رحمك الله يا نبيل حفظي

بسم الله الرحمن الرحيم

كان رحمه الله تعالى شابًا يمتلئ حيوية ونشاطًا، يعمل في التوجيه التربوي في جدّة بهمة وإخلاص، كما كان مثقفًا ثقافة عالية فعلى الرغم من تخصصه في مجال العلوم إلا أن قراءاته كانت واسعة جدًا. فقد علمت منه أنه قرأ كتاب برنارد لويس " الشرق الأوسط والغرب " ترجمة نبيل صبحي منذ أكثر من خمسة عشر عامًا. وفي إحدى زياراتي له وجدت لديه الملف الصحفي الذي تصدره تهامة مما يدل على حرص شديد على الاطلاع على قضايا الأمة في الصحافة العربية مما يعد مثالًا للشباب الواعي.
وفجأة يغادر نبيل عبد الرؤوف حفظي دنيانا الفانية ضحيّة لحادث سيارة مروع تسبب فيه تهور السائق أدت به سرعته المتهورة إلى اختراق الحاجز بين الاتجاهين في الخط السريع ليكون نبيل أول ضحاياه.
إننا مع إيماننا بأن موت نبيل رحمه الله إنما هو قضاء وقدر فقد حانت ساعته فلا نملك أن نقول سوى (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ولكن هل نستمر في قبول تحديات السائقين المتهورين لنفقد شبابنا الواحد تلو الآخر دون أن نفعل شيئًا؟ لقد كتب الدكتور فهد العرابي الحارثي في زاويته المتألقة حول حوادث الطرق وقدم إحصائيات توضح مدى خطورة حوادث السير. فنحن نناقش أحيانًا أن هذه الحوادث تقتل ولكنها في الوقت نفسه تؤدي إلى عاهات مستديمة، وخَسَارات مادية كبيرة. وقد أعد أحد الأقسام العلميّة في جامعة الملك سعود دراسات علمية حول حوادث الطرق وكم تتسبب فيه من القتل، وحاولت الدراسة تحديد أسباب هذه الحوادث والعلاج المناسب لهذه الحوادث.
ولا تكاد تخلو جريدة يومية من أخبار عن حوادث الطرق فمتى نضع حلًا لذلك؟ بالأمس القريب كنت في طريقي من جدة إلى المدينة المنورة وقد قمت بتثبيت سرعة السيارة على 120 كم / ساعة وسرت في المسار الأيمن وخلال ثلاث ساعات ونصف لم أتجاوز سوى شاحنتين أو ثلاث وكنت طيلة هذا الوقت أشاهد السيارات وهي تتجاوزني مما يؤكد أن أيًا منها لم يكن يلتزم السرعة التي حددها المرور. وكنت أتوقع أن أرى سيارات المرور المختبئة في طيات الطريق تخرج فجأة لتلحق بهذه السيارات فتحذره شفاهيا أو تكتب القسائم لمن يستحقها. إننا بحاجة ماسة لإجراءات حاسمة وسريعة ضد السائقين المتهورين. مهما كان هذا الإجراء قاسيًا فإنه سيكون أخف من أن نفقد أبناءنا على الطرقات في حوادث طرق مفزعة. وليعلم الأب الذي يشفع لابنه في أداء عقوبة السرعة أنه يكون أحد ضحاياها وحينها يندم ولات حين مندم.
ومما يشير إلى استشراء حوادث الطرق ما كتبه أحد الكتاب الصحافيين أن الموت أصبح يصيب الأبناء فلا يمر يوم إلّا وإعلان هنا أو هناك عن أب ينعى ابنه الشاب. لا شك أن الموت حق على الجميع دون تحديد العمر الذي يأتينا فيه، ولكن ألسنا مطالبين أن لا نلقي بأيدينا إلى التهلكة. فهذا الذي اخترق بسيارته الحاجز بين الاتجاهين لو كان يسير بسرعة معقولة لقتل نفسه وحده ولكنه باختراق الحاجز تسبب في قتل شاب مسلم فأحزن قلوبًا كثيرة كانت تحب نبيل حفظي وتتمنى أن ترى مزيدًا من عمله الدعوي الناجح، كما أحزن قلب والديه، ولا شيء يعادل حزن الوالدين على ولدهما، بل إنني سمعت كثيرًا من الآباء والأمهات من يتمنى أن يكون يومه قبل يوم أولاده.
رحم الله نبيل حفظي فقد زارني في مرض خطير أصابني قبل خمس عشرة سنة فكانت زيارته كالبلسم الشافي لوالدي حتى أن والدتي تفاءلت كثيرًا أن ترى من عوّادي من يشع النور من وجهه ــ ولا نزكي على الله أحدًا ــ وها أنا اليوم أكتب معبرًا عن حزني على فقد نبيل حفظي داعيًا له بالمغفرة ـ وأشارك غيري من الكتّاب لنعمل بحزم على وقف التهور في طرقنا فإن الله سيسألنا عن هذه الأرواح التي تضيع بسبب الحوادث. فنحن والحمد لله لا نشكو من قيادة السيارات في حالات غير طبيعية (السكر مثلًا) فلماذا نترك المتهورين يعيثون فسادًا في طرقاتنا.
رحم الله الاستاذ نبيل عبد الرؤوف حفظي وعزائي إلى والديه وإلى كل محبيه وهم كثر وأرجو أن تكون هذه الشهادة مما ينفع أخانا بإذن الله.

وقفة: إن قتل الرجال في حوادث السيارات يرمّل نساءً ويثكل أمهات وييتم أطفالًا، ويولد أحزانًا فهل نسهم جميعًا في وقف أو التخفيف من حوادث السيارات؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية