صراع الحضارات والمؤتمرات الدولية ندوة في منزل الأستاذ خالد الفواز


نص المحاضرة:
الجزء الأول بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله تعالى، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أولا: اشكر الدعوة الكريمة للحديث إليكم هذه الليلة حول صراع الحضارات والمؤتمرات الدولية، تساءلت ما العلاقة بين الصراع الحضاري والمؤتمرات الدولية ولعلنا نتحدث عن هذا الصراع، والعالم كله في هذه الأيام يموج بالدعوات إلى التحالف والتفاهم والتعايش المشترك والتعدد الثقافي وسواها من المصطلحات المعسولة، فهل صراع الحضارات بدأ مع هنتنجتون أم قبله؟ هنتنجتون نشر بحثه في مجلة شئون خارجية عام 1993 وكانت السفارة الأمريكية توزع نسخا من هذا المقال ونشرت الأخبار عن المقال قبل أن يصدر والعالم ضج بها فهل هناك فعلا صدام حضارات وهل هنتنجتون أول من قال بصدام الحضارات، أم صراع الحضارات مصطلح وفكرة موجودة قبل ذلك؟ احد الباحثين الأمريكيين وهو د/ ريتشارد بوليت مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا وهو يكاد يكون مسلما فيما قرأت له واطلعت عليه وعايشته، كتب كتابا عن الجذور الإسلامية النصرانية للحضارة الغربية وأشار إلى أن مصطلح صدام الحضارات قال به منصّر في بداية القرن العشرين والكتاب ترجم إلى اللغة العربية " الجذور الإسلامية النصرانية للحضارة الغربية " ولكن هل صراع الحضارات أو صدام الحضارات الذي قال به هنتنجتون أو المنصّر الأمريكي ؟ ثم أعاد برنارد لويس المستشرق الأمريكي في محاضرات ألقاها في جامعة أوكلاهوما عام 1963 ونشرت ضمن كتاب " الشرق الأوسط والغرب " وذكر مسالة صراع الحضارات ، وربما أقدم من كتابه عام 63 في كتابه " العرب في التاريخ " تحدث عن أن هناك صدام بين الحضارة الإسلامية والنصرانية ، لكن الصراع موجود في تاريخ البشرية من أيام الحروب اليونانية والحروب التوسعية الرومانية والحروب بين الفرس والروم فهو صراع حتى أن الله تعالى ذكر ذلك قال تعالى "ألم غلبت الروم في أدنى الأرض ...... إلى آخر الآيات ، ثم هل عاد هذا الصراع في الفتوحات الإسلامية ؟ وليست الفتوحات الإسلامية كالحروب الرومانية، فان عائشة رضي الله عنها قالت لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارتدت العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية والمجوسية وأصبح المسلمون كالغنم في الليلة المطيرة وإنما أصاب المسلمين لو أصاب الجبال الرواسي لهاضها" بمعنى أن من حول الجزيرة العربية كانوا على استعداد للانقضاض على دولة الإسلام والمسلمين لولا أن الله عز وجل قيض أبا بكر الصديق رضي الله عنه ذلك الخليفة الشامخ فبعث بالجيوش ليوقف زحفهم على الأمة الإسلامية. ثم هل عاد الصراع من جديد مع الحروب الصليبية ومع حملات الاستعمار؟ وهل العولمة امتداد للصراع الحضاري؟ كما قلت بعد مقالة هنتنجتون تداعى الناس في كل مكان إلى الحديث عن حوار الحضارات بدلا من صدام الحضارات وكأن هناك من ندم على ما كتبه هنتنجتون وان كان ما كتبه هو جزء من السياسة الأمريكية التي رأت أن الحرب الباردة قد انتهت ولا بد من عدو للأمريكيين حتى أن البروفيسور الأمريكي الحاج تعليم علي أرسل لي نشرة من معهد هارتفود اللاهوتي عام 1991 – 1410 ه فيها مقالة بعنوان: "هل الإسلام هو الشبح المخيف الجديد؟" وكتبت مقالتي في جريدة المسلمون "لماذا يخوفون الغرب بالإسلام؟" وتعجبت لماذا يتحدث هذا القسيس عن الحملات التي جعلت الإسلام الشبح للغرب وأشار إلى كاتب يهودي يكتب في مجلة نيوزويك اسمه كرس كروتهامر وهو يهودي من أصل ألماني حتى أن الألمان لما وقفوا في وجه اليهود أجبروهم على أن يسموا أنفسهم بأسماء معينه فكروت هامر تعنى يد المطرقة فهذا اليهودي كان من أشرس الناس في الحديث عن الإسلام العدو الجديد.
لكن قويت دعوة حوار الحضارات وانتشرت في كل مكان ول ازلت اذكر ندوة عقدت في جامعة هارفارد وشارك فيها باحث إيراني اسمه تاهدي وغيره وتحدث عن انه لابد من الحديث عن حوار الحضارات وليست صدام الحضارات والعالم، ونحن معهم ركبنا موجة ما يسمى حوار الحضارات وتحالف الحضارات، ثم دعوة الملك عبد الله إلى حوار الأديان، ولكن بهذه الدعوات قضينا على الصراع أم أن الصراع ما زال مستمرا؟ ما زالت أموالنا وثرواتنا تتدفق إليهم ألقينا بأولادنا وبناتنا وفلذات أكبادنا إليهم فتحنا فضائياتنا لكل ما يأتي من عندهم. الحوار والتحالف يكون بين أطراف متساوية أو متعادلة أو كما يقولون شارع ذو اتجاهين، ولكن هل حوار الحضارات الذي ينادى به وينتشر في كل مكان هل هو حوار حقيقي؟ أنا كنت احضر المؤتمر الثاني لتحالف الحضارات الذي عقد في اسطنبول العام الماضي فحضرت بعض الجلسات، ولكن ما أهمني في هذا المؤتمر أنني اطلعت على كل المطبوعات التي كانت توزع في ردهات المؤتمر وفى الممرات فوجدت أن معظم الجهات التي توزع منشوراتها ودعواتها هي جهات غربية وليس للمسلمين إلا وجود محدود جدا ، حتى جامعة الإمام التي فيها مركز لحوار الحضارات لم يكن لها وجود، وجهات أخرى عربية تهتم بحوار الحضارات لم يكن لها وجود أيضا ، ولفت انتباهي تقارير من المؤسسة الأمريكية للتعليم تتحدث عن عدد الطلاب العرب أو الطلاب الأجانب بصفة عامة الذين يدرسون في الجامعات الأمريكية وعدد الطلاب الأمريكيين الذين يدرسون في الخارج فأكدت أن أعداد الطلاب الذين يأتون إلى أمريكا من الطلاب العرب والمسلمين عدد ضخم جدا وهؤلاء يبقون في أمريكا على الأقل من 4 إلى 5 سنوات إن لم يكن أكثر بينما عادة الأمريكيين الذين يأتون إلينا يأتون فترة محدودة من 6 أشهر إلى سنة أو يأتون فترات أكثر من ذلك لبحث قضية معينة ثم يعودون فمعنى ذلك أن الكفة لصالحهم، إننا نرسل أبناءنا عندهم ليمكثوا مدة طويلة ، ومع ذلك هل سينجح حوار الحضارات هذا أم أن القضية ابعد من ذلك؟ هل نحن قادرون على أن يكون لنا ثقل حقيقي في حوار الحضارات وفى التحاور معهم؟ أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال تتمثل في الحديث عن المؤتمرات الدولية لأنها مجال من مجالات حوار الحضارات ، حتى الإنسان لو دخل إلى شبكة الانترنت وبحث عن حوار الحضارات يجد أن 70 أو 80 أو حتى 90 % من الهيئات المهتمة بحوار الحضارات هي هيئات وجهات غربية ، وأعود بالذاكرة إلى أن الحوار بين الشمال والجنوب الحوار بين أوريا والعالم العربي ليس جديدا ، فإذاعة لندن في السبعينيات كان لها برنامج بعنوان حوار بين أوربا والعالم العربي بالتعاون مع تشاتم هاوس وهى مؤسسة بحثية عن العلاقات الدولية في بريطانيا خاصة تعاونت معها الإذاعة البريطانية وعقدت عدة ندوات للحوار بين العالم العربي وأروبا وكنت ابحث عن الجانب الاستشراقي في الإذاعة البريطانية فأرسلت إليهم اطلب هذه المحاضرات أو ماذا القي في هذه الندوات، فلم يردوا عليّ في البداية أو كان ردهم بارداً ثم أرسلوا لي صفحة من مجلة هنا لندن، قلت ليس هذا ما أريد، ماذا قيل ورديت عليهم بقسوة قلت لهم إن هذه الندوات أو الحوارات التي تعقدونها هي من طرف واحد حتى العرب الذين يحضرون لا يقدمون ولا يؤخرون ولا يمثلوننا تمثيلاً حقيقياً.
وهناك من كتب أيضا عن الحوارات التي تسمى الحوارات المتوسطية أو الحوارات بين الشمال والجنوب يقول هؤلاء الغربيون هم الذين ينفقون على هذه المؤتمرات وهم الذين يضعون أجندتها أو برامجها وهم الذين يحددون الأشخاص الذين يحضرون من العالم العربي إذن أي حوار هذا أو أي تحالف حضارات؟ صحيح أن تركيا دخلت بقوة ولكن هل يكفي تركيا؟ والمملكة ستدخل في تحالف الحضارات في المؤتمر الذي سيعقد في البرازيل ولكن سيكون لنا تمثيل رسمي، هل حقيقة سنؤثر في فكر الآخرين بعظمة الإسلام وبالحديث عن قضايانا العادلة في هذه الحوارات أم لا؟ أشك في ذلك لأنني أرى أننا لم نستعد بعد للحوار مع الآخرين الاستعداد الكافي.
     ولحوار الحضارات الجانب الآخر فيه بالإضافة إلى التمويل الذي يطغى عليه هو الجانب السياسي كما قيل وأنتم تعرفون دعوة الملك عبد الله إلى حوار الأديان ففي المؤتمر الذي عقد في نيويورك استضافني التلفزيون البريطاني مع قسيس لبناني من الكنيسة المارونية وعبد العزيز الخميس وكان رأيي أن الملك اخذ معه 50 شخصية في نيويورك وكان 90% منهم أمراء ووزراء ولم يكن منهم علماء فأي حوار أديان يقوم به هؤلاء، أما مؤتمر مدريد حتى من ذهب من العلماء ما مدى استعدادنا لحوار الأديان أو حوار الحضارات؟
        الشق الثاني من الحديث هو المؤتمرات أنا من قديم نشرت بحثا في مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الكويت بعنوان: "المؤتمرات العالمية حول الإسلام والمسلمين" والحقيقة أن أول من لفت انتباهي للحديث عن المؤتمرات الدكتور / محمد محمد حسين رحمه الله في كتابه "الإسلام والحضارة الغربية " وفى كتابه " في وكر الهدامين حصوننا مهددة من داخلها" وأشار إلى مؤتمرات خطيرة في مجال التربية أحيانا عدة أشهر وان كانت عادة المؤتمرات تكون قصيرة لكن يعطوهم حتى دورات فيأخذون كبار المسئولين في مجال التربية لبث أفكار معينة حتى إذا رجعوا إلى بلادهم نشروا هذه الأفكار ونفذوها ، ويذكر د / محمد محمد حسين أهداف المؤتمرات الغربية اذكر منها:
1-إيجاد روابط وعادات مثل الصداقة والتعاون.
2-استمرار الجهود المبذولة وتطويلها وجعلها آلة من آلات الدعاية الاستعمارية لصياغة المصالح الأمريكية والغربية
3-أن المؤتمرات وسيلة من وسائل الاتصال القريب والمباشر بالمسئولين يعدمون عودهم ويدرسونهم عن قرب ويختبرون مناعتهم ومدى استعدادهم للتجاوب مع الأحداث الخفية للسياسة الاستعمارية، كما يختبرون مواطن القوة والضعف في كل واحد منهم لمعرفة انجح الوسائل للاتصال بهم والتأثير عليهم
4-خدمة الأغراض الجاسوسية الأمريكية التي ترسم الخطط السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه المنطقة
وهذا ما أكده الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه خواطر مجنحة أو أفكار مجنحة على ما اذكر فيقول عن هذه المؤتمرات: "فان فيهم الأجانب الذين يحضرون هذه المؤتمرات من لا صلة له بهذا الميدان ولا بالإنتاج التاريخي وإنما جاء ليطلع على ما يجرى في الساحة الشرقية من أراء وأفكار ويرصد ما في أذهان المتحدثين العرب والمسلمين من تيارات ونوايا ومخططات ويتعرف على ما في كل بلد من هذا العالم العربي الإسلامي الممزق من أشخاص يمكن التعامل معهم والاعتماد عليهم وقت الحاجة. هذا كلام د / أبو القاسم، ويتحدثون عن الذين يشاركون في المؤتمرات وان كان أنا نقلت عن آخرين صنفوا هؤلاء الناس ولكنى حضرت مؤتمرات وكما تلاحظون في الأوراق حضرت مالا يقل عن 60 أو 70 مؤتمرا حول العالم وبمغامرات لا أول لها ولا آخر فيذكرون أن المشاركين قساوسة سياسيون.
ومن نماذج حضور السياسيين في المؤتمرات وان كانت لا علاقة لها بالسياسة، اذكر مثلا مؤتمر عقد في بيروت بعنوان " الدين والإعلام " في معهد بيروت للفنون في الجامعة اللبنانية الأمريكية عام 2005 حضره امرأتان من وزارة الخارجية الأمريكية، وحضر اثنان من السفارة الأمريكية في بيروت حتى نبهني رئيس المؤتمر واسمه رامز معلوف قال انظر يوجد معنا أناس من الحكومة الأمريكية فلماذا يحضرون؟

     ثم حضرت مؤتمرا في هامبورج عن وضعية دراسات الشرق الأوسط فإذا بامرأة من وزارة الخارجية الأمريكية قلت لها: هل جئت لتتجسسي علينا؟ قالت: لا جئت لأتعلم أو لأعرف ماذا يدور. ومع ذلك يحضرون ويحضر أيضا المؤتمرات مستشرقون متخصصون في بلادنا ويحضر أيضا في الغالب المسلمون كما يصفهم أحدهم هنا أمريكيو الثقافة الذين لهم قدرة على توجيه الفكر في بلادهم إما أستاذ جامعي أو رئيس تحرير أو وزير، ومن الغالب على حضور هذه المؤتمرات وكما وصفهم جمال سلطان في مقالة نشرت في مجلة الحج قبل أعوام عندما حضر المؤتمر العالمي الأول حول دراسات الشرق الأوسط وهي منظمه أنشأها الأمير الحسن بن طلال مع طارق إسماعيل (عراقي الأصل كندي الجنسية) مع الأستاذ الألماني جنتر ماير ومجموعة أخرى حتى أنى سالت أين تقع هذه المنظمة؟ الرابطة العالمية لدراسات الشرق الأوسط عقدت المؤتمر الأول في ألمانيا عام 2002 والمؤتمر الثاني عقد في عمَان عام 2006 والمؤتمر الثالث سيعقد(عُقدَ) في برشلونة في صيف هذا العام 2010، ولا تجد مقر لهذه المنظمة وكيفية الحصول على عضوية ولذلك ما أهداف هذه المنظمة؟ لا تعرف ، هم عدة أشخاص حتى أنى حضرت احد مؤتمراتهم في فيكتوريا في كندا وقلت ارفعوا السرية عن المنظمات العالمية ومنها هذه المنظمة، الذين يحضرون كما قال جمال سلطان الخارجون فكريا وعقديا أمثال نصر حامد أبو زيد ومحمد سعيد عشماوي ونوال السعداوي وبسام الطيبي وعزيز العظمة ، وفى هذا السياق اذكر الرابطة العربية الأمريكية لأساتذة الاتصال وأخر مؤتمر عقد في القاهرة والمؤتمر القادم سيعقد في الكويت ولغة المؤتمر هي اللغة الانجليزية صحيح تشترك جامعة عربية مع جامعة أمريكية في رعاية المؤتمر لكن القرار في أيد الأمريكيين حتى أنى أسميت هذه المنظمة الربطة الأمريكية الأمريكية لأساتذة الاتصال. ومع ذلك فهم يتحينون الفرصة لمن يحضر معهم وان يبدون وجهة نظرهم ولكن الغالب هم أمريكيون ومن تلامذة الأمريكيين ويحضر هذه المؤتمرات عدد قليل من المتخصصين الحقيقيين وهؤلاء لا تنطبق عليهم المواصفات إنهم جواسيس أو سياسيون أو قساوسة كما قال أحدهم هؤلاء مثل البائع الغشاش الذي يغطى البضاعة الفاسدة وهم قلة نادرة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية