بل لابد من دراسة الغرب ونقده

من آفاق الكلمة

دعا الاخ الدكتور عبد الرحمن العربي الكتاب الى الإقلال من الكتابة عن الغرب وعيوبه والالتفات الى المجتمعات العربية والاسلامية ومحاولة اصلاح ما فيها من نقص ... وجاء هذا الرأي في مقالته التي عقب فيها على ما كتبه الاخ الدكتور سالم سحاب عن بعض عيوب الغرب. وكان هذا في مقالته يوم الثلاثاء 22 رجب 1414ه.
والدكتور عبد الرحمن العرابي من الاقلام الرصينة التي نجحت هذه الصحيفة في استقطابها للكتابة الاسبوعية ... وهو بحمد الله حريص على الهوية العربية الاسلامية والتمسك بها كما تدل كتاباته. ولكن رأيه بان تمسك الاقلام عن نقد الحضارة الغربية ومجتمعاتها حتى يصلح حالنا ...فامر فيه نظر.
استشهد الدكتور عبد الرحمن بمقولة ابن خلدون والمغلوب مولع دائما بتقليد الغالب في هيئته ولغته... كأنها حقيقة لا مفر منها وهكذا كان حال الامم الأخرى مع المسلمين حين كان المسلمون هم الامة الغالبة. ولكن تقليد الامم الغربية للإسلام والمسلمين لم يمنعهم من العودة الى جذورهم والتمسك بهويتهم حتى انهم اعادوا كتابة تاريخ حضارتهم ليربطوا أنفسهم باليونان والرومان ويغفلوا كليا – الا قليل منهم-الحضارة الاسلامية.
لا شك ان دعوة الدكتور العرابي للبحث في عيوبنا ومحاولة اصلاحها امر محمود وضروري جدا. ولابد من بذل الجهود الكبيرة في هذا المجال عن طريق الدراسات العلمية (الاكاديمية) المتعمقة والصريحة جدا... ولابد من تذليل العقبات التي تقف في وجه هذه الدراسات ... لأننا إن استطعنا القيام بهذه الدراسات بالصراحة المطلوبة نكون قد خطونا خطوة خطيرة في سبيل التغلب على هذه العيوب والمشكلات. وأنّ هذا الامر يحتاج إلى وقت طويل فمواجهة الذات ونقدها بصراحة مرحلة متقدمة جداً من الحضارة والرقي.
ومن عيوبنا المعاصرة التي تكاد أن تصبح مزمنة وحادة ... التأثر بالغرب وتقليده. لقد مضى على العرب والمسلمين زمن أصبحت فيه طبقة من شباب هذه الامة تقرا كتابات كارل ماركس وانجلز وماو ولينين أكثر مما تقرأ القرآن الكريم والسنة المطهرة. وقد وصلت طائفة من اتباع هذه المذاهب الى الحكم فقادت بلاداً اسلامية الى الشيوعية والاشتراكية وحرم على الناس ان يتمسكوا بإسلامهم فهل لو عرفت الشعوب حقيقة هذه المذاهب هل كانت ستخضع لها. لقد خدعت الشعوب بالوعود ومعسول الكلام. وسقطت الشيوعية فظل أذنابها من العرب والمسلمين متمسكين بها وكأنها لم تسقط.
وظهر من أبناء المسلمين من ربّاهم الاحتلال الغربي على عينه وأطلق عليهم (النخبة) ويضاف اليها في هذه الايام (المتنورة) اعتنقوا علمانية الغرب وانفصلوا انفصالا كليا او شبه كلي عن جذورهم: العروبة والاسلام ... وتسيّد هؤلاء بعض منابر الحكم والثقافة والتعليم وجروا الامة العربية الاسلامية الى السير في ركاب الحضارة الغربية حتى قال (رائد) من روادهم: علينا ان نتبع الحضارة الغربية ونأخذ منها الحسن والسيء على السواء ولا سبيل الى رقينا وتحضرنا إلّا بتقليدهم (الاعمى)!
في مثل هذه الاجواء يجب الاستمرار في دراسة الغرب والاطلاع على عوراته وعيوبه وتبصير الامة بها. ويجب ان لا نكتفي بالكتابة الصحافية ولكن يجب أن يكون هذا جزءاً من مناهج التعليم في المراحل الثانوية والجامعية... ومع ذلك فلا بأس أن تدرس ايجابيات الحضارة الغربية فان للسلف اقوالا في وصف اعدائهم لم يمنعهم الاسلام من ذكر محاسنهم وهذا ما جاء في قوله تعالى: (ولا يجرمنّكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
اننا حينما اغفلنا مساوئ أعدائنا اخترع هو لنا مساوئ وضخمها واجتذب من ابنائنا من لا يرى في الغرب الا الحسنات والايجابيات ولا يرى في الشرق الا المعايب والنقائص. فها هي فضائح ماوتسي تونج وبريجنيف تظهر الان لتوضح ان خديعتنا (بعضنا) كانت مضاعفة ومزدوجة خدع هؤلاء بالمذاهب والفكر وخدعوا في الاشخاص ويمكن ان يقال عن الغرب الرأسمالي ما يقال عن ماو وبريجنيف ولا يبخل الاعلام الغربي عن تزويدنا بين الحين والاخر بمفاسد الوزراء والمسؤولين في الغرب.
والخلاصة اننا بحاجة الى دارسة الغرب كيف نهض نهضته الصناعية المدنية كيف بنى مؤسساته ثم كيف بدأ الانهيار حتى نأخذ بأسباب الانطلاق ونتجنب أسباب الانهيار وشكرا للدكتور العرابي على إثارته هذا الموضوع الذي لا يكفيه مقال واحد ولعل غيري من الكاتب يدلي بدلوه في هذه القضية والله الموفق.
المقال 118 المدينة المنورة عدد11256في 13 شعبان 1414هـ،24 يناير 1994م     .                                           


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية