إقامة الدين .. غير إقامة الحدود !!!للدكتور موفق مصطفى السباعي



إن الهدف الأسمى ... والرئيسي للدين الذي أنزله الله تعالى على رسله جميعاً – وهو دين واحد ... وليس أدياناً متعددة كما يظن الجاهلون -من لدن نوح ... مروراً بموسى ... وعيسى بن مريم ..وأخيراً محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً !!!
 هو:
إيجاد صلة روحية ... فكرية ... عقلية ... معنوية ...نفسية بين الله تعالى .. وبين العباد ... للتخاطب معه ... والشكوى إليه مباشرة ... وبدون أي وسطاء .. ولا مشعوذين .. ولا كهان !!!
إيجاد رابطة قوية .. متينة بين الله تعالى .. وبين العباد .. تشعرهم بأن لهم رباً .. هو الوحيد في الكون الذي يدير شؤونهم .. ويرعاهم .. ويحركهم .. ويرزقهم .. ويميتهم .. ويحييهم !!!
إيجاد شعور لدى العباد ... بأن لهم رباً واحداً ... لا شريك له ... هو الذي خلقهم من عدم ... وهو الذي يتنعم عليهم بنعم لا تعد ولا تحصى، فهو إذن الوحيد الذي يستحق الطاعة ... والعبادة .. دون سواه !!!
إكرام العباد بتحريرهم من العبودية لأمثالهم من العباد ... والأصنام ... والكهان ... والجبت والطاغوت ... ونقلهم إلى العبودية لرب العباد الواحد ... الأحد ... الذي لم يلد ... ولم يولد ... ولم يكن له كفواً أحد !!!
إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا۟ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ    الأعراف آية 194
ترسيخ مفهوم الحرية الحقيقي لدى العباد !!!
الذي هو :
التحرر الكامل .. من الخنوع .. والخضوع .. والإستسلام لغير الله .. رب العالمين !!!
والتحرر الكامل من الأهواء .. والشهوات .. والتحاكم إلى الطاغوت !!!
والتحرر الكامل من الخوف .. والرهبة من العبيد الطغاة .. الظلمة .. المستبدين .. الفجرة !!!
وليس التحرر من الدين .. ومن العبودية لمالك يوم الدين .. ومن القيم والأخلاق الربانية .. كما يفهمها الصعاليك .. والتافهون .. والعبيد المهابيل .. الجاهلون !!!
زرع قوة الإيمان .. والإعتقاد الجازم .. الراسخ في قلوب العباد .. بأن الله هو مالك كل شئ .. والقادر على كل شئ .. ولا توجد قوة أخرى في الكون .. تستطيع أن تعاكس .. أو تعارض قدره .. وقضاءه !!!
مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍۢ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ فاطر آية 2.
وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ سُوٓءًۭا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ     الرعد آية 11.
وفي الحديث الشريف في صحيح البخاري:
إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ.
وعليه جاء الأمر الرباني:
شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًۭا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَ‌ ٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُوا۟ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا۟ فِيهِ ۚ   الشورى آية 13.
وبناءً على هذه المقدمة القصيرة لمفهوم إقامة الدين !!!
وبناء على أن الشعب السوري .. عاش خمسين سنة عجاف .. تحت حكم الأسد الذي كان يحارب الدين بكل الوسائل .. ويمنع انتشاره .. إلا من الخزعبلات .. والخرافات المنسوبة إلى الدين !!!
وبناء على أن معظم الشعب السوري – ومع كل أسف .. ولوعة .. وحسرة – يمتاز على كل الشعوب العربية .. بكثرة الفحش في القول .. والتطاول على شتم الرب .. والجرأة على سب الدين .. والإستهزاء .. والسخرية من الدين والمتدينين !!!
وبناء على الظروف القاسية .. الرهيبة التي يمر بها السوريون .. والنكبات .. والإبتلاءات المتوالية عليهم .. وانعدام الأمن .. والأمان في كل سورية .. وبالخصوص المناطق المحررة !!!
وبناء على أن الحدود الشرعية .. تتضمن حقوق ربانية .. وحقوق بشرية .. وأن إقامتها تأتي في المرحلة التالية لإقامة الدين !!!
فإنه:
 يجب على قادة المجموعات الجهادية في الشام .. والذين يحررون بعض المناطق من حكم الطاغية بشار .. ويعملون على إدارتها حسب الشريعة الإسلامية .. أن يركزوا كل جهدهم على تعزيز .. وتوطيد المفهوم الديني في نفوس الناس .. وتحبيبهم به .. وترغيبهم بالإستسلام .. والخضوع لأحكامه !!!
والتوقف الآن مؤقتاً عن تطبيق الحدود الخاصة بحق الله .. لأنه غفور رحيم .. وعليم بأحوال العباد .. ولأن الشبهات كثيرة .. وثمة شواهد كثيرة في التاريخ الإسلامي .. حصل فيها تعطيل الحدود في مثل هذه الظروف السائدة في الشام !!!
وأكبر شاهد على هذا قول عمر:
لأَن أُخْطِئَ في الحُدودِ بالشُّبُهاتِ أحَبُّ إليَّ مِن أَن أقيمَهابالشُّبُهاتِ !!!
وقد نفذ هذا الأمر بتوقيف حد السرقة في عام الرمادة .. بسبب الجوع الذي أصاب الناس !!!
والقاعدة الفقهية المعروفة (ادرؤوا الحدود بالشبهات) .
ولهذا ليس من الحكمة التركيز على إقامة الحدود قبل إقامة الدين في نفوس الناس .. وقبل تأمين الأمن .. والإستقرار في البلد .. وتأمين مصالح الناس .. وحاجياتهم الضرورية .. وتغيير طباعهم .. وسلوكهم الذي اعتادوا عليه دهراً من الزمن !!!
إضافة إلى أن إقامة الحدود قبل إقامة الدين .. يجعل الناس يتمردون .. ويكفرون بالدين .. ويعاندون ولاة الأمور !!!
الأربعاء 23 ربيع الأول 1436
14 كانون الثاني 2015



 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية