين، وألاَّ يكون تكريساً للإسلام الرسمي، ولا بد من توليد خطاب مستقل عن الأحداث بعيد عن المزاج الشعبي الذي يخاف من ضياع الهوية، وأن يتواصل الخطاب مع الآخرين دون إدانة أو إلغاء. وتساءل مدير الحوار غسّان بن جدو عن حقيقة الانفتاح على الآخر في القنوات الفضائية ووجَّه نقده لقناة المنار بأن النسبة التي يظهر فيها الإسلام السنّي أو المسيحية إنما هي نسبة محدودة المقصود بها رفع العتب أو ذر للرماد في العيون كما يقولون. وقدمت بحثاً بعنوان: «محاربة الإسلام تحت مظلة محاربة الإرهاب»، وقد تناولت الورقة الربط بين محاربة الإرهاب في الحملة التي يقودها الرئيس الأمريكي جورج بوش ومحاربة الإسلام، وأن الذين يزعمون محاربة «الإرهاب» يمكن تصنيفهم إلى أربعة أصناف: أ-صنف صادق في محاربته للإرهاب الذي يستهدف المدنيين وليس دفاعاً عن أرض أو عرض أو شرف أو عقيدة.
ب-كتَّاب عرب ومسلمين ركبوا الموجة واستغلوها لتحقيق مكاسب شخصية.
 ج-صنف كان متطرفاً إلى درجة العنف والتكفير ثم سجن وخرج ليشارك في الحملة على ما يسمى «الإرهاب» فيطعن الدين من خلال هذه المعركة.
د-الإعلام الغربي عموماً. وتناولت الورقة الأسباب التي أدت إلى محاربة الإسلام تحت مظلة محاربة الإرهاب فأعادت جذورها إلى عهد الاحتلال الأجنبي وقيام الحركات الإسلامية بمحاربة الاحتلال فوصمها الإعلام الغربي بالحركات الأصولية المتطرفة، ولمّا سقطت الشيوعية وبدأ الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، البحث عن عدو جديد اختارت الإسلام، وكان لذلك عدة مراحل: أولها ما كتبه صموئيل هنتنجتون من نظرية صدام الحضارات، ثم ما كتبه فوكوياما عن نهاية التاريخ، ثم انطلاق برنارد لويس ودانيال بايبس وجوديث ميللر لتضخيم العدو الإسلامي. أما محاربة الإسلام تحت مظلة محاربة التطرف والإرهاب فقد أخذت الأشكال الآتية: 1-حرب النعوت والألقاب كما سمّاها سعيد بن سلمان، فأطلق هــــؤلاء على كل من دعا إلى الإسلام أو ما يسمى الحركة الإسلامية «الإسلاموية» أو «التقليديين»، ووصفوا بالجمود والآحادية وغير ذلك من أوصاف.
 2-الرفع من شأن الحضارة الغربية وأنها الحضارة الوحيدة التي أفادت العالم.
 3-الطعن في التاريخ الإسلامي وأنه تاريخ دموي وأن الفتوحات الإسلامية كانت حركات استعمارية.
4- الطعن في شرائع الإسلام وعقائده. وما أن عدت من بيروت حتى أخبرت طلابي في مرحلة الدكتوراه عن الموضوع فأعجبت الفكرة أحد طلابي حين ذاك وزميلي الآن الدكتور فهد السنيدي مقدم برنامج ساعة حوار فقال هل يمكن أن تكون ضيفاً للحديث عن الموضوع. وفي المحطة (قناة المجد) قال دكتور: اسمح لي أنا هنا مقدم وأنت ضيف وليس طالب وأستاذ، فقد لا أكون لطيفاً دائماً، قلت له افعل ما بدا لك فسأجيبك بما أعرف. وما أن خرجت من الأستوديو حتى اتصل بي الشيخ عبد القادر شيبة الحمد يثني على الموضوع ويقول لقد قلت ما لم يقله المشايخ، وطلب مني زيارته وأهداني معظم مؤلفاته


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية