الغرب مصدر الخوف ثقافياً

المحور الثالث

ولئن كان خطر الغرب واضحاً في المجالات السياسية والاقتصادية فإنه أهم وأخطر في الجوانب الفكرية والثقافية فقد كتب الأستاذ بكر بصفر  حينما كان الرئيس الأمريكي جورج بوش يبشر بالنظام العالمي الجديد قائلاً: "لا أدري أين يجد الحالمون بالنظام العالمي الجديد له أثراً وهم يشاهدون تفاقم هيمنة الغرب على العالم بأقماره الصناعية وبوكالات أنبائه وإذاعاته وبقية وسائل إعلامه التي يذيب بواسطتها ثقافات الشعوب ويهيئها للاندماج في المركزية الثقافية الغربية"، ويقدم الأستاذ بصفر إحصائية لهذه السيطرة فيذكر أن أربع وكالات أنباء غربية تسيطر على 80% من جميع الأخبار التي تبثها وسائل الإعلام في العالم،  ويسيطر الغرب على المواد الإعلامية الترفيهية والثقافية كما الأفلام والمسلسلات، فشركة (CBS)التلفزيونية الأمريكية توزع برامجها في 100 دولة بينما تعرض البرامج والأفلام التي تنتجها شركة ABC في 60% من تلفزيونات العالم". وقد اتحدت شركة سي إن إن CNNمع شركة التايمز لتصبح بحق إمبراطورية إخبارية. أما في المجال الإذاعي فتتحكم الدول الغربية في 90% من الموجات الإذاعية.([1])
كتبت مجلة الشرق الأوسط عن الإنتاج السينمائي المشترك الذي تقوم فيه مؤسسات غربية وبخاصة الفرنسية بدفع مبالغ لإنتاج أفلام بين بلدين وقد ظهرت مجموعة من الأفلام في مصر وتونس والجزائر والمغرب ولبنان بتمويل فرنسي. وجاء في المقال وهو غني عن التعليق- ما يأتي: "ووجه [الإنتاج المشترك] بهجوم شديد وصل في بعض الأحيان إلى اتهام المخرج بالعمالة والخيانة على المستوى الثقافي والخضوع للأفكار المغرضة التي يفرضها الطرف الفرنسي (القوي) على الطرف العربي الضعيف والمضطر لقبول شروط الممول.."
وقد ذكر المقال مثال فيلم (وداعاً بونابرت ) الذي كان النقد الموجه إليه أنه "تحريف للتاريخ الحقيقي لحملة نابليون والمقاومة التي قابلتها من جانب المصريين لحساب إبراز الدور "الحضاري" الفرنسي المزعوم"([2])
ومن المخاطر الثقافية قيام الغرب بدعم بعض المراكز الثقافية والمعاهد الأجنبية ومن ذلك مركز ابن خلدون الإنمائي الذي كتب عنه الدكتور محمد عبد العليم مرسي قائلاً: "وهناك صنف من الباحثين العرب يضعون أنفسهم في خدمة هذه المراكز ويؤدون لها دور حصان طروادة، عن جهل وسذاجة حيناً، وعن قصد وسوء نية بل عمالة مكشوفة أحياناً أخرى.."([3])
المعاهد والجامعات الأجنبية والمراكز الثقافية
سعى الغرب منذ عهد الاستعمار أن ينشر ثقافته ومبادئه وعقائده، ومن هذه الوسائل تأسيس المدارس والمعاهد الثانوية والجامعات، وكذلك إنشاء المراكز الثقافية التي تقوم أيضاً بتقديم دورات في تعليم لغة البلد الذي تتبعه. ومن أقدم الجامعات في البلاد العربية الجامعة الأمريكية، ولكن ظهر في السنوات الأخيرة تنافس بين الدول الأوروبية فقام الألمان بتأسيس جامعة في مصر، ويسعى الفرنسيون إلى تأسيس جامعة كذلك. وقد كتب فؤاد مطر عن إنشاء الجامعة الفرنسية بأنها بدعم وتأييد من الرئيس الفرنسي الحالي جاك شيراك وإن ظهر أنها مشروع تجاري يقوم به بعض الشخصيات التي وصلت إلى مراكز القيادة والتأثير في المجتمع المصري بهدف توفير فرصة الدراسة للطلاب الذين تخرجوا في المدارس الفرنسية ولا يستطيع بعضهم السفر إلى فرنسا أو الدول التي تدرّس بالفرنسية. ولكن الدعم الفرنسي لهذه الجامعة واضح من خلال تكفل فرنسا بتعيين عدد من الأساتذة ودفع مرتباتهم. والجامعة الأجنبية ليست مجرد مقررات وكتب ولكنها نقل ثقافة بلد إلى آخر فما بالك إذا كانت الثقافة ذات المكانة الأعلى والمتفوق. إن الخطورة كبيرة أن يتكون جيل مستلب فاقد لهويته وانتمائه لأمته وعقيدته.
أما المراكز الثقافية وما تروجه من ثقافة البلد الذي تنتمي إليه فهي أيضاً وسيلة من وسائل نشر الثقافة والفكر الغربيين، وقد علّق الكاتب المغربي عبد الكريم برشيد على هذا الموضوع حيث قال: "إن طرح هذه القضية بات ضرورياً خصوصاً في هذا الظرف التاريخي المتأزم، لأن كل ما نعيشه ونشاهده اليوم ليس هو كل الحقيقة، فهناك مخططات يراد تطبيقها ، وواقع يراد فرضه وتأصيله وتجذيره، وهناك ثقافات وطنية وقومية يراد طمسها وقمعها وربطها إلى حدودها الفلكلورية وهناك لغات يراد لها أن تظل في دائرة اللغات الميتة المراكز الثقافية الأجنبية المبثوثة في هذه الأيام في أرجاء الوطن العربي تؤدي دوراً ظاهره الرحمة وباطنه العذاب"([4])
هجرة العقول أو الأدمغة
ألا نخاف من الغرب الذي يستولي على أفضل العقول والأدمغة العربية المسلمة؟ إن الأوضاع السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية في الوطن العربي كانت مجتمعة أو متفرقة وراء وجود مناخ خانق لا يساعد على نمو الإبداع في الوطن العربي،
وأشارت الدراسة إلى أن العقل العربي ينشأ في الوطن العربي ثم يهاجر إلى أوروبا لاستكمال النمو الإبداع ثم يدخل العقل في مرحلة الإنتاج في ظروف لا يمكن توفرها في البلاد العربية.
إن الضياع الحقيقي للثروة هو غياب العقل عن الإبداع في موطنه وتلبسه هوية أخرى فنحن نقدم دعماً لا محدوداً لدول وتحالفات وننعم نحن بالشقاء الأبدي.([5])
مؤتمرات الأمم المتحدة ودعم الانحرافات الأخلاقية
لقد واجه الغرب موجة كبيرة من الانحلال الأخلاقي تمثلت في انتشار موجة الهيربيز والإيدز وغيرها من الأمراض الجنسية، كما أن مؤسسة الأسرة واجهت ما يشبه الانهيار حيث انتشر ما سمي "المساكنة" وتقلص عدد المواليد، كما انتشر لديهم الشذوذ الجنسي الذي يطلقون عليه تلطفاً(المثليّة)، وأصبح هؤلاء ينادون بحقوق تماثل حقوق الزواج الطبيعي وخضعت برلمانات العديد من الدول الأوروبية وبعض الولايات الأمريكية فجعلت الارتباط بين الشاذين قانونياً. ولعل الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة التي يسيطر عليها الغرب رأت أن العالم الإسلامي مازال يعيش خارج ما يسمى الثورة الجنسية فسعت من خلال مؤتمراتها المختلفة إلى تكريس نشر الرذيلة والفساد. وكان من أول هذه المؤتمرات مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية عام 1995م،  ثم جاء بعده مؤتمر اسطنبول وما نادى به
ومن المؤتمرات التي تسعى إلى إشاعة الفاحشة والفساد ما يسمى مؤتمر الشباب الذي عقد في مصر وشاركت فيه عدد من المنظمات الأهلية 6فبراير 1999م حضره 300 شاب يمثلون 120منظمة شبابية من أنحاء العالم وجاء في توصياته: إيقاف آفات التفرقة العنصرية ومرض الخوف من الشباب ، والمطالبة بتعميم التعليم الجنسي بصفة إجبارية وهذا يتضمن المتعة الجنسية والثقة والحرية للتعبير الجنسي والسلوك الجنسي غير النمطي (المقصود به الشذوذ الجنسي واعتباره سلوكاً طبيعياً مختلفاً عن السلوك "النمطي" الذي عرفته البشرية ويتعين على المجتمع القبول به.([6])
التعليم والجامعات الأجنبية والمراكز الثقافية:
سعى الغرب منذ عهد الاستعمار أن يحارب الإسلام من خلال النظام التعليمي، فمن المعروف أن هوية الأمة تظهر في مناهجها التعليمية ولذلك قام الحاكم العام البريطاني بتعيين القسيس دنلوب في منصب وزير المعارف وكان التعليم في عهد كرومر قد أنيط بالقسيس دنلوب الذي يقول عنه محمود شاكر: "فأسند التعليم إلى قسّيس مبشر عاتٍ خبيث هو "دنلوب" " ويضيف: "وجاء الاستشراق الإنجليزي ليحدث في ثقافة الأمة المصرية صدعا متفاقما أخبث و أعتى من الصدع الذي أحدثه الاستشراق الفرنسي". وهذا الصدع هو ربط ثقافة المصريين بالفرعونية.
كما سعى إلى هذه الأهداف من خلال تأسيس المدارس والمعاهد الثانوية والجامعات، وكذلك إنشاء المراكز الثقافية التي تقوم أيضاً بتقديم دورات في تعليم لغة البلد الذي تتبعه. ومن أقدم الجامعات في البلاد العربية الجامعة الأمريكية، ولكن ظهر في السنوات الأخيرة تنافس بين الدول الأوروبية فقام الألمان بتأسيس جامعة في مصر، ويسعى الفرنسيون إلى تأسيس جامعة كذلك. وقد كتب فؤاد مطر عن إنشاء الجامعة الفرنسية بأنها بدعم وتأييد من الرئيس الفرنسي الحالي جاك شيراك وإن ظهر أنها مشروع تجاري يقوم به بعض الشخصيات التي وصلت إلى مراكز القيادة والتأثير في المجتمع المصري بهدف توفير فرصة الدراسة للطلاب الذين تخرجوا في المدارس الفرنسية ولا يستطيع بعضهم السفر إلى فرنسا أو الدول التي تدرّس بالفرنسية. ولكن الدعم الفرنسي لهذه الجامعة واضح من خلال تكفل فرنسا بتعيين عدد من الأساتذة ودفع مرتباتهم. والجامعة الأجنبية ليست مجرد مقررات وكتب ولكنها نقل ثقافة بلد إلى آخر فما بالك إذا كانت الثقافة ذات المكانة الأعلى والمتفوق. إن الخطورة كبيرة أن يتكون جيل مستلب فاقد لهويته وانتمائه لأمته وعقيدته.
أما المراكز الثقافية وما تروجه من ثقافة البلد الذي تنتمي إليه فهي أيضاً وسيلة من وسائل نشر الثقافة والفكر الغربيين، وقد علّق الكاتب المغربي عبد الكريم برشيد على هذا الموضوع حيث قال: "إن طرح هذه القضية بات ضرورياً خصوصاً في هذا الظرف التاريخي المتأزم، لأن كل ما نعيشه ونشاهده اليوم ليس هو كل الحقيقة، فهناك مخططات يراد تطبيقها ، وواقع يراد فرضه وتأصيله وتجذيره، وهناك ثقافات وطنية وقومية يراد طمسها وقمعها وربطها إلى حدودها الفلكلورية وهناك لغات يراد لها أن تظل في دائرة اللغات الميتة المراكز الثقافية الأجنبية المبثوثة في هذه الأيام في أرجاء الوطن العربي تؤدي دوراً ظاهره الرحمة وباطنه العذاب"([7])
التنصير والجامعات الأجنبية وإفساد العقائد والأخلاق
قيام بعض المنظمات التنصيرية في الصومال بتأسيس شركات صغيرة تعمل ليل نهار لترجمة الأفلام الخليعة لعرضها في دور السينما المحلية، وهكذا نرى أن المنظمات التنصيرية قد كشفت بممارساتها اللاأخلاقية واللاإنسانية تلك عن الهدف الحقيقي لحملاتها المركز في بلاد المسلمين والمتمثل ليس بنقل المسلمين من دين إلى دين إنما الهدف قتل المسلمين عن طريق تسميمهم بالأدوية الفاسدة وإفسادهم أخلاقياً بواسطة ترويج أفلام الدعارة.([8])



الخاتمة
صحيح أن البحث قد انطلق من التساؤل من مصدر الخوف: الغرب أو الإسلام، وسعى إلى الإجابة عن هذا السؤال، ولكن حقائق التاريخ والواقع أكدت على أن الغرب هو مصدر الخوف ليس في الجوانب الثلاث التي كانت موضع البحث، ولكن هناك جوانب أخرى تستحق البحث والدراسة. أسباب الخوف من الغرب كثيرة جداً أكثر مما هي أن يخاف الغرب من الإسلام والمسلمين حتى إن البعض يخشى أن يؤدي الخوف الشديد من الغرب إلى ظهور ما أسماه "السخط المعقلن" الذي سيتحول إلى عمل حقيقي لمواجهة هذا الخوف فمن الصعب على أمة أن تعيش في الخوف إلى الأبد.([9])
 إن الغرب إن لم يفق لتلاشي الأسباب التي تؤدي إلى خوف العالم العربي الإسلامي منه وبقية العالم ويعتذر عمّا تعرض له العالم الإسلامي من مآسي على يد الغرب ومازال فإن هناك من سيحرك في العالم الإسلامي الصور الحقيقية إلى أن تاريخ العلاقة مع العالم الغربي  إنما هو "تاريخ من الغزو والقهر والظلم من جانب قوى توسعيه وهم يرددون الشعائر المعادية نفسها لكن بشكل معكوس مثل: المسيحية المقاتلة واليهودية المغتصبة وهي الأسباب الجذرية وراء فشل المجتمعات المسلمة في بناء مؤسساتها وعدم استقرارها كما تبينها الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في اسبانيا والاستعمار الأوربي بعد انهيار الامبراطوريه العثمانية وتأسيس دولة إسرائيل على ارض فلسطين واحتلال أراض في مصر والأردن وسوريا ولبنان وأخيرا احتلال أفغانستان والعراق وتهديد دول إسلاميه أخرى مثل إيران.([10])
وخوف العالم الإسلامي من الغرب ليس مصدره القوة العسكرية الهائلة التي يملكها الغرب، وتتفنن وسائل الإعلام العربية الرسمية وشبه الرسمية والتجارية في عرضها بأسلوب ينطلق من الحرب النفسية ضد الإسلام والمسلمين، ولكن من الوهن الذي تعيشه معظم الشعوب الإسلامية وكأنه قد انطبق عليها حديث المصطفى e (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة إلى قصعتها، قيل أو من قلة نحن يومئذ، قال لا: بل أنتم كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، وقد أصابكم الوهن، قيل وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا وكراهة الموت). فمن لنا بقائد يقودنا في غزوة  كغزوة تبوك لنتخلص من الوهن ومن الهيبة من الغرب المحتل لأراضينا والناهب لخيراتنا وأن يعيد للأمة الإسلامية ثقتها وأن نؤكد للعالم أن مدافع نابليون لا يمكن أن تهزم إرادة هذه الأمة إن صدقت التوكل على الحي الذي لا يموت.




1-المسلمون، 4شوال 1411هـ.
1- "من يدفع لمن في الإنتاج المشترك"، مجلة الشرق الأوسط (الأسبوعية) 27مايو 2يونيو1992م
1- المسلمون 9ذو الحجة 1414هـ)


1- الشرق الأوسط، 24شوال 1419هـ
1- عبد العزيز المهنّا، صحيفة الجزيرة العدد 9642 في 5 ذي القعدة 1419هـ (21فبراير 1999م)

1- فهمي هويدي "فضيحة جديدة في إعلان مشبوه للشباب" الشرق الأوسط العدد 7484في 29 شوال 1419هـ (15 فبراير 1999م).

1- الشرق الأوسط، 24شوال 1419هـ
2- عبد الرزاق الشايجي، الوطن (الكويت) العدد 8248 في 14 شوال 1419هـ/ 31 يناير 1999م


1- رسول محمد رسول. الغرب والإسلام: استدراج التعالي الغربي. (عمّان: دار أسامة للنشر، 2000م) ص 21.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية