السياحة المؤتمراتية: بيروت وبيروت


وصلت مطار الرياض باكراً كعادتي في السفر تحسباً لأي طارئ وأردت أن أحصل على بعض الدولارات لأنها عملة رسمية مع الليرة اللبنانية فوقفت أمام شباك صرف العملة وكان الموظف يتحدث بالجوال وبين كل عملية وعملية يتحدث بالجوال ولفت انتباهي حفظه لأسعار العملات فإن  قلت خمسة مائة دولار أعطاك الرقم دون العودة إلى الآلة وكذلك 800 دولار وألف دولار. وأنجزت ما أردت وما أن سرت قليلاً في المطار حتى وجدت قطعة صغيرة من الأرض لا تكفي للعدد الصغير من الأكشاك أو الدكاكين مسورة بالأخشاب وعليها لوحات تزعم أنه سيكون خلف تلك الأسوار سوق تجاري، ولما قرأت اللوحات قلت إن لفظة حر وحرية غير معتادة في عالمنا  العربي الذي ألف الاستبداد والطغيان ولكن اللوحة تقول (السوق الحرّة السعودية) وعادة تكون الأسواق الحرة دولية ولكن لماذا هي سعودية فقط هنا لا أدري. وما معنى حرة، فكل شيء في المطارات باهض الثمن لأن استئجار المحلات يكون بالمزايدة فمن يدفع أكثر يحصل على المكان حتى يبيعك قارورة الماء بثمانية ريالات ليستطيع أن يسدد الأجرة ويكسب كسباً فاحشاً فلا رقيب ولا حسيب. ففي مطار القاهرة فنجان القهوة بعشرين ريالاً فكم أسرة يُطعِمُ هذا المبلغ؟
وكان موعد الرحلة عصراً فقد كان الحضور إلى المطار في وقت القيلولة، فجلست في أحد الكراسي وأخذتني سِنة من النوم حتى فتحت عيناي فوجدت الركاب قد بدؤوا الصعود إلى الطائرة وهو في الحقيقة ليس صعوداً ولكن السير في الأنابيب التي غطيت جدرانها بدعاية لأحد البنوك نصف الأجنبية. فتعجبت من الرأسمالية القذرة التي تزعج الناس في كل  مكان فلا تقع عيونهم إلاّ على قبيح وكذب الإعلانات. ومع الإعلانات فلم تكن هذه الأنابيب مكيفة، حتى إني قلت للمضيف لماذا لا تكيف الأنابيب هل هذه طائرة تحمل الأغنام أو البشر؟ فقال ليست مسؤوليتنا فرددت عليه منذ أن أشتري التذكرة وأسدد قيمتها فأنا مسؤوليتكم. ولكن كما كانت أمي رحمها الله تقول (لا حياة لمن تنادي) وجلست في مقعدي ونظرت من النافذة فوجدت أن نوافذ الطائرة الخارجية والداخلية قذرة جداً وتذكرت أن أحد المسؤولين في الخطوط قبل أكثر من عشرين سنة كان يتفقد الطائرات فإن وجدها قذرة نبه المسؤولين إلى تقصيرهم وربما عاقبهم.
لماذا هذه الرحلة إلى بيروت؟والجواب أنني جئت لحضور مؤتمر في جامعة سيدة اللويزة، أو جامعة نوتردام وتساءلت عن سيدة اللويزة فلم أجد جواباً فمن هي هذه السيدة، فهل المقصود بها مريم العذراء عليها السلام؟ قد يكون ولكن لماذا نوتردام؟ معروف ارتباط النصارى بالثقافة الغربية عموماً على الرغم من عروبتهم ووجود كتّاب باللغة العربية يعدون من الطراز الأول. ونوتردام مشهورة برواية أحدب نوتردام التي ألفها الروائي الفرنسي فيكتور هيغو  وتقع أحداثها في كاتدرائية نوتردام. كما أن في أمريكا جامعة باسم نوتردام وهي جامعة كاثوليكية في ولاية إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية. ووجدت جامعة أخرى بالاسم نفسه في أستراليا وهي كاثوليكية أيضاً تأسست عام 1989م بالإضافة إلى عدد من الكليات بهذا الاسم.
هذه الجامعة تتبع الكنيسة الكاثوليكية ورؤساؤها بين مطران وأب أو مسمى آخر أباتي فيما أذكر وفيها عدد من الكليات العلمية والأدبية وتهتم بحوار الأديان ففيها مؤسسة أديان التي تعنى بالحوار بين الأديان والتبادل الثقافي المعرفي (سيأتي الحديث عنها فيما بعد إن شاء الله) ومسألة الحوار بين الأديان والثقافات ما أدري هل هي تقليعة جديدة أو موضة بعد صيحة صموئيل هتنفتون بأن ثمة صدام بين الحضارات مع أن الذي قال بذلك كما يقول ريتشارد بوليت رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا أن تلك الصيحة أصدرها منصّر حاقد على الإسلام في العشرينيات من القرن الماضي فتلقفها برنارد لويس وأخذها منه صموئيل.
المهم انتشرت دعوات حوار الأديان أو الحوار بين أهل الأديان وحوار الثقافات في كل مكان فكان من أعمال مؤسسة أديان إيجاد برامج وفعاليات (وما أدراك ما الفعاليات كما يقول النفيسي) للتقريب بين الأمم والشعوب ونسينا أن الحق سبحانه وتعالى قد أنزل قرآنا يتلى قبل ألف وأربعمائة سنة ويزيد (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) وتعارف البشر ولم يكن ثمة حاجة لكل تلك التقليعات والصرعات.
والدعوة إلى الحوار قائمة ومستمرة حتى افتُعِلَت حادثةُ احتلال العراق للكويت فجاءت أمريكا بقضها وقضيضها وجلبت علينا بخيلها ورجلها لتخرج العراق من الكويت (ليس حباً في سواد عيون الكويتيين ولا نصرة للمظلومين ، فكم ظلم وقع في العالم وسكتت أمريكا سكوت الأموات)  وكما قال جيمس إكنز James Akins  السفير الأمريكي السابق في السعودية (الآن وقد أمسكنا بالأرض هل نتخلى عنها. ولم تمض سنوات على هذا الأمر حتى كانت مسرحية الحادي عشر من سبتمبر التي لم تعلن حقيقتها حتى الآن فبدأت قنابل أمريكا والناتو تقصف المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وعربدت إسرائيل تحت سمع الدنيا وبصرها في غزة والضفة الغربية ولبنان ولم تقل أمريكا كلمة مفيدة منصفة. والآن وبأسلحتهم وبأيدي بعض حكامنا الأشاوس كما في سوريا واليمن وليبيا وكما فعل حسني وبن علي وغيرهم ممن لا تذكرهم الأخبار.  
وفي الوقت الذي يتحدثون عن الحوار والتبادل الثقافي والمعرفي وحوار الأديان وحوار أتباع الأديان تغزونا الجامعات الغربية وتنتشر في بلادنا وبخاصة في دول منطقة الخليج العربي والجزيرة انتشار النار في الهشيم حتى إني أسميتها الدكاكين الجامعات أو جامعات الدكاكين، وهذه الجامعات الأجنبية تصر على أن تكون اللغة الأجنبية هي لغة الدراسة والخطاب والحديث داخل الجامعة فيُمسخُ التلاميذ مسخاً ويخرجون مشوهين كالجنين المشوه ولكنهم يحتلون المناصب والوظائف الكبرى لأنهم درسوا بلغة الأسياد.
وفي جامعة نوتردام اللبنانية بسيدة اللويزة أوجدوا مؤسسة اسمها مؤسسة أديان تأسست عام 2008 والشريك الرئيس مؤسسة آنا لند Anna Lindh السويدية. يرأس أديان الأب فادي ضو وهي متخصصة في دراسات الأديان والتضامن الروحي وأعضاؤها المؤسسون نصارى ومسلمون (هل يمكن أن يترأسها مسلم؟)  والعاملون فيها في أغلبهم من المتطوعين (أعتقد الأغلبية سيكونون نصارى، أربعون متطوعاً)وهناك أصدقاء ومستشارون. وتعرف المؤسسة نفسها بأنها نشطة في التعليم وبناء الجسور ومنع النزاعات والحوار ما بين الأديان والحوار الفكري. وتسعى إلى نشر التفاهم المتبادل بين الشعوب من أتباع الديانات المختلفة وتشجع على بناء وتقوية التضامن (ليس في محيط الجامعة أو المنطقة كلها مسجد واحد ولا بد من وجود المئات أو الآلاف من المسلمين) حتى إني سألت نادل مطعم الفندق هل يوجد مسلمون في المنطقة فلم يرد علي وربما قال نعم ثم هرب.
وبالمناسبة بيروت هي أول مدينة أزورها عندما ابتعثت للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت الرحلة من جدة إلى بيروت ثم جنيف فلندن فنيويورك، وكان الفرق بين رحلة بيروت والرحلة إلى جنيف ولندن عدة أيام قضيتها في بيروت في ساحة البرج في فندق متواضع ربما كان السرير فيه من الحديد وإن كان الفراش نظيفاً ولكن المبنى قديم ولا أعتقد أنه يمكن أن يكون له أي نجمة وهذا قبل سنوات من عملي بالخطوط السعودية التي علمتني الفنادق ذات النجوم الخمسة وغيرها أو التصنيفات المعروفة. وكان الفندق في ساحة البرج عام 1986 قبل سنوات من اشتعال الحرب الأهلية وكانت ساحة جميلة لم أر مثلها في المملكة سوى ساحة المسجد النبوي الشريف قبل بدء التوسعات الأخيرة التي تسببت في تدمير كثير من التراث العمراني الجميل للمدينة القديمة وبعض الهدم ربما كان له مبرر والبعض الآخر ليس له تبرير سوى الجهل بقيمة الآثار الحقيقية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية