من قضايا البحث العلمي: ما يضير جامعاتنا إن جاد للعلم أثرياؤنا؟


الحديث عن النفس ثقيل يجب ان يحاول الكاتب الابتعاد عنه؛ ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ ولكني – في هذه القضية-قد لا أستطيع أن أتجنبه.
وبينما أنا أبحث في مراحل الاستشراق الانجليزي – قرأت أن الحكومة البريطانية كلفت لجنة لإعداد تقرير عن الدراسات الشرقية، والسلافية، والأوروبية الشرقية، والافريقية، برئاسة الأيرل (لقب انجليزي تشريفي) سكاربورو (SCARBROUGH) سنة 1947 م أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بسنتين. وفي هذه الأثناء كانت الدول الإسلامية تطالب بالاستقلال عن بريطانيا التي رأت أنه لا مفر من إعطاء الاستقلال لهذه الدول بعد تخطيط ودراسة.
أردت الحصول على هذا التقرير؛ فكتبت إلى المكتبة البريطانية (قسم التزويد بالوثائق) فعلمت أن حجم هذا التقرير يبلغ ثلاثا وتسعين ومئة صفحة، وقيمة تصويره وإرساله خمسمئة ريال. فهل أرهق ميزانيتي من أجل هذا التقرير الذي سأفيد منه مرة واحدة، وستقتصر الإفادة منه عليّ وعلى عدد قليل ممن يمكن ان يطلبه مني؟
هذا مثال واحد لما يواجهه باحث في جامعاتنا من ضيق ذات اليد، والعجز عن الحصول على مادته العلمية؛ وجامعاتنا لا تشك تنفق الكثير لتوفير المراجع والدوريات ، ولكن ما يحتاجه الباحثون يفوق قدراتها –أحيانا- فما العمل؟
إن في بلادنا –والحمد لله-نفراً من الأثرياء الذين أنعم الله عليهم بالإضافة إلى المال الكرم والأريحية والجود؛ بل إن بعضهم يبحث عن وسيلة ينفق فيها المال؛ فلا يجد من يدله على ذلك. وتاريخ الأمة الإسلامية في مجال الوقف على العلم والعلماء زاخر بالأمثلة العظيمة؛ التي جعلت المسلمين هم سادة الدنيا، وأصحاب أعظم حضارة عرفها التاريخ؛ حين عرفوا قيمة العلم.
وأرى أن جامعاتنا يجب أن لا ترى حرجاً أو ضيراً في تقبل الهبات أو التبرعات؛ فإن حكومة المملكة تتبرع تبرعات سخية للمراكز الإسلامية في الخارج، كما أن أثرياء المملكة يفعلون الامر نفسه؛ فأرجو أن تكون هذه دعوة إلى أصحاب النفوس الكريمة؛ ليجودوا للبحث العلمي في صوره المختلفة؛ سواء كان ذلك كتبا، أم دوريات، أم التكفل بنفقات الندوات العلمية، التي تجمع العلماء؛ ليتدارسوا العلم، ويقدموا البحوث؛ التي تدفع بالأمة إلى الأمام.(تبرّع ناشر كبير لمؤسسة علمية بكمية من الكتب، فلم يكلّف العميد نفسه مؤونة الاتصال لتقديم الشكر أو إرسال خطاب يشكر المتبرع، فتذكرت تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من العودة إلى البداوة بعد التحضر، ولكن أناس لم يتحضروا حتى وإن أخذوا لقب دكتور وعميد)
وليست البحوث العلمية مقصورة على الطب والكيمياء والفيزياء؛ فثمة حاجة ماسة إلى القضايا الفكرية؛ التي تشغل بال الأمة. ونحن وإن كنا الأمة التي يجب أن تكون لها الصدارة بين الأمم؛ وهي القدوة فلا بأس أن نفيد مما عند الآخرين؛ فإن الشركات الكبرى في الغرب تمول المؤتمرات والندوات لبحث القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في دول العالم النامي، ومن ذلك أن عُقد في لندن وحدها أكثر من ثلاث ندوات في عام واحد لبحث الصحوة الإسلامية (الأصولية) في المغرب العربي، وكانت بعنوانات مختلفة ومشاركين مختلفين في كل مرة.
فكم ندوة عقدت في بلدان المغرب العربي حول هذا الأمر، وفي المشرق العربي، فهل حضرنا هذه الندوات، وعرفنا ماقالوا عنا؟
أرجو أن يوفق الله أغنياءنا لعمل الخير إنه على كل شيء قدير.
وللحديث صلة..
الاثنين 22شوال 1411ه 6مايو 1991م – المدينة المنورة- العدد 8756

(11) ألوان من التراث ع 3 سنة 15. ص1

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية